قدّم الداعية عمرو خالد برنامجين خلال مسيرته الدعوية من خلال قناة “اقرأ” الفضائية:
الأول:”ونلقى الأحبة”لسنوات عدة، وقام هذا البرنامج على الوعظ والإرشاد والرقائق وإصلاح القلوب إلخ… والأرجح ان هذا البرنامج ادى دوره بنجاح في التوجيه الى الاخلاق الحميدة من خلال الوقائع التاريخية.
والثاني:”صنّاع الحياة”استهدف منه إحداث نهضة في الأمة، وحل مشكلاتها الثقافية والنفسية والتربوية والصناعية والزراعية والمعاشية، وقد مضى على تقديمه اكثر من عام.
قبل مناقشة البرنامج الثاني لا بد من الاشارة الى ان استهداف النهضة أمر كبير.
ومن الجلي ان كل المصلحين والمتطلعين الى النهضة اتفقوا على تشخيص معظم ظواهر الأزمة لكنهم اختلفوا على الحل، فقد التقوا على ان الفرد يعاني من امراض متعددة، وقد شاركهم عمرو خالد ذلك التشخيص، فأشار الى ان الفرد يعاني من امراض السلبية، وعدم الجدية، وعدم الاتقان، وضعف الارادة، وانه يعاني من مشكلات مرتبطة بالتفكير والعقل، ويعاني مشكلات في التعامل مع الوقت الخ… فكيف نظر عمرو خالد الى هذه المشكلات؟ وكيف عالجها؟
تحدث عمرو خالد عن تفشي السلبية عند الفرد المسلم في حلقتين من برنامجه، وسرد في الاولى أمثلة توضح المقصود بالأخلاق الايجابية، كما نقل قصصاً عن اشخاص ايجابيين من الصحابة وغيرهم، وتحدث في الحلقة الثانية عن معوقات الايجابية التي تجعل الفرد سلبياً فذكر اربعة معوقات هي: الخجل من الناس، والخوف من الخطأ، واليأس السريع عند فشل المحاولات الاولى، والشعور باستحالة مواجهة المعوقات الخارجية.
لكنه لم يظهر كيفية التغلب على هذه المعوقات، ولم يوضح الآلية التي يطرحها الاسلام للتخلص من هذه الامراض، واكتفى بدعوة الفرد الى التغلب عليها والتخلص منها، في حين ان المعطيات الشرعية في القرآن والسنّة تفرز آليات واسعة للتغلب على هذه المعوقات، تبدأ من الحديث عن فطرية الخوف، وعن الاشارة الى الخوف الذي اعترى بعض الانبياء في بعض المواقف، كخوف ابراهيم عليه السلام عندما جاءته الملائكة ولم تأكل من الطعام الذي قدمه لهم، وكخوف موسى وهارون عليهما السلام عند مواجهة فرعون، وعن الحديث المفصل عن تخويف الشيطان للعبد وإيهامه ووسوسته المتكررة وتزيين المعصية والبخل، ولم يستفد عمرو خالد من المعطيات الشرعية التي تعالج اليأس والتي تدعو المسلم الى الاستسلام للقضاء والقدر حين الفشل في تحقيق أي هدف، الاستسلام الذي يأتي نتيجة امتلاء القلب بتعظيم الله، ونتيجة اليقين بأن ما حدث له بارادة الله، وان الاستسلام له والصبر عليه سيُعظم له الاجر وسيعلي مرتبته يوم القيامة. اما عن الشعور باستحالة المعوقات الخارجية فإن المسلم يتغلب عليه بأن يأخذ بالأسباب المادية والمعنوية لتحقيق الهدف من جهة، وان يتقي الله حق التقوى لكي يكسب عون الله له في تدبير المخارج لكل ما يعانيه من جهة ثانية، وان يتجه بالدعاء الى الله لكي يعينه على تحقيق هدفه من جهة ثالثة.
