آفاق ما بعد الحرب على غزة 2014

أقام مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية بالتعاون مع مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية في دولة الكويت ورشة عمل بعنوان ” آفاق ما بعد الحرب على غزة 2014″ يوم الاثنين 20- ذي القعدة- 1435هـ الموافق 15- سبتمبر 2014م في مقر الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية. هذا وسيسعى المركزان إلى نشر هذه الأعمال في كتاب يجمع كل الأبحاث، وتوزيعها على أصحاب القرار من وزراء وسفراء وبرلمانيين وأكاديميين، والقنوات الفضائية لبثها على المشاهدين.
شارك في الورشة عدد من الأساتذة والدكاترة ممن لهم باع طويل في العمل السياسي والفكري والدعوي والإعلامي، وقد أدارها كل من بسام الشطي رئيس تحرير مجلة الفرقان وجهاد العايش رئيس مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، والمشاركون على النحو التالي:
  • آفاق علاقة المعسكر الأمريكي وحلفاؤه بالمقاومة الفلسطينية. للدكتور غازي التوبة
  • آفاق القضية الفلسطينية بعد أحداث غزة 2014 د. محمد أبو سخيلة
  • آفاق علاقة المعسكر الروسي وحلفاؤه مع المقاومة الفلسطينية. د.سامي الدلال
  • مستقبل الوفاق الوطني الفلسطيني بعد الحرب على غزة. أ . درويش عبدالنبي
  • مستقبل الكيان الصهيوني في ظل التطور النوعي للمقاومة. د.سلمان أبو ستة
  • آفاق العلاقة الإيرانية بالمقاومة الفلسطينية. أ. صباح الموسوي
  • آفاق العلاقة التركية بالمقاومة الفلسطينية. د. محمد زاهد جول
  • أفاق تعامل الإعلام العربي مع أحداث غزة أ. سالم الناشي

المحور: آفاق علاقة المعسكر الأمريكي وحلفائه بالمقاومة الفلسطينية

حتى نستطيع أن نستكشف آفاق علاقة أمريكا بالمقاومة الفلسطينية ومستقبلها، علينا أن نستعرض جانباً من ماضي وحاضر علاقة أمريكا بالمقاومة الفلسطينية فنجد الحقائق الآتية:

أولاً: ماضي علاقة أمريكا بالمقاومة

1- دعمت أمريكا إسرائيل دعماً كاملاً منذ إنشائها عام 1948 في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

أ‌- سياسياً: دعمت أمريكا إسرائيل ووقفت إلى جانبها في مختلف المحافل والمؤسسات الدولية، واستخدمت الفيتو عشرات المرات لصالحها في مجلس الأمن. كما دعمتها في كل المجالس المرتبطة بالأمم المتحدة مثل مجلس حقوق الإنسان، واليونسكو وغيرهما.

ب‌- عسكرياً: زوّدت أمريكا إسرائيل بكل أنواع الأسلحة المتقدمة في كل الحروب التي خاضتها عام 1967، ثم حرب عام 1973، كما تنسق معها أمنياً على أعلى المستويات.

ت‌- اقتصادياً: تحصل إسرائيل على أكبر قسم من المعونات المالية الأمريكية الخارجية.

ماسبب هذا الوضع المتقدم لإسرائيل في أمريكا؟

هناك سببان:

الأول: لوبي إسرائيلي قوي في مختلف المجالات الاقتصادية والإعلامية والسياسية ومراكز الأبحاث، ومثال ذلك: منظمة (إيباك) التي تعتبر من أهم أدوات الضغط الصهيونية على صانع القرار الأمريكي.

الثاني: المسيحيون الصهاينة. هناك مسيحيون صهاينة في أمريكا لكنهم أشد ولاء لإسرائيل من الصهاينة اليهود، وذلك بسبب ميراثهم الديني البروتستنتي الذي يعتمد (التوراة) (العهد القديم) كأصل من أصول ديانته التي يؤمن بها وقد تجسّد هؤلاء في “المحافظين الجدد” الذين منهم بوش وغيره من المسؤولين الأمريكيين.

ثانياً: معركة العصف المأكول

هناك دعم أمريكي كامل لإسرائيل في مختلف المجالات السياسية والإعلامية والعسكرية أثناء معركة “العصف المأكول” التي استمرت خمسين يوماً، وهناك تماه كامل من قبل أمريكا مع الموقف الإسرائيلي.

وسنشير إلى بعض المواقف التي تؤكد الدعم الأمريكي الضخم واللامحدود لإسرائيل:

  • تماهي الموقف الأمريكي مع الموقف الإسرائيلي في اعتبار أن المقاومة هي المعتدية على إسرائيل وأنها روعت الآمنين في مستوطناتهم، وأن التدمير الوحشي لغزة وقتل آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير آلاف المنازل والمصانع والمزارع هو مجرد رد اعتداء.
  • القبة الحديدية التي تصدت لصواريخ المقاومة هي صناعة أمريكية إسرائيلية، وقد وعدت أمريكا إسرائيل أثناء معركة (العصف المأكول) برصد ملايين الدولارات من أجل تطويرها وزيادة فاعليتها.
  • فتح المخازن الأمريكية الاستراتيجية المملوءة بالأسلحة أمام إسرائيل أثناء معركة (العصف المأكول) لتعويض ما خسرته من سلاح.

