كيف تتغلب على الحزن؟

الحزن هو التأثر والانفعال لخسارة شيء أو فقد عزيز أو وقوع مصيبة، وقد يأخذ الحزن حيّزاً كبيراً من حياة العبد، ويستولي عليه، فيترك آثاراً نفسية وعقلية خطيرة تؤدّي إلى:

  • مرض العبد حيناً.
  • وإلى اضطراب نفسيته حيناً آخر.
  • وعدم اتزانه العقلي حيناً ثالثاً.
  • وقد تتفاقم الأمور وتزداد سوءاً فتؤدّي إلى شلله أو جنونه أو هلاكه.

ويمكن أن نمثّل للحزن بالحزن الذي أصاب النبيّ يعقوب u لفراق ابنه يوسف عليه السلام، فقد أثّر عليه الحزن حتى أفقده بصره u، كما حذّره أبناؤه من استمرار تذكّره يوسف u، فإن ذلك سيؤدّي به إلى الهلاك فقالوا له:

(قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) (يوسف،85).

والسؤال الآن: كيف يمكن أن يتغلّب العبد على الحزن؟ يمكن أن يتغلّب المسلم على الحزن بعدّة وسائل:

الأولى: اعتبار الدنيا دار ابتلاء

        على المسلم أن يعتبر الدنيا دار ابتلاء ودار اختبار كما قال الله تعالى:

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك،2).

وعليه أن يتوقّع مختلف أنواع الابتلاءات من جوع وخوف وهلاك الزرع والماشية والحيوان، والخسارة في التجارة والأموال، وفقد الولد والوالد والقريب والحبيب فقد قال تعالى:

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة،155).

وقد بيّن الله تعالى في مطلع سورة العنكبوت أن الفتنة مقصودة لتمحيص العباد، وقد جرت هذه السنّة مع السابقين وسيتحقّق مع اللاحقين، قال تعالى:

(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت،2-3).

كما بيّن الله -تعالى- أنه ابتلى الناس بالشرّ والخير ليختبرهم فقال تعالى:

(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء،35).

كما بيّن الله الهدف من خلق الزينة على الأرض هو اختبار الناس فقال تعالى:

(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف،7).

كما ذكر القرآن الكريم أن الابتلاء سينتهي إلى معرفة المجاهدين والصابرين فقال تعالى:

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد،31).

وقد حدّثنا القرآن الكريم عن ابتلاءات خاصة يتعرّض لها المؤمن، فبيّن الله لنا أنه رفع -تعالى- بعض الناس فوق بعضهم الآخر من أجل اختبارهم، فقال تعالى:

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأنعام،165).

وبيّن الله لنا أن سليمان u اعتبر أن جلب الرجل الذي عنده علم من الكتاب لعرش بلقيس هو اختبار له: أيشكر أم يكفر؟ فقال تعالى:

(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل،40).

إن التعامل مع الدنيا على أنها دار اختبار وتمحيص وابتلاء هو الخطوة الأولى في التعامل الصحيح مع الحياة، وهي الخطوة التي تجعل العبد المسلم لا يهلع عند وقوع أيّة مصيبة أو كارثة بل يستقبلها على أنها أمر متوقّع.

الثانية: اعتبار الجنة الدار المرجوّة

        فصّل القرآن الكريم الحديث عن نعيم الجنّة ليعتبرها المسلم هدفه ورجاءه ومبتغاه، فذكر أن فيها خير الطعام والشراب والفواكه والظلّ واللباس والسكن والأرائك والفراش والقطوف والأكواب إلخ…، فبيّن الله -تعالى- لنا النعيم الذي يطاله أصحاب اليمين فقال تعالى:

(وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ . فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ . وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ . وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ . وَمَاء مَّسْكُوبٍ . وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ . وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ . إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً . عُرُباً أَتْرَاباً . لأَصْحَابِ الْيَمِينِ . ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ . وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ) (الواقعة،27-40).

كما بيّن الله -تعالى- لنا النعيم الذي يحصل عليه المتقون فقال تعالى:

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً . حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً . وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً . وَكَأْساً دِهَاقاً . لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً . جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً) (النبأ،31-36).

وذكر الحديث الشريف أن الجنّة فيها نعيم غير مسبوق فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:

“قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فاقرؤوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)” (متفق عليه).

        وأجرى القرآن الكريم المقارنات المختلفة بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة، ووضّح أن متاع الدنيا هو متاع زائل، مشوب بالتنغيصات، محدود اللذّة، قصير المدّة، في حين أن متاع الآخرة متاع خالد، لا تشوبه أيّة تنغيصات، يختلف عن متاع الدنيا في نوعه وعمقه، وقد جاءت كل التفصيلات في المقارنة بين متاع الآخرة ومتاع الدنيا ليجعل العبد لا يأسف على خسارة متاع الدنيا أو فقده في حالة المصيبة أو الخسارة أو الابتلاء، وأن ما ينتظره في الآخرة متاع أطيب وألذّ وأدوم فقال تعالى:

(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد،20).

بيّن الله تعالى في الآية السابقة أن الحياة الدنيا بكل ما فيها من زينة وأموال وأولاد إنما هي عَرَض زائل كمثل النبات إذ يكون أخضر ثم يصبح هشيماً وحطاماً، وأن الآخرة فيها المغفرة والرضوان من الله أو العذاب الشديد، وقال تعالى:

(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً) (الكهف،45).

ضرب الله للناس -في الآية السابقة- مثلاً عن الحياة الدنيا ومتاعها القليل في الزمن القصير بالنبات الذي يخضرّ ثم يصبح حطاماً.

