لقد هددت الولايات المتحدة وإسرائيل بإسقاط “نظام الملالي” في إيران عدة مرات بعد قيامه عام 1979، ومع ذلك لم تنفذا ذلك ولم تسقطاه؟ فلماذا؟
فهرس المقال
“الأسد الصاعد” بمشاركة أمريكا
أعلنت إسرائيل الحرب على إيران في اليوم 13 من يونيو (حزيران) 2025م، وشنت هجومًا مفاجئًا بغارات جوية مكثفة على عشرات الأهداف الإيرانية، والهدف وقف ما وصفته إسرائيل التقدم السريع لطهران في تطوير الأسلحة النووية، وأطلقت إسرائيل على الهجوم اسم عملية “الأسد الصاعد”، وقد نفذ خلالها الجيش الإسرائيلي وجهاز الموساد ضربات استهدفت مواقع نووية ومنشآت عسكرية ومناطق سكنية تواجدت فيها قيادات عسكرية وعلماء نوويون إيرانيون، وفي 22 حزيران (يونيو) 2025م أعلن ترامب تنفيذ غارات مكثفة بالتنسيق مع إسرائيل استهدفت المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، وهي المنشآت الأكثر تحصيناً في إيران، والتي يملك الطيران الأمريكي – وحده فقط – القدرة على تدميرها ولا يملك الطيران الإسرائيلي ذلك.
وقد تحدث ترامب أثناء حرب الاثني عشر يوماً عن احتمال إسقاط “نظام الملالي”، وكذلك تحدث نتنياهو عن ذلك، فلماذا لم يفعلا؟ فلماذا لم يسقطاه؟
السبب في ذلك هو أن “نظام الملالي” أصبح -الآن- ثابتاً من ثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة، فما هذه الثوابت؟ ومتى أصبح “نظام الملالي” ثابتاً من ثوابت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
ثوابت السياسة الأمريكية
فقد كانت ثوابت السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م أربعة ثوابت في الشرق الأوسط، وهي:
- 1- المحافظة على كيان إسرائيل ووجودها والدفاع عنه.
- 2- استمرار السيطرة على البترول، واستمرار وصوله إلى الغرب.
- 3- تحقيق حرية المرور من الغرب إلى الشرق الأقصى وعدم وجود عوائق تمنع ذلك.
- 4- منع توسع الاتحاد السوفيتي والتصدي لنفوذه في أي مكان من الشرق الأوسط.
لكن بعد أن قام “نظام الملالي” في إيران عام 1979م، أصبح “نظام الملالي” ثابتًا آخر مضافًا من ثوابت السياسة الأمريكية، لذلك لم يسقطه بوش، بعد أن اعتبره إحدى دول محور الشر الثلاثة: كوريا الشمالية، إيران، العراق، وقد قام بوش بإسقاط نظام “صدام حسين” في العراق عام 2003، لكنه لم يقم بإسقاط نظام الملالي لأنه كان ثابتاً من ثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة، فلماذا أصبح “نظام الملالي” ثابتاً من ثوابت السياسة الأمريكية؟
تفتيت الوحدة الثقافية والسياسية للأمة
لقد استهدفت إسرائيل وأمريكا بخاصة، والغرب بعامة بعد الحرب العالمية الثانية تفتيت “الوحدة الثقافية” لمنطقتنا، وتجزئة “الوحدة السياسية” ليسهل استغلالها والسيطرة عليها واستعمارها وتوجيهها، وقد استخدمت القوى الغربية ممثلة بإنجلترا وفرنسا والصهيونية العالمية بعد الحرب العالمية الأولى “المشروع القومي العربي” في بلاد الشام، و”المشروع القومي الفرعوني” في مصر لتفتيت الوحدة الثقافية في المنطقة، ثم استخدمت “المشروع الاشتراكي” لتحقيق هذا التفتيت وهي قد نجحت في تحقيق هذا الأمر بشكل جزئي مما جعلها تبحث عن مشروع آخر.
فاختارت “مشروع ملالي إيران“، لأنه يؤجج الصراع الطائفي المذهبي بين السنة والشيعة، وهما أكبر مكونين في الأمة، وقد اتضح هذا التأجيج منذ أن قاد الخميني ثورة إيران الإسلامية عام 1979، وقد ربط الخميني جمهورية إيران الإسلامية بالمذهب الجعفري الإثني عشري ربطاً محكماً، مع أن قيادات إسلامية عديدة قابلته، وتحدثت معه، ودعته إلى الابتعاد عن المنهج الطائفي المذهبي، لكنه أصر على ذلك، وقد برز هذا من خلال الدستور الذي صاغه الخميني وأخذ موافقة الشعب عليه عام 1979.
