tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

العدوان الأمريكي-البريطاني على العراق: قيادته أهدافه وكيفية مواجهته

أهداف العدوان والجهات التي تقف خلف العدوان

بدأ التحالف الأمريكي-البريطاني عدوانه على العراق في 20 من مارس/آذار 2003م وسقطت بغداد في 9 من ابريل/نيسان 2003م، وقد ادعى التحالف أن من أهداف العدوان على العراق بشكل رئيسي إلغاء وتعطيل مفعول أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها، وادعى كذلك أن من أهداف العدوان تحرير العراق وإزالة الديكتاتورية، وأن من أهداف  العدوان كذلك إبعاد خطره عن جيرانه إلخ…

لكن المؤكد أنه ليست الأهداف المذكورة سابقاً هي الأهداف الحقيقية للعدوان على العراق، فأمريكا تعرف قبل غيرها أن النظام العراقي ليس الديكتاتورية الوحيدة في المنطقة، وأنه لم يعد يشكل خطراً على أحد إلخ… فطالما أن أهداف العدوان المعلنة ليست الأسباب الحقيقية للعدوان، فمن الجهات التي تقف وراء العدوان؟ وما أهداف العدوان الحقيقية؟
الجهات التي تقف وراء العدوان تتكون من ثلاثة أطراف:

1- المحافظون الجدد:

وهو تيار تشكل بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ويضمّ ديك تشيني نائب رئيس الولايات المتحدة، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وكونداليزا رايس مستشارة الدفاع إلخ… وقد طرح هذا الفريق رؤاه منذ عام 1997م ودعا إلى جعل القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً كما كان القرن العشرين أمريكياً، والقرن التاسع عشر انكليزياً، والقرن الثامن عشر فرنسياً، ويتم ذلك بإبقاء الولايات المتحدة متفوقة على جميع دول العالم: تكنولوجياً وعسكرياً، وهي قد طبقت ذلك من خلال زيادة الإنفاق السكري، فميزانية الجيش الأمريكي الآن في الولايات المتحدة توازي ميرانية الجيوش التسعة التي تلي الجيش الأمريكي، وستكون ميزانيته في عام 2005م توازي ميزانية جيوش جميع دول العالم.

2- اللوبي الصهيوني في دوائر القرار الأمريكي:

أدركت المؤسسات الصهيونية العالمية ضعف انكلترا بعد الحرب العالمية الثانية، وانتقالها من مقدمة الدول العالمية إلى الصف الثاني، وأدركت أن الولايات المتحدة ستصبح الدولة الأولى في العالم، لذلك نقلت مركز ثقلها من لندن إلى نيويورك وواشنطن، وضغطت من خلال اللوبي الصهيوني على كل الرؤساء الأمريكيين، وقد بلغ النفوذ الصهيوني الآن ذروته، والذي يتضح في دعم بوش الابن لشارون، ومن أبرز القيادات الفاعلة المكوّنة للوبي الصهيوني: نائب وزير الدفاع بول ولوفوفيتيز، وعضو المجلس الاستشاري للدفاع في البنتاغون ريتشارد بيرل، ومدير شؤون الأوسط في مجلس الأمن القومي إليوت أبرامز إلخ…

3- التيار المسيحي الصهيوني:

نشأ المذهب البروتستنتي في القرون الوسطى، وربط بين الإنجيل والتوراة، وقد ولّد هذا الربط اقتناع المسيحيين البروتستنيين بكثير من الدعاوي اليهودية، وولّد عندهم حماساً لاسرائيل أكثر من الصهاينة أنفسهم، وقد نشأ بوش الابن في أحضان هذا التيار الذي أنقذه من عادة إدمان الكحول، والخلاصة إن هذا التيار موجود على مستوى الشعب وعلى مستوى الإدارة، ويعتبر رجل الدين البروتستنبي بات روبرتسون أبرز ممثليه، فهو على علاقة لصيقة ببوش الأب وبوش الإبن.

