tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

جمال عبد الناصر من غير ديمقراطية

ما ينكره الدارسون على ثورة 23 تموز يوليو 1952 أنها لم تأخذ بالديمقراطية، ويعتبرون أن هذا سر ضعفها وسبب عدم نجاحها. ولكن الدارسين الذين يقولون هذا الكلام ينسون أو يتناسون أن ثورة جمال عبد الناصر جاءت بعد ثورة 1919. وهذه قادها سعد زغلول وحزب الوفد، ورسخت أضخم تجربة ديمقراطية عرفها العالم العربي، تجلت في إعلان دستور عام 1923 الذي أعطى الشعب المصري حرية تشكيل الأحزاب، وحرية إنشاء الصحف، وحرية الكلام وحرية الاجتماع… وعندما قامت ثورة يوليو 1952 كان مضى على هذه التجربة ما يقرب من ثلث قرن. فماذا كانت نظرة جمال عبد الناصر إلى هذه التجربة؟

اعتبر عبد الناصر أن هذه الديمقراطية مزيفة، وأنها ديمقراطية الأغنياء، التي استغلتها البورجوازية لمصالحها. وأنها ديمقراطية ناقصة طالما أنها غيبت البعد الاقتصادي. لذلك اعتبر جمال عبد الناصر أن ثورته يجب أن تستكمل المسيرة الديمقراطية، ليس بالصورة التي عمل بها سعد زغلول وحزب الوفد ودستور عام 1923. فأراد ديمقراطية جديدة ذات بعد اشتراكي، تقودها طبقتا العمال والفلاحين، وتعزل الإقطاعيين وكبار الملاكين والبورجوازيين عن ممارسة أي نشاط سياسي، وعلى هذا أصدر قوائم عزل طاولت بعض السياسيين السابقين.

والسؤال الذي يرد في صدد إلغاء جمال عبد الناصر التجربة الديمقراطية هو: لماذا استطاع إلغاءها بهذه السهولة؟ ولماذا لم تتجذر التجربة الديمقراطية في تربة مصر؟ السبب في ذلك أن النظام الذي قام بعد ثورة 1919 دعا إلى القومية المصرية. وهذا يعني أن مصر أمة ذات انتماء فرعوني. وأبرز القائلين بالقومية المصرية من المفكرين والكتاب أحمد لطفي السيد وطه حسين ومحمد حسين هيكل وسلامة موسى.

ولا شكّ في أن القول بالقومية المصرية، وبانتماء مصر الفرعوني، ضعيف الصدقية. وهو لا يعدو نقلاً لأقوال النظرية الفرنسية التي تغلّب العناصر الجغرافية والسياسية في قيام الأمة. وهذا القول لا يستطيع أن يفسر الوحدة التي يتمتع بها الشعب المصري. وكانت تنظر هذه النخبة إلى الدول العربية نظرة استهانة واستخفاف، فهزئ سعد زغلول بالوحدة العربية وقال: “ستكون النتيجة صفراً إذا جمعت أصفاراً إلى بعضها بعضاً”. كذلك رفض أحمد لطفي السيد الدستور الذي طرحه جمال عبد الناصر للاستفتاء في منتصف الخمسينات.

والنظام الديمقراطي لم يحل أبرز مشكلة من مشكلات الشعب المصري وهي الاحتلال الانكليزي. ولم تنسج الديمقراطية علاقات وشيجة مع العوامل الثقافية للشعب المصري، بل كانت تسفّه تاريخه ولغته وعاداته وقيمه. فقال طه حسين بانتماء مصر إلى الغرب، وبضرورة نقل الحضارة الغربية بكل تفصيلاتها. كانت دعوة سلامة موسى إلى استعمال اللغة العامية والحرف اللاتيني، وإلى تحرير المرأة تحريراً كاملاً، ودعوة مصطفى عبدالرازق في كتاب “الإسلام وأصول الحكم” إلى ترك الخلافة.

اترك رد