إنّ الدارس لتاريخ العلوم يجد أنّ المسلمين أسسوا عدداً من العلوم، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الرقي الفكري للمسلمين، وعلى فاعليتهم العقلية، وسأشير إلى بعض هذه العلوم وأوضح بعض ملامحها، وأبين دور المسلمين في إنشائها أو تطويرها.
1- علم أصول الفقه:
ابتكر الشافعي (150-205هـ) علم أصول الفقه وهو عم خاص بالأمة الإسلامية لا تعرفه الأمم الأخرى، وقد درس الشافعي الفقه في المدينة متتلمذاً على يد مالك بن أنس، وأحاط بفقه الحجازيين، ثم ذهب إلى العراق والتقى بمحمد بن حسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة فقيه العراق وأخذ عنه فقه العراقيين، وكان الساحة الفقهية مضطربة بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، وكتب الشافعي “الرسالة” التي نواة لعلم أصول الفقه، وتحدث فيها عن الخاص والعام والمطلق والمقيد ومذهب الصحابي والمصلحة المرسلة، وشرح كيفية التوفيق بين الأحاديث المختلفة، وحدّد فيها أصول القياس الخ. . .
2- علم الكيمياء:
علم الكيمياء علم أسسه المسلمون وأخذ اسمه من اللغة العربية، وهناك احتمالان لاشتقاق اسم الكيمياء:
الأول: اشتقاقه من الكم أو الكمية، وذلك لأنّ علماء المسلمين عندما أسسوا هذا العلم كانوا يقولون إذا أضفنا كمية من هذه المادة إلى كميتين من مادة أخرى نتج كذا.
الثاني: اشتقاقه من الستر، فقد جاء في لسان العرب لابن منظور: أنّ الكيمياء كلمة عربية مشتقة من كمى الشيء وتكمّاه: أي ستره، وكمى الشهادة يكمّيها كمْياً وأكْماها: أي كتمها وقمعها. وقد ذكر أبو عبد الله الخوارزمي المتوفى سنة 387هـ في كتاب “مفاتيح العلوم” فقال: “إنّ اسم هذه الصنعة كيمياء وهو عربي واشتقاقه من كمي يكمي: أي ستر وأخفى” لذلك أسمى الرازي كتابيه في الكيمياء “الأسرار” و “سر الأسرار”.
وقد تداولت اللغات الأوروبية الاسم العربي لعلم الكيمياء فكان الاسم المتداول عندهم هو Al-Chemie.
3- علم الصيدلة:
المسلمون هم الذين أنشأوا علم الصيدلة وارتقوا به ارتقاءً حقيقياً، وهم الذين ارتفعوا بالتمريض من مستوى تجارة العقاقير إلى مستوى العمل المستقل، وصيّروه مهنة خاصة، وهو الذين سبقوا سائر الأمم في إنشاء الصيدليات، وتحضير الأدوية، وإقامة الرقابة على الصيدليات والصيادلة، وإنشاء المدارس لتعليم استحضار الأدوية.
4- علم العمران:
بيّن ابن خلدون (722-808هـ) موضوع هذا العلم فقال إنه العمران البشري وما يلحق هذتا العمران من العوارض والأحوال، وقد كان السابقون علو ابن خلدون جزئيين في مباحثهم الاجتماعية، فتحدث بعضهم عن سياسة الملوك، وتحدث بعضهم الآخر عن المجتمع المثالي، لكن ابن خلدون درس نشوء المجتمع وتطوره وانحلاله، وعلّل ذلك، واستقصى في بحثه جميع الظواهر دون استثناء: الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخ. . .
5- علم المثلثات:
إنّ المؤسسين الحقيقيين لعم المثلثات هم المسلمون، فهم الذين فصلوه عن علم الفلك، ونظموه تنظيماً شديد الشبه بتنظيمه الحديث، ومما يؤكد دور المسلمين التأسيسي في علم المثلثات أنّ كلمة “جيب” كلمة عربية، وقد أشاد بدور المسلمين في إنشاء علم المثلثات عدد من الكتّاب منهم رام لاندو في كتابه (المؤثر على حضارة العرب) فقال: “إنّ حساب المثلثات في أوروبا كان مأخوذاً من علم حساب المثلثات عند المسلمين”.
6- علم الجبر:
اخترع محمد بن موسى الخوارزمي (780-846م) علم الجبر بناء على طلب الخليفة العباسي المأمون، وفي أوروبا يسمى هذا العلم “اللوغاريتم” Logarithm وهي كلمة مشتقة من اسم الخوارزمي مؤلف هذا العلم.
وقد جاء علماء آخرون فأسهموا في تطوير علم الجبر، منهم: البزيزي، والبناني، وابن يونس المصري، وابن الهيثم، وعمر الخيام وغيرهم كثيرون حيث وصلوا بهذا العلم إلى قمة الكمال.
وليس من شك بأنّ فضل علم الجبر كبير على النهضة الحديثة، ولا يمكن أن نتخيلها بدونه، أو قل بصورة أدق إنه لا يمكن أن تقوم وتزدهر بدونه، وذلك لأنه دخل في كل الصناعات الحديثة: صناعة السيارات، والطائرات، والقطارات، وصواريخ الفضاء الخ . . .
شاهد أيضا لماذا لم تتطور العلوم الإسلامية خلال القرنين الماضيين؟