شخصيات الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/tag/شخصيات/ منبر الأمة الإسلامية Sat, 11 Feb 2023 20:57:35 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.5.2 https://i0.wp.com/www.al-ommah.com/wp-content/uploads/2021/02/Group-6.png?fit=32%2C32&ssl=1 شخصيات الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/tag/شخصيات/ 32 32 171170647 القراءات الحداثية للقرآن الكريم: الأنسنة والعقلنة والأرخنة في فكر محمد شحرور https://www.al-ommah.com/mohamed-shahrur/ https://www.al-ommah.com/mohamed-shahrur/#respond Fri, 15 Oct 2021 11:38:21 +0000 https://al-ommah.com/?p=9531 محاضرة فكريّة تحت مظلة رابطة العلماء السوريين بعنوان: “القراءات الحداثية للقرآن الكريم: الأنسنة والعقلنة والأرخنة في فكر محمد شحرور” يقدمها الشيخ د. غازي التوبة.  مقالات رديفة: – مقال: “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة.. للدكتور محمد شحرور- دراسة وتقويم” – مقال: “هل سينجح الغرب في علمنة الإسلام؟“

ظهرت المقالة القراءات الحداثية للقرآن الكريم: الأنسنة والعقلنة والأرخنة في فكر محمد شحرور أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
محاضرة فكريّة تحت مظلة رابطة العلماء السوريين بعنوان: “القراءات الحداثية للقرآن الكريم: الأنسنة والعقلنة والأرخنة في فكر محمد شحرور” يقدمها الشيخ د. غازي التوبة.

مقالات رديفة:

– مقال: “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة.. للدكتور محمد شحرور- دراسة وتقويم

– مقال: “هل سينجح الغرب في علمنة الإسلام؟

ظهرت المقالة القراءات الحداثية للقرآن الكريم: الأنسنة والعقلنة والأرخنة في فكر محمد شحرور أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/mohamed-shahrur/feed/ 0 9531
هل الشيخ محمد علي الصابوني عالم بحق؟.. تفريغ كلمة الشيخ غازي التوبة https://www.al-ommah.com/is-muhammad-ali-al-saboun-atrue-alim/ https://www.al-ommah.com/is-muhammad-ali-al-saboun-atrue-alim/#respond Thu, 25 Mar 2021 15:23:59 +0000 https://al-ommah.com/?p=5341 أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخبركم أني أحبكم في الله. الحقيقة.. أترحّم على شيخ جليل عظيم رحمه الله هو الشيخ محمد […]

ظهرت المقالة هل الشيخ محمد علي الصابوني عالم بحق؟.. تفريغ كلمة الشيخ غازي التوبة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخبركم أني أحبكم في الله.

الحقيقة.. أترحّم على شيخ جليل عظيم رحمه الله هو الشيخ محمد علي الصابوني وهو عالم بحق، أعتقد أن صفتان تحققتا به ربما لم تكونا موجودتين في آخرين.

ليس من شك في أنه عالم بحق لأنه جمع علوم الدين جميعها:

جمع التفسير، والحديث، والفقه، والأحكام، وبالتالي كان بحراً في هذه الأمور ربما ذروة ما أعطاه هو صفوة التفاسير، هذا التفسير الذي جمع كل التفاسير السابقة والذي أشتُهر ووزّع بعشرات، بل مئات الآلاف في العالم الإسلامي. فأسأل الله له الرحمة والمغفرة والرضوان وأن يجزيه عنا خير الجزاء، وأعظم الجزاء، وأجزل الجزاء، وأن يجعله في عليين.

الأمر الآخر والذي أعتقد أن الشيخ رحمه الله امتاز به هو قضية عمله بما يعلم، وارتباطه بالأمة، وبقضايا الأمة، وهذا أمر ربما نفتقده في بعض الأحيان وفي بعض المشايخ والعلماء وتحقق هذا في الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله.

كان عاملاً، وربما تأسيس رابطة العلماء السوريين التي هي إحدى الروابط الأساسية في النطاق السوري كان الرئيس الأول لها كما هو معلوم، وكان من أوائل المبادرين في تأسيسها عليه رحمه الله.

وليس من شك بأن هذه الخطوة التي أقدم عليها الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله كانت خطوة جريئة في ذلك الحين لأن السوريون كما تعلمون كانوا محاصرو الأنفاس من قبل النظام الطاغية المجرم نظام حافظ الأسد وبشار الأسد وبالتالي أي تصرّف نحو عمل جماعي يتعلق بالإسلام مهما كانت صفته فيه مسؤولية، وفيه محاسبة ،وفيه متابعة، وهذا الشيخ الجليل رحمه الله أقدم على هذه الخطوة وترأّس أول رابطة تعتبر خارج نطاق أحكام وأوامر سيطرة النظام السوري.

ليس من شك بأن هذا فضل له وهذا يدل على عمله بما يعلم؛ لأن العالم ليس فقط بأن يكتب وأن يؤلّف، بل عليه أن يكون إلى جانب أمته، وإلى جانب قضايا أمته، إلى جانب قضايا شعبه.

مجرد هذا التأسيس ورضى الشيخ بأن يكون على رأس هذه الرابطة وأن يكون أحد مؤسسيها يعتبر هذا الأمر شجاعة وإقدامًا، ويعتبر تضحية، لا شك بأن ذلك ناتج عن رصيد إيماني في قلبه دفعه إلى مثل هذا الأمر، وهو لا يبتغي من ذلك أجرًا ولا مغنماً ولا مكسبًا، هذا جانب أنا أقدّره وأجله فيه، وفي سلوكه، وفي عمله، وأرى أن علينا كـ علماء جميعًا أن نقتدي به في هذا المجال وبعلمائنا السابقين الذي كانوا مثالاً طيباً ورائعاً في هذا المجال، هذه نقطة..

النقطة الأخرى: أنا التقيت به في عدة مؤتمرات من أوائل المؤتمرات التي تجاوبت مع الشعب السوري في ثورته ضد هذا الطاغية وهذا النظام المجرم، من أوائل المؤتمرات التي انعقدت. في مؤتمر عقدته رابطة العلماء السوريين بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من بداية الثورة، في الشهر السابع من عام 2011 م وكان هذا المؤتمر هنا في إسطنبول وترأسه الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله.

هذا المؤتمر كان عنصرًا رئيسيًا فيه من حيث الجلسات والمحاضرات والقرارات في النهاية وكان معنا في هذا المؤتمر الشيخ عصام العطار -ربنا يمتعه بصحته وعافيته- وكثير من المشايخ الأجلاء منهم الدكتور محمد الهواري -رحمه الله- والدكتور محمد أديب صالح كانوا معنا في هذا المؤتمر.

الشاهد في الموضوع إخواني الكرام أنّ هذا الشيخ الجليل هو محمد علي الصابوني رحمه الله كان من أوائل الذين دعوا إلى هذا المؤتمر وحضروه وصاغوا قراراته، وكان هذا المؤتمر شامة في مسيرة الثورة السورية.

ثم التقيت به مرة ثانية في الملتقى الإسلامي أيضًا الذي عُقد في إسطنبول هنا في يناير 2012 م بعد عدة أشهر من المؤتمر السابق، وكان الشيخ رحمه الله أيضًا مجلّياً في هذا المؤتمر.

المهم أنه كان عاملًا بما يعلم وكانت مواقفه نحو قضايا الأمة الكلية مواقفاً سليمة طيبة. وأسأل الله أن يجعل كل ذلك في ميزان حسناته.

وأكتفي بهذا القدر فقد أحببت أن أشير إلى نقطة واحدة من محاسنه ومن ذكره الطيب الذي أسأل الله أن يجازيه عليه خير الجزاء وأن يجعله في عليين نتيجة علمه وبما قدم لهذه الأمة من تراث علمي وبما قدم من عمل.

أسأل الله أن يجعله في عليين في الفردوس الأعلى وأن يحشرنا جميعًا مع رسولنا الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لمشاهدة كلمة الشيخ مصورة في العزاء يمكن الضغط على هنا.

ظهرت المقالة هل الشيخ محمد علي الصابوني عالم بحق؟.. تفريغ كلمة الشيخ غازي التوبة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/is-muhammad-ali-al-saboun-atrue-alim/feed/ 0 5341
مالك بن نبي ماله وما عليه https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83-%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%a8%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%87-%d9%88%d9%85%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83-%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%a8%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%87-%d9%88%d9%85%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87/#respond Sun, 08 Nov 2015 06:59:27 +0000 https://al-ommah.com/?p=485 محاضرة ألقاها فضيلة الدكتور غازي التوبة حفظه الله بعنوان “مالك بن نبي ماله وما عليه” بتاريخ 8- 11- 2015. ولد الأستاذ مالك بن نبي في (1يناير 1905 م) بمدينة قسنطينة, حصل فيها على الثانوية. ثم سافر سنة 1930م إلى فرنسا, ليتخرج كمساعد مهندس كهربائي. ألف بالفرنسية عددا من الكتب منها: […]

ظهرت المقالة مالك بن نبي ماله وما عليه أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
محاضرة ألقاها فضيلة الدكتور غازي التوبة حفظه الله بعنوان “مالك بن نبي ماله وما عليه” بتاريخ 8- 11- 2015.

ولد الأستاذ مالك بن نبي في (1يناير 1905 م) بمدينة قسنطينة, حصل فيها على الثانوية. ثم سافر سنة 1930م إلى فرنسا, ليتخرج كمساعد مهندس كهربائي.
ألف بالفرنسية عددا من الكتب منها: (الظاهرة القرآنية), وهو أول كتاب بالفرنسية, إلى انتقاله للقاهرة, (1956) م, حيث طور معرفته باللغة العربية, فشرع بالكتابة بها.
سبب مجيئه للقاهرة: الثورة الجزائرية, ومؤتمر (باندونك) [فكرته: إيجاد العالم الثالث الذي لا ينحاز لأي معسكر].

مالك بن نبي وعلاقته بجمال عبد الناصر

كتب في باندونك (فكرة الإفريقية الآسيوية), وأهدى الكتاب لجمال عبد الناصر ! وعبد الناصر في تلك الفترة وما بعدها يمثل القوى التي تقف في وجه الإسلام, اصطدم مع الاخوان, وضرب التيار الإسلامي, ومع ذلك اصطف مالك بن نبي معه !! لم يقف هنا إنّما بدأ يشيد إشادة لكل خط عبد الناصر ! كقوله: “إن عملية البناء لم تبدأ في العالم الإسلامي إلا سنة 1952م”, وكقوله: “بناء عبد الناصر للمجتمع المصري كبناء النبي لمجتمع الصحابة!”, و”نقف على باب الحضارة” ! فمدح كل مخططات عبد الناصر وألحقها بمجتمع الرسول في صورة مغالية.

قيمة المفكر هي في : ما يطرحه من أفكار, في الرؤية للأمة (إصلاح, هدم, بناء), فهو كعالم غير معذور !! قيمة المفكر أن يكون لجانب الحق, فإن أقسى فترة كانت على الأمّة الإسلامية هي فترة (جمال عبد الناصر) مدعمة بفكر اشتراكي شيوعي من لافتاته: (المسلم رجعي ! الدّين يجب اقتلاعه), فترته فترة فيها تنظير مع قسوة وشراسة على كل مسلم.

“القابلية للاستعمار”

في رأيي أنّ فكرة “القابلية للاستعمار” أضعف أفكاره، وأقلّها صواباً، وبخاصة عندما ارتبطت هذه الفكرة بأمر آخر هو كلامه عن بلوغ عوامل التعارض الداخلية قمّتها في نهاية عهد دولة الموحّدين، ولم يعد الإنسان والتراب والوقت عوامل حضارة ، بل أضحت عناصر خامدة ليس بينها صلة مبدعة. وربط مالك بن نبي بين الانحطاط وبين القابلية للاستعمار فعدّ أنّ هذه القابلية للاستعمار عامل باطني يستجيب للعامل الخارجي، وأبرز مظاهر هذا العامل الباطني: البطالة، وانحطاط الأخلاق الذي يؤدّي إلى شيوع الرذيلة، وتفرّق المجتمع الذي يؤدّي إلى الفشل من الناحية الأدبية. فهل صحيح أنّ الأمّة وقعت في الانحطاط الذي أدّى إلى موات المجتمع من ناحيتي العقل والترابط؟ فهل توقّف العقل العربي عن الإبداع والفاعلية والحركة منذ عهد الموحّدين؟ وهل تفكّك المجتمع وتشرذمت الأمّة وزالت عوامل الوحدة وانتهى الناس إلى روابطهم الفردية؟ إن هذا التصور غير صحيح مع الإقرار بوجود أمراض متعدّدة، أثّرت على أوضاع الأمّة ومسيرتها منذ عهد الموحّدين، وأضعفت حيويتها، وقلّلت فاعليّتها.

أمّا عن الشقّ الأول من التوصيف وهو الزعم بأنّ العقل العربي توقّف عن النشاط والإبداع فأبرز ما يدحضه توصُّل الدكتور جورج صليبا في كتاب جديد له صدر بتاريخ عام 1999 تحت عنوان “الفكر العلمي: نشأته وتطوّره” إلى نتائج مخالفة لما طرحه مالك بن نبي؛ لأنه اتبع منهجية جديدة في دراسة العلوم العربية، قامت هذه المنهجية على رصد التطورات العلمية للعلوم العربية، وعلى عدم الانطلاق من نظريات مسبقة، وطبق ذلك على علم الفلك فتوصّل إلى أنّ العصر الذهبي لعلم الفلك العربي هو العصر الذي يطلقون عليه عصر الانحطاط بالنسبة للعلوم العربية بشكل عام.

أمّا في المجال الاجتماعي فإنّ عوامل الوحدة في الأمّة أقوى بكثير من عوامل التفكّك، وهي مازالت فاعلة مؤثّرة، ويمكن أن نشير في هذا المجال إلى عامل الوحدة الثقافية الذي استند إلى اللغة العربية وإلى الدين الإسلامي الذي وحّد التصوّرات إلى عالم الغيب والشهادة، ووحّد القِيَم الخُلُقية المرتبطة بالحلال والحرام الشرعيين، ووحّد العادات والتقاليد التي تستمد جانباً كبيراً من مفرداتها من السنّة المشرّفة، ووحّد المشاعر المرتبطة بالآلام والآمال التي تتجلّى عند الكوارث والمصائب والاعتداءات كما حدث في غزوات الصليبيّين والمغول والاستعمار، والذي أدّى أن يساعد العرب بعضهم بعضاً في كثير من المواقع والأماكن.

إنّ قول مالك بن نبي بانحطاط الأمّة منذ عهد الموحّدين هو الذي أدّى إلى القول بـ “القابلية للاستعمار”، وقد اعتبر مالك بن نبي استعمار بلادنا قدراً محتوماً “وضرورة تاريخية”، وهذا كلام غير صحيح بدليل أن فرنسا التي استعمرت الجزائر عام 1830م لم تستطع أن تستعمر مصر عندما غزاها نابليون عام 1798م، وليس معنى ذلك أن الجزائر كانت ذات قابلية للاستعمار في حين أن مصر لم تكن ذات قابلية للاستعمار، فإن النسيج الثقافي واحد في كلا البلدين، لكننا يمكن أن نفسّر نجاحه في الجزائر وإخفاقه في مصر بعوامل خارجية سياسية واقتصادية ساعدت على نجاح الاستعمار في الجزائر ولم تساعده في مصر، من مثل انشغال الخلافة العثمانية بحرب البلقان حين احتلال فرنسا للجزائر، ومن مثل تردي الوضع الاقتصادي لدى الخلافة مما جعله ينعكس على الإنفاق العسكري بشكل خاص ومستوى العمل العسكري بشكل عام، مقابل تحسّن الوضع الاقتصادي لدى أوروبا مما ساعدها على زيادة الإنفاق العسكري، ومن مثل كون الجزائر مقابل الحدود الجنوبية لفرنسا…الخ. ومما يؤكد ذلك أن المعلومات التاريخية تقول إن الجزائر كانت أقل أمية من فرنسا عندما احتلتها عام 1830م، وتقول كذلك إن ثلث أبنية مدينة الجزائر كانت أوقافاً مما يعطي قوة ورخاءً للوضع الاجتماعي الداخلي لم تكن تتمتع به باريس ذاتها.

مؤتمر باندونك (تحول حضاري)

هكذا ينظر له مالك بن نبي, بل هو تخديرٌ, لأن منطلقنا لبناء حضارة صحيحة وبناء أمّة هو نظرتنا (للكون, والحياة, والإنسان), الحضارة تبدأ من الإنسان المتوازن.