أهداف العدوان الحقيقية

أما عن الأسباب الحقيقية للعدوان الأمريكي-البريطاني على العراق فيمكن أن نذكر منها الأسباب التالية:
1- فرض التغريب على الأمة:
غزت أوروبا العالم في القرن التاسع عشر، واستكملت استعمار معظم أقطاره وبلدانه في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى، واجتهدت في استئصال الإسلام منها وفرض النموذج الحضاري الغربي عليها، لكن أمتنا أفشلت التغريب، ودل على ذلك الصحوة الإسلامية التي انطلقت في سبعينات القرن الماضي، وهذا ما جعل أمريكا التي قادت الحضارة الغربية إلى اعتبار الإسلام العدو الأول الذي يجب أن يُطوّع بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ولذلك فإن الهدف الحقيقي من احتلال العراق هو فرض التغريب على الأمة، واستكمال المهمة التي فشلت أوروبا في تحقيقها خلال قرن ونصف، وكالعادة فإن مثل هذا الهدف وضعت له عناوين برّاقة من مثل نشر الديمقراطية، وإشاعة مناخ الحرية، وإزالة الديكتاتورية إلخ… وقد كانت تلك العناوين واضحة في “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية من أجل الديمقراطية” التي أعلنها كولن باول في 12/12/2002م.
2- وضع اليد على البترول العراقي:
يشكل البترول سلعة رئيسية لتشغيل جميع المرافق الاقتصادية، بدءاً من السيارة، ومروراً بالمصنع، وانتهاء بالصاروخ، وقد أشارت الإحصاءات إلى أن أمريكا تستهلك منه في كل يوم (20) مليون برميل، تستورد 60٪ من هذه الكمية من بترول الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تزداد كمية الاستهلاك اليومي مع مرور الوقت، وبما أن الاحتياط الأمريكي من البترول هو (20) بليون برميل فقط لا يكفي لتغطية حاجات القرن الحادي والعشرين كله، فلابد من الاستيلاء على العراق التي تملك ثاني أكبر احتياط بترول في العالم وهو (112.5) بليون برميل في أقل التقديرات، ويمكن أن يصل (225) بليون أو أكثر من (300) بليون برميل في بعض التقديرات الأخرى، وتبرز أهمية الاستيلاء على نفط العراق في ضوء عدم اكتشاف العالم بديلاً مجدياً عن النفط حتى الآن مع كل النفقات التي صرفت خلال القرن الماضي على مثل تلك التجارب والأبحاث.
3- تمكين اسرائيل:
تهدف أمريكا من احتلال العراق إلى إزاحة إحدى القوى الرئيسية من مواجهة اسرائيل، وتهدف إلى تمكين اسرائيل لتصبح سيدة المنطقة، ولتفرض الاستسلام على العرب بالشروط التي تريدها، وها قد تحقق لها ما تريد، و”خارطة الطريق” أول الغيث الذي سيشطب المقاومة ويلغي السلاح، ويفتح الباب عريضاً للاقتتال الفلسطيني.
لاشك بأن التحرك الأمريكي السابق، والأهداف التي رسمتها يعتبر من أكبر التحديات وأخطرها على أمتنا في تاريخها كله، وهذا يستدعي أعلى درجات المقاومة الواعية من قيادات أمتنا ومفكريها ودعاتها وجماعاتها وأحزابها لإفشال مخطط التغريب الثاني، كما أفشلت الأول خلال القرن العشرين، لذلك يجب البناء على الإيجابيات التي حصلتها أمتنا خلال الصراع مع دعاة التغريب، ومعالجة السلبيات وعوامل الضعف في كيان الأمة، لذلك يجب التفكير الجدي والعميق بكل الوسائل التي تحتم انتصار أمتنا في المعركة القادمة، وأبرز الوسائل التي يجب الأخذ بها والتي تقوي ذلك، هي:
1- تأطير أفراد الأمة:
من الواضح أن جانباً كبيراً من عدم فاعلية جماهير المسلمين في التصدي لأعداء الأمة في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من الأماكن يعود إلى عدم وجود أطر جماعية توحّد طاقة هؤلاء المسلمين، وتنظم جهودهم، وتستوعب استعدادهم للبذل والتضحية، وتعرفهم بأوليائهم وأعدائهم، وترشدهم في كل خطوات الطريق إلخ… ولو تفحصنا الأسباب التي أدت إلى غياب هذا التأطير الجماعي لأفراد المسلمين، وإلى ضعف هذا الجانب الجماعي في حياتهم، لوجدنا أن أبرزها يعود إلى الاضطراب الفقهي في حكم الانتماء إلى جماعة، فبعض الفقهاء المعاصرين يحرمه، وبعضهم يبيحه بحسب الأحوال، وبعضهم يوجبه، وجاء الاضطراب من إسقاط الأحكام المترتبة على تحريم الخروج على جماعة المسلمين في حال وجود خليفة المسلمين وإمامهم على وقتنا الحاضر حيث سقطت الخلافة، مع أن الحكم الشرعي الأرجح هو وجوب الانتماء إلى جماعة شرعية وبخاصة في هذه الظروف الصعبة المحيطة بالمسلم والمملوءة بالمحن والفتن من كل نوع، لذلك لابدّ من إشاعة هذا المناخ الفقهي الذي يوجب العمل الجماعي على كل مسلم من أجل الانتقال بالمسلم من الفردية إلى الجماعية، حيث لا تستطيع الأمة مواجهة أعدائها، ولا حل مشاكلها، ولا بناء مستقبلها إلا من خلال بناء جماعي عريض يستوعب معظم أفراد الأمة إن لم يكن كلهم .