        إن الحديث المفصّل عن نعيم الجنّة وإجراء المقارنات بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة المقصود من الحديث على هذين المستويين في القرآن الكريم هو التهوين من شأن أيّة خسارة لنعيم الدنيا من جهة، وجعل المسلم يوجّه قلبه ورجاءه إلى نعيم الآخرة باستمرار من جهة ثانية.

الثالثة: الصبر على البلاء

        حثّ الإسلام العبد أن يصبر على البلاء، لأن صبره هو الذي يكسبه الأجر، وأمر الله الرسول أن يصبر كما صبر الرسل السابقون فقال تعالى:

(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) (الأحقاف،35).

وقال تعالى:

(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (ق،39).

وبيّن الله لمحمد صلى الله عليه وسلم أن الرسل السابقين صبروا عندما كُذّبوا لكي يقتدي بهم ولكي يكونوا سلوى له فقال تعالى:

(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام،34).

كما امتدح أيوب عندما قال عنه:

(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص،44).

وقد بيّن القرآن أن أحد أقسام البرّ هو الصبر في الشدّة والابتلاءات فقال تعالى:

(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة،177).

كما وضّح القرآن الكريم أن الصابرين يوفّون أجورهم بغير حساب يوم القيامة فقال تعالى:

(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزُّمَر،10).

وبيّن القرآن في آية أخرى أن الصابرين هم الفائزون فقال تعالى:

(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) (المؤمنون،111).

        وقد بيّن الحديث الشريف أن أمر المؤمن كله خير، إن أصابه الخير شكر الله عليه فازداد أجره، وإن أصابته ضراء صبر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

“عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” (رواه مسلم). 

وليس من شكّ بأن المصائب وما ينتج عنها من حزن تكون مدعاة لتكفير الذنوب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

“ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه” (رواه البخاري).

الرابعة: اللجوء إلى الله وطلب العون

عندما يحدث الحزن في القلب بسبب مصيبة أو ابتلاء معيّن فعلى المسلم أن يلجأ إلى الله ويدعوه ويكثر من ذكره، وقد علّمنا القرآن والسنة أدعية معيّنة في حالات معيّنة، فعلّمنا القرآن الترجيع في حال وفاة حبيب أو قريب فقال تعالى:

(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (البقرة،156).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:

“ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها” (رواه مسلم).

وذكرت أم سلمة عند وفاة زوجها وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

“ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها” قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه مسلم).

        إن سيكولوجية مناجاة الله وطلب العون منه للتغلّب على الحزن تقوم على أن الإنسان في حالة الحزن يميل إلى بثّ شكواه إلى أي أحد ليخفّف عنه عبء الحزن الذي أثقل كاهله، وليس من شكّ بأن مناجاة الله -سبحانه- وهو السميع القوي القادر الخبير اللطيف الودود الرحيم تحقّق الطمأنينة للعبد، وتجعله يتغلّب على حزنه، ويتجاوز آثاره، ويستمرّ في تحقيق دوره وحياته الإيجابية، وبخاصة أن العبد يعلم أن هذا الربّ يسمعه الآن، ويعلم حاله، ويمكن أن يحقّق له طلبه، فإن لم يكن الآن فسيكون بعد حين، أو سيعطيه الأجر في الآخرة على ما أصابه، لذلك بيّن النبيّ يعقوب u أنه يلجأ إلى الله في شكواه لأنه يعلم نتيجة إيمانه بالله أموراً لا تعلمه الخلائق عن الله  كاللطف والقدرة والرحمة والحكمة والودّ إلخ… فقال تعالى:

(قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (يوسف،86).

الخامسة: الاستسلام لقضاء الله وقدره

        إن الإيمان بركن القضاء والقدر هو أحد الأمور المطلوبة من المسلم كي يستكمل إيمانه بالله، وضح ذلك الحديث الذي سأل فيه جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”(رواه مسلم).

        ومما يهوّن على المسلم مصيبته أو خسارته أو ابتلاءه أن يوقن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وبأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق  السماوات والأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث مخاطباً ابن عبّاس رضي الله عنهما:
“يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده اتجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” (رواه الترمذي وأحمد)، وقال تعالى:

(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد،22).

وقال تعالى:

(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة،51).

وقد اعتبر العلماء أن أعلى مراتب الاستسلام لقضاء الله عدم الشكوى لغير الله، واعتبروا الأنين نوعاً من الشكوى لغير الله لذلك لم يئن أحمد بن حنبل في مرض موته حتى لا تعتبر شكوى لغير الله.   

        ليس من شكّ بأن اتباع المسلم الخطوات السابقة تجعله يتغلّب على أيّ حزن يواجهه، وتبدأ هذه الخطوات باعتبار الدنيا دار ابتلاء واختبار فعليه أن يكون مستعدّاً لهذا الاختبار، مالكاً لأدواته من عقيدة وإيمان وعلم وعمل وتطهير للقلب ووعي لمسالك الشيطان إلخ…، وتتمثّل الخطوة الثانية بأن يعتبر الجنّة هي الدار التي يرجوها، وتتحقّق الخطوة الثالثة بأن يصبر على أي بلاء يصيبه ولا يجزع فينال الأجر الوفير والمكانة العالية في الآخرة، وتتطلّب الخطوة الرابعة بأن يلجأ إلى الله في شكواه، كما تدعوه الخطوة الخامسة أن يستسلم لقضاء الله وقدره.

 

اترك رد