tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

عن بعض المطلوب من حزب الله

تشغل عدّة قضايا المسلمين المعاصرين، لكنّ القضية الفلسطينية تمثّل القضية الأهمّ عندهم، وتحتلّ مكاناً خاصاً وحيّزاً كبيراً في حياتهم وقلوبهم وعقولهم، وذلك لعدّة اعتبارات أبرزها: وجود المسجد الأقصى الذي كان القِبلة الأولى للمسلمين، والذي انتهى

إليه إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم وكان منه معراجه صلى الله عليه وسلم، ولأنّ أرضها أرض مباركة عاش فيها معظم الأنبياء إن لم يكن جميعهم، ولأنّ انتصار اليهود كان ذروة الضعف عندهم ودحره سيكون بداية القوة والعزّة والمنعة لهم.

وقد أحسّ المتابعون للشأن السياسي بهذا المقام الخاص للقضية الفلسطينية، فاستغلّوها إعلاميّاً للترويج لأفكارهم، واعتبروها مدخلاً جيّداً لكي يجعلوا أنفسهم مقبولين عند الأمّة ويحقّقوا بعض المكاسب، ولكنهم لم يقدّموا شيئاً -في النهاية- للقضية الفلسطينية، وجعلوا القضية الفلسطينية تتأخّر إلى الوراء، وأبرز مثال على ذلك التيار القومي العربي اليساري الذي لو رجعنا إلى أدبيّاته في الخمسينات والستينات من القرن العشرين من خلال الأبواق البعثية و الناصرية لوجدنا تسعين بالمائة من أقواله وطروحاته وتنظيراته وخطبه وأحاديثه تتركّز حول القضية الفلسطينية وأهمّيتها، وكانت الانقلابات التي قام بها في سورية والعراق ومصر واليمن والجزائر والسودان وليبيا إلخ… تتحدّث في البيان الأول لها بعد السيطرة على الإذاعة أنها جاءت لتحرير فلسطين من قبضة الصهاينة، وأنّ الجيش قام ردّاً على تخاذل الرجعيّين من الحكّام السابقين في مواجهته دولة اسرائيل، ولم يتحقّق أيّ هدف أعلن في البيان الأول، بل آلت الأوضاع إلى عكس ذلك من تمكّن اسرائيل وزيادة رقعتها، وانهزام الجيوش العربية أمامها شرّ هزيمة كما حدث في حرب 1967 التي كانت منعطفاً في تاريخ القضية الفلسطينية بشكل خاص، وتاريخ المنطقة العربية بشكل عام. فما السبب في ذلك؟

الأسباب متعدّدة بعضها منهجي، و بعضها شرعي، و بعضها عقائدي الخ…  ليس مجال شرحها الآن، لكنّ أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى هذه النتيجة هي اقتصار المقاتلين على لون واحد هم القوميون الاشتراكيون اليساريون واستبعاد كل من عدا ذلك وبخاصة المتديّنين منهم، مع أنّ القضية الفلسطينية قضية جميع أجنحة الأمة، ويتضح جدوى إشراك جميع الفئات من خلال مثال عدوّنا الصهيوني -وإني آسف لاضطراري للاستشهاد بعدوّنا الاسرائيلي لأجل توضيح بعض المواقف- فتجد في اسرائيل أنّ الجيش الاسرائيلي وأجهزة الأمن تحتوي على كل الطوائف والفئات من سفارييم و أشكناز و منديين و غير متديين دون تمييز، هذا التصرف أحد العوامل التي أدّت إلى انتصار اسرائيل على العرب.

        وقد حرص التيار القومي العربي في عهد عبد الناصر وبعد انبثاق العمل الفدائي في عام النكسة في عام 1967، على منع الإسلاميين من تشكيل أيّ فصيل مستقلّ لهم في الأردن من أجل المشاركة في مقاتلة اسرائيل، مع أنّ الساحة كان تعجّ بعشرات الحركات اليسارية والاشتراكية والماركسية والمادية والوطنية والقومية من كل أنحاء الأرض، مما اضطرّ الإخوان المسلمين آنذاك إلى تشكيل معسكر سمّي “معسكر الشيوخ” قاده الشيخ عبدالله عزّام رحمه الله تحت غطاء سياسي من فتح، وكان مهدّداً بالتصفية باستمرار من قِبَل عدّة فصائل كالجبهة الشعبية والديمقراطية، إنّ هذا الاقتصار على اللون الواحد، وحرص التيار القومي العربي على إبعاد الإسلاميين عن العمل الفدائي هو الذي أضعف العمل الفدائي وجعله لا يؤتي ثماره لأنه لم يُتح لكل أطراف الأمّة من أن تشاركه فيه، وناقض الأصل الذي قامت عليه قضية فلسطين وهو أنها قضية الأمّة جميعها بكل ألوانها وأطيافها، و بشكل خاص الإسلاميين منهم.

        من الطبيعي أن نعتقد أنّ قتال الصهاينة يجب أن يستمرّ ولا يتوقّف لحظة واحدة طالما أنهم محتلّون لأرضنا، غاصبون لمقدّساتنا، ونعتقد أنّ القتال هو الوسيلة الرئيسية لانتزاع حقوقنا، ومن هنا يأتي تأييدنا للقتال الدائر في الجنوب اللبناني، ولكننا نقول بالعودة إلى التاريخ القريب وإلى الوقائع السابقة، وحتى يؤتي هذا القتال ثمرته وحتى لا يكون هذا القتال مظنّة الترويج السياسي لحزب معيّن هو حزب الله، والدعاية لطائفة معيّنة هي الطائفة الشيعية كان على حزب الله أن يعطي الفرصة لأكبر جناح في الأمة و هو جناح أهل السنة أن تشارك معه في هذا القتال، لأنّ مواجهة اسرائيل أكبر من طاقة حزب واحد أو طائفة واحدة، بل حتى لا نقع في الأخطاء السابقة التي وقع فيها التيار القومي العربي بشكل عام والتيار الناصري بشكل خاص من ناحية استبعاد التيار الديني من أيّة مواجهة مع اسرائيل، والتي أدّت إلى تعثّر الأمّة وانتكاستها، وحتى لا يعيد التاريخ نفسه، نقول: إن المطلوب من حزب الله أن يستدرك هذا الخطأ ويصلحه حاضراً ومستقبلاً بإشراك أهل السنة في قتال العدو قبل أن يفوت الأوان ويتكرّر الخطأ التاريخي، فهل يستجيب حزب الله؟

اترك رد