tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

كيف تحقق السعادة؟

يظنّ كثير من الناس أن السعادة تتحقّق بامتلاك المال والقصور والحدائق والبساتين والسيارات، أو تتحقّق بالشهرة وذيوع الصيت، أو تتحقّق بالجاه والارتقاء في السلّم الاجتماعي، أو تتحقّق بالرحلات والسياحة في الأرض وأكل أطايب الطعام ولبس فاخر الثياب إلخ… صحيح أن جانباً من السرور والانبساط والسعادة يتحقّق عندما ينال الإنسان بعض الأشياء المذكورة سابقاً أو كلّها، لأن الجديد يولّد اللّذة كما قال الشاعر:

لكل جديد لذّةٌ غير أنني وجدت جديد الموت غير لَذيذِ


لكن هذه السعادة لا تدوم عند تحقّق الأشياء السابقة للإنسان، لأنه كلما أصاب شيئاً منها طلبت نفسه المزيد، فإذا امتلك قصراً طلبت نفسه قصرين، وإذا حقّق شهرة تطلّعت نفسه إلى شهرة أكثر، وإذا حقّق جاهاً معيّناً تاقت نفسه إلى ما هو أعلى إلخ…، وهكذا في كل المجالات السابقة، فعندما يصل المرء إلى أفق معين فيظنّ أنه سيطمئن قلبه، وتتحقّق سعادته لكنه يجد أن شيئاً من ذلك لم يتحقّق، بل مازالت نفسه تطلب المزيد، وهو في هذا الحال كمن يشرب ماءً مالحاً يظنّ أنه سيحقّق الارتواء كلما شرب شيئاً منه، لكن النتيجة أنه يزداد عطشاً، وقد عبّر الرسول صلى الله عليه وسلم عن حالة الإنسان تلك، فقال صلى الله عليه وسلم:

“لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر. ولن يملأ فاه إلا التراب. والله يتوب على من تاب” (رواه مسلم).

لذلك نجد أن كثيراً من الأشخاص انتحروا بعد أن امتلكوا الأموال الكثيرة والقصور الفارهة، وبلغوا المنـزلة العالية من الشهرة والجاه، وما ذلك إلا لأن نفوسهم لم تجد ما سعت إليه من السعادة بل حصلت على سراب.

وبالإضافة إلى عدم تحقّق السعادة نجد أن مثل هذا الإنسان الذي حصل على الأموال والقصور والسيارات والشهرة والجاه قد أصبح عبداً لهذه الشهوات، عندما يحصل عليها لا تتحقّق سعادته فحسب، بل يصبح همّه الحصول على المزيد ولا يشبع مهما حصل منها، وعندما يفقدها يحسّ بألم شديد لفقدها، وقد صوّر القرآن هذه الحالة في آيتين، فقال تعالى:

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان،43).

كما قال تعالى في آية أخرى:

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية،23).

ترسم الآيتان السابقتان صورة محزنة لنموذج إنساني، ومثال بشري انتهى به المطاف أن يؤلّه أهواءه وشهواته، ويصبح عبداً منقاداً لها، ليس هذا فحسب، فهو حينما يسقط في هذا المستنقع يسقط عن علم ويضل عن علم، فهو يعرف أن له معبوداً هو الله يجب أن يطيعه ويلتزم بأوامره، لكنه لا يفعل ذلك بل يطيع شهواته وأهواءه في ارتكاب الحرام واجتناب الحلال، وتكون نتيجة هذا التأليه للشهوات أن يختم الله على قلبه وسمعه وبصره، فبدلاً من أن تكون هذه الجوارح منافذ للهدى والسعادة تصبح منافذ للشقاوة والتعاسة.
وقد فصّل الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث له أنواع الأشخاص الذين تستعبدهم شهواتهم فقال:

“تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتُقِش، إذا أعطي رَضِيَ، وإذا مُنِع سخط” (رواه ابن ماجه).

لقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أن هناك عبداً للمال، وأن هناك عبداً للطعام، وأن هناك عبداً للباس، ودعا صلى الله عليه وسلم عليهم بالتعاسة والانتكاس وأن لا تنـزع من أجسادهم الشوكة التي تشوكهم، وبيّن السبب في عبوديّتهم أن رضاهم وسخطهم مرتبطان بتحقيق شهواتهم مع أن المسلم يجب أن يكون رضاه وسخطه مرتبطين برضى الله وسخطه، بمعنى أن يرضى ما رضيه الله، ويسخط لما سخط الله عليه، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله تعالى، وهذا هو الذي استكمل الإيمان، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

“من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان” (رواه أبو داود).

