قراءة في مستجدّات الحوار القومي الإسلامي

انعقدت في مدينة الاسكندرية  ندوة للحوار القومي الإسلامي في 9-11 كانون الأول (ديسمبر) 2007، وتعتبر هذه الندوة هي الثانية بين التيارين القومي والإسلامي، وكانت الأولى قد انعقدت عام 1989 في القاهرة، وانبثق عنها المؤتمر القومي الإسلامي الذي شكّل منعطفاً في مسيرة التيارين القومي والإسلامي، إذ استطاع الفكر القومي أن يعطي دفعاً لمسيرته بعد الخسارة الكبرى التي مني بها في نكسة 1967، والتي انتصر فيها الجيش الصهيوني على الدول العربية الثلاثة: مصر وسورية والأردن، واستمرّت دورات المؤتمر القومي الإسلامي تنعقد منذ عام 1993 إلى الآن وهي بمعدّل دورة كل سنتين، وقد اعتبر التياران أنّ التصادم الذي وقع بينهما خلال القرن الماضي كان سببه التوهّم في تعارض العروبة مع الإسلام، وقد كان ذلك التصادم هو الاستثناء وليس الأصل، لذلك اعتبر المحضّرون لبرنامج الندوة الثانية أنّ العلاقة بين العروبة والإسلام قد أخذت منحى إيجابياً وأنّ كل المشاكل بينهما قد حُلّت، لذلك غاب بحثها عن جدول الندوة الثانية، وأرى أنّ هذا الكلام بعيد عن الصواب من ناحيتين: الأولى: في توصيف المشكلة، الثانية: في توهّم حلّ المشكلة.

        أمّا الخطأ في توصيف المشكلة فهو الظنّ أنّ هناك مشكلة بين العروبة والإسلام، والحقيقة أنه لم تكن هناك أيّة مشكلة بين العروبة والإسلام في أيّة مرحلة من مراحل التاريخ، إذا اعتبرنا أنّ العروبة أمر ثقافي وأنها تتعلّق بأمرين: النسب واللسان العربيين حسب المراجع الثقافية العربية، لكن المشكلة برزت حديثاً بين القومية العربية وبين دين الإسلام، وذلك لأنّ القومية العربية شيء آخر غير العروبة، وهي مفهوم حديث أقرب إلى الإيديولوجيا، استقت نموذجها من القومية الألمانية التي اعتبرت أنّ الأمّة تقوم على عاملي اللغة والتاريخ، وهي بهذا -أي القومية العربية- استبعدت الدين الإسلامي من عوامل صياغة الأمّة العربية وهذا كلام منافٍ للواقع الموضوعي للأمّة التي تعيش بين المحيط والخليج، فالدين داخل في تكوين كل جزيئات حياتها.

أمّا الخطأ الثاني فهو في توهّم حلّ المشكلة، وذلك لأنّ التيار القومي ظنّ بأنّ المشكلة بين التيارين القومي والإسلامي قد أصبحت محلولة عندما بدأ يعترف في أدبياته بدور للدين الإسلامي في صياغة الحضارة العربية، وهذا ليس كافياً في رأيي، فالمشكلة بين التيارين القومي والإسلامي ليست مشكلة الحضارة العربية، والنظر إليها، والإشادة ببعد الدين فيها، ولكنها مشكلة العوامل التي تقوم عليها الأمّة، فمازال الفكر القومي العربي يستبعد دور الدين في تكوين الأمّة العربية، ويحصر قيامها بعنصري اللغة والتاريخ متابعاً في ذلك ساطع الحصري رائد القومية العربية.

من الواضح أنّ عناصر التصادم مازالت قائمة بين التيارين القومي والإسلامي وتحتاج إلى بحث موضوعي، ولو عاد التيار القومي إلى السلطة ثانية لحاول استئصال التيار الإسلامي لأنّ بذور الصدام مازالت قائمة في صلب نظريته القومية، لذلك فأعتقد أنّ ندوة الحوار القومي-الإسلامي الثانية التي انعقدت في الاسكندرية قد فوّتت فرصة جوهرية من أجل وضع العلاقة بين التيارين القومي والإسلامي في وضع صحيح سليم عندما أغفلت بحث العلاقة بين العروبة والإسلام من جديد.

اترك رد