ثالثاً: آفاق ومستقبل علاقة أمريكا ومعسكرها بالمقاومة

من الواضح أن الأمة متمثلة بالمقاومة الفلسطينية مصممة على استرداد حقوق شعبنا الفلسطيني في استرداد أرضه من الغاصب الصهيوني، وقد اتضح ذلك في استمرار المقاومة منذ وعد بلفور حتى الآن في عدد من الانتفاضات والحروب وعشرات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين والتدمير المستمر للحجر والبشر على مدار العقود الماضية.

لكن أمريكا وإسرائيل والغرب بدأت بخطة استراتيجية مترافقة مع المعركة العسكرية من أجل وأد المقاومة، وتجفيف منابعها، وإضعاف فاعليتها وقوتها، وإخفات حيويتها، وقتل روحها تقوم على تفعيل “مبدأ الفوضى الخلاقة” الذي يعني “التدمير” ثم “البناء”، وهو مبدأ معتمد في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أوجده (تايرماهان) عام 1902، وأعاد صموئيل هننجتون وكوندليزا رايس توظيفه في الشرق الأوسط، وستنفذه أمريكا من خلال ثلاثة محاور:

  • المحور الأول: التفتيت الثقافي لوحدة الأمة الثقافية.
  • المحور الثاني: التجزيء السياسي للوحدات السياسية القائمة.
  • المحور الثالث: افتعال الحروب العسكرية.

ونحن سنستعرض هذه المحاور في السطور الآتية:

المحور الأول: التفتيت الثقافي لوحدة الأمة الثقافية:

تستخدم أمريكا ثلاث أدوات لأداء هذه المهمة:

الأداة الأولى: الديمقراطية: للديمقراطية جانبان إجرائي وثقافي أما الإجرائي فيتمثل في إجراء الانتخابات، واختيار المسؤولين، ومحاسبة المسؤولين، وحرية إبداء الرأي، وتشكيل مجالس الشورى.. وغيرها. وهذه لا مشكلة لنا معها، بل بالعكس لها جذور في تاريخنا.

  • الانتخاب: انتخاب أبي بكر الصديق وعثمان رضي الله عنهما.
  • محاسبة المسؤولين: مبدأ من أين لك هذا؟ وهو مبدأ رسخه عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- في عدد من الوقائع مع عدد من الولاة.
  • حرية إبداء الرأي: إبداء كثير من الصحابة لآرائهم في حضور الخلفاء ومناقشتهم في بعض الأحكام.
  • تشكيل مجالس شورى: كان لبعض الخلفاء مجالس شورى يتداولون الرأي فيها في عدد من المشاكل.

أما الثقافي فيتمثل في أن الديمقراطية تقوم على أربعة مبادئ ثقافية وهي ملازمة للإجرائية وهي ما يحرص عليها الغرب عندما يدعو إلى تطبيق الديمقراطية وهي:

  • نسبية الحقيقة: وهي تتعارض مع النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة في ديننا.
  • المادية الكاملة: تؤمن الثقافة الديمقراطية بأن الكون والحياة مادية صرفة وكل ما يتعلق بالله وبالجنة والنار والجن والملائكة والروح هي أوهام وخرافات وخزعبلات، وهذا يتصادم مع إيماننا بعالمي الغيب والشهادة.
  • الحرية الفردية المطلقة: تؤمن الثقافة الديمقراطية بحرية الفرد المطلقة، وتسعى إلى زيادة مساحة هذه الحرية، ومع إعطاء الإسلام للمسلم هذه الحرية لكن تبقى لها ضوابط وحدود.
  • البراغماتية وتحقيق المصلحة والمنفعة، في كل عمل: تعتبر الثقافة الديمقراطية أن كل عمل يجب أن يحقق الفائدة والمصلحة، وهي إذا تعارضت هذه الفائدة والمصلحة والمنفعة مع قيمة خلقية تقدم المصلحة والمنفعة والفائدة على القيمة الخلقية.

ليس من شك بأن الإسلام يتفق مع الثقافة الديمقراطية في تحقيق المصلحة والمنفعة والفائدة في كل عمل، لكنه يختلف معها عندما يحدث التعارض بين المصلحة والقيمة الخلقية، فيقدم الأخلاق على المصلحة.

ليس من شك بأن نشر الديمقراطية بجانبيها: الإجرائي والثقافي –وهو ماتصر عليه أمريكا- سيؤدي إلى تفتيت وحدتنا الثقافية التي هي أهم ما نملك في توليد التضحية والفداء والصبر إلخ..

الأداة الثانية: سياسة إيران الطائفية: قامت ثورة إيران عام 1979، وأصر الخميني على أن تكون ثورة شيعية وليست ثورة الأمة، ووضع مادة في الدستور تؤكد أن الجمهورية الإسلامية ملتزمة بالمذهب الشيعي إلى الأبد، ثم أقامت إيران سياستها الخارجية على تصدير الثورة.