* أبرز الشخصيات التي تبنت فكر مالك بن نبي :
جودت سعيد وخالص جلبي, اللذين هما من انصار نظرية (اللاعنف) وإلغاء الجهاد, ويقول عنه جودت: “أعظم مفكر في التاريخ”

نقاط خطيرة في فكر مالك بن نبي:

  • يعتقد خلود الحضارة الغربية
  • يثني على الاستعمار في بعض الامور

لقاء الدكتور غازي التوبة بمالك بن نبي:

التقيت به لأول مرة في دمشق عام (70), في منزل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله, مع (40) شخصية من الشخصيات الكبيرة, وحصل تعارف فما إن سمع اسمي إلا وقف ناقدا يقول: قسيت علي ظلمتني … إلا غير ذلك, يشار إلى أني طبعت كتابي في الرد عليه عام (1969)م, انتقده من حضر في أسلوبه وعدم الرد العلمي …

أبرز حسناته:

  • متميز بلغته العلمية
  • يستخدم المعادلات الرياضية

ظهرت المقالة مالك بن نبي ماله وما عليه أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83-%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%a8%d9%8a-%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%87-%d9%88%d9%85%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87/feed/ 0 485
صفات العالم.. البوطي نموذجًا معكوسًا https://www.al-ommah.com/boti/ https://www.al-ommah.com/boti/#respond Thu, 13 Sep 2012 00:15:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=1713 يعاني المناخ الثقافي الإسلامي اضطراباً في التعامل مع مفهوم “العالم” فهو يرفع مشايخ ويخفض آخرين دون معايير موضوعية، ويطلق لقب “العلامة” يميناً ويساراً على من يستحق وعلى من لا يستحق دون أية ضوابط علمية. ويمكن أن نمثل على هذا الموضوع بالدكتور سعيد رمضان البوطي فهو شيخ سوري تخرج من الأزهر، […]

ظهرت المقالة صفات العالم.. البوطي نموذجًا معكوسًا أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
يعاني المناخ الثقافي الإسلامي اضطراباً في التعامل مع مفهوم “العالم” فهو يرفع مشايخ ويخفض آخرين دون معايير موضوعية، ويطلق لقب “العلامة” يميناً ويساراً على من يستحق وعلى من لا يستحق دون أية ضوابط علمية.

ويمكن أن نمثل على هذا الموضوع بالدكتور سعيد رمضان البوطي فهو شيخ سوري تخرج من الأزهر، واستلم عمادة كلية الشريعة في جامعة دمشق في وقت سابق فقد رفعه بعض أتباعه إلى مقام عال واعتبروه عالم العصر، ووليّاً ومن الأولياء، وخفضه آخرون.

ونحن حتى نخرج من هذه المواقف الجانحة، سنحاول أن نستخلص بعض المعايير الموضوعية التي تحدد صورة العالم وصفاته معتمدين على المصادر الشرعية من جهة، والتجربة التاريخية من جهة ثانية، ثم سنحاول أن نحكم على الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ونعطيه مكانته الحقيقية.

لقد أعلى الإسلام من شأن العلم لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم “من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما صنع. وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض. حتى الحيتان في الماء. وفضل العالم على الطالب كفضل القمر على سائر الكواكب” (رواه أبو داود والترمذي).

وكانت أول آية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم هي “اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم”، (العلق، 1-5).

وقد أقسم الله تعالى بالقلم الذي هو أداة الكتابة، وهذا دليل على شرف هذه الأداة وعظمتها فقال تعالى “ن والقلم وما يسطرون” (القلم، 1) وأمر الله تعالى رسوله أن يطلب زيادة العلم، فقال تعالى “وقل ربي زدني علماً”، (طه، 114).

وحث القرآن الكريم على التدبر فقال تعالى “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها”، (محمد، 24)، وحث على التفكر فقال تعالى “إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”، (الزمر، 42)، كما أمر سبحانه وتعالى بالنظر والاعتبار بأحوال الأمم السابقة فقال تعالى “قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين” (الأنعام، 11).

لقد احتوى القرآن الكريم والأحاديث النبوية عشرات الأحاديث والآيات التي تمجد العلم، وتحض على التفكر والتدبر والزيادة من التعلّم، وتعطي أجر المتعلم، ولقد شكل هذا السيل من الآيات والأحاديث ظاهرة العلماء في الأمة، وأصبحت الأمة تقاد بقيادتين هما “قيادة الأمراء”، و”قيادة العلماء”.

وقد لعبت “قيادة العلماء” دوراً أساسياً في كيان الأمة الإسلامية، فهي التي عملت على توحيد الأمة من خلال دورها الثقافي والشرعي، وعملت على التصدي لأخطاء الحكام وتجاوزاتهم، وعملت على إكمال تقصيرهم وقصورهم في أحيان كثيرة. 

والآن، على ضوء ذلك فما أبرز الصفات التي تؤهل المسلم لكي يكون عالماً في وقتنا الحالي؟ هناك عدة صفات من أهمها أن يكون ربانياً، وأن يكون منحازاً إلى الأمة مهتماً بقضاياها، متفاعلاً مع مشاكلها. وأن يكون عالماً بالقرآن والسنة والفقه والسيرة والتاريخ. وأن يكون عالماً بالعلوم التي نشأت حول تلك المحاور من أصول الفقه ومقاصد الشريعة والبلاغة وعلوم مصطلح الحديث. وأن يكون عالماً بالحضارة الغربية نشأة وتطوراً وتاريخاً وأزمة، وأن يكون مبدعاً في أحد مجالات الفقه أو الشريعة أو الحديث أو علوم القرآن.

ونحن سنوضح الصفتين الأوليتين اللتين يجب أن يتصف بهما العالم وهي: الربانية، والانحياز إلى الأمة، ثم سنرى إلى أي حد حققهما الدكتور محمد سعيد البوطي.

الأولى: الربانية:

تقتضي الربانية أن يطبق العالم تعاليم الإسلام على ذاته وأهله، فيكون معظماً لله وحده، خاضعاً لله وحده، محباً لله أكثر من كل محبوبات الدنيا، خائفاً من نار الله، راجياً جنة الله، مطبقاً لسنة رسول الله، متوخياً الحلال في كل ما يكسب، مبتعداً عن الحرام والمتشابهات، داعياً إلى الله في كل أحواله وأوقاته.

ومن مقتضيات الربانية البعد عن الحكام، وعدم الدخول عليهم، وعدم أخذ الأموال والهدايا منهم، ومن أمثلة ذلك أحمد بن حنبل الذي أقبلت الدنيا عليه في شيخوخته بعد أن ثبت في المحنة وقضى أكثر من عشر سنوات في السجن والتعذيب، فسعى إليه الحكام والولاة، فأغدقوا عليه الأموال، وفتحوا له أبواب كل شيء.

وقد كان هذا امتحاناً أشد من امتحان التعذيب السابق، لكنه صمد للإغراء ولم يرض أن يأخذ شيئاً مما عرض عليه، وقاطع ابنه لأنه رضي أن يأخذ أموالاً من الخليفة، فالخلافة بعد أن يئست منه حاولت مع الابن، لكن الأب عاقب الابن بأن امتنع أن يأكل من عنده، فأحمد بن حنبل كان ربانياً في شيخوخته كما كان ربانياً في محنته وكهولته.

الثانية: الانحياز إلى الأمة وقضاياها:

الثورة السورية

يجب أن ينحاز العالم إلى الأمة ويرتبط بقضاياها وهمومها ومشاكلها، فالإسلام ليس معلومات فقط، فهناك الكثير من المستشرقين لديهم معلومات عن الإسلام أكثر من بعض مشايخ المسلمين، ومع ذلك لا نعتبرهم علماء لأنهم لا يعيشون هموم الأمة الإسلامية.

فعمر بن عبد العزيز قد أحس خطر ابتعاد الخلافة الإسلامية على الأمة في عدة أمور منها افتقاد العدل في الأموال بين المسلمين، وتفشي عدم المساواة بين رعية الخلافة، والابتعاد عن الشورى في أمور تحديد خليفة المسلمين، لذلك عندما سيقت الخلافة له، سار فيها على نهج يخالف عمن قبله، واجتهد في إرساء قواعد جديدة أعادت نهج الخلافة الراشدة فأقام العدل بين المسلمين.

كذكلك، أعاد ما أخذ بغير الحق، وأنصف المظلومين، ورفع الجزية عن أهل الذمة الذين دخلوا الإسلام، وأراد أن يعيد الخلافة إلى سابق أسسها وركائزها التي تقوم على أن الخليفة هو من يختاره المسلمون، لكن المنية عاجلته ولم يستطع القيام بذلك.

وقد استشعر الشافعي خطر الصراع بين مدرستي الرأي والحديث على الأمة، كما استشرف اضطراب الساحة الفقهية وأخطار ذلك على الأمة، فابتدع علماً جديداً هو “علم أصول الفقه” من أجل تنظيم الساحة الفقهية، وضبط أصول الاجتهاد وتقنين القياس. 

أما أحمد بن حنبل فقد استشرف خطر الجهمية والزنادقة وخطر القول بخلق القرآن على الأمة، وتصدى للمأمون عندما تبنى القول بخلق القرآن وألف “رسالة الرد على الزنادقة الجهمية” وكلفه هذا الموقف أن يبقى في السجن لأكثر من عشر سنوات، أما ابن تيمية فقد استشعر أخطاراً متعددة على الأمة منها: خطر التتار، فتصدى له في معركة شقحب.

والآن: هل حقق الدكتور سعيد رمضان البوطي الصفتين السابقتين؟ لنرَ ذلك.

أما بالنسبة للربانية فالدكتور البوطي أخلّ ببعض متطلبات الربانية وهي الابتعاد عن الحكام، فهو على العكس من ذلك كان لصيقاً بحاكم سوريا حافظ الأسد، ثمّ بابنه بشار على مدار أربعين سنة، ومن المعلوم أن حكم سوريا في تلك المرحلة كان حكماً يقوده حزب البعث الاشتراكي، وكان حزب البعث يقوم على معاداة الدين، ويعتبره أصل التخلف والانحطاط، وأن النهضة والتقدم يتطلبان استئصال هذا الدين من كيان المجتمع.

وقد أقام مناهجه التربوية والإعلامية والإدارية والاقتصادية من أجل تحقيق هذا الهدف، ومع ذلك فإن الدكتور البوطي وهو الشيخ المسلم وقف إلى جانب حافظ الأسد الذي يقود هذا الحزب، وهذا أمر في منتهى الغرابة والخطأ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وقف إلى جانبه عندما اصطدم مع التيار الإسلامي عام 1980، وقتل الآلاف من الشعب السوري، وسجن عشرات الآلاف، ودمّر مدينة حماة عام 1982، وقتل ما يقرب من أربعين ألفاً في تلك المجزرة.

وكان يفترض بالبوطي أن يستنكر هذا القتل والتدمير والإجرام، وإن لم يستطع أن يفعل أن يسكت لا أن يمدح حافظ الأسد ويمجده ويقف إلى جانبه، وقد رد حافظ الأسد التحية إلى البوطي بأحسن منها بأن أعطاه فرصة للظهور بالتلفزيون السوري وفي تمثيل سوريا بالمؤتمرات الخارجية.

أما بالنسبة للانحياز إلى الأمة، فنجد أن البوطي يقف عكس ذلك إلى جانب الحاكم في وجه هذه الأمة التي ثارت على نظام بشار الأسد بمختلف فئاتها وأطيافها ومدنها وقراها.

هذا النظام الذي ألغى الحياة السياسية وألغى الطبقة المتوسطة وهي الطبقة الحية والقادرة على بلورة مشروع سياسي، فقد استطاع حافظ الأسد وابنه بشار تهميشها ومحاصرتها بعد عام 1970 من خلال ربطها بالأجهزة الأمنية المختلفة، وأوجب على مفكريها ومبدعيها أن يخضعوا لتلك الأجهزة.

أما المجال الاقتصادي لهذا النظام فإن الأرقام التي نقلتها المنظمات الدولية عام 2010 مرعبة ومخيفة، فقد ذكرت أنه يعيش 42% من السوريين في مدن الصفيح العشوائية المحيطة بالمدن، وهي محرومة من معظم الخدمات الحياتية في حين أن المتوسط العالمي 8%.

وتوصل التقرير الوطني الثاني عن الفقر وعدالة التوزيع وفق تقرير عام 2010 إلى أن حوالي سبعة ملايين نسمة -أي 34.3% من إجمالي السكان- يعيشون تحت خط الفقر. وتوصل التقرير كذلك إلى أن معدل البطالة وصل إلى 16.5% (3.7 ملايين نسمة عام 2009)، وقد انخفضت قدرة الناس الشرائية بحوالي 28% خلال الأعوام العشرة الماضية.

ويعاني المواطن السوري من تفشي الظلم وانعدام المساواة، ولا يصل إلى حقوقه في أي مجال اقتصادي أو تجاري أو سكني أو مالي بشكل متساوٍ مع المواطن الآخر من أبناء الطائفة العلوية، ولا يصل إلى بعض حقوقه إلا من خلال الأجهزة الأمنية.

ويعاني المواطن السوري من تغوّل الأجهزة الأمنية التي بلغ عددها 17 جهازاً، وبلغ عدد العاملين فيها 365 ألف شخص، وبلغت ميزانيتها ضعف ميزانية الجيش السوري، وشكلت هذه الأجهزة أخطبوطاً أحاط بالمواطن وأحصى أنفاسه، وحاسبه على كل تحركاته وسكناته، وبث الخوف والرعب اللا محدود في كل كيانه، وجعله قلقاً ومتوتراً من أن يقع في قبضة أحدها.

وربط النظام بهذه الأجهزة كل شؤون المواطن من سفر وبيع وشراء وتجارة وتعليم وإعلام. هذا ما جعلها تتغوّل وتصبح كابوساً في عقل المواطن ونفسه.

هذه بعض معالم وضع الحياة في سوريا غداة الثورة ضد نظام الحكم في البلاد، وهي أوضاع مؤلمة ومفجعة ومحزنة. ومع ذلك فإن الشيخ سعيد رمضان البوطي لم يقف إلى جانب الشعب والأمة لتصحيح هذه الأوضاع، لكنه انحاز إلى جانب بشار يدافع عنه وعن حكمه، ويروج أقواله التي تنعق بها أجهزة إعلامه، ويفتي بعدم جواز التظاهر ويدعو إلى طاعة بشار وحكمه، وكرر الخطأ الذي وقع فيه عام 1980 عندما انحاز إلى جانب حافظ الأسد ضد الأمة.

ظهرت المقالة صفات العالم.. البوطي نموذجًا معكوسًا أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/boti/feed/ 0 1713
تأملات في مسيرة عقل مسلم: ليوبولدفايس (محمد أسد) https://www.al-ommah.com/%d9%84%d9%8a%d9%88%d8%a8%d9%88%d9%84%d8%af%d9%81%d8%a7%d9%8a%d8%b3/ https://www.al-ommah.com/%d9%84%d9%8a%d9%88%d8%a8%d9%88%d9%84%d8%af%d9%81%d8%a7%d9%8a%d8%b3/#respond Sat, 10 Oct 2009 13:27:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=1915 كان الصبي ( ليوبولدفايس ) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم ، وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشر يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان ، درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه […]

ظهرت المقالة تأملات في مسيرة عقل مسلم: ليوبولدفايس (محمد أسد) أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
كان الصبي ( ليوبولدفايس ) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم ، وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشر يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان ، درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه لمنصب ديني .

كان إنجاز ليوبولدفايس المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسله من أجداده الحاخامات، ولكن هذا الحلم لم يتحقق ، فبالرغم من نبوغه في دراسة الدين أو ربما بسببه نمت لديه مشاعر سلبيه تجاه جوانب كثيرة من العقيدة اليهودية ، لقد رفض عقله ما بدا من أن الرب في النصوص التوراتية والتلمودية مشغول فوق العادة بمصير أمة معينة وهم اليهود بالطبع . لقد ابرزت النصوص الرب لا كخالق وحافظ لكل خلقه من البشر بل كرب قبلي يسخر كل المخلوقات لخدمة الشعب المختار .

لم يؤد إحباطه من الديانة اليهودية في ذلك الوقت إلى البحث عن معتقدات روحية أخرى ، فتحت تأثير البيئة اللا إرادية التي يعيش فيها وجد نفسه يندفع ككثير من أقرانه إلى رفض الواقع الديني وكل مؤسساته ، وما كان يتطلع إليه لم يختلف كثيراً عما يتطلع إليه باقي أبناء جيله وهو خوض المغامرات المثيرة .

في تلك المرحلة من عمر ” ليوبولدفايس” اشتعلت الحرب العالمية الأولى ( 1914_1918 ) . وبعد انتهاء الحرب _ وعلى مدى عامين _ درس بلا نظام تاريخ الفن والفلسفة في ( جامعة فينا ) ولكن ، كان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة ، كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مُثّل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة لكنه لم يصل إليها بعد .

كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوربية ، أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق ، كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع ، إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي مساعيهم وأهدافهم ، كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لاقدامه الوجلة ، ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن اسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب .

كانت علوم التحليل النفسي ( وهي جانب من دراسات الشاب ليوبولدفايس ) تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى ، وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته ، كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتحت أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات ، وما اكثر الليالي التي قضاها في مقاهي فينا يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال ” الفريد ادلر ” ” وهرمان سيتكل ” .

إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد ، بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل الغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الافعال العصبية .

لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً فقرر أن يترك الدراسة ويجرب نفسه في الصحافة.

كان أول طريق النجاح في هذه التجربه تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء ( يونايتد تلجرام ) وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح في وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرون ، فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم ارحب ” مقهى دي فيستن ” ” ورومانشية ” ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين ، فكانوا يمثلون له ( البيت الفكري ) وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية .

كان في ذلك الوقت سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية ، ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يتوق إلى تحقيقه .

كان مثله مثل كثير من شباب جيله فمع أن أيا منهم لم يكن تعساً إلا قليلاً منهم كان سعيداً بوعي وإدراك .

***

في أحد أيام ربيع سنة 1922م وعمره لم يتجاوز الثانية والعشرين كان على ظهر السفينة متوجهاً إلى ( القدس ، فلسطين ) .

ولو قال له أحد في ذلك الوقت أن أول معرفة له مباشرة بالإسلام ستصبح نقطة تحول عظمى في حياته لعد ذلك القول مزحة ، ليس بالطبع لأنه محصن ضد إغراءات الشرق التي تربط ذهن الأوربي برومانتيكيه ألف ليلة وليلة ، ولكنه أبعد ما يكون ان يتوقع ان تؤدي تلك الرحلة إلى مغامرات روحية .