نظرات في دستور جمهورية إيران الإسلامية
عند الفحص والتدقيق في دستور جمهورية إيران الإسلامية نجد ترسيخاً للمذهب الجعفري الإثني عشري، وهذه بعض صوره:
الأولى: أشارت المادة الثانية عشر من الدستور الإيراني إلى أن إيران ملتزمة إلى الأبد بالمذهب الجعفري الإثني عشري، وقد نصت المادة على ما يلي: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثني عشري هو المذهب الرسمي لإيران، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير”.
الثانية: الالتزام بمبدأ “ولاية الفقيه” في غيبة الإمام المهدي، وهي النظرية التي تبناها الخميني وفرضها على الجمهورية الإسلامية في إيران، كما ذكرت المادة الخامسة من الدستور.
الثالثة: الالتزام باتباع الأئمة الإثني عشر وسماها الدستور “سنة المعصومين” واعتبرها شرطاً من شروط الاجتهاد كما ذكرت المادة الخامسة من الدستور.
الرابعة: اشترط الدستور أن تتحقق بعض الأوصاف فيمن يترشح لرئاسة الجمهورية وهي: “الإيمان بالمبادئ التي قامت عليها الجمهورية وبالمذهب الجعفري الإثني عشري” كما ذكرت المادة 115 من الدستور.
مشروع تصدير الثورة الإسلامية
بعد أن ربط الخميني الجمهورية الإسلامية في إيران بالمذهب الجعفري من ناحية دستورية، ورسخ ذلك وربط كل مؤسسات الدولة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والإعلامية بهذا المذهب، وسخرها لتنفيذ آراء المذهب، رسم مشروعاً لتصدير “الثورة الإسلامية” إلى الخارج واستهدف هذا المشروع عدة أهداف منها: نشر المذهب الشيعي وتوسيع رقعة الطائفة الشيعية، ومنها: تقديم ولاية الفقيه كمرجعية سياسية وعقائدية، ومنها: توسيع نفوذ إيران السياسي، وتحويل الأمة الإسلامية الممتدة من طنجة إلى جاكرتا من “أمة إسلامية” إلى أمة ذات صفة طائفية وصبغة مذهبية وهي “الأمة الشيعية”.
من الواضح أن “مشروع ملالي إيران” استخدم في تصدير الثورة عدة أدوات منها: الميليشيات الطائفية مثل: حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، ومنها: القنوات الإعلامية، ومنها تسخير الطوائف الشيعية في البلدان العربية والإسلامية لمصلحة إيران وسياساتها في كل المجالات، ومنها: رفع راية مناصرة القضية الفلسطينية والفلسطينيين ومحاربة إسرائيل وأمريكا، ومنها مناصرة المستضعفين في كل مكان، ومحاربة المستكبرين والمستبدين إلخ….
نتائج “مشروع ملالي إيران”:
لقد حقق “مشروع ملالي إيران” خلال أقل من نصف قرن نتائج متقدمة في “تفتيت الوحدة الثقافية والسياسية” للأمة، فقد عزز الصراع الطائفي السني-الشيعي في المنطقة، وعمق الانقسام السني-الشيعي في عدد من الدول، وهي: العراق وسورية ولبنان واليمن ومصر وباكستان وجنوب شرق آسيا، وكذلك ساهم في تفكيك كثير من الدول مثل: العراق وسورية ولبنان واليمن، وعطل التنمية والنمو الاقتصادي فيها، وأشعل حروباً أهلية وصراعات متعددة، وقد حلت مليشيات طائفية محل الدول في عدد من البلدان مثل: لبنان، اليمن، العراق.
الخلاصة:
إن إسرائيل وأمريكا أشعلتا الحرب الأخيرة عام 2025م من أجل إنهاء برنامج إيران النووي وقد نجحتا في ذلك، ولم تسقطا “نظام الملالي” لأنه أثبت نجاحه في تفتيت وتدمير وتفكيك عدد من الدول العربية ومجتمعاتها -كما رأينا ذلك في الفقرة السابقة- قد شكل هذا النجاح والنتائج تمهيدًا لولادة “شرق أوسط جديد” ولتوليد “دول طائفية” وقيام “إسرائيل الكبرى”.
لذلك فإن ترامب وإسرائيل لم يسقطا “نظام الملالي” لكي يكمل دوره في تفتيت وتدمير وتفكيك دول أخرى في شمالي أفريقيا، ودول وسط أفريقيا وشرق آسيا، لكي تصبح لقمة سائغة لكل من إسرائيل وأمريكا في المرحلة المقبلة.
اترك رد