وقعت “حماس” اتفاقية هدنة مع إسرائيل في 19/6/2008 لمدة ستة أشهر، وتضمنت الهدنة إيقاف الصواريخ على جنوب إسرائيل مقابل فتح المعابر وفك الحصار عن غزة الذي استمر قبل ذلك عاماً كاملاً منذ استيلاء حماس على قطاع غزة في حزيران (يونيو) 2007، لكن إسرائيل لم تلتزم بشيء من الاتفاق، واستمرت في محاصرة قطاع غزة، وفي ملاحقة قيادات المقاومة، مما جعل “حماس” لا ترضى بتجديد اتفاقية الهدنة التي انتهت في 19/12/2008، واشترطت في أي تمديد جديد للهدنة أن تفتح المعابر، وأن يكون لها دور في الإشراف على معبر رفح إلى جانب السلطة الفلسطينية، وأطلقت كتائب القسام عدداً من الصواريخ على جنوب إسرائيل، كما تركت فصائل المقاومة الأخرى تطلق صواريخها، واتخذت إسرائيل هذه التصرفات ذريعة من أجل العدوان على غزة، وبدأت عدواناً جوياً بستين طائرة (ف 16) على أهداف في غزة يوم السبت 27/12/2008، وكان هذا العدوان جزءاً من حملة عسكرية سمتها (الرصاص المسكوب) تستهدف تحقيق الأمن لجنوب إسرائيل، واستمر هذا القصف لمدة ثمانية أيام، ثم جاءت المرحلة الثانية من الحملة العسكرية وهي الهجوم البري بعد ثمانية أيام من القصف المتواصل الذي طال المساجد والبيوت والأطفال والنساء والشيوخ، وبدأ الهجوم البري يوم 3/1/2009، وقد تحركت الوساطات على عدة مستويات، منها الوساطة التركية، ومنها الوساطة الأوروبية، واجتمع كذلك وزراء الخارجية العرب يوم 31/12/2008 في القاهرة، وفشلوا في الدعوة إلى مؤتمر قمة ثم توجهوا إلى مجلس الأمن واستصدروا قرارا منه رقم 1860 يدعو إلى وقف إطلاق النار، وقد بلغ عدد الشهداء إلى حين كتابة هذه المقالة في اليوم العشرين لبدء العدوان (1100) شهيدا كما بلغ عدد الجرحى (5000)جريحا, ولكن الحدث الأبرز هو تحرك المظاهرات الضخمة تأييداً لشعبنا في غزة واستنكاراً للعدوان عليه، ولتقديم العون والمساعدات له، ودعوة لفك الحصار عنه، والآن يمكن أن ندون الملاحظات التالية على الوقائع السابقة:
1- من الواضح أن العدو يتصرف بهمجية و بربرية و إجرام غير مسبوق، فهو يلقي أطنان القنابل والقذائف والصواريخ على الأماكن المدنية و المساجد و الأبنية السكانية و المدارس الخ…
لذلك كانت حصيلة القتلى عدداً كبيراً من الأطفال و النساء و الشيوخ الذين لا علاقة لهم بالحرب.
2- عانى شعبنا في غزة معاناة عظيمة في شح الموارد و نقص الطعام و الغذاء و الدواء و الكهرباء و الماء تحت الحصار الإسرائيلي الظالم خلال الهدنة و ما قبلها، لكن هذه المعاناة زادت بعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي عجزت فيها المستشفيات عن استيعاب الجرحى و الشهداء، وعجزت عن تقديم العون الطبي لهم عدا عن معاناة المدنيين في كل مستلزمات حياتهم.
3- من الجلي عدم تكافؤ طرفي التصادم، فهناك جيش إسرائيلي مزود بالطائرات و الدبابات و المدافع و الراجمات و الصواريخ الخ ….. وهو مدرب على أحدث فنون القتال، و يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الفتاكة، مقابل مجاهدين يمتلكون أسلحة فردية و بسيطة، هذا الخلل في طرفي المواجهة يجعلنا ندرك حجم التضحيات والدماء و الشهداء التي سيقدمها شعبنا في غزة.
4- من الواضح أن النظام العربي لا يقف الموقف المناسب الذي يفترض أن يقفه في وجه العدوان و التدمير و الإجرام الإسرائيلي، فهو في أقصى تفاعله لا يتجاوز الشجب والاستنكار، لكن الموقف الواجب هو أن يساهم في دفع العدوان، و الوقوف في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، و حماية شعبنا من القتل و التشريد و التدمير الذي يتعرض له.
5- ما زالت أمتنا بخير، ويدل على ذلك التفاعل الواسع مع أحداث غزة، والاستعداد للبذل والعطاء، ويبقى على الدعاة الاستفادة من هذه الطاقة وهذا المخزون وتوظيفه فيما يعود على الأمة بالنماء والتقدم.
6-أعلنت إسرائيل في بداية العدوان على غزة أن حملتها العسكرية تستهدف عدة أمور :
الأول : إيقاف إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، وتوفير الأمن لسكان تلك المناطق.
الثاني : تدمير البنية التحتية لقوة “حماس” العسكرية.
الثالث : تدمير الأنفاق، وإغلاقها، وإيقاف تهريب السلاح منها إلى قطاع غزة.
الرابع : التوصل إلى هدنة طويلة مع “حماس”.
كما أعلنت “حماس” أن هدفها من رفض تجديد التهدئة هو إلزام إسرائيل والعالم بفتح المعابر، كما استهدفت أن تصبح طرفا في الإشراف على معبر رفح بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية.
7- من الواضح أن الصراع العسكري على الأرض تبلور سياسيا في أمرين:
الأول: قرار مجلس الأمن 1860 الذي أشرنا إليه سابقا.
الثاني: المبادرة المصرية التي اعتبرها المراقبون آلية لتنفيذ قرار مجلس الأمن وقد التقى اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية بعدد من مسئولي “حماس” ومسئولين إسرائيليين على رأسهم عاموس جلعاد من أجل تنفيذ المبادرة المصرية، وقد تبين من الاتصالات والتصريحات أن الأمور تتجه إلى تنفيذ المبادرة المصرية على ثلاث مراحل ليتحقق فيها وقف لإطلاق النار، وتعهد بوقف الصواريخ، وتوقيع هدنة طويلة الأمد وفتح للمعابر، ومراقبة للمنطقة المصرية المحاذية لغزة من أجل منع تهريب الأسلحة وسيشارك في هذه المراقبة قوات تركية ودولية، كما ستعطي أمريكا وألمانيا آلات متطورة تساعد في رصد تهريب الأسلحة الخ.
وبهذا يتحقق ما أرادته إسرائيل من هذا العدوان، ويتحقق جانب مما أرادته “حماس” وهو فتح المعابر، إدخال الاحتياجات الإنسانية لأهل غزة، ومن غير الواضح بشكل أكيد إان كانت ستشارك “حماس” مع السلطة الفلسطينية في إدارة معبر رفح.
إن من أخطر الأمور التي يمكن أن تنتهي إليه العدوان هو توقيع الهدنة التي ستعطي أمانا لإسرائيل وشعبها، في الوقت الذي ستتحول فيه “حماس” إلى منفذ لهذا الأمان. نأمل ألا تنتهي الأمور هذه النهاية، وألا يحقق العدوان أهدافه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.