كل ماكان يدور في ذهنه عن تلك الرحلة كان يتعامل معه برؤية غربية ، فقد كان رهانه محصوراً في تحقيق أعمق في المشاعر والإدراك من خلال البيئة الثقافية الوحيدة التي نشأ فيها ، وهي البيئة الأوروبية ، لم يكن إلا شاباً أوربياً نشأ على الاعتقاد بأن الإسلام وكل رموزه ليسا إلا محاولة التفافيه حول التاريخ الإنساني ، محاولة لا تحظى بالاحترام من الناحية الروحية والأخلاقية ، ومن ثم لا يستحق الذكر فضلاً عن أن يوازن بالدينين الوحيدين اللذين يرى الغرب أنهما يستحقان الاهتمام والبحث : اليهودية والمسيحية ، كان يلف تفكيره الفكر الضبابي القاتم والانحياز الغربي ضد كل ما هو إسلامي أو كما يعبر عن نفسه : ( لو تعاملت بعدل مع ذاتي لأقررت أني أيضاً كنت غارقاً حتى أذني في تلك الرؤية الذاتية الأوربية والعقلية المتعالية التي أتسم بها الغرب على مدى تاريخه : 104).

ولكن بعد أربع سنوات كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ويتسـمى باسـم ” محمد أسد ” .

بالرغم من أن حياة ليوبولدفايس تفيض بالمغامرات والمفاجاءات والمصادفات فلم يكن لإسلامه نتيجة لأي من ذلك بل نتيجة لسنوات عدة من التجول في العالم الإسلامي والاختلاط بشعوبه ، والتعمق في ثقافته وإطلاعه الواسع على تراثه بعد إجادته للغة العربية والفارسية .

كان في الأعوام المبكرة من شباب ليوبولدفايس بعدما اصابه الاحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها قد أتجه تفكيره إلى المسيحية بعد ان وجد أن المفهوم المسيحي للاله يتميز عن المفهوم التوراتي لأنه لم يقصر إهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار ، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر إلا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشئون الدنيوية. وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية ، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية ، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما للقيصر نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم. ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح أو أي دين آخر.

فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون ، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة ، وإن أحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون ، وبفقدانه لإيمانه فقد إقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي.

كان إقتناعه في شبابه المبكر أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده قد تبلور إلى اقتناع فكري بأن عبادة التقدم المادي ليست إلا بديلاً وهمياً للإيمان السابق بالقيم المجردة وأن الإيمان الزائف بالمادة جعل الغربيين يعتقدون بأنهم سيقهرون المصاعب التي تواجههم حالياً ، كانت جميع النظم الإقتصادية التي خرجت من معطف المادة علاجاً مزيفاً وخادعاً ولا تصلح لعلاج البؤس الروحي للغرب. كان التقدم المادي بإمكانه في أفضل الحالات شفاء بعض أعراض المرض إلا أنه من المستحيل أن يعالج سبب المرض.

كانت أول علاقة له بفكرة الإسلام وهو يقضي أيام رحلته الأولى في القدس عندما رأى مجموعة من الناس يصلون صلاة جماعة يقول : (أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمن حركات آلية ، فسألت الإمام هل تعتقد حقاً أن الله ينتظر منك أن تظهر له إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟ ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك وتصلي إلى ربك بقلبك وأنت ساكن؟ أجاب: بأي وسيلة أخرى تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معاً؟ وبما أنه خلقنا جسداً وروحاً ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟ ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة ، أيقنت بعد ذلك بسنوات أن ذلك الشرح البسيط قد فتح لي أول باب للإسلام .: 120)

بعد هذه الحادثة بشهور كان يدخل الجامع الأموي في دمشق ويري الناس يصلون ويصف هذا المشهد (اصطف مئات المصلين في صفوف طويلة منتظمة خلف الإمام ركعوا وسجدوا كلهم في توحد مثل الجنود ، كان المكان يسوده الصمت يسمع المرء صوت الإمام من أعماق المسجد الجامع يتلو آيات القرآن الكريم ، وحين يركع أو يسجد يتبعه كل المصلين كرجل واحد. أدركت في تلك اللحظة مدى قرب الله منهم وقربهم منه بدا لي أن صلاتهم لا تنفصل عن حياتهم اليومية بل كانت جزءاً منها ، لا تعينهم صلاتهم على نسيان الحياة بل تعمقها أكثر بذكرهم لله. قلت لصديقي ومضيفي ونحن ننصرف من الجامع: ما أغرب ذلك وأعظمه! إنكم تشعرون أن الله قريب منكم ، أتمنى أن يملأني أنا أيضاً ذلك الشعور ، رد صاحبي : ما الذي يمكن أن نحسه غير ذلك والله يقول في كتابه : { لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } . 166)

ويقول بعد ذلك (تركت تلك الشهور الأولى التي عشتها في بلد عربي قطاراً طويلاً من الانعكاسات والانطباعات ، لقد واجهت مغزى الحياة وجها لوجه وكان ذلك جديدا تماماً على حياتي. الأنفاس البشرية الدافئة تتدفق من مجرى دم أولئك الناس إلى أفكارهم بلا تمزقات روحية مؤلمة من عدم الإطمئنان والخوف والطمع والإحباط الذي جعل من الحياة الأوروبية حياة قبيحة وسيئة لا تعد شيئ:131)

(أحسست بضرورة فهم تلك الشعوب المسلمة لأني وجدت لديهم تلاحماً عضوياً بين الفكر والحواس ، ذلك التلاحم الذي فقدناه نحن الأوربيين ، واعتقدت أنه من خلال فهم أقرب وأفضل لحياتهم يمكن أن أكتشف الحلقة المفقودة التي تسبب معاناة الغربيين وهي تآكل التكامل الداخلي للشخصية الأوروبية ، لقد اكتشفت كنه ذلك الشيء الذي جعلنا نحن أهل الغرب ننأى عن الحرية الحقة بشروطها الموضوعية التي يتمتع بها المسلمون حتى في عصور انهيارهم الاجتماعي والسياسي:132)

(ما كنت أشعر به في البداية أنه لا يعدو أكثر من تعاطف مع شكل الحياة العربية والأمان المعنوي الذي أحسبه فيما بينهم تحول بطريقة لا أدركها إلى ما يشبه المسألة الذاتية ، زاد وعيي برغبة طاغية في معرفة كنه ذلك الشيء الذي يكمن في أسس الأمن المعنوي والنفسي وجعل حياة العرب تختلف كلياً عن حياة الأوروبيين ، ارتبطت تلك الرغبة بشكل غامض بمشكلاتي الشخصية الدفينة ، بدأت أبحث عن مداخل تتيح لي فهماً أفضل للشخصية العربية والأفكار التي شكلتهم وصاغتهم وجعلتهم يختلفون روحياً عن الأوروبيين بدأت أقرأ كثيراً بتركيز في تاريخهم وثقافتهم ودينهم ، وفي غمرة اهتمامي أحسست بأني توصلت إلى إكتشاف ما يحرك قلوبهم ويشغل فكرهم ويحدد لهم إتجاههم ، أحسست أيضاً بضرورة اكتشاف القوى الخفية التي تحركني أنا ذاتي وتشكل دوافعي وتشغل فكري وتعدني أن تهديني السبيل) : 132)

قضيت كل وقتي في دمشق أقرأ من الكتب كل ما له علاقة بالإسلام كانت لغتي العربية تسعفني في تبادل الحديث إلا أنها كانت أضعف من أن تمكنني من قراءة القرآن الكريم.. لذا لجأت إلى ترجمة لمعاني القرآن الكريم.. أما ما عدا القرآن الكريم فقد اعتمدت فيه على أعمال المستشرقين الأوربيين. ومهما كانت ضآلة ما عرفت إلا أنه كان أشبه برفع ستار ، بدأت في معرفة عالم من الأفكار كنت غافلاً عنه وجاهلاً به حتى ذلك الوقت ، لم يبد لي الإسلام ديناً بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة دين بل بدا لي أسلوباً للحياة ، ليس نظاماً لاهوتياً بقد ما هو سلوك فرد ومجتمع يرتكز على الوعي بوجود إله واحد ، لم أجد في أي آية من آيات القرآن الكريم أي إشارة إلى احتياج البشر إلى الخلاص الروحي ولا يوجد ذكر لخطيئة أولى موروثة تقف حائلاً بين المرء وقدره الذي قدره الله له ، ولا يبقى لأبن آدم إلا عمله الذي سعى إليه ولا يوجد حاجة إلى الترهب والزهد لفتح أبواب خفية لتحقيق الخلاص ، الخلاص حق مكفول للبشر بالولادة ، والخطيئة لا تعني إلا ابتعاد الناس عن الفطرة التي خلقهم الله عليها ، لم أجد أي أثر على الثنائية في الطبيعة البشرية فالبدن والروح يعملان في المنظور الإسلامي كوحدة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر.

أدهشني في البداية اهتمام القرآن الكريم ليس بالجوانب الروحية فقط بل بجوانب أخرى غير مهمة من الأمور الدنيوية ، ولكن مع مرور الوقت بدأت أدرك أن البشر وحدة متكاملة من بدن وروح ، وقد أكد الإسلام ذلك ، لا يوجد وجه من وجوه الحياة يمكن أن نعده مهمشاً بل إن كل جوانب حياة البشر تأتي في صلب اهتمامات الدين. لم يدع القرآن الكريم المسلمين ينسون أن الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة في طريق البشر نحو تحقيق وجود أسمى وأبقى وأن الهدف النهائي ذو سمة روحية ، ويرى أن الرخاء المادي لا ضرر منه إلا أنه ليس غاية في حد ذاته ، لذلك لا بد أن تقنن شهية الإنسان وشهواته وتتم السيطرة عليها بوعي أخـلاقي من الفرد ، هذا الوعي لا يوجه إلى الله فقط بل يوجه أيضاً إلى البشر فيما بينهم ، لا من أجل الكمال الديني وحده بل من أجل خلق حالة اجتماعية تؤدي إلى تطور وعي للمجتمع بأكمله حتى يتمكن من أن يحيا حياة كاملة.

نظرت إلى كل تلك الجوانب الفكرية والأخلاقية بتقدير وإجلال ، كان منهجه في تناول مشكلات الروح أعمق كثيراً من تلك التي وجدتها في التوراة ، هذا عدا أنه لم يأت لبشر دون بشر ولا لأمة بذاتها دون غيرها ، كما أن منهجه في مسألة البدن يعكس منهج الإنجيل منهج إيجابي لا يتجاهل البدن ، البدن والروح معاً يكونان البشر كتوأمين متلازمين سألت: ألا يمكن أن يكون ذلك المنهج هو السبب الكامن وراء الإحساس بالأمن والتوازن الفكري والنفسي الذي يميز العرب والمسلمين: 166- 168).

بعد أن غادر ليوبولدفايس سوريا بقى شهوراً في تركيا في طريق عودته إلى أوروبا لتنتهي رحلته الأولى إلى العالم الإسلامي.

(بدأت انطباعاتي عن تركيا تفقد حيويتها وأنا في القطار المتوجه إلى فينا وما ظل راسخاً هو الثمانية عشر شهراً التي قضيتها في البلاد العربية ، صدمني إدراكي أن أتطلع إلى المشاهد الأوروبية التي اعتدتها بعيني من هو غريب عنها ، بدا الناس في نظري في غاية القبح وحركاتهم خالية من الرقة ، ولا علاقة مباشرة بين حركاتهم وما يرددونه ويشعرون به ، أدركت فجأة أنه على الرغم من المظاهر التي تنبيء بأنهم يعرفون ما يريدون إلا أنهم لا يعرفون أنهم يحيون في عالم الادعاء والتظاهر ، أتضح لي أن حياتي بين العرب غيرت منهجي ورؤيتي لما كنت أعده مهماً وضرورياً للحياة ، تذكرت بشيء من الدهشة أن أوروبيين آخرين قد مروا بتجارب حياتية مع العرب وعايشوهم أزماناً طويلة فكيف لم تعترهم دهشة الاكتشاف كما اعترتني أم أن ذلك قد وقع لهم أيضا؟ هل أهتز أحدهم من أعماقه كما حدث لي: 178-179).

(توقفت بضعة أسابيع في فينا واحتفلت بتصالحي مع أبي الذي سامحني على ترك دراستي الجامعية ومغادرتي منزل الأسرة بتلك الطريقة الفجة ، على أي حال كنت مراسلاً لجريدة “فرانكفوتر ذيتونج” وهو أسم يلقي التقدير والتبجيل في وسط أوروبا في ذلك الوقت ، وهكذا حققت في نظره مصداقية ما زعمت له قبل ذلك من أني سأحقق ما أصبو إليه وأصل إلى القمة:)179).

(رحلت بعد ذلك من فينا مباشرة إلى فرانكفورت لأقدم نفسي شخصياً إلى الصحيفة التي كنت أمثلها في الخارج على مدى عام ، كنت في طريقي إليها وأنا أشد ثقة بنفسي فالرسائل التي كنت أتلقاها من فرانكفورت أظهرت لي أن مقالاتي كانت تلقى كل التقدير والترحيب: 180)

(أن أكون عضواً عالماً في مثل تلك الصحيفة كان مصدر فخر واعتزاز لشاب في مثل سني ، وعلى الرغم من أن مقالاتي عن الشرق الأوسط قوبلت باهتمام شديد من قبل جميع المحررين إلا أن نصري الكامل تحقق في اليوم الذي كلفت فيه أن أكتب مقالاً افتتاحياً بالصحيفة عن مشكلة الشرق الأوسط) :182 ) .

(كان من نتائج عملي في جريدة “فرانكفورت ذيتونج” النضج المبكر لتفكيري الواعي ، كما نتجت عنه رؤية ذهنية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى ، فبدأت في مزج خبرتي بالشرق بعالم الغرب الذي أصبحت جزءاً منه من جديد. منذ عدة شهور مضت اكتشفت العلاقة بين الاطمئنان النفسي والعاطفي السائد في نفوس العرب وعقيدة الإسلام التي يؤمنون بها ، كما بدأ يتبلور في ذهني أن نقص التكامل النفسي الداخلي للأوروبيين وحالة الفوضى اللاأخلاقية التي تسيطر عليهم قد تكون ناتجة من عدم وجود إيمان ديني وقد تكونت الحضارة الغربية في غيابه ، لم ينكر المجتمع الغربي الإله إلا أنه لم يترك له مكاناً في أنساقه الفكرية: 182).

بعد عودته إلى أوروبا من رحلته كان يحس بالملل إحساس من أجبر على التوقف قبل التوصل إلى كشف عظيم سيميط عن نفسه الحجب لو أتيح له مزيد من الوقت.

كان  ليوبولدفايس يتوق إلى العودة إلى الشرق مرة أخرى ، وقد تحقق له ما أراد إذ أن رئيس تحرير الجريدة الدكتور هنري سيمون ـ الذي كان في ذلك الوقت مشهوراً في أرجاء العالم ـ قد رأي فيه مراسلاً صحفياً واعداً فوافق بحماس على عودته إلى الشرق الأوسط بسرعة.

عاد إلى الشرق ليقضي عامين آخرين بين مصر وبلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان ، عاد من أوروبا وفي ذهنه صورة عن عالم الغرب ظلت تزداد في ذهنه مع الأيام رسوخاً وثباتاً ، عبر عن هذه الصورة فيما يأتي: (حقاً إن الإنسان الغربي قد أسلم نفسه لعبادة الدجال ، لقد فقد منذ وقت طويل براءته ، وفقد كل تماسك داخلي مع الطبيعة ، لقد أصبحت الحياة في نظره لغزاً ، أنه مرتاب شكوك ولذا فهو منفصل عن أخيه ، ينفرد بنفسه ، ولكي لا يهلك في وحدته هذه فإن عليه أن يسيطر على الحياة بالوسائل الخارجية ، وحقيقة كونه على قيد الحياة لم تعد وحدها قادرة على أن تشعره بالأمن الداخلي ، ولذا فإن عليه أن يكافح دائماً وبألم في سبيل هذا الأمن من لحظة إلى أخرى ، وبسبب من أنه فقد كل توجيه ديني وقرر الاستغناء عنه فإن عليه أن يخترع لنفسه باستمرار حلفاء ميكانيكيين ، من هنا نما عند الميل المحموم إلى التقنية والتمكن من قوانينها ووسائلها ، أنه يخترع كل يوم آلات جديدة ويعطي كلا منها بعض روحه كيما تنافح في سبيل وجوده ، وهي تفعل ذلك حقاً ، ولكنها في الوقت نفسه تخلق له حاجات جديدة ، ومخاوف جديدة وظمأ لا يروي إلى حلفاء جدد آخرين أكثر اصطناعية ، وتضيع روحه في ضوضاء الآلة الخانقة التي تزداد مع الأيام قوة وغرابة ، وتفقد الآلة غرضها الأصلي ـ أي أن تصون وتغني الحياة الإنسانية ـ وتتطور إلى صنم بذاته ، صنم من فولاذ ، ويبدو أن كهنة هذا المعبود والمبشرين به غير مدركين أن سرعة التقدم التقني الحديث هي نتيجة ليس لنمو المعرفة الإيجابي فحسب بل لليأس الروحي أيضاً ، وأن الانتصارات المادية العظمى التي يعلن الإنسان الغربي أنه بها يستحق السيادة الطبيعية هي في صميمها ذات صفة دفاعية فخلف واجهتها البراقة يكمن الخوف من الغيب ، إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازنا بين حاجات الإنسان الجسمية والاجتماعية وبين أشواقه الروحية ، لقد تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر ـ مهما كان نظرياً ـ يخضع نفسه للعقل ، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء… الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانيات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية ، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة ، إن الغربيين ـ في عمى وعجرفة ـ يعتقدون عن إقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة ، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين ، إنهم بحق يعبدون الدجال:373).

