tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

أسامة بن لادن في الميزان

هناك مرحلتان في حياة أسامة بن لادن، ولكل مرحلة سماتها ونتائجها وهما:

  • الأولى هي مرحلة الجهاد الأفغاني.
  • الثانية مرحلة ما بعد الجهاد الأفغاني.

أما بالنسبة للمرحلة الأولى فقد كان الجهاد الأفغاني سبيله إلى العمل الإسلامي، وسبيله إلى الاحتكاك بالحركات الإسلامية، والشخصيات الإسلامية العامة، وقد أخذ أسامة بن لادن مكانة متقدمة في ساحة الجهاد الإسلامي بسبب أمرين:

  • الأول: المال الذي بذله للجهاد والمجاهدين.
  • والثاني: شجاعته التي اتضحت في المعارك التي خاضها في الجهاد الأفغاني، فهو لم يكتف بأن قدم المال بل اشترك شخصياً في كثير من المعارك ضد القوات السوفياتية من جهة، وشكل معسكرات تدريب للمجاهدين العرب وأشرف عليها من جهة ثانية، وقضى معظم وقته في الجبهات القتالية على عكس كثير من القيادات الإسلامية التي كانت تقضي معظم وقتها في بيشاور دون مكابدة عناء المعسكرات وجبهات القتال من جهة ثالثة.

أما المرحلة الثانية فقد بدأها أسامة بن لادن بالعمل في ظل طالبان بعد الانتقال إليها من السودان عام 1995، وبايع في بدايتها الملا محمد عمر أميراً، ثم أنشأ تنظيم (قاعدة الجهاد) من خلال الدمج بين (تنظيم القاعدة) الذي كونه خلال مسيرته السابقة في الجهاد الأفغاني، وبين (تنظيم الجهاد المصري)، وأعلن في عام 1998 ميثاق الحرب على الصليبية واليهودية العالميتين، وقد وقعه أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وشخصيات إسلامية أخرى، ثم وقع تدمير البرجين الأميركيين في نيويورك في يوم 11/9/2001 الذي كان بتدبير من القاعدة كما اعترف أسامة بن لادن فيما بعد، وأدى ذلك إلى أن أعلنت أميركا الحرب على أفغانستان بذريعة إيوائها مدمري البرجين، وبذريعة ملاحقة الإرهاب في منابعه، وقد احتلت أميركا أفغانستان في خريف عام 2001، ثم أكملت أميركا احتلال العراق عام 2003، بحجة تعاون صدام مع الإرهابيين في القاعدة.

فما أبرز النتائج التي انتهى إليها تنظيم أسامة بن لادن وجهوده في المرحلتين؟ وما تقويمنا لهذه النتائج؟ أما النتائج في المرحلة الأولى فهي:

  • الأولى: التمكن من طرد السوفيات من أفغانستان عام 91، ومساهمة أسامة بن لادن في ذلك، وهي نتيجة إيجابية.
  • الثانية: فشل الجهاد الأفغاني في تحقيق حلم المسلمين في إقامة دولة إسلامية وحكم إسلامي، لأن الشباب الإسلامي الذي اجتمع من كل أنحاء العالم الإسلامي، والجماعات الإسلامية التي توافدت من مختلف أنحاء بلاد المسلمين لم تأت من أجل طرد السوفيات فقط بل جاءت من أجل تحقيق حلم المسلمين في العصر الحاضر في إقامة دولة إسلامية تطبق الشرع الإسلامي، وتحتضن هذه الجموع المسلمة، وهو ما فشلت فيه بسبب اصطراع المجاهدين فيما بينهم وعدم استطاعة القيادات الإسلامية والجماعات الإسلامية توحيدها، مما اضطر بن لادن إلى ترك ساحة الجهاد الأفغاني والذهاب إلى السودان عام 92.