وقال صلى الله عليه وسلم:

“أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله” (رواه أحمد).

إن هذا النموذج الذي تحدّثت عنه الآيتان السابقتان والحديث السابق، والذي ألّه شهواته، وعبد أهواءه، وخضع لنـزواته، نموذج موجود في كل زمان ومكان، لذلك اتجهت البشرية إلى حل مشكلة ذلك النموذج، والتخلّص من استعباد الشهوات بأحد حلّين:
الأول: تعذيب الجسد لقتل هذه الشهوات بأساليب من مثل حمل الأثقال، وعدم الاغتسال، والعيش في غرفة مظلمة، والامتناع عن الزواج، والانقطاع عن العباد، والعيش في الكهوف إلخ….

وقد لجأت كثير من الأديان كالهندوسية والبوذية والمسيحية إلى هذا التعذيب لطاقات الجسد وحواسّه متوهّمة بأنها ستحقّق الخلاص الروحي لهذا الإنسان نتيجة هذا التعذيب، وقد رفض الإسلام كل هذه الأساليب والطرق فجاء في رواية عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:

“جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” (رواه البخاري).

وجاء في حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

“بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو اسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلّم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلّم وليستظلّ وليقعد وليتمّ صومه” (رواه البخاري).

وجاء في حديث آخر عن أنس رضي الله عنه أنه قال:

“دخل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبل. قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد” (متفق عليه).

إذن رفض الإسلام هذا الأسلوب في حل مشكلة استعباد الشهوات للإنسان عن طريق تعذيب الجسد، والسبب في رفض الإسلام لذلك الحل هو أن الله لم يخلق هذه الشهوات والحواس عبثاً، إنما خلقها لتكون دافعاً للإنسان من أجل إعمار الأرض.
الثاني: تعبيد الإنسان ذاته لله، فهذا وضع أشرف وأكرم لإنسانيته وآدميته، وبذلك ينتقل من عالم الضرورة وضغط الشهوات إلى عالم الحرية، فيصبح سيداً لنفسه بدلاً من أن تكون شهواته سيداً له تقوده وتستعبده وتذلّه، والسؤال الآن: لماذا يجب عليه أن يعبّد ذاته لله تعالى؟ يجب على الإنسان أن يعبّد ذاته لله تعالى لأنه مخلوق ضعيف متعجّل مفطور على التعلّق بالشهوات، قال تعالى: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) (النساء،28)، وقال تعالى: (خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) (الأنبياء،37)، وقال تعالى:

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران،14) إلخ…

لذلك فهو إما أن يخضع للشهوات أو يخضع لله، فليس من شك بأن الأسلم له والأصوب أن يخضع لله.

والسؤال هو: كيف يحقّق المسلم تعبيد ذاته لله تعالى؟

لا يعني تعبيد المسلم ذاته لله بأن يمتنع عن قضاء الشهوات والاستمتاع بها، بل أباح الله قضاء الشهوات والأهواء والاستمتاع بها ليس هذا فحسب، بل هو مأجور على قضائها ويتّضح ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والذي رواه أبو ذرّ رضي الله عنه حيث قال:

“وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” (رواه مسلم).

إذن يتحقّق تعبيد المسلم ذاته لله تعالى بأن يخضّع شهواته وأهواءه لأوامر الله ونواهيه، فالله جدير بأن يخضع له الإنسان وأن يلتزم بأوامره، ويبتعد عن نواهيه لأنه خالق هذه الشهوات، وهو المالك لكل أسباب إروائها وإشباعها من مال وطعام وشراب إلخ…، وهو المنعم المتفضّل بكل خير، والقادر على إبعاد كل شرّ، وهو الرحمن الرحيم الذي يمدّ كل مخلوق بأسباب وجوده واستمرار حياته إلخ…
والقلب في حقيقة الأمر فقير إلى الله، لذلك قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر،15).

فهو لا يصلح، ولا يلتذّ، ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبّه والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذّ به لم يطمئن ولم يسكن إلا إذا عبد ربه، لأنه فيه فقراً ذاتياً إلى ربه، لذلك قال تعالى:

(أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد،28).