في هذه الرحلة الثانية أمكنه أن يتقن اللغة العربية ولذلك فبدل أن ينظر إلى الإسلام بعين غيره من المستشرقين ومترجمي القرآن غير المسلمين صار في إمكانه أن ينظر إلى الإسلام في تراثه الثقافي كما هو ، لم يعد على اعتقاده السابق استحالة أن يتفهم الأوروبي بوعي العقلية الإسلامية ، أيقن أنه لو تحرر المرء تماماً من عاداته التي نشأ عليها ومناهجها الفكرية وتقبل مفهوم أنها ليست بالضرورة الأساليب الصحيحة في الحياة لأمكن أن يفهم ما يبدو غريباً في نظره عن الإسلام ، كانت فكرته عن الإسلام تتطور وتنمو طوال هذه الرحلة الثانية التي أمكنه فيها أن يختلط بالشعوب ويناقش العلماء ، ويتصل بالزعماء.

(كان التفكير في الإسلام يشغل ذهني إن الأمر بدا لي في ذلك الوقت إنه رحلة لاستكشاف ما أجهله من تلك المناطق ، كان كل يوم يمر يضيف إليّ معارف جديدة ويطرح أسئلة جديدة لأجد إجاباتها تأتي من الخارج جميعها أيقظت شيئاً ما كان نائماً في أعماقي وكلما نمت معارفي عن الإسلام كنت اشعر مرة بعد أخرى أن الحقائق الجوهرية التي كانت كامنة في أعماقي من دون أن أعي وجودها بدأت تنكشف تدريجياً ويتأكد تطابقها مع الإسلام:255).

كان اليقين ينمو في داخله يقترب من إجابة نهائية عن أسئلته بتفهمه لحياة المسلمين كان يقترب يومياً من فهم أفضل للإسلام ، وكان الإسلام دائماً مسيطراً على ذهنه (لا يوجد في العالم بأجمعه ما يبعث في نفسي مثل تلك الراحة التي شعرت بها والتي أصبحت غير موجودة في الغرب ومهددة الآن بالضياع والاختفاء من الشرق ، تلك الراحة وذلك الرضا اللذان يعبران عن التوافق الساحر بين الذات الإنسانية والعالم الذي يحيط بها: 238). بهذه الروح من التسامح تجاه الآخر استطاع بسهولة أن يتخلص من انخداع الرجل الغربي وإساءته فهم الإسلام بسبب ما يراه من تخلف وانحطاط في العالم الإسلامي.

(الآراء الشائعة في الغرب عن الإسلام ـ تتلخص ـ فيما يأتي:” انحطاط المسلمين ناتج عن الإسلام وأنه بمجرد تحررهم من العقيدة الإسلامية وتبنى مفاهيم الغرب وأساليب حياتهم وفكرهم فإن ذلك سيكون أفضل لهم وللعالم” ، إلا أن ما وجدته من مفاهيم وما توصلت إلى فهمه من مبادئ الإسلام وقيمه أقنعني أن ما يردده الغرب ليس إلا مفهوماً مشوهاً للإسلام … أتضح لي أن تخلف المسلمين لم يكن ناتجاً عن الإسلام ، ولكن لإخفاقهم في أن يحيوا كما أمرهم الإسلام .. لقد كان الإسلام هو ما حمل المسلمين الأوائل إلى ذراً فكرية وثقافية :243- 244).

(وفر الإسلام باختصار حافزاً قوياً إلى التقدم المعرفي والثقافي والحضاري الذي أبدع واحدة من أروع صفحات التاريخ الإنساني ، وقد وفر ذلك الحافز مواقف إيجابية عندما حدد في وضوح نعم للعقل ولا لظلام الجهل ، نعم للعمل والسعي ولا للتقاعد والنكوص ، نعم للحياة لا للزهد والرهبنة ، ولذلك لم يكن عجباُ أن يكتسب الإسلام أتباعاً في طفرات هائلة بمجرد أن جاوز حدود بلاد العرب ، فقد وجدت الشعوب التي نشأت في أحضان مسيحية القديس بولس والقديس أوجستين… ديناً لا يقر عقيدة ومفهوم الخطيئة الأولى. .. ويؤكد كرامة الحياة البشرية ولذلك دخلوا في دين الله أفواجاً ، جميع ذلك يفسر كيفية انتصار الإسلام وانتشاره الواسع والسريع في بداياته التاريخية ويفند مزاعم من روجوا أنه انتشر بحد السيف ، لم يكن المسلمون إذاً هم من خلقوا عظمة الإسلام ، بل كان الإسلام من خلق عظمة المسلمين ، وبمجرد أن تحول إيمانهم إلى عادة ، وابتعد أن يكون منهجاً وأسلوباً للحياة خبا وهج النبض الخلاق في تلك الحضارة وحل محلها تدريجياً التقاعس والعقم وتحلل الثقافة:246).

كان ذكاؤه الحاد ونفاذ بصيرته ونهمه إلى الإطلاع على التراث الفكري للمسلمين يعمق معرفته بالإسلام فيبصره على حقيقته (كانت صور نهائية متكاملة عن الإسلام تتبلور في ذهني ، كان يدهشني في أوقات كثيرة أنها تتكون داخلي بما يشبه الارتشاح العقلي والفكري أي إنها تتم من دون وعي وإرادة مني ، كانت الأفكار تتجمع ويضمها ذهني بعضها إلى بعض في عملية تنظيم ومنجهة لكل الشذرات من المعلومات التي عرفتها عن الإسلام ، رأيت في ذهني عملا عمرانيا متكاملاً تتضح معالمه رويداً رويداً بكل ما تحتويه من عناصر الاكتمال ، وتناغم الأجزاء والمكونات مع الكل المتكامل في توازن لا يخل جزء منه بآخر ، توازن مقتصد بلا خلل ، ويشعر المرء أن منظور الإسلام ومسلماته كلها في موضعها الملائم الصحيح من الوجود:381).

(كانت أهم صفة بارزة لحضارة الإسلام وهي الصفة التي انفردت بها عن الحضارات البشرية السابقة أو اللاحقة أنها منبثقة من إرادة حرة لشعوبها لم تكن مثل حضارات سابقة وليدة قهر وضغط وإكراه وتصارع إرادات وصراع مصالح ، ولكنها كانت جزءاً وكلاً من رغبة حقيقية أصيلة لدى جميع المسلمين مستمدة من إيمانهم بالله وما حثهم عليه من إعمال فكر وعمل ، لقد كانت تعاقداً اجتماعيا أصيلاً لا مجرد كلام اجوف يدافع به جيل تالٍ عن امتيازات خاصة بهم… لقد تحققت أن ذلك العقد الاجتماعي الوحيد المسجل تاريخياً تحقق فقط على مدى زمنى قصير جدا ، أو على الأصح أنه على مدى زمني قصير تحقق العقد على نطاق واسع ، بعد أقل من مائة سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ الشكل النقي الاصيل للإسلام يدب فيه الفساد وفي القرون التالية بدأ المنهج القويم يزاح إلى الخلفية .. لقد حاول المفكرون الإسلاميون أن يحفظوا نقاء العقيدة إلا أن من أتوا بعدهم كانوا أقل قدرة من سابقيهم ، وتقاعسوا عن الاجتهاد.. وتوقفوا عن التفكير المبدع والاجتهاد الخلاق. كانت القوة الدافعة الأولى للإسلام كافية لوضعه في قمة سامية من الرقي الحضاري والفكري… وهذا ما دفع المؤرخين إلى وصف تلك المرحلة بالعصر الذهبي للإسلام ، إلا أن القوة الدافعة قد ماتت لنقص الغذاء الروحي الدافع لها وركدت الحضارة الإسلامية عصراً بعد عصر لافتقاد القوة الخلاقة المبدعة ، لم يكن لدي أوهام عن الحالة المعاصرة للعالم الإسلامي ، بينت الأعوام الأربعة التي قضيتها في مجتمعات إسلامية أن الإسلام ما زال حياً وأن الأمة الإسلامية أن الإسلام ما زال حياً وأن الأمة الإسلامية متمسكة به بقبول صامت لمنهجه وتعاليمه إلا أن المسلمين كانوا مشلولين غير قادرين على تحويل إيمانهم إلى أفعال مثمرة ، إلا أن ما شغلني أكثر من إخفاق المسلمين المعاصرين في تحقيق منهج الإسلام والإمكانيات المتضمنة في المنهج ذاته ، كان يكفيني أن أعرف أنه خلال مدى زمني قصير .. كانت هناك محاولة ناجحة لتطبيق هذا المنهج ، وما أمكن تحقيقه في وقت ما يمكن تحقيقه لاحقاً ، ما كان يهمني ـ كما فكرت في داخلي ـ أن المسلمين شردوا عن التعليمات الأصلية للدين… ما الذي حدث وجعلهم يبتعدون عن المثاليات التي علمهم أياها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ثلاثة عشر قرناً مضت ما دامت تلك التعليمات لا تزال متاحة لهم إن أرادوا الاستماع إلى ما تحمله من رسالة سامية؟ بدا لي كلما فكرت أننا نحن في عصرنا الحالي نحتاج إلى تعاليم تلك الرسالة أكثر من هؤلاء الذين عاشوا في عصر محمد صلى الله عليه وسلم ، لقد عاشوا في بيئات وظروف أبسط كثيراً مما نعيش فيه الآن ولذلك كانت مشكلاتهم أقل بكثير من مشكلاتنا.. العالم الذي كنت أحيا فيه ـ كله ـ كان يتخبط لغياب أي رؤية عامة لما هو خير وما هو شر.. لقد أحست بيقين تام..أن مجتمعنا المعاصر يحتاج إلى أسس فكرية عقائدية توفر شكلاً من اشكال التعاقد بين افراده ، وأنه يحتاج إلى إيمان يجعله يدرك خواء التقدم المادي من أجل التقدم ذاته ، وفي الوقت نفسه يعطي للحياة نصيبها ، إن ذلك سيدلنا ويرشدنا إلى كيفية تحقيق التوازن بين احتياجاتنا الروحية والبدنية ، وأن ذلك سينقذنا من كارثة محققة نتجه إليها بأقصى سرعة .. في تلك الفترة من حياتي شغلت فكري مشكلة الإسلام كما لم يشغل ذهني شيء آخر من قبل ، قد تجاوزت مرحلة الاستغراق الفكري والاهتمام العقلي بدين وثقافة غريبين ، لقد تحول اهتمامي إلى بحث محموم عن الحقيقة : 380-386).

لقد صار في إمكانه أن يميز بين ما هو الإسلام وما هو غريب عنه في تصورات المسلمين وسلوكهم ، في رحلته الأولى رأى حلقة ذكر يقيمها الصوفية في أحد مساجد {سكوتاري} في تركيا ويصفها بهذه العبارات (كانوا يقفون في محيط واحد فاستداروا في نصف دورة ليقابل كل واحد منهم الآخر أزواجاً ، كانوا يعقدون أذرعهم على صدورهم وينحنون انحناءة شديدة وهم يستديرون بجذوعهم في نصف دائرة .. في اللحظة التالية {كانوا } يقذفون أذرعهم في الاتجاه المعاكس الكف اليمنى ترتفع والكف اليسرى تنزل إلى الجانب ، وتخرج من حلوقهم مع كل نصف انحناءة واستدارة اصوات مثل غناء هامس “هو” ثم يطرحون رؤوسهم للخلف مغمضين أعينهم ويجتاج ملامحهم تقلص ناعم ، ثم تتصاعد وتتسارع إيقاعات الحركة وترتفع الجلاليب لتكون دائرة متسعة حول كل درويش مثل دوامات البحار.. تحولت الدائرة إلى دوامات ، اجتاحهم الانهماك وشفاههم تكرر بلا نهاية”هو ، هو” 251).

وفي الرحلة الثانية يتذكر حلقة الذكر هذه ويعلق عليها (اتضحت في ذهني معاني لم تبد لي عندما شاهدت حلقة الذكر {سكوتاري } ، كان ذلك الطقس الديني لتلك الجماعة ـ وهي واحدة من جماعات كثيرة شاهدتها في مختلف البلاد الإسلامية ـ لا يتفق مع صورة الإسلام التي كانت تتبلور في ذهني .. تبين لي أن تلك الممارسات والطقوس دخيلة على الإسلام من جهات ومصادر غير إسلامية ، لقد شابت تأملات المتصوفة وأفكارهم أفكار روحية هندية ومسيحية ، مما أضفى على بعض ذلك التصوف مفاهيم غريبة عن الرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ، أكدت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أن السببية العقلية هي السبيل للإيمان الصحيح بينما تبتعد التأملات الصوفية وما يترتب عليها {من سلوك } عن ذلك المضمون ، والإسلام قبل أي شيء مفهوم عقلاني لا عاطفي ولا انفعالي ، الانفعالات مهما تكن جياشة معرضة للاختلاف والتباين باختلاف رغبات الافراد وتباين مخاوفهم بعكس السببية العقلية ، كما أن الانفعالية غير معصومة بأي حال: 253).

كتب بعد ذلك بسنوات: (لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء ، كل اجزائه صيغت ليُكمل بعضها البعض وليدعم بعضها بعضا ، ليس فيها شيء زائد عن الحاجة وليس فيها ما ينقص عنها ، وناتج ذلك كله توازن مطلق وبناء محكم ، ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من تعاليم وضع موضعه الصحيح هو ما كان له أعظم الأثر علي ، لقد سعيت بجد إلى أن أتعلم عن الإسلام كل ما أستطيع أن أتعلمه ، درست القرآن وأحاديث النبي ، درست لغة الإسلام وتاريخه وقدراً كبيرا مما كتب عن الإسلام وما كتب ضده ، أقمت ست سنوات تقريباً في نجد والحجاز معظمها في مكة والمدينة بغرض أن أتصل مباشرة ببيئة الإسلام الأصلية ، وبما أن المدينتين كانتا مكان اجتماع المسلمين من مختلف الاقطار فقد تمكنت من الاطلاع على مختلف الآراء الدينية والاجتماعية السائدة حالياً في العالم الإسلامي ، وكل هذه الدراسات والمقارنات خلقت لدى اعتقاداً راسخاً أن الإسلام كظاهرة روحية واجتماعية لا يزال أقوى قوة دافعة عرفها البشر رغم كل مظاهر التخلف التي خلفها ابتعاد المسلمين عن الإسلام. (Islam At Crossroads ED. 1982 p 11-12 )

طوال العامين اللذين قضاهما في رحلته الثانية في العالم الإسلامي كان بعقله ومعلوماته يتقدم بسرعة في الطريق إلى الإسلام لقد وعى ذلك وهو يعدو بجواده فوق جبال إيرانية مغطاة بالثلج الأبيض (بدا العالم كله مبسوطاً أمامي في رحابية لا تنتهي بدا شفافاً في عيني كما لم يبد من قبل ، رأيت نمطه الداخلي الخفي ، وأحسست بنبضه الدفين في تلك الأصقاع البيضاء الخالية ، واندهشت من خفاء ذلك علي منذ دقيقة مضت وأيقنت أن كل الأسئلة التي تبدو بلا إجابة ماثلة أمامنا في انتظار أن ندركها ، بينما نحن ـ الحمقى المساكين ـ نطرح الأسئلة وننتظر أن تفتح الأسرار الإلهية نفسها لنا بينما تنتظر تلك الأسرار أن نفتح نحن أنفسنا لها ، مر أكثر من عام بين انطلاقي المجنون على جوادي فوق الجليد والبرد قبل أن اعتنق الإسلام ، ولكن حتى في ذلك الوقت قبل إسلامي كنت انطلق ـ دون أن أعي ذلك ـ في خط مستقيم كمسار السهم المنطلق بإتجاه مكة المكرمة:574-275).

(كنت في طريقي من مدينة هراة إلى مدينة كابل.. توجهنا إلى قرية ده زانجي جلسنا في اليوم التالي حول غداء وافر كاالمعتاد {في بيت الحاكم} وبعد الغداء قام رجل من القرية بالترفيه عنا..

غنى على ما أذكر عن معركة داود وجالوت ، عن الإيمان عندما يواجه قوة غاشمة .. علق الحاكم في نهاية الأغنية قائلاً: ” كان داود صغيراً إلا أن إيمانه كان كبيراً” فلم أتمالك نفسي وقلت بإندفاع : ” وأنتم كثيرون وإيمانكم قليل” نظر مضيفي مندهشاً فخجلت مما قلت من دون أن أتمالك نفسي وبدأت بسرعة في توضيح ما قلت واتخذ تفسيري شكل أسئلة متعاقبة كسيل جارف ، قلت (( كيف حدث أنكم معشر المسلمين فقدتم الثقة بأنفسكم تلك الثقة التي مكنتكم من نشر عقيدتكم في أقل من مائة عام حتى المحيط الأطلسي.. وحتى أعماق الصين ، والآن تستسلمون بسهولة وضعف إلى أفكار الغرب وعاداته؟ لماذا لا تستجمعون قوتكم وشجاعتكم لإستعادة إيمانكم الفعلي ، كيف يصبح أتاتورك ذلك المتنكر التافه الذي ينكر كل قيمة للإسلام ، رمزاً لكم في الإحياء والنهوض والإصلاح؟)).