أما مرض عدم الجدية عند الفرد المسلم فقد سماه عمرو خالد”التفاهة”و”الهيافة”وتحدث عنه في اكثر من حلقة، ودعا الى التخلص من هذا المرض، لكنه لم يحدد الطريق الذي تُبنى به الجدية والذي أفرزه الاسلام في ملايين الشخصيات على مدار القرون الماضية والذي بدأ بنفي اللهو واللعب عن خلق الله – تعالى – للسماوات والارض، ونفى العبث عن خلق الانسان، والذي انتهى بمعرفة المسلم ان هناك محاسبة دقيقة، وان هناك سؤالاً، قال تعالى: فلنسألنّ الذين أُرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين الأعراف، 6، وعندما يتأكد الانسان من وجود الحساب تبدأ الجدية، ويمكن ان نمثل بتلاميذ المدرسة، فلولا الامتحان ويقينهم بأن هناك اسئلة ستأتيهم لما جدوا في الحفظ والاستيعاب والسهر، ان يقينهم بالرسوب او النجاح هو الذي ولّد الجدية عندهم في التعامل مع المواد المدرسية، من هنا يمكن ان نشير الى ان الآيات الكثيرة التي تحدثت عن البعث وعن الجنة والنار، وفصلت في وصف نعيم الجنة، وأطنبت في الحديث عن عذاب النار لم تأت عبثاً، انما جاء القصد منها توليد الجدية في شخصية المسلم وإيقاظه من غفلته وتوعيته الى الافادة من صحته وجسمه وعقله ووقته وعلمه في ما يرضي الله تعالى وفي ما يعود بالخير عليه وعلى مجتمعه لأنه سيسأل عن كل تلك النعم، وسيحاسب عليها حساباً دقيقاً، ثم سيكون مآله الى الجنة او الى النار.
ثم تحدث في حلقات اخرى من”صنّاع الحياة”عن مرض عدم الاتقان عند المسلم المعاصر فذكر ان هناك اربعة اسباب لعدم الاتقان، هي: تعمّد عدم الاتقان لتحقيق مكاسب مادية، او الجهل، او الإهمال والتكاسل، او عدم ادراك لذة الاتقان، ولو تفحصنا الاسباب السابقة التي ذكرها عمرو خالد لعدم الاتقان لوجدنا انها اسباب ثانوية في معظم الاحيان وليست اسباباً رئيسة لأنها مرتبطة بحالات فردية، فهو قد ذكر ان عدم الاتقان مرتبط بتحقيق مكاسب مادية او بالجهل او بالإهمال والتكاسل، لكن الحقيقة هي ان شخصاً يمكن ألا يتقن عمله من دون تحقيق أي مكاسب مادية، وكذلك يمكن للعالم في أمر ألا يتقن عمله، ويمكن للشخص النشيط ألا يتقن عمله.
ثم ذكر عمرو خالد الاسباب التي تدفع الى الاتقان فحددها بأربعة عوامل: ان يكون عندك هدف في الحياة، وان تملك ارادة قوية، وان تملك صبراً، وان تتحلى بالعلم والخبرة، لكن المتفحص لتلك العوامل يجد انها مطلوبة لأداء أي عمل مهما كان المستوى الذي يؤدي فيه العمل، فلا بد لكل عمل من وجود هدف قبل ادائه، ولا بد له من ارادة من اجل انجازه، ولا بد من صبر اثناء انجازه، ولا بد من علم وخبرة قبل الابتداء بانجازه، وبعد التفنيد السابق لأسباب عدم الاتقان عند عمرو خالد، وللعوامل المؤدية للاتقان نسأل: ما العالم الرئيس الذي يولد الاتقان في نظر الاسلام؟ العامل الرئيسي الذي يولّد الاتقان في نظر الاسلام هو مراقبة الله او مراقبة الناس، وقد حرص الاسلام على ان تكون الاولوية لمراقبة الله، لذلك وجه المسلم الى توليد اليقين بمراقبة الله، وذلك من خلال تفعيل الحديث عن صفات الله بأنه يسمع – تعالى – أقوالنا، ويبصر – تعالى – أعمالنا، ويعلم – تعالى – اسرارنا ووسوسة صدورنا، وقد تحدثت عشرات الآيات في القرآن الكريم عن تلك الصفات.