ومن الواضح أن الآية عندما قدّمت الجار والمجرور (بذكر) فمعنى ذلك أنها قصرت اطمئنان القلوب على ذكر الله، وإن اطمئنان القلب لن يحدث بالحصول على المال أو الطعام أو الشهوة أو الجاه إلخ…، بل يحدث الاطمئنان بذكر الله من صلاة ودعاء واستغفار وتلاوة قرآن إلخ…، وإن لذة الركون إلى الله لا يمكن أن تعادلها لذة أو فرح أو سكون آخر، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه أن لهذا الذكر حلاوة، وأعطى علامات لهذه الحلاوة فقال صلى الله عليه وسلم:

“ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار” (رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم:

“ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيّاً” (رواه مسلم).

عندما يُعبّد الإنسان ذاته لله يكون قد انسجم مع كل معطيات الكون، فجميع المخلوقات العاقلة تعبد الله تعالى، وتسجد له، قال تعالى:

(وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) (الرعد،15).

وكذلك جميع المخلوقات غير العاقلة تسجد له، قال تعالى:

(وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل،49).

وجميع المخلوقات تسبّح بحمد الله، قال تعالى:

(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء،44).

وكذلك استسلمت السماء والأرض لله طائعتين لله، فقال تعالى:

(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصّلت،11).

والإنسان عندما يعبّد ذاته لله تعالى يكون قد انسجم مع الحقيقة التي خلق الله الجن والإنس لها وهي عبادة الله، قال تعالى:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات،56).

لذلك دعا الأنبياء الناس أول ما دعوهم إلى عبادة الله وحده لأن في ذلك سعادتهم، فالله ليس محتاجاً لعبادة أحد، لذلك قال الله:

(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل،36).

وكذلك دعا هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده فقال تعالى:

(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) (الأعراف،65).

وبيّن الله أن جميع الرسل الذين سبقوا محمداً دعوا إلى عبادة الله وحده، قال تعالى:

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء،25).

وكذلك دعا نوح عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده، قال تعالى:

(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الأعراف،59).

وكذلك انتهج صالح عليه السلام نهج أخويه السابقين نوح وهود عليهما السلام فدعا قومه إلى الحقائق السابقة وبالألفاظ نفسها، قال تعالى:

(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) (هود،61).

وكذلك دعا شعيب عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده فقال تعالى:

(وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف،85) إلخ…

وهكذا جاء جميع الأنبياء والرسل بالدعوة إلى هذا الأصل الكبير، ومن الطبيعي أن يأتي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم داعياً إلى هذه الحقيقة فقال تعالى:

(هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) (ابراهيم،52).

لاحظنا أن جميع الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله إلى البشرية دون استثناء، بدأوا دعوتهم بالدعوة إلى عبادة الله وحده، فلماذا كانت الدعوة بهذه الصورة؟

لقد جاءت الدعوة إلى عبادة الله وحده بداية جميع الدعوات لأنها الأصل الذي يحقّق السعادة للإنسان في الدنيا، والنجاة في الآخرة، ولا شيء غيرها يحقّق السعادة.
في النهاية نقول: ظنّ كثير أن السعادة تتحقّق بنيل الشهوات والاستمتاع بها، لكن تبيّن أن تحقيق الشهوات لا يحقّق السعادة، لأن الإنسان عندما يحقّق هذه الشهوات لا يكتفي بل تتطلّع نفسه إلى المزيد، ويكون حاله كمن يشرب ماءً مالحاً لا يتوصّل إلى الارتواء بل يزداد عطشاً، وتكون النتيجة استعباد هذه الشهوات للإنسان، وأمام هذه المعضلة لجأت بعض الأديان والمذاهب إلى تعذيب الجسد من أجل تحقيق الخلاص للإنسان، لكن الإسلام رفض هذا الحلّ، واعتبر أن السعادة تتحقّق بتعبيد الإنسان ذاته لله تعالى، لأنه عندما يفعل هذا يكون قد انسجم مع كل مخلوقات الكون من جهة، ويكون قد لبّى حاجة قلبه الذي فيه فقر ذاتي إلى ربّه من جهة ثانية، ويكون قد حقّق حرّيته الصحيحة من جهة ثالثة.

 

اترك رد