ظل مضيفي صامتاً .. كان الثلج قد بدأ في التساقط خارجاً ، وشعرت مرة أخرى بموجة من الأسى مختلطة مع تلك السعادة الداخلية التي شعرت بها ونحن نقترب من ده زانجي أحسست بالعظمة التي كانت عليها الأمة ، وبالخزي الذي يغلف ورثتها المعاصرين . اردفت مكملاً أسئلتي ” قل لي كيف دفن علماؤكم الإيمان الذي أتى به نبيكم بصفائه ونقائه؟ كيف حدث أن نبلاءكم وكبار ملاك أراضيكم يغرقون في الملذات بينما يغرق أغلب المسلمين في الفقر .. مع أن نبيكم علمكم أنه لا يؤمن أحدكم أن يشبع وجاره جائع؟ هل يمكن أن تفسر لي كيف دفعتم النساء إلى هامش الحياة مع أن النساء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ساهمن في شئون حياة أزواجهن؟ كان مضيفي ما زال يحملق فيّ دون كلمة ، وبدأت اعتقد أن انفجاري ربما سبب له ضيقاً ، في النهاية جذب الحاكم ثوبه الأصفر الواسع وأحكمه حول جسمه… ثم همس ” ولكن أنت مسلم” ضحكت وأجبته كلا لست مسلماً ولكني رأيت الجوانب العظيمة في رسالة الإسلام مما يجعلني أشعر بالغضب وأنا أراكم تضيعونه ، سامحني إن تحدثت بحدة ، أنا لست عدوا على أي حال ” إلا أن مضيفي هز رأسه قائلاً : ” كلا أنت كما قلت لك مسلم إلا أنك لا تعلم ذلك ، لماذا لا تعلن الآن هنا : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتصبح مسلماً بالفعل بدلاً من أن تكون مسلماً بقلبك فقط “قلت له : ” لو قلتها في أي وقت فسأقولها عندما يستقر فكري عليها ويستريح لها ” استمر إصرار الحاكم : ولكنك تعرف عن الإسلام أكثر مما يعرفه أي واحد منا ، ما الذي لم تعرفه أو تفهمه بعد؟” قلت له : ” الأمر ليس مسألة فهم بل أن أكون مقتنعاً ، أن أقتنع أن القرآن الكريم هو كلمة الله ، وليس ابتداعاً ذكياً لعقلية بشرية عظيمة ” ولم تمح كلمات صديقي الأفغاني من ذهني على مدى شهور طويلة:375-376).

بعد شهور من هذه الحادثة كان ينطق بالشهادة أمام رئيس رابطة المسلمين في برلين كان قد رجع إلى أوروبا من رحلته الثانية التي استغرقت عامين من التجوال في العالم الإسلامي فعرف أن اسمه أصبح من الأسماء المعروفة… وأنه أصبح واحداً من أشهر مراسلي الصحف وسط أوروبا ، بعض مقالاته لقيت ما يفوق الاعتراف بأهميتها ، وتلقى دعوة لإلقاء سلسلة من المحاضرات في أكاديمية الجغرافيا السياسية في برلين ، ولم يحدث كما قيل له أن رجلاً في مثل سنه (السادسة والعشرين) قد حقق ذلك التميز ، وأعيد نشر مقالاته الأخرى في صحف كثيرة حتى أن واحدة من تلك المقالات نشرت في ثلاثين مطبوعة مختلفة.

ولكن بعد عودته واتصاله من جديد بأصدقاء الفكر والثقافة في برلين ومناقشته معهم قضية الإسلام ، أحس أنه وإياهم لم يعودوا يتحدثون من المنطلقات الفكرية نفسها ، شعر بأن من يرون منهم أن الأديان القديمة أصبحت شيئاً من الماضي وهم الأغلبية ومن كانوا لا يرفضون الأديان رفضاً كلياً ، كانوا كلهم يميلون بلا سبب إلى تبنى المفهوم الغربي الشائع الذي يرى أن الإسلام يهتم بالشئون الدينية وتنقصه الروحانيات التي يتوقع المرء أن يجدها في أي دين ( ما أدهشني بالفعل أن اكتشف أن ذلك الجانب من الإسلام هو ما جذبني إليه من أول لحظة وهو عدم الفصل بين الوجود المادي والوجود الروحي للبشر ، وتأكيد السببية العقلية سبيلاً للإيمان ، وهو الجانب ذاته الذي يعترض عليه مفكروا أوروبا ، الذين يتبنون السببية العقلية منهجاً للحياة ، ولا يتخلون عن ذلك المنهج العقلاني إلا عندما يرد ذكر الإسلام ، لم أجد أي فرق بين الأقلية المهتمة بالأديان والأغلبية التي ترى أن الدين أصبح من المفاهيم البالية التي عفا عليها الزمن ، أدركت مع الوقت مكمن الخطأ في منهج كل منهما ، أدركت أن مفاهيم من تربوا في أحضان الأفكار المسيحية في أوروبا .. تبنوا مفهوماً يسود بينهم جميعاً فمع طول تعود أوروبا نسق التفكير المسيحي تعلم حتى اللادينيين أن ينظروا إلى أي دين آخر من خلال عدسات مسيحية فيرون أي فكر ديني صالحاً لأن يكون ديناً إذا غلفته مسحة غامضة خارقة للطبيعة تبدو خافية وفوق قدرة العقل البشري على استيعابها ، ومن منظورهم لم يف الإسلام بتلك المتطلبات .. كنت أوقن بأني في طريقي إلى الإسلام وجعلني تردد اللحظة الأخيرة أؤجل الخطوة النهائية التي لا مفر منها، كانت فكرة اعتناق الإسلام تمثل لي عبور قنطرة فوق هاوية تفصل بين عالمين مختلفين تماماً قنطرة طويلة حتى أن المرء عليه أن يصل إلى نقطة اللاعودة أولاً قبل أن يتبين الطرف الآخر للقنطرة ، كنت أعي أني لو اعتنقت الإسلام لاضطررت إلى خلع نفسي نهائياً من العالم الذي ولدت فيه ونشأت فيه ، لم تكن هناك حلول أخرى ، فلم يكن ممكنا لأمرئ مثلي أن يتبع دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ويظل محتفظاً بروابطه مع مجتمع يتصف بثنائية المفاهيم المتعارضة والمتناقضة ، كان سؤالي الأخير الذي كنت متردداً أمامه هو : هل الإسلام رسالة من عند الله أم أنه حصيلة حكمة رجل عظيم:287-289).

ولم يمكث غير بعيد حتى جاءت الإجابة ، لقد اتصل من جديد بحياة الغرب مباشرة ورأى مبلغ التعاسة والشقاء الذي يعانيه الغربيون ولكنهم لا يعونه أو لا يعون سببه ، كان في القطار مع زوجته ، وشغل نفسه بالتطلع إلى وجوه الناس (بدأت أتطلع حولي إلى الوجوه.. كانت جميعاً وجوهاً تنتمي إلى طبقة تنعم بلبس ومأكل جيدين ولكنها كانت تشي بتعاسة داخلية عميقة ومعاناة واضحة على الملامح تعاسة عميقة حتى أن أصحابها لم يدركوا ذلك.. كنت أوقن بأنهم غير واعين وإلا لما استمروا في إهدار حياتهم على هذا المنوال من دون أي تماسك داخلي ومن دون أي هدف أسمى من مجرد تحسين معيشتهم ومن دون أمل يزيد على الاستحواذ المادي الذي من الممكن أن يحقق لهم مزيداً من السيطرة:290).

جاءت الإجابة حين قرأ القرآن فور عودته إلى بيته – وكانت التجربة التي مر بها في القطار لا تزال حية في تفكيره –

(وقفت لحظات مشدوهاً وأنا أحبس أنفاسي وأحسست أن يدي ترتجفان ….. لقد كان القرآن يتضمن الإجابة إجابة حاسمة قضت على شكوكي كلها وأطاحت بها بلا رجعة ، أيقنت يقيناً تاماً أن القرآن … من عند الله :291).
بعد إسلامه بست سنوات كان يقطع الصحراء الكبرى قادماً من “قصر عثيمين” على الحدود السعودية العراقية وقاصداً مكة ، كانت رحلة مليئة بالمفاجأة والمغامرة لقد أشرف فيها على الموت.
وكتب كتابه ” الطريق إلى مكة” يقص فيه التفاصيل المثيرة لهذه الرحلة ويقص معها تفاصيل رحلة أخرى رحلة روحه إلى مكة، رحلتها إلى الإسلام. كل ما سبق من معلومات واقتباسات أخذت من هذه القصة الرائعة.

المقال من إعداد اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء

ظهرت المقالة تأملات في مسيرة عقل مسلم: ليوبولدفايس (محمد أسد) أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%84%d9%8a%d9%88%d8%a8%d9%88%d9%84%d8%af%d9%81%d8%a7%d9%8a%d8%b3/feed/ 0 1915
قراءة في سيرة حسن البنّا رحمه الله تعالى https://www.al-ommah.com/%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7-2/ https://www.al-ommah.com/%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7-2/#respond Fri, 20 Mar 2009 03:51:51 +0000 https://al-ommah.com/?p=894 وُلد حسن البنّا عام 1906 في قرية محمودية البحيرة، وتعلّم في مدرسة الرشاد الدينية، ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية، وحفظ البنا نصف القرآن الكريم أثناء وجوده في مدرسة الرشاد الدينية، وحفظ نصفه الآخر بعد انتقاله إلى المدرسة الإعدادية، ثم انتقل إلى مدرسة المعلّمين الأولية بدمنهور، ولما يتم العام الرابع عشر […]

ظهرت المقالة قراءة في سيرة حسن البنّا رحمه الله تعالى أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
وُلد حسن البنّا عام 1906 في قرية محمودية البحيرة، وتعلّم في مدرسة الرشاد الدينية، ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية، وحفظ البنا نصف القرآن الكريم أثناء وجوده في مدرسة الرشاد الدينية، وحفظ نصفه الآخر بعد انتقاله إلى المدرسة الإعدادية، ثم انتقل إلى مدرسة المعلّمين الأولية بدمنهور، ولما يتم العام الرابع عشر من عمره، وقضى فيها ثلاث

سنوات ليتخرّج بعدها معلّماً ابتدائياً، ثم توجّه إلى دار العلوم في القاهرة وحصل منها على الدبلوم في عام 1927، حيث تعيّن إثر حمله هذه الشهادة مدرّساً في الاسماعيلية، أنشأ البنا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في الاسماعيلية، ثم انتقل إلى القاهرة عام 1932، واستشهد عندما اغتاله الملك فاروق في 12 شباط (فبراير) 1949.

        لاشك أنّ البنا رجل ربّاني قدّم حياته في سبيل الإسلام، واستطاع أن يكون مؤثّراً في مسيرة الحياة الإسلامية، فاستفاد ممن قبله، وبنى عليه، فاستفاد من توجّهات محمد رشيد رضا  وعبد الرحمن عزّام الإصلاحية إلخ…، لكنّ السؤال الأهمّ يبقى: ما الذي وفّق فيه حسن البنا إلى الصواب، وما الذي لم يوفّق فيه إلى الصواب؟

        وفّق حسن البنا إلى الصواب في أنه توجّه إلى الإنسان المسلم منذ البداية، وتعامل معه، واعتبره الأصل في التغيير واتجه إلى إصلاحه وبنائه البناء الصحيح، ويمكن أن ندرك قيمة هذا التوجّه إذا قارنّاه بعلماء آخرين اتجهوا إلى إصلاح المؤسسات من أجل تغيير الواقع كما فعل محمد عبده عندما اتجه إلى إصلاح القضاء الشرعي ومؤسسات الأزهر التعليمية إلخ… لكنّ الثمرة كانت جذورها أكثر جدوى على الأمّة من خلال حركة البنا التي اتجهت إلى بناء الإنسان المسلم.

والأهمّ من ذلك أنّ البنا أصاب في أصول المعالجة التي توجّه بها إلى هذا الإنسان فعالج ثلاثة عناصر يقوم عليها الإنسان المسلم وهي: القلب والعقل والجسد، ويمكن أن نلمس تأكيداً لذلك في معظم رسائل البنا، فلو أخذنا رسالة التعاليم وهي أهمّ الرسائل التي يأخذ البنا البيعة عليها من المنضوين تحت لواء جماعة الإخوان، نجد أنها عالجت الجوانب الثلاثة في الإنسان المسلم وهي: القلب والعقل والجسد، ويمكن أن نجد تأكيداً لذلك عند فرز الأمور المطلوبة، فنجد أنّ بعض الأمور المطلوبة عالجت القلب والروح، وبعضها الآخر عالج العقل والتفكير، وبعضها الثالث عالج الجسد، ويمكن أن نجد الصورة التالية:

معالجة القلب: الورد اليومي من القرآن، ذكر الآخرة، أداء نوافل العبادة، صيام ثلاثة أيام كل شهر، الذكر القلبي واللساني، أداء الصلاة في أوقاتها، استصحاب نية الجهاد، تجديد التوبة إلخ…

العقل: حفظ الأحاديث، مطالعة رسائل الإخوان وجرائدهم، تكوين مكتبة خاصة، درس رسالة في أصول العقائد، ورسالة في فروع الفقه إلخ…

الجسد: الكشف الصحي، الابتعاد عن الإسراف في القهوة والشاي، الامتناع عن التدخين، العناية بالنظافة، تجنب الخمر والميسر والمفتر إلخ…

        ومن الجدير بالذكر أنّ قيمة هذه المعالجة للعناصر الثلاثة يتضح عندما نقارنها بمعالجة حزب التحرير للإنسان المسلم من خلال التركيز على عنصر واحد هو عنصر الفكر، ثم ننظر إلى نتائج المعالجتين، فنجد أنّ معالجة البنا أثمرت نتائج إيجابية في مختلف مجالات حياة المسلمين الأخرى في السياسة والإعلام إلخ… في حين أنّ معالجة حزب التحرير أعطت نتائج محدودة جداً في حياة المسلمين.

        ومما وفّق فيه البنا إلى الصواب أيضاً توجّهه إلى العمل الجماعي، واجتهاده في إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، وعدم الاقتصار على الكتابة والتأليف في العلوم الإسلامية، وعدم العيش في برج عاجي، لقد أحسن في نزوله إلى الشارع، ومعايشته جماهير المسلمين، ومعاينته لأحوالهم، ومعالجته همومهم، وقد كان هذا دأب علماء الأمّة على مدار التاريخ بدءاً من أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، ومروراً بابن تيمية والعزّ بن عبد السلام وانتهاء بشيوخ الأزهر الذين واجهوا نابليون بونابرت عند احتلاله مصر، لأنّ العالِم المسلم لا يتعلّم الإسلام ويملأ عقله به  من أجل أن يدوّن الكتب والمؤلّفات والصفحات، ولكن من أجل أن يعالج الواقع الإسلامي ويرتقي به: يأمر بالخير والطهر والفضيلة والاستقامة والعفاف إلخ…، وينهى عن الرذيلة والشرّ والانقسام إلخ…

        ويمكن أن تتضح قيمة توجّه البنا إلى العمل الجماعي وآثار ذلك في حياة الأمّة عند مقارنته بشخص آخر هو محمد عبده، اتجه إلى التأليف والكتابة، وتعامل مع نخبة من المثقّفين، لكنّ حركة البنا الجماعية كانت أكثر بركة على حياة الأمّة من أعمال تلك النخبة الثقافية.

        لكنّ البنا لم يوفّق إلى الصواب في بعض أحكامه على الواقع الجديد الذي عايشته مصر وهو: القومية المصرية من جهة، والديمقراطية من جهة ثانية.

        أمّا بالنسبة للقومية المصرية ققد ظهر جيل بعد ثورة 1919 في مصر والتي قادها سعد زغلول يعتبر أنّ الشعب المصري يشكّل أمّة فرعونية مستقلّة، لا علاقة لها بالعرب  والمسلمين إلا علاقة الجوار، وقد جاء هذا  التوجّه متأثّراً بعصر القوميات الذي ساد القرن التاسع عشر في أوروبا، والقومية المصرية هي الرابطة التي حلّت محل رابطة الأخوة الإسلامية، والقومية المصرية  هي أيديولوجيا حلّت محل الدين الإسلامي، فيجب أن يكون المصري ولاؤه لمصر، وحبّه لمصر، وتضحيته في سبيل مصر إلخ…         وقد قاد هذا التيار في مصر معظم المفكّرين البارزين من أمثال: طه حسين وعبّاس محمود العقّاد، وتوفيق الحكيم، ومحمد حسنين هيكل، وسلاّمة موسى إلخ…

        عندما تعرّض البنا إلى موضوع القومية المصرية اعتبر أنه إذا كانت القومية تعني حب القوم، والوطنية تعني حب الوطن فهذا مما يقرّه الإسلام ويعترف به، وإذا كان يعني التعصّب المقيت للقوم والوطن فهذا مما يبغضه الإسلام، وما قاله البنا صحيح، لكن القومية المطروحة في مصر آنذاك والمنقولة عن الحضارة الغربية لم تكن المعاني السابقة فقط، بل كانت تعني أنّ المصريين أمّة فرعونية، وأنّ الانتماء إلى هذه الأمّة يجب أن يكون الحقيقة الوحيدة التي يدور حولها المصري في مشاعره وأفكاره وسلوكه وتصرّفاته، وهي عقيدة ودين وأيديولوجيا يجب أن يقيم المصري عليه وجوده وكيانه، ولاشك أنّ هذا الكلام عدا أنه غير صحيح شرعاً، ليس بصحيح موضوعياً، فليس هناك أمّة فرعونية، والشعب المصري يشكّل جزءاً من الأمّة الإسلامية، وقد دخل الإسلام في كل جزئيات حياته النفسية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والفنية والسياسية إلخ…

        وأمر آخر لم يوفّق فيه حسن البنا إلى الصواب هو تمييزه بين الدستور والقوانين، واعتباره أنّ الدستور المصري أقرب ما يكون إلى الإسلام، ولا يعدل به نظاماً آخر، واعتباره أنّ الخطأ في القوانين المخالفة للإسلام مثل القوانين التي تبيح الربا وتسمح ببيع الخمور والزنا إلخ…، لكن هذا التمييز غير صحيح لأنّ كلاً من الدستور والقوانين مرتبطان بالديمقراطية التي هي مظلّة لهما، وهي الأصل الذي يتفرّعان عنها، والحقيقة أنّ المخالفات الشرعية التي برزت في الحياة المصرية والتي تجسّدت في القوانين المصرية، إنما جاءت من الديمقراطية التي أفرزت الدستور والقوانين، وبخاصة جاءت من الجانب الفلسفي في الديمقراطية، لأنّ الديمقراطية ذات حالتين: الفلسفة وهو الأهم والثابت، والآليات وهي الأقل أهمية من مثل إجراء الانتخابات وإقامة الأحزاب إلخ…، والفلسفة في الديمقراطية تقوم على نسبية الحقيقة، أي أنه ليست هناك حقيقة مطلقة، وأنّ كل شيء قابل للتغيير، لذلك يمكن أن يكون الربا والزنا حراماً في نظر الديمقراطية ثم يصبح حلالاً أو العكس، لأنّ الحقيقة نسبية في نظرها، في حين أنّ هناك بعض الحقائق الثابتة لا تتغيّر في ديننا إلى قيام الساعة من أمثال: حرمة الزنا والربا، وكون الظهر أربع ركعات، ووجوب الصيام في رمضان إلخ… وهذه الحقائق الثابتة مرتبطة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة.