تواصلت إيران مع الطوائف الشيعية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وقامت بتفعيلها، وجعلتها تتصادم مع محيطها السني، مما أوجد تفتيتاً ثقافياً من جهة وأوجد صراعاً طائفياً بين أبناء البلد الواحد من جهة أخرى، وهذا أضعف الأمة وجعلها تنصرف عن معركة البناء الحضاري، وجعل أمريكا وإسرائيل تستفيد من هذا التشرذم والانقسام.

الأداة الثالثة: داعش: ترتبط ثقافة “داعش” وعناصرها الفكرية ب (المكوّن الخارجي) بشكل كامل من ناحية التساهل في التكفير، والتساهل في استباحة دماء المسلمين، والنظر السطحي إلى النصوص، وعدم القدرة على تدبرها إلخ..

لذلك فهي تصطدم بشكل قوي ب(المكون السني)، بالإضافة إلى تمزيقها وتدميرها المجتمعات الإسلامية التي تعيش فيها، وهذا ما يجعل حصيلة أعمالها تصب في صالح أمريكا وإسرائيل من ناحية التفتيت الثقافي والتجزيء السياسي.

المحور الثاني: التجزيء السياسي:

ومن الجلي أن تقسيم العالم العربي استراتيجية صهيونية راسخة قام عليها الكيان الصهيوني، وتطلع إليها قادته منذ نشوء إسرائيل، وقد ظهرت هذه الاستراتيجية في عدة وثائق على مدار العقود الفائتة:

أولها: وثيقة الصحفي الهندي كارانجيا التي نشرها 1957، والتي توضح استهداف إسرائيل إقامة دول طائفية في منطقة بلاد الشام والعراق، والتي يرجح أن أجهزة جمال عبد الناصر سربتها.

ثانيها: المقال الذي نشرته مجلة (Kivunim) ومعناها بالعربية اتجاهات في (فبراير) 1982، وهو مكتوب من صحافي ودبلوماسي إسرائيلي سابق يدعى أوديد ينون، ونشر تحت عنوان “الخطة الصهيونية للشرق الأوسط”.

ثم بين المقال أن الاستراتيجية الإسرائيلية الصهيونية أعدت خطة لتفتيت مصر إلى دولتين: إحداهما قبطية في الجنوب والأخرى سنية في الشمال، وأعدت خطة ثانية لتفتيت العراق وبلاد الشام وأعدت خطة ثالثة لتفتيت المغرب العربي، ورابعة لتفيت الخليج العربي.

ثالثها: نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد (تموز 2006) مقالاً تحت عنوان “حدود الدم” فيه تقسيم المنطقة إلى دويلات عرقية وطائفية، وشملت خريطة التغيرات التي اقترحها المقال عدة دول هي: العراق، الأردن، سورية، السعودية، إيران، إلخ…

تقسيم بلدين عربيين: وقد استطاعت أمريكا وإسرائيل إلى الآن أن تقسما بلدين عربيين كبيرين هما السودان والعراق. فقد انقسم السودان قسمين: الأول في الشمال، والثاني في الجنوب، بعد حرب دامت عدة عقود وغذتها إسرائيل، وقد دفع الانقسام بعد استفتاء ومعاوضات استمرت لعدة سنوات.

أما العراق فبعد أن احتلته القوات الأمريكية في عام 2003، فقد انقسم إلى ثلاث دول: كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب، وإن لم يعلن ذلك رسمياً.

وهناك عدة دول مرشحة للتقسيم والتجزيء وهي اليمن وسورية، وليبيا.

المحور الثالث: افتعال الحروب العسكرية:

احتلت أمريكا العراق عام 2003 بحجة أنه يمتلك أسلحة كيماوية وأنه ينسق وأنه ينسق ويتعاون مع القاعدة، وقد ثبت عدم صحة الحجتين بعد أن تم تفتيش كل شبر في العراق بعد احتلاله عام 2003، وبعد التدقيق في ملايين الوثائق التي صادروها من أجهزة المخابرات العراقية. وتأكد أن احتلال العراق كان لمصلحة إسرائيل وتمكينها بالدرجة الأولى.

ختامًا

وفي النهاية يجب أن تنتبه المقاومة إلى أمرين في مسيرتها الجهادية:

الأول: يجب أن تعي المقاومة أن معركتنا ليست عسكرية سياسية فقط مع إسرائيل وأمريكا بل هي ثقافية إلى جانب ذلك، لذلك وجب عليها أن تنتبه إلى مخاطر التفتيت الثقافي الذي تقوده أمريكا وإسرائيل لتدمير وحدة الأمة الثقافية، وتضع الخطط المناسبة لمواجهته.

الثاني: أن تسعى المقاومة إلى فك الارتباط بين أمريكا وإسرائيل من خلال بث إعلامي يوضح للشعب الأمريكي والغرب أن اللوبي الصهيوني في الغرب يورط أمريكا والغرب في معارك لا تحقق مصلحة الشعب الأمريكي بل مصلحة إسرائيل على حساب الدم الأمريكي وأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، والعراق خير مثال.

اترك رد