2- الانحياز إلى الأمة وثوابتها:
لاشك بأن المعركة القادمة مع دعاة التغريب ستكون من أخطر المعارك في حياة الأمة، لأنها تستهدف وجودها وشخصيتها وهويتها من جهة، ولأنها تأتي والعدو في أقوى حالاته وأمتنا في أضعف حالاتها من جهة ثانية، لذلك يجب رفع سقف الواجب المطلوب من أبناء الأمة نحو أمتهم، لذلك يجب أن يصبح المطلوب منهم الانحياز إلى الأمة وثوابتها، وأبرز هذه الثوابت : القرآن الكريم، والسنة المشرفة، واللغة العربية، والوقوف إلى جانب حقنا المشروع في فلسطين من البحر إلى النهر، والإقرار بعداوة اسرائيل وأمريكا لهذه الأمة، واعتبار أن أي احتلال لأرض عربية كارثة إلخ… فلم يعد مقبولاً من أحد يدعي الانتماء إلى هذه الأمة فرداً أو جماعة أو حزباً، وينكر ثابتاً من الثوابت السابقة، أو يشكك فيه، أو يوالي عدواً للأمة، أو يتعاون معه، أو يستهزئ بالمقاومة والاستشهاد، أو يستبشر بالاحتلال إلخ…

3- الحرص على الوضوح والدقة الشرعيين:
يزعم دعاة التغريب أنهم لا يريدون استئصال الإسلام من حياة المجتمع كما فعل الشيوعيون ذلك في الستينات، ويزاودون على أبناء الأمة في حرصهم على الإسلام، ويدعون أنهم يريدون إنقاذ الإسلام من أيدي علمائه التقليديين من الذين أساءوا فهمه، لذلك لن تكون معركتنا القادمة مع دعاة التغريب حول الاعتراف بالإسلام، ولكن ستكون حول تأويلهم لنصوص الإسلام، فهم امتلكوا رصيداً كبيراً من التأويلات خلال القرن الماضي، شملت معظم أحكام الإسلام في مجال العقيدة والمرأة والحدود والميراث إلخ…

كما امتلكوا قائمة كبيرة من المؤولين خلال القرن الماضي، من أبرزهم: محمد شحرور، محمد سعيد العشماوي، محمد أركون، حسين أحمد أمين، نصر حامد أبوزيد إلخ…، لذلك سيكون على العلماء والفقهاء الحرص على توضيح أحكام الشريعة في كل مجال، والوقوف عندها بشكل دقيق، من أجل إنجاء الأمة من فتنة التأويلات والمؤولين.

هذه بعض الوسائل التي تقوي موقف الأمة في مواجهة أعداء التغريب، فهل ستنتهي معركة التغريب في القرن الحادي والعشرين كما انتهت معركة التغريب في القرن العشرين بانتصار أمتنا الإسلامية؟ هذا ما نتطلّع إليه ونأمله، ونرجوه من الله تعالى.

 

اترك رد