ثم تحدث عمرو خالد عن الإرادة وبنائها، وذكر في حلقات أخرى من برنامج”صنّاع الحياة”العوامل التي تولّدها فحددها بأربعة: القدرة على تخيّل الهدف، وملء العقل بتفاصيل الهدف ونتائجه، وتخيل الجنة. ولا تبني تلك العوامل التي ذكرها عمرو خالد الإرادة بل تبني في أحسن الأحوال الخيال والعقل، وقد دعا عمرو خالد مشاهدي برنامجه الى الجري كل يوم لمسافة ستة كيلومترات ليصبح الجري في الأسبوع لمسافة 42 كيلومتراً، وهي تعادل مسافة سباق الماراثون المشهور عالمياً، واعتبرها الوسيلة الرئيسة التي تبني الإرادة، مع أن الاسلام يمتلك عشرات الوسائل لبناء الإرادة، وتقويتها، وشحذها في اليوم والليلة، وأبرزها العبادات التي تشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر وتلاوة القرآن الخ…
ويبدأ بناء الإرادة منذ أذان الفجر حين يكون المسلم مشدوداً الى فراشه، وعند قيامه الى الصلاة والذهاب الى المسجد فيكابد شهوة النوم، فهذه المكابدة تعتبر من الوسائل الأولى التي تبني الإرادة، وعندما يعقل المسلم ما يقرأه في صلاته، وما يسمعه من إمامه يكون ذلك من أهم الوسائل التي تُقوّي الإرادة وتجعل صاحبها قادراً على التركيز وعدم التشتت وعلى التحكّم في النهاية بذاته. وعندما يصوم المسلم شهر رمضان أو يتنفّل بصيام أيام أُخرى، فهذا الصيام يقوّي الإرادة، إذ يمتنع المسلم في هذا الصيام عن شهوات محبوبة لصيقة بذاته وهي شهوات الطعام والشراب والنساء من أجل محبوب أعظم هو الله تعالى. وعندما يُخرج المسلم الزكاة أو يتصدّق ببعض أمواله، فإخراج المسلم لبعض أمواله ينمّي إرادته لأن إخراج الزكاة والصدقات فيه تعظيم لأمر الله على تعظيم الخضوع للمال.
لم يوفّق عمرو خالد في حديثه عن أزمة الإبداع العقلي عند المسلم المعاصر، لأن الأسباب التي ذكرها ليست هي الأسباب الحقيقية لأزمة الإبداع، بل هناك سببان من الأسباب التي ذكرها، وهما: أسلوب التعليم وأسلوب التربية القائمان على التلقي يدخلان في المشكلة التربوية للمسلم المعاصر، أما السببان الآخران وهما عدم انتقاء وسائل الإعلام للبرامج المفيدة لبناء العقل والفهم الخاطئ فهما نتيجة لأزمة الإبداع وليسا سبباً لها، أما الأسباب الحقيقية لأزمة الإبداع فهي مرتبطة بأمور أبعد مما ذكره عمرو خالد، مرتبطة بانتشار التصوّف الذي عطّل الاجتهاد العقلي وربط التوصل الى الحقيقة بعملية الكشف، ومرتبطة بانتشار العقيدة الأشعرية التي عطلت الأسباب من أجل الرد على الفلاسفة القائلين بقِدم العالم وبفاعلية الأسباب، ومرتبطة بانقسام التعليم منذ القرن التاسع عشر الى مدرستين:
الخلاصة لم يستطع عمرو خالد أن يعلل الظواهر التي تحدّث عنها تعليلاً صحيحاً، وهي: ظواهر السلبية وعدم الجدية وعدم الاتقان بناء الإرادة وأزمة الابداع العقلي عند المسلم المعاصر، ولم يستطع أن يقدم لها العلاج المناسب، وهذا القصور في التعليل وفي تقديم الحلول هو الذي يجعلنا نقول جواباً عن السؤال الذي طرحناه في بداية المقال: لن يحدث برنامج”صنّاع الحياة”نهضة بل يبيع أوهاماً لمشاهديه.
لأن النهضة تتطلب تعليلاً دقيقاً لواقع المسلمين وأمراضهم من جهة، وحلولاً شرعية معمقة لذلك الواقع من جهة ثانية، ووعياً تفصيلياً بالتجارب النهضوية السابقة خلال القرنين الماضيين من جهة ثالثة، وإدراكاً لخريطة العلاقات المعقدة بين العالم العربي والحضارة الغربية من جهة رابعة.
المقال من موقع سعورس برنامج “صناع الحياة” للداعية التلفزيوني عمرو خالد فعل نهضة أم بيع أوهام؟