        من الطبيعي أن يوفّق البنا إلى الصواب في بعض الاجتهادات، وأن لا يوفّق إلى الصواب في بعضها الآخر، فهذا أمر طبيعي في البشر، لكنّ الأهمّ من ذلك، أنه حفر مجرى فيه خير كثير، ويفترض فيمن يأتي بعده أن يبني على الصواب الذي وفّق إليه البنا، ويبتعد عن الخطأ الذي لم يوفّق فيه، وهذا ما حدث فعلاً، فقد أغنى عدد من المفكّرين والكتّاب الإسلاميين الصواب الذي تركه البنا من أمثال: عبد القادر عودة، وسيد سابق، وسيد قطب، ومحمد قطب إلخ…، وهذا من المبشّرات التي تدعو إلى التفاؤل وإلى الاطمئنان إلى أنّ مسيرة العمل الإسلامي تتجه في الاتجاه السليم، وبأنّ اللاحق يبنى على صواب السابق.

ظهرت المقالة قراءة في سيرة حسن البنّا رحمه الله تعالى أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7-2/feed/ 0 894
القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي: نظرة فاحصة https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%b1/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%b1/#respond Thu, 06 Jul 2006 07:51:00 +0000 http://onlinedawa.org/alommah/?p=245 مرّت مائة سنة على ولادة مالك بن نبي وجرى الحديث المتعدّد عن بعض أفكاره، وأبرز الأفكار التي تناولها الحديث فكرة “القابلية للاستعمار”، مع أنّ أفكاراً أخرى أجدر بالحديث والإشادة والصوابية من مثل: ربطه مشاكل الأمّة بالأمور الحضارية، وحديثه عن أساليب الاستعمار إلخ…، وفي رأيي أنّ فكرة “القابلية للاستعمار” أضعف أفكاره، […]

ظهرت المقالة القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي: نظرة فاحصة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
مرّت مائة سنة على ولادة مالك بن نبي وجرى الحديث المتعدّد عن بعض أفكاره، وأبرز الأفكار التي تناولها الحديث فكرة “القابلية للاستعمار”، مع أنّ أفكاراً أخرى أجدر بالحديث والإشادة والصوابية من مثل: ربطه مشاكل الأمّة بالأمور الحضارية، وحديثه عن أساليب الاستعمار إلخ…، وفي رأيي أنّ فكرة “القابلية للاستعمار” أضعف أفكاره، وأقلّها صوابا وبخاصة عندما ارتبطت هذه الفكرة بأمر آخر هو كلامه عن بلوغ عوامل التعارض الداخلية قمّتها في نهاية عهد دولة الموحّدين، ولم يعد الإنسان والتراب والوقت عوامل حضارة ، بل أضحت عناصر خامدة ليس بينها صلة مبدعة، وربط مالك بن نبي بين الانحطاط وبين القابلية للاستعمار فاعتبر أنّ هذه القابلية للاستعمار عامل باطني يستجيب للعامل الخارجي، وأبرز مظاهر هذا العامل الباطني: البطالة، وانحطاط الأخلاق الذي يؤدّي إلى شيوع الرذيلة، وتفرّق المجتمع الذي يؤدّي إلى الفشل من الناحية الأدبية.

        فهل صحيح أنّ الأمّة وقعت في الانحطاط الذي أدّى إلى موات المجتمع من ناحيتي العقل والترابط؟ فهل توقّف العقل العربي عن الإبداع والفاعلية والحركة منذ عهد الموحّدين؟ وهل تفكّك المجتمع وتشرذمت الأمّة وزالت عوامل الوحدة وانتهى الناس إلى روابطهم الفردية؟ ليس من بأنّ هذا التصوّر غير صحيح مع الإقرار بوجود أمراض متعدّدة، أثّرت على أوضاع الأمّة ومسيرتها منذ عهد الموحّدين، وأضعفت حيويتها، وقلّلت فاعليّتها.

        أمّا عن الشقّ الأول من التوصيف وهو الزعم بأنّ العقل العربي توقّف عن النشاط والإبداع فأبرز ما يدحضه توصُّل الدكتور جورج صليبا في كتاب جديد له صدر بتاريخ عام 1999 تحت عنوان “الفكر العلمي: نشأته وتطوّره” إلى نتائج مخالفة لما طرحه مالك بن نبي، لأنه اتبع منهجية جديدة في دراسة العلوم العربية، قامت هذه المنهجية على رصد التطورات العلمية للعلوم العربية وعلى عدم الانطلاق من نظريات مسبقة، وطبق ذلك على علم الفلك فتوصّل إلى أنّ العصر الذهبي لعلم الفلك العربي هو العصر الذي يطلقون عليه عصر الانحطاط بالنسبة للعلوم العربية بشكل عام، وأشار في هذا الصدد إلى نظريات ابتدعها نصير الدين الطوسي في كتابيه “تحرير المجسطي” الذي ألفه عام 1247م، و “التذكرة في الهيئة” الذي ألفه بعد الكتاب السابق بنحو ثلاث عشرة سنة، وقد أفرد الطوسي فصلاً كاملاً للرد على علم الفلك اليوناني ولإقامة هيئته البديلة، وفي أثناء هذا العرض استخدم الطوسي مرة ثانية النظرية الجديدة التي كان قد اقترحها بشكل مبدئي في كتاب “تحرير المجسطي”، وإذا بهذه النظرية تظهر هي الأخرى بعد حوالي ثلاثة قرون في أعمال كوبرنيك بالذات وبالشكل الذي ظهرت فيه في “تذكرة” الطوسي.

        ولم يتوقف الأمر عند الطوسي وحده بل شمل الإبداع في علم الفلك عشرات من الآخرين في القرون التالية وكان من أبرزهم شمس الدين الخفري الذي كان معاصراً لكوبرنيك والذي كان يتحلّى بمقدرة رياضية ودراية في دور الرياضيات في صياغة العلوم، ندر أن يوجد مثلها في أعمال الذين أتوا قبل القرن السابع عشر الذي تم فيه فعلاً تكوين العلم الحديث.

انتهى الدكتور جورج صليبا إلى أنّ كل تلك الأحكام التي وصفت مرحلة ما بعد الموحّدين بالانحطاط بأنها لم تأت حصيلة دراسة موضوعية للوضع العلمي في تلك المرحلة، لذلك جاءت الأحكام غير علمية، وغير دقيقة، لذلك فهو يقترح على من يريد أن يُقوّم فترة من تاريخنا الحضاري أن يدرس الإنتاج العقلي والعلمي لتلك المرحلة لأحد العلوم، ثم عليه أن يصدر الحكم المناسب حسب النتائج التي يتوصّل إليها.

هذا في المجال العقلي، أمّا في المجال الاجتماعي فإنّ عوامل الوحدة في الأمّة أقوى بكثير من عوامل التفكّك، وهي مازالت فاعلة مؤثّرة، ويمكن أن نشير في هذا المجال إلى عامل الوحدة الثقافية الذي استند إلى اللغة العربية وإلى الدين الإسلامي الذي وحّد التصوّرات إلى عالم الغيب والشهادة، ووحّد القِيَم الخُلُقية المرتبطة بالحلال والحرام الشرعيين، ووحّد العادات والتقاليد التي تستمد جانباً كبيراً من مفرداتها من السنّة المشرّفة، ووحّد المشاعر المرتبطة بالآلام والآمال التي تتجلّى عند الكوارث والمصائب والاعتداءات كما حدث في غزوات الصليبيّين والمغول والاستعمار، والذي أدّى أن يساعد العرب بعضهم بعضاً في كثير من المواقع والأماكن.

إنّ قول مالك بن نبي بانحطاط الأمّة منذ عهد الموحّدين هو الذي أدّى إلى القول ب “القابلية للاستعمار”، وقد اعتبر مالك بن نبي استعمار بلادنا قدراً محتوماً “وضرورة تاريخية”، وهذا كلام غير صحيح بدليل أن فرنسا التي استعمرت الجزائر عام 1830م لم تستطع أن تستعمر مصر عندما غزاها نابليون عام 1798م، وليس معنى ذلك أن الجزائر كانت ذات قابلية للاستعمار في حين أن مصر لم تكن ذات قابلية للاستعمار، فإن النسيج الثقافي واحد في كلا البلدين، لكننا يمكن أن نفسّر نجاحه في الجزائر وفشله في مصر بعوامل خارجية سياسية واقتصادية ساعدت على نجاح الاستعمار في الجزائر ولم تساعده في مصر، من مثل انشغال الخلافة العثمانية بحرب البلقان حين احتلال فرنسا للجزائر، ومن مثل تردي الوضع الاقتصادي لدى الخلافة مما جعله ينعكس على الإنفاق العسكري بشكل خاص ومستوى العمل العسكري بشكل عام، مقابل تحسّن الوضع الاقتصادي لدى أوروبا مما ساعدها على زيادة الإنفاق العسكري، ومن مثل كون الجزائر مقابل الحدود الجنوبية لفرنسا إلخ…، ومما يؤكد ذلك أن المعلومات التاريخية تقول إن الجزائر كانت أقل أمية من فرنسا عندما احتلتها عام 1830م، وتقول كذلك إن ثلث أبنية مدينة الجزائر كانت أوقافاً مما يعطي قوة ورخاءً للوضع الاجتماعي الداخلي لم تكن تتمتع به باريس ذاتها.

        تحدّث مالك بن نبي عن “القابلية للاستعمار” باعتبارها عاملاً داخلياً وبيّن أن الاستعمار يريد منا البطالة، والجهل والانحطاط في الأخلاق، والتفرق والوساخة، وأن باطننا يستجيب لكل تلك الطلبات لأننا نملك “القابلية للاستعمار”، هذا ما قاله مالك بن نبي في منتصف القرن العشرين، لكن مالك بن نبي لم يسأل نفسه: ما دور الاستعمار الفرنسي في وجود هذه الظواهر التي رصدها وبخاصة أن كلامه عن “القابلية للاستعمار” جاء بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر بأكثر من مائة سنة؟ الحقيقة أننا لا نجد أية إشارة إلى دور الاستعمار الفرنسي في تطوير مثل هذه الأمراض وتعميقها، مع أن الدراسة الفاحصة لمخططات الاستعمار الفرنسي تبيّن أنه حاول اقتلاع الشعب الجزائري اقتلاعاً كاملاً من جذوره الحضارية، وعمل على تدمير شخصيته العربية والإسلامية، واجتهد في تغيير هويته التاريخية، وفرض عليه التغريب بشكل قسري وكامل ، واعتبر الجزائر فرنسا ما وراء البحار، وجاء بالمستوطنين الذين أعطاهم أخصب الأراضي ، وفرض اللغة الفرنسية ، مما جعل مالك بن نبي وهو العربي المسلم لا يعرف الكتابة بلغته العربية ، لذلك ألّف كتبه الأولى باللغة الفرنسية ، ولم يستطع الكتابة باللغة العربية إلا في مرحلة متأخرة من حياته بعد أن جاء إلى المشرق العربي وأتقن اللغة العربية فيها.

ليس من شك بأن تلك الأفعال الاستعمارية من اقتلاع وتدمير وتغيير وتغريب كانت لها الآثار السلبية والتخريبية على المجتمع والإنسان الجزائريين في مختلف الأبعاد النفسية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية إلخ… كان لها دور كبير في التأسيس الحقيقي لـ “القابلية للاستعمار” كما رآها مالك بن نبي بعد مائة سنة من الاستعمار الفرنسي للجزائر.

الخلاصة إنّ مفهومي “عصر الانحطاط” و”القابلية للاستعمار” يحتاجان إلى بحث معمّق جديد كما اقترح الدكتور صليبا سنصل إلى نتائج جديدة مخالفة أكثر صواباً مما طرحه مالك بن نبي.

ظهرت المقالة القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي: نظرة فاحصة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%b1/feed/ 0 245
تفنيد بعض أخطاء حسن الترابي https://www.al-ommah.com/%d8%aa%d9%81%d9%86%d9%8a%d8%af-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a3%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d9%8a/ https://www.al-ommah.com/%d8%aa%d9%81%d9%86%d9%8a%d8%af-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a3%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d9%8a/#respond Sat, 06 May 2006 00:41:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2765 لعب الدكتور حسن الترابي دورا قياديا في مجال العمل الإسلامي منذ ستينات القرن الماضي، و بنت الحركة الاسلامية آمالا عليه و على دوره في السودان و بخاصة بعد أن استطاع ان يستلم حكمه هو و مجموعته التنظيمية التي بناها خلال ثلاثين عاما، لكن تلك الآمال قد تبخرت بعد الصراع الذي […]

ظهرت المقالة تفنيد بعض أخطاء حسن الترابي أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
لعب الدكتور حسن الترابي دورا قياديا في مجال العمل الإسلامي منذ ستينات القرن الماضي، و بنت الحركة الاسلامية آمالا عليه و على دوره في السودان و بخاصة بعد أن استطاع ان يستلم حكمه هو و مجموعته التنظيمية التي بناها خلال ثلاثين عاما، لكن تلك الآمال قد تبخرت بعد الصراع الذي و قع بينه و بين عمرالبشير، و قد اصبحت تجربة الانقاذ في السودان حسرة في قلوب الدعاة لأنها تجربة لم تنجح لتبني عليها الأمة كأختها تجربة حكم طالبان في افغانستان، فأين يكمن الخلل؟ يكمن الخلل في عدة مجالات، و أبرزها الفكر، و طالما أننا في صدد الحديث عن تجربة السودان، فالترابي كأفكار، و الترابي كشخص هو أحدالمسؤولين عن مآل الفشل الذي انتهت إليه تجربة السودان، و الموضوع يحتاج إلى دراسات متعددة و مستفيضة، و ها نحن نقدم هذا المقال بين يدي مثل هذا البحث تحت عنوان “تفنيد بعض أخطاء الترابي”

تفنيد بعض أخطاء الترابي

ألقى الترابي محاضرة في 22/4/2006 تحت عنوان “تجديد الفكر الديني” ورافق ذلك تصريحات متعدّدة مثيرة في الصحافة وأجهزة الإعلام حول موضوعات متعدّدة مثل إمامة المرأة للرجال في الصلاة، والحجاب وعذاب القبر والساعة والمهدي وحديث الذبابة إلخ…، وللحق فإنّ كثيراً مما قاله الترابي الآن -تحدّث عنه سابقاً- خلال الربع الأخير من القرن العشرين، ومن ذلك مناداته بتجديد أصول الفقه، وعلم الحديث، وعلم الكلام إلخ…، وللحق أيضاً فقد كانت في النفس أشياء حول بعض أقوال الترابي في كل مراحل تصريحاته، ولكنني كنت أُسكتها وأٌقنعها بأنّ الرجل نجح في إقامة نواة دولة إسلامية في حين لم ينجح غيره، وكانت هذه الدولة حلم الأمّة بشكل عام وحلم الجماعات والأحزاب والهيئات والعلماء بعد الحرب العالمية الأولى بشكل خاص، فلنعطه فرصته الكافية من جهة، وكانت تأتينا الأخبار بأنّ هناك أناساً حوله يناقشونه في هذه الفتاوى الشاذة وأنهم سيعيدونه إلى الصواب من جهة ثانية، هذه بعض العوامل التي كانت تجعلني أسكت، والأرجح أنها كانت تجعل غيري يسكت عن هذه الفتاوي والآراء والاجتهادات والأفكار الشاذة.