ولا شك أن أسامة بن لادن يتحمل جانباً من مسؤولية هذا الفشل بسبب أنه كان أحد الرموز في قيادة الجهاد الأفغاني وتمويله أثناء الصراع مع السوفيات، فقد كان عليه أن يعالج الموضوع قبل أن ينتهي هذه النهاية، ويضع الخطط هو والآخرون لكي لا تذهب الثمرة إلى أعداء الأمة، وأن التوصل إلى أن تكون الثمرة في يد الأمة هو مسؤولية القيادات، وهو العامل الذي يقسم القيادات إلى نوعين: ناجحة وفاشلة.

أما النتائج في المرحلة الثانية من مسيرة أسامة بن لادن فهي:

الأولى: ضياع دولة أفغانستان الإسلامية

لقد أدت تفجيرات برجي نيويورك إلى أن اتخذتهما أميركا ذريعة لإسقاط الحكم الإسلامي الذي أقامته حركة طالبان، وهو لا شك خسارة كبيرة للعاملين في الحقل الإسلامي والداعين لإقامة حكم إسلامي يطبق الشريعة مع كل المآخذ التي يمكن أن يأخذها المسلم على القصور والأخطاء في تطبيق طالبان للشرع، وكان يجب على أسامة بن لادن أن يدعم الحكم الشرعي لطالبان في أفغانستان، وأن يساهم في تحسين صورتها، ويرشدها إلى ما هو أصوب، ويتعاون معها في بناء دولة مزدهرة ذات اقتصاد متين، ومجتمع موحد، وجيش قوي لا أن يساهم في إسقاطها وضياع حكمها.

الثانية: احتلال العراق

بعد أن احتلت أميركا أفغانستان، وضعت العراق كهدف ثان، واتهمته بأنه ينسق مع القاعدة، واتهمت أحد دبلوماسييه في أوروبا الشرقية بالاجتماع والتنسيق مع محمد عطا الذي قاد عملية الطائرات الأربع التي انفجرت في نيويورك وواشنطن في 11/9/2001، ولا شك أن احتلال العراق كان كارثة أضعفت الأمة، وأفقدها ثقلاً إستراتيجياً.

والسؤال: لماذا كانت هذه النتائج المحدودة في عمل بن لادن إن لم تكن سلبية والتي جاء بعضها في صالح أعداء الأمة؟ السبب في ذلك القصور الثقافي والفكري والعلمي والشرعي الذي اتسم به بن لادن بشكل خاص والقاعدة بشكل عام والذي تجلّى في عدة مواقف، وأبرزها المواقف التالية:

الأول: عندما أسس أسامة بن لادن القاعدة وعرض على أبو مصعب السوري الانضمام إليها، فطلب أبو مصعب السوري أن يكون للقاعدة منهج فكري، لكن بن لادن رفض القيام بذلك، لا شك أن الرفض يعطي دليلاً على القصور الثقافي الفكري لدى بن لادن، فإن وضع المنهج الفكري لجماعة تريد تغيير الواقع ضرورة عملية من أجل زيادة فرص النجاح وتقليل الخسائر، وهو بمثابة دليل عمل لكل العاملين ضمن هذا التنظيم من أجل ضبط إيقاع الجنود مع القيادة، ومن أجل أن تصب أعمال التنظيم في صالح الأمة وليس في صالح أعدائها.

الثاني: أما القصور الثقافي والفكري والعلمي والشرعي في تنظيم القاعدة فيتضح في أنها لا تملك طرحا شرعيا تعتمده القيادة في مجال فهم الدين، ولا تملك تحليلا لواقع الأمة وأمراضه، ولا تقدم نظرية للتغيير، ولم تحدد أصولا لبناء الجندي، ولم تقدم تشريحا لحضارة الغرب بإيجابياتها وسلبياتها، بل أطنبت الحديث عن الجهاد وفوائده وأجره، وهذا صحيح، لكن الجهاد لا يحل –وحده- المشكلة، بل لا بد من تنظيم موحد الرؤى، ولا بد من توفير كثير من العوامل والبيئات والعناصر قبل الجهاد وأثناءه وبعده لكي نجعل الجهاد مجديا، ولكي يعود بالفائدة على الأمة، وهذا ما لم تقم به القاعدة، وكل ذلك بسبب قصورها الثقافي والفكري والعلمي والشرعي.

الثالث: توقع أسامة بن لادن أن رد فعل أميركا على عمليات 11 سبتمبر سيكون إلقاء بعض الصواريخ على بعض المواقع في أفغانستان كما حدث عندما فجرت القاعدة المدمرة العسكرية الأميركية (كول) في اليمن، ونقل الرواة عنه أنه لم يتوقع أن تقوم أميركا بغزو أفغانستان بحال من الأحوال، وذلك لوعورة تضاريسها، ولخوفها من أن تتورط في حرب العصابات، ولا شك أن مثل هذا التصور ناتج عن قصور ثقافي في مجال فهم أميركا وقدراتها ومخططاتها وتاريخها وفي مجال فهم السياسة الأميركية المعاصرة وجبروتها.

الرابع: من المؤكد إن أسامة بن لادن هو الذي قاد عمليات تفجيرات نيويورك وواشنطن بإرادة ذاتية، لكن هذه التفجيرات كانت تريدها أميركا وعلى الأرجح أنها كانت على علم بها ولكنها مررتها من أجل أن يعطيها ذلك مبرراً لاحتلال أفغانستان والعراق من جهة، ومن أجل أن تستطيع تجييش الشعب الأميركي لغزو تلك البلدان وتقديم التضحيات من جهة ثانية، وقد أشار إلى هذه المعاني كتاب صدر في أميركا تحت عنوان (شبهات حول 11 سبتمبر) للمؤلف الأميركي (دافيد راي غريفين)، وقد دلّل الكاتب على وجهة نظره بخمسة أنواع أساسية من البراهين قدمت ضد الرواية الرسمية.

وقد أنهى الكاتب غريفين كتابه بأن تفسير أحداث 11 سبتمبر يتبلور في ثلاث نظريات: “نظرية المصادفة”، و”نظرية قلة الكفاءة”، و”نظرية التواطؤ الرسمي”، والمقصود بنظرية “قلة الكفاءة” بأن كل التقصيرات والإهمالات التي حدثت يوم 11/9 في مختلف مجالات الدفاع والحماية حدثت نتيجة قلة الكفاءة لدى الأجهزة والأشخاص، وأشار إلى أن “نظرية قلة الكفاءة” جزء من “نظرية المصادفة” والتي تعني أن كل حوادث “قلة الكفاءة” حدثت مصادفة، وعقّب غريفين على هذه النظرية بأن تصديق “نظرية المصادفة” و”نظرية قلة الكفاءة” يتطلب سذاجة أكبر من تصديق “نظرية التواطؤ الرسمي”، وأحصى غريفين (38) تصرّفاً تدخل في باب “قلة الكفاءة”، كما جمع غريفين الدلائل التي ترجح وجود تواطؤ رسمي فكانت (24) دليلاً.

يرجح الكاتب –كما هو واضح- أن أميركا كانت تعلم بأحداث 11/9 لكنها مررتها من أجل مصالحها، وأضيف أنه من المحتمل –أيضاً- أن تكون أميركا هي التي أوحت إلى أسامة بن لادن بفعل 11/9 عن طريق دوائر استخبارية ضيقة متغلغلة في تنظيم القاعدة ولا يدري أسامة بن لادن عنها شيئا، وتملك المخابرات الأميركية سابقات متعددة في هذا المجال، فهي التي أعطت أفعالاً معينة لجمال عبد الناصر جعلته يقع في حربي 1956 و1967، فقد سحبت أميركا عام 1956 تمويل السد العالي مما دفع جمال عبد الناصر إلى تأميم قناة السويس التي كانت سبباً مباشراً في حرب 1956، وكذلك سحبت أميركا منح القمح التي كانت تعطيها لعبد الناصر مما جعله يسحب البوليس الدولي من سيناء مما أدى إلى حرب 67، ومن المحتمل أن هذا ما فعلته مع أسامة بن لادن، وهذا ما ستوضحه الأيام القادمة.

والسؤال الآن: ما الذي جعل أسامة بن لادن يحقق مصالح أميركا من حيث لا يدري مع أن نيته كانت إيذاء أميركا وإضرارها؟ لا شك أن السبب وراء