        والآن بعد أن انتهى أمر السودان إلى أسوأ مما كان عليه قبل حكم جبهة الإنقاذ 1989 من التشرذم والانقسام وسيطرة القوى الغربية عليه، وبدلاً من أن يكون حكم جبهة الإنقاذ رافعة للعمل الإسلامي، ونموذجاً يُحتذى أصبح عبئاً ومثلاً سيئاً، وكنت أتوقّع من الترابي أن ينـزوي في إحدى الزوايا ويستغفر الله على تلك الزلات التي أوصلت السودان إلى ما هو عليه الآن، نراه يعود إلى الحديث عن تجديد الفكر الإسلامي، وإني إذ أستغرب هذا الحديث بعد أن أثبت الواقع في تجربة السودان الماثلة أننا لسنا أمام تجديد بل أمام إفساد وتهديم، وكان الأولى به أن يكتب لنا عن أسباب فشل تجربة الحكم في السودان، وما العوامل التي وقفت وراء هذا الفشل، وأن يفصّل في ذلك ليستفيد من كلامه العاملون في الحقل الإسلامي. والسؤال الآن: لماذا عاد إلى الحديث عن تجديد الفكر الإسلامي؟ لماذا عاد إلى تكرار آرائه وفتاويه الشاذة في مختلف المجالات الإسلامية؟ وهل الإسلام هو “الحيطة الهابطة” التي يستطيع الترابي أن يجترئ عليها؟؟

        لكن ليعلم الترابي من الآن فصاعداً أنّ الإسلام ليس “الحيطة الهابطة” كما يتوهّم، ولن يكون الاجتراء عليه سهلاً من الآن فصاعداً، لأنّ الكثير من الكتّاب والأقلام ستتصدّى له الآن بشكل أكبر مما يتوقّع، وستفضح دعاويه، لأنّ المبرّرات التي كانت تحول دون كتابتهم وردودهم على آرائه الشاذّة قد انتهت الآن.

        سأشير الآن إلى ثلاثة أخطاء في هذا المقال، وردت في محاضرته الأخيرة عن “تجديد الفكر الديني”، وفي مقابلتين صحفيتين مع “الشرق الأوسط” ومع مجلّة “المجلّة” الصادرتين في لندن.

الأول: إشارته إلى أنّ سبب الاختلاف مع الرئيس السوداني عمر البشير ومع نائبه علي عثمان طه يعود إلى “ظمأ السلطة عندهما، فكلما مُنحا صلاحيات تطلّعا إلى المزيد منها”، وفي هذا تزكية لنفسه واتهام لغيره، ويجب أن لا يكون هذا منه، إلى جانب التساؤل: ما الذي يمنع أن يكون ظمأ السلطة عنده والتطلع إليها هو الذي أفسد العلاقة مع تلميذيه ومريديه البشير وطه؟ وبخاصة أنّ إشارات وردت من بعض المتابعين للشأن السوداني وأبرزهم محمد أبو القاسم حاج حمد والذي قال: “إنّ الترابي كان يحلم بأن يكون رئيساً لجمهورية السودان وأن يكون صادق المهدي رئيساً للوزراء عنده”.

        والآن: لنضع الأمر في صورة أخرى، ولنفترض أنّ كلام الترابي صحيح في أنّ لدى تلميذيه البشير وطه الظمأ للسلطة، فلماذا لا يترك ذلك لهما طالما أنهما ليس لديهم انحرافات عقائدية وشرعية ومنهجية ودينية، وليدفع المفسدة الأكبر وهي ضياع السودان بمفسدة أصغر وهي تحقيق شهوة السلطة عندهما.

الثاني: وصف الترابي نفسه في أحد تصريحاته الصحفية فقال: “إنه ليس سُنّياً ولا شيعياً بل هو مسلم فقط”. هل هذا الكلام بناء أم تهديم؟ وما المضار والمفاسد والأخطار التي تترتّب على القول بأنه سُنّي؟ وبالمقابل ما الفوائد والمكاسب والإصلاح الذي ينتج ويترتّب على أنه ليس سُنّياً؟ وهل هذه بداية التجديد في الفكر الديني؟

        ليس من شكّ بأنّ قول الترابي “إنه ليس سُنّياً ولا شيعياً” قول هدّام، ويضعه في دائرة الاتهام، ويضعه كذلك في دائرة الابتداع، لأنّ معنى قوله “لست سُنّياً” التنكّر لكل كتب السنّة التي جمعت أقوال الرسول r وأفعاله وتقريراته، هذه الكتب التي وجّهنا إليها القرآن الكريم، كما قال الشافعي في الحوار الذي أجراه حول حُجّية السُنّة بأنّ القرآن وجّهنا إلى طاعة الرسول r، لذلك فإنّ التزام السُنّة واتباع الرسول هو بأمر الله والقرآن، وليس اجتهاداً من عندنا.

الثالث: اتهم الترابي الأمّة بالتخلّف، ووصف المجتمع الإسلامي أكثر من مرّة بأنه “مجتمع متخلّف”، لكنّ هذا الكلام غير صحيح، لأنّ الأمّة مع كل الأمراض التي أصابتها، تمتلك حيويّة واضحة أفشلت كل مخطّطات التغريب التي وقعت خلال القرن الماضي، بقصد استئصال الإسلام ومحوه من واقع حياة الناس، وقدّمت التضحيات التي لا تحصى بالمال والجهد والوقت والدم، ومَحَضَت دعاة الإسلام تأييدها ونصرتها، ولكن المتخلّف -في الحقيقة- هم القيادات أمثال الترابي الذين لم يحسنوا الاستفادة من حيوية الأمّة، ولم يحسنوا معالجة أمراضها، ولم يحسنوا استثمار جهود المسلمين وتحويلها إلى انتصارات حقيقية على الأرض.

ظهرت المقالة تفنيد بعض أخطاء حسن الترابي أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%aa%d9%81%d9%86%d9%8a%d8%af-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a3%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d9%8a/feed/ 0 2765
عمرو خالد وبرنامج “صناع الحياة” هل يصنعان نهضة؟ 3 https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88-%d8%ae%d8%a7%d9%84%d8%af-3/ https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88-%d8%ae%d8%a7%d9%84%d8%af-3/#respond Fri, 29 Apr 2005 05:38:18 +0000 http://onlinedawa.org/alommah/?p=132 تحدّثت في الحلقتين الماضيتين في دراستي عن عمرو خالد وبرنامج “صناع الحياة” عن معالجته لأربعة أخلاق في مشروعه النهضوي هي: الايجابية، والجدية، والإتقان، والإرادة. وبيّنت كيف أنّ معالجته لها تتراوح بين السطحية والخطأ، والأهم من ذلك عدم التوجّه إلى استلهام الإسلام والاستفادة من آلياته ورؤاه وأطروحاته في تطوير الشخصية المسلمة […]

ظهرت المقالة عمرو خالد وبرنامج “صناع الحياة” هل يصنعان نهضة؟ 3 أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تحدّثت في الحلقتين الماضيتين في دراستي عن عمرو خالد وبرنامج “صناع الحياة” عن معالجته لأربعة أخلاق في مشروعه النهضوي هي: الايجابية، والجدية، والإتقان، والإرادة. وبيّنت كيف أنّ معالجته لها تتراوح بين السطحية والخطأ، والأهم من ذلك عدم التوجّه إلى استلهام الإسلام والاستفادة من آلياته ورؤاه وأطروحاته في تطوير الشخصية المسلمة ودفعها إلى التعافي من كل ما تعانيه، وسأكتفي بهذه الأخلاق الأربعة كنماذج في معالجة قضايا أخلاق الفرد المسلم، وسأترك بقية الأخلاق التي تطرّق لها مكتفياً بما قدّمت لأنتقل إلى دراسة نوع آخر من القضايا التي أثارها عمرو خالد وهي مرتبطة بالنهضة من مثل: أهمية الوقت، واستخدام العقل.

أولاً: أهمية الوقت:

أشار عمرو خالد في الحلقة التي خصّصها للوقت عن أهمية الوقت وأنه لا قيمة له عندنا ودلّل على كل ذلك بإحصائيات منها: أنّ المواطن عندنا ينفق 36٪ من وقته في التلفزيون، و 28٪ في أشياء لا قيمة لها، وأنّ متوسط العمل لدينا 27 دقيقة، ومتوسط العمل في اليوم في الغرب من ست ساعات إلى سبع، وحثّ المشاهدين على تقسيم اليوم إلى أربعة مجالات نشاط: عمل، عبادة، رياضة، اجتماع، فدعا في مجال العمل إلى زيادة وقت العمل المفيد ودعا في مجال العبادة  إلى القيام قبل الفجر بربع ساعة وإلى أداء ركعتين قبل الفجر والدعاء والذكر وتلاوة القرآن إلخ…، ودعا في مجال الرياضة إلى ممارستها بمقدار نصف ساعة في اليوم، ودعا في مجال التواصل الاجتماعي إلى تخصيص نصف ساعة للزوجة والأولاد والوالدين والأقارب إلخ…

ثم بيّن أهمية الوقت في الإسلام فذكر بأنّ الله أقسم بالوقت في سورة العصر لأهمية الوقت، ووضّح أنّ كل شيء مرتبط بالوقت في ديننا من الصلاة والزكاة والصوم والحج، ونقل بعض الأقوال المأثورة من مثل: “أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود أبدا”، و ضرب أمثلة من التاريخ الإسلامي لبعض الشخصيات التي استغلت وقتها أروع استغلال من تاريخ أمّتنا القديم والحديث، ثم قدّم للمشاهدين نصائح تساعدهم على الاستفادة من الوقت وهي: تحديد الهدف، واستخدام ورقة الوقت التي يجدول فيها وقته ويكتب فيها ما يود عمله، ويكتب فيها جدول مواعيده، كما دعا مشاهديه إلى عدم صحبة الناس الفارغين، ودعاهم إلى محاسبة أنفسهم كل يوم

وإذا استعرضنا ما قاله عمرو خالد عن الوقت وجدنا أنه دار حول ثلاثة محاور

الأول: تشخيص ظاهرة إهدار الوقت أو عدم الاستفادة منه في مجتمعنا، وعقد مقارنات بين المجتمعين: العربي والغربي في استغلال الوقت.

الثاني: تقديم أدلة من القرآن والسنة على أهمية الوقت من مثل قسم الله تعالى به وتوضيح ارتباط العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج بأدقّ المواعيد المنبثقة عن حركتي الشمس والقمر، وتفصيل الحديث عن بعض النماذج التاريخية التي استغلت وقتها أروع استغلال إلخ…

الثالث: اقتراح الحلول والعلاج من مثل زيادة وقت العمل وتقسيم اليوم، وجدولته، وعمل ورقة الوقت وتسجيل الأعمال المراد تنفيذها والقيام قبل الفجر بربع ساعة إلخ…

  وإذا ناقشنا المحاور التي دار حولها حديث عمرو عن الوقت، وجدنا أنّ الحديث عن الظاهرة ليس شيئا جديداً وأنّ كلامه في المحاور الثلاثة عن أدلة أهمية الوقت وعن الحلول المقترحة مماثل لكلام الوعاظ في المساجد، والخطباء في صلاة الجمعة، والأساتذة في المدارس، والمرّبون مع أتباعهم، والمحاضرون في ندواتهم إلخ… ومع ذلك فإن المجتمع مازال يعاني من الظاهرة نفسها لمدة قرن ويزيد، فلماذا لم تتعاف الأمّة للآن من هذه الظاهرة؟؟

السبب أنّ عمرو خالد لم يحاول أن يحدد العامل الرئيسي وراء وجود هذه الظاهرة لأنّ المعالجة تكون بتحديد العامل الرئيسي أو مجموعة العوامل التي أدّت إلى الظاهرة، ثم يوضع جدول الحلول بعد ذلك.

السبب الرئيسي الذي أدّى إلى إهمال الوقت وعدم استغلاله وضياعه هو فقدان الفرد عندنا الإحساس بذاته، وضعف الامتلاء المعنوي، ويكون العلاج بتنمية الإحساس بالذات، وتغذية الامتلاء المعنوي، ويؤكد ذلك أننا لو استعرضنا الأسباب التي تجعل الفرد الغربي مدركاً لأهمية الوقت، حريصاً على الاستفادة منه، لوجدنا ذلك نتيجة الإحساس بذاته ونتيجة الشعور بأهمية شخصه وبأنّ له وزناً وليس كمّاً مهملاً، وبأنّ له دوراً في مجتمعه ومحيطه ودولته، هذا الإحساس والشعور بالذات هو الذي يدفعه إلى الاستفادة من كل دقيقة من وقته.

ويؤكد ذلك أنّ مسلم العصور الماضية الذي كان يستغل وقته أحسن استغلال في الزمن الماضي كان يحس بذاته، وكان ممتلئاً معنوياً، وتجلّى ذلك الامتلاء المعنوي من خلال يقينه بعبوديته لله تعالى وهي تختلف عن أيّة عبودية أخرى، فهي عبودية لربّ عظيم قادر قيوم رزاق خالق قوي واسع مالك سميع بصير إلخ…، وتمنحه تلك العبودية شعوراً بالسعادة، وحرصاً على تنمية ذاته، وتوجِّهه لأداء دور كوني بالنسبة لكل الخلائق المحيطة وتدفعه كل تلك المهمات إلى الاستفادة من كل ثانية من وقته.

ومن العوامل الأخرى (1) التي ساعدت مسلم العصور الماضية على الامتلاء المعنوي -أيضاً- يقينه بأنه من أتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو خير الرسل وأكرمهم وأشرفهم، لذلك فهو يحرص على سنته في عبادة الله تعالى وتطهير النفس، وهداية الناس، والصدع بالحق، والعدل بين المخلوقات، ويستفيد من كل جزئيات وقته لتحقيق ذلك

    الخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها هي أنّ عمرو خالد لم يتوصل إلى حلّ مناسب لقضية إهمال الوقت عند المسلم المعاصر، والسبب في ذلك أنه لم يحدد العوامل التي ولّدت تلك القضية.

ثانياً: استخدام العقل

اعتبر عمرو خالد في حديثه عن استخدام العقل أنّ المسلم لا يريد أن يفكر في الوقت الحاضر، وهو لا يخترع، ونحن مقلدون ومستهلكون ولسنا منتجين، وعدّد أسباب ذلك فذكر أربعة أسباب:

  • التعليم: أسلوب التعليم قائم على التلقي.
  • المنـزل: التربية قائمة على التلقي كذلك.
  • وسائل الإعلام: عدم انتقاء البرامج المفيدة لبناء العقل.
  • الفهم الخاطئ للدين: قليل من المسلمين يؤمن بأنّ التفكير فريضة إسلامية يأثم من يتركها.

ثم تحدّث عمرو خالد عن العقل في الدين الإسلامي فذكر أنه أكثر دين تحدّث عن العقل فوردت بعض الكلمات المرتبطة بالعقل والتفكير عدّة مرّات من مثل: “يعقلون”، “الأبصار”، “الحكمة”، “البصيرة”، “أفلا يبصرون”، “لقوم يتفكرون” إلخ…، ونقل بعض الأحاديث من مثل القول: “كيف عقل صاحبكم؟ إنما يتعاظم الناس يوم القيامة عند الله على قدر عقولهم” ومن مثل القول في الحديث القدسي: “بك أعطي “أي العقل” وبك آخذ، وبك أثيب، وبك أعاتب “(2) .

  ثم تحدّث عمرو خالد عن المسلمين الأوائل وإبداعاتهم في مجال علم المثلثات والجبر واختراع الصفر وتشريح الجسم وتوصيف واكتشاف دودة الأرض وابتكار علم الاجتماع وعلم النحو وآلة التصوير إلخ…

ثم تحدّث عمرو خالد عن العوامل التي تؤدّي إلى تنمية القدرة على التفكير فحدّد أنها وجود هدف في الحياة والقراءة الكثيرة، والاحتكاك بالناس، وانتقاء مدخلات العقل، والقدرة على التحمّل، والاشتراك في مجموعات العمل.

وإذا استعرضنا ما قاله عمرو خالد نجد أنه تحدّث عن أزمة الإبداع عند المسلم المعاصر، فقدّم كلاماً عاماً عن العقل، واستفاد من الآيات و الأحاديث التي ورد فيها الثناء على التفكير و التدبّر والحضّ عليه، كما استفاد من التاريخ فتحدّث عن العلماء المبدعين وعن بعض المخترعات، لكنه لم يوفّق في حديثه عن أسباب أزمة الإبداع العقلي، لأنّ الأسباب التي ذكرها عمرو خالد ليست هي الأسباب الحقيقية لأزمة الإبداع، بل سببان منها وهي: أسلوب التعليم و أسلوب التربية القائمان على التلقي يدخلان في المشكلة التربوية للمسلم المعاصر، أما السببان الآخران وهما عدم انتقاء وسائل الإعلام للبرامج المفيدة لبناء العقل والفهم الخاطئ للدين، فهما نتيجة لأزمة الإبداع و ليسا سبباً لها. والسؤال الآن: ما هي الأسباب التي أدّت إلى أزمة الإبداع؟ هنالك عدة أسباب هي:

الأول: التصوّف الغالي الذي اعتبر أن التوصّل إلى الحقيقة يأتي عن طريق الكشف وليس عن طريق الاجتهاد العقلي مما أدّى إلى انعطاف أساسي في مسيرة العقل الإسلامي وتعطيل جانب من فاعليته وإبداعه وإطفاء جذوته، وبخاصة إذا عرفنا أنّ التصوف انتشر في كل أنحاء المجتمع الإسلامي وترسّخ في كل زواياه.

الثاني: اعتبرت بعض أصناف العقيدة الأشعرية أنّ الأسباب لا تفعل بذاتها إنما تفعل بإرادة الله تعالى، فالنار لا تحرق بذاتها والسكين لا تقطع بذاتها، إنما يحدث ذلك بإرادة الله تعالى، وهم يعطّلون مبدأ السببية الذي يقوم عليه العلم الحديث المرتبط بالتجربة، وهم عندما قالوا ذلك قصدوا الردّ على القائلين بقِدَم العالم وبقِدَم الأسباب، وهم عندما ردّوا الخطأ وقعوا في خطأ مقابل، فالأسباب ذاتها مع يقيننا بأنّ الله تعالى وراءها تدلّ على عظمة الخالق وليست بديلاً عن الخالق، وكما قال عنهم ابن تيمية عندما فعلوا ذلك لم يقيموا ديناً ولا دنيا(3) .

الثالث: انقسم التعليم في القرن التاسع عشر إلى نوعين من التعليم: مدني وشرعي، وبدأ محمد علي باشا ذلك في مصر في غمرة نقله النموذج الأوروبي، ثم تبعته الخلافة العثمانية في اسطنبول، وشكل ذلك شرخاً كبيراً في الكيان الثقافي للأمة، فقد كانت العلوم الدينية والدنيوية مترابطة خلال اثني عشرة قرناً سابقاً وكان يغذّي بعضها بعضاً، فعندما حدث ذلك الانقسام توقفت العلوم الشرعية عن النمو مما أدّى إلى اضطراب وضمور في حيوية العقل الإسلامي وفاعليته وإبداعه، وصرت تجد العالم المسلم المعاصر مطّلعاً على العلوم العصرية جاهلاً بالعلوم الشرعية أو العكس.

الرابع: تعرّضت الأمة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين إلى عملية تغريب عاصفة كانت تستهدف استئصال الإسلام لكنها لم تنجح في ذلك، إنما نجحت في بلبلة الذات المسلمة واهتزازها، وأدّى ذلك إلى ضعف الأداء العلمي والإبداع العقلي.

  والآن: كيف يمكن أن نحل أزمة الإبداع العقلي عند المسلم المعاصر؟؟

   لابدّ من معالجة الأسباب السابقة ويكون ذلك بمعالجة التصوّف الغالي والعقيدة الأشعرية بدراسات حديثة والاستفادة من الدراسات القديمة في هذا المجال، أمّا بالنسبة لقضية التعليم المدني والشرعي فيجب أن يتوفّر العالم الذي يتبحّر ويتعمّق في العلوم الشرعية والعلوم العصرية.

  في النهاية نقول أنّ المسلم المعاصر يعاني من مشكلة الإبداع العقلي، وهي المشكلة التي شخّصها عمرو خالد لكنه لم يقدّم حلولاً لها لأنه لم يوفّق في تحديد الأسباب الحقيقية، والآن يمكن أن نخلص إلى النتائج التالية من حديثنا السابق:

  • رصد عمرو خالد ظواهر مرضية وغير صحية يعاني منها المسلم المعاصر في مجال الأخلاق الفردية، وفي مجال الحياة الاجتماعية، وقد التقى في هذا الرد مع كثير من المصلحين الذين أحسوا بهذه المشاكل منذ مطلع القرن العشرين.
  • وُفِّق عمرو خالد في تشخيص ظاهرتي الوقت والإبداع العقلي، لكنه لم يوفَّق في تحديد أسباب الظاهرتين ولا الحلول المناسبة لهما.
  • اعتمد كثيراً على التاريخ في الإسلامي، مستشهداً بالنماذج التاريخية والوقائع التاريخية التي تدعم وجهة نظره.
  • استشهد بالآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، والآثار التي تتعلّق بموضوع حديثه، وشرحها.
  • (1) لن أتعرّض لكل العوامل التي تسبّب الامتلاء المعنوي عند المسلم من مثل صفات الله والدعاء والارتباط بالرسل والإيمان بالملائكة إلخ… لأنّ المقام لا يتسع لذلك.
  • (2) لم تثبت صحة هذه الأحاديث حتى أنّ بعض المحققين قال: “كل الأحاديث التي وردت عن العقل لم يثبت منها شيء”.
  • (3) لا أريد أن أفصّل الكلام في هذين العاملين اللذين أدّيا إلى أزمة الإبداع لأنّ المقام لا يتسع لذلك

ظهرت المقالة عمرو خالد وبرنامج “صناع الحياة” هل يصنعان نهضة؟ 3 أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88-%d8%ae%d8%a7%d9%84%d8%af-3/feed/ 0 132
برنامج “صناع الحياة” للداعية التلفزيوني عمرو خالد فعل نهضة أم بيع أوهام؟ https://www.al-ommah.com/%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%84%d9%81%d8%b2%d9%8a%d9%88%d9%86/ https://www.al-ommah.com/%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%84%d9%81%d8%b2%d9%8a%d9%88%d9%86/#respond Sat, 23 Apr 2005 02:26:01 +0000 https://al-ommah.com/?p=6998 قدّم الداعية عمرو خالد برنامجين خلال مسيرته الدعوية من خلال قناة “اقرأ” الفضائية: الأول:”ونلقى الأحبة”لسنوات عدة، وقام هذا البرنامج على الوعظ والإرشاد والرقائق وإصلاح القلوب إلخ… والأرجح ان هذا البرنامج ادى دوره بنجاح في التوجيه الى الاخلاق الحميدة من خلال الوقائع التاريخية. والثاني:”صنّاع الحياة”استهدف منه إحداث نهضة في الأمة، وحل […]

ظهرت المقالة برنامج “صناع الحياة” للداعية التلفزيوني عمرو خالد فعل نهضة أم بيع أوهام؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
قدّم الداعية عمرو خالد برنامجين خلال مسيرته الدعوية من خلال قناة “اقرأ” الفضائية:

الأول:”ونلقى الأحبة”لسنوات عدة، وقام هذا البرنامج على الوعظ والإرشاد والرقائق وإصلاح القلوب إلخ… والأرجح ان هذا البرنامج ادى دوره بنجاح في التوجيه الى الاخلاق الحميدة من خلال الوقائع التاريخية.

والثاني:”صنّاع الحياة”استهدف منه إحداث نهضة في الأمة، وحل مشكلاتها الثقافية والنفسية والتربوية والصناعية والزراعية والمعاشية، وقد مضى على تقديمه اكثر من عام.

قبل مناقشة البرنامج الثاني لا بد من الاشارة الى ان استهداف النهضة أمر كبير.

ومن الجلي ان كل المصلحين والمتطلعين الى النهضة اتفقوا على تشخيص معظم ظواهر الأزمة لكنهم اختلفوا على الحل، فقد التقوا على ان الفرد يعاني من امراض متعددة، وقد شاركهم عمرو خالد ذلك التشخيص، فأشار الى ان الفرد يعاني من امراض السلبية، وعدم الجدية، وعدم الاتقان، وضعف الارادة، وانه يعاني من مشكلات مرتبطة بالتفكير والعقل، ويعاني مشكلات في التعامل مع الوقت الخ… فكيف نظر عمرو خالد الى هذه المشكلات؟ وكيف عالجها؟
تحدث عمرو خالد عن تفشي السلبية عند الفرد المسلم في حلقتين من برنامجه، وسرد في الاولى أمثلة توضح المقصود بالأخلاق الايجابية، كما نقل قصصاً عن اشخاص ايجابيين من الصحابة وغيرهم، وتحدث في الحلقة الثانية عن معوقات الايجابية التي تجعل الفرد سلبياً فذكر اربعة معوقات هي: الخجل من الناس، والخوف من الخطأ، واليأس السريع عند فشل المحاولات الاولى، والشعور باستحالة مواجهة المعوقات الخارجية.

لكنه لم يظهر كيفية التغلب على هذه المعوقات، ولم يوضح الآلية التي يطرحها الاسلام للتخلص من هذه الامراض، واكتفى بدعوة الفرد الى التغلب عليها والتخلص منها، في حين ان المعطيات الشرعية في القرآن والسنّة تفرز آليات واسعة للتغلب على هذه المعوقات، تبدأ من الحديث عن فطرية الخوف، وعن الاشارة الى الخوف الذي اعترى بعض الانبياء في بعض المواقف، كخوف ابراهيم عليه السلام عندما جاءته الملائكة ولم تأكل من الطعام الذي قدمه لهم، وكخوف موسى وهارون عليهما السلام عند مواجهة فرعون، وعن الحديث المفصل عن تخويف الشيطان للعبد وإيهامه ووسوسته المتكررة وتزيين المعصية والبخل، ولم يستفد عمرو خالد من المعطيات الشرعية التي تعالج اليأس والتي تدعو المسلم الى الاستسلام للقضاء والقدر حين الفشل في تحقيق أي هدف، الاستسلام الذي يأتي نتيجة امتلاء القلب بتعظيم الله، ونتيجة اليقين بأن ما حدث له بارادة الله، وان الاستسلام له والصبر عليه سيُعظم له الاجر وسيعلي مرتبته يوم القيامة. اما عن الشعور باستحالة المعوقات الخارجية فإن المسلم يتغلب عليه بأن يأخذ بالأسباب المادية والمعنوية لتحقيق الهدف من جهة، وان يتقي الله حق التقوى لكي يكسب عون الله له في تدبير المخارج لكل ما يعانيه من جهة ثانية، وان يتجه بالدعاء الى الله لكي يعينه على تحقيق هدفه من جهة ثالثة.

أما مرض عدم الجدية عند الفرد المسلم فقد سماه عمرو خالد”التفاهة”و”الهيافة”وتحدث عنه في اكثر من حلقة، ودعا الى التخلص من هذا المرض، لكنه لم يحدد الطريق الذي تُبنى به الجدية والذي أفرزه الاسلام في ملايين الشخصيات على مدار القرون الماضية والذي بدأ بنفي اللهو واللعب عن خلق الله – تعالى – للسماوات والارض، ونفى العبث عن خلق الانسان، والذي انتهى بمعرفة المسلم ان هناك محاسبة دقيقة، وان هناك سؤالاً، قال تعالى: فلنسألنّ الذين أُرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين الأعراف، 6، وعندما يتأكد الانسان من وجود الحساب تبدأ الجدية، ويمكن ان نمثل بتلاميذ المدرسة، فلولا الامتحان ويقينهم بأن هناك اسئلة ستأتيهم لما جدوا في الحفظ والاستيعاب والسهر، ان يقينهم بالرسوب او النجاح هو الذي ولّد الجدية عندهم في التعامل مع المواد المدرسية، من هنا يمكن ان نشير الى ان الآيات الكثيرة التي تحدثت عن البعث وعن الجنة والنار، وفصلت في وصف نعيم الجنة، وأطنبت في الحديث عن عذاب النار لم تأت عبثاً، انما جاء القصد منها توليد الجدية في شخصية المسلم وإيقاظه من غفلته وتوعيته الى الافادة من صحته وجسمه وعقله ووقته وعلمه في ما يرضي الله تعالى وفي ما يعود بالخير عليه وعلى مجتمعه لأنه سيسأل عن كل تلك النعم، وسيحاسب عليها حساباً دقيقاً، ثم سيكون مآله الى الجنة او الى النار.

ثم تحدث في حلقات اخرى من”صنّاع الحياة”عن مرض عدم الاتقان عند المسلم المعاصر فذكر ان هناك اربعة اسباب لعدم الاتقان، هي: تعمّد عدم الاتقان لتحقيق مكاسب مادية، او الجهل، او الإهمال والتكاسل، او عدم ادراك لذة الاتقان، ولو تفحصنا الاسباب السابقة التي ذكرها عمرو خالد لعدم الاتقان لوجدنا انها اسباب ثانوية في معظم الاحيان وليست اسباباً رئيسة لأنها مرتبطة بحالات فردية، فهو قد ذكر ان عدم الاتقان مرتبط بتحقيق مكاسب مادية او بالجهل او بالإهمال والتكاسل، لكن الحقيقة هي ان شخصاً يمكن ألا يتقن عمله من دون تحقيق أي مكاسب مادية، وكذلك يمكن للعالم في أمر ألا يتقن عمله، ويمكن للشخص النشيط ألا يتقن عمله.

ثم ذكر عمرو خالد الاسباب التي تدفع الى الاتقان فحددها بأربعة عوامل: ان يكون عندك هدف في الحياة، وان تملك ارادة قوية، وان تملك صبراً، وان تتحلى بالعلم والخبرة، لكن المتفحص لتلك العوامل يجد انها مطلوبة لأداء أي عمل مهما كان المستوى الذي يؤدي فيه العمل، فلا بد لكل عمل من وجود هدف قبل ادائه، ولا بد له من ارادة من اجل انجازه، ولا بد من صبر اثناء انجازه، ولا بد من علم وخبرة قبل الابتداء بانجازه، وبعد التفنيد السابق لأسباب عدم الاتقان عند عمرو خالد، وللعوامل المؤدية للاتقان نسأل: ما العالم الرئيس الذي يولد الاتقان في نظر الاسلام؟ العامل الرئيسي الذي يولّد الاتقان في نظر الاسلام هو مراقبة الله او مراقبة الناس، وقد حرص الاسلام على ان تكون الاولوية لمراقبة الله، لذلك وجه المسلم الى توليد اليقين بمراقبة الله، وذلك من خلال تفعيل الحديث عن صفات الله بأنه يسمع – تعالى – أقوالنا، ويبصر – تعالى – أعمالنا، ويعلم – تعالى – اسرارنا ووسوسة صدورنا، وقد تحدثت عشرات الآيات في القرآن الكريم عن تلك الصفات.

ثم تحدث عمرو خالد عن الإرادة وبنائها، وذكر في حلقات أخرى من برنامج”صنّاع الحياة”العوامل التي تولّدها فحددها بأربعة: القدرة على تخيّل الهدف، وملء العقل بتفاصيل الهدف ونتائجه، وتخيل الجنة. ولا تبني تلك العوامل التي ذكرها عمرو خالد الإرادة بل تبني في أحسن الأحوال الخيال والعقل، وقد دعا عمرو خالد مشاهدي برنامجه الى الجري كل يوم لمسافة ستة كيلومترات ليصبح الجري في الأسبوع لمسافة 42 كيلومتراً، وهي تعادل مسافة سباق الماراثون المشهور عالمياً، واعتبرها الوسيلة الرئيسة التي تبني الإرادة، مع أن الاسلام يمتلك عشرات الوسائل لبناء الإرادة، وتقويتها، وشحذها في اليوم والليلة، وأبرزها العبادات التي تشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر وتلاوة القرآن الخ…

ويبدأ بناء الإرادة منذ أذان الفجر حين يكون المسلم مشدوداً الى فراشه، وعند قيامه الى الصلاة والذهاب الى المسجد فيكابد شهوة النوم، فهذه المكابدة تعتبر من الوسائل الأولى التي تبني الإرادة، وعندما يعقل المسلم ما يقرأه في صلاته، وما يسمعه من إمامه يكون ذلك من أهم الوسائل التي تُقوّي الإرادة وتجعل صاحبها قادراً على التركيز وعدم التشتت وعلى التحكّم في النهاية بذاته. وعندما يصوم المسلم شهر رمضان أو يتنفّل بصيام أيام أُخرى، فهذا الصيام يقوّي الإرادة، إذ يمتنع المسلم في هذا الصيام عن شهوات محبوبة لصيقة بذاته وهي شهوات الطعام والشراب والنساء من أجل محبوب أعظم هو الله تعالى. وعندما يُخرج المسلم الزكاة أو يتصدّق ببعض أمواله، فإخراج المسلم لبعض أمواله ينمّي إرادته لأن إخراج الزكاة والصدقات فيه تعظيم لأمر الله على تعظيم الخضوع للمال.

لم يوفّق عمرو خالد في حديثه عن أزمة الإبداع العقلي عند المسلم المعاصر، لأن الأسباب التي ذكرها ليست هي الأسباب الحقيقية لأزمة الإبداع، بل هناك سببان من الأسباب التي ذكرها، وهما: أسلوب التعليم وأسلوب التربية القائمان على التلقي يدخلان في المشكلة التربوية للمسلم المعاصر، أما السببان الآخران وهما عدم انتقاء وسائل الإعلام للبرامج المفيدة لبناء العقل والفهم الخاطئ فهما نتيجة لأزمة الإبداع وليسا سبباً لها، أما الأسباب الحقيقية لأزمة الإبداع فهي مرتبطة بأمور أبعد مما ذكره عمرو خالد، مرتبطة بانتشار التصوّف الذي عطّل الاجتهاد العقلي وربط التوصل الى الحقيقة بعملية الكشف، ومرتبطة بانتشار العقيدة الأشعرية التي عطلت الأسباب من أجل الرد على الفلاسفة القائلين بقِدم العالم وبفاعلية الأسباب، ومرتبطة بانقسام التعليم منذ القرن التاسع عشر الى مدرستين:

  • مدرسة تقوم على دراسة العلوم الدنيوية.
  • ومدرسة تقوم على دراسة العلوم الشرعية، ومرتبطة بعنف التغريب الذي مزّق الشخصية المسلمة خلال القرنين الماضيين.

الخلاصة لم يستطع عمرو خالد أن يعلل الظواهر التي تحدّث عنها تعليلاً صحيحاً، وهي: ظواهر السلبية وعدم الجدية وعدم الاتقان بناء الإرادة وأزمة الابداع العقلي عند المسلم المعاصر، ولم يستطع أن يقدم لها العلاج المناسب، وهذا القصور في التعليل وفي تقديم الحلول هو الذي يجعلنا نقول جواباً عن السؤال الذي طرحناه في بداية المقال: لن يحدث برنامج”صنّاع الحياة”نهضة بل يبيع أوهاماً لمشاهديه.

لأن النهضة تتطلب تعليلاً دقيقاً لواقع المسلمين وأمراضهم من جهة، وحلولاً شرعية معمقة لذلك الواقع من جهة ثانية، ووعياً تفصيلياً بالتجارب النهضوية السابقة خلال القرنين الماضيين من جهة ثالثة، وإدراكاً لخريطة العلاقات المعقدة بين العالم العربي والحضارة الغربية من جهة رابعة.

المقال من موقع سعورس برنامج “صناع الحياة” للداعية التلفزيوني عمرو خالد فعل نهضة أم بيع أوهام؟

ظهرت المقالة برنامج “صناع الحياة” للداعية التلفزيوني عمرو خالد فعل نهضة أم بيع أوهام؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%84%d9%81%d8%b2%d9%8a%d9%88%d9%86/feed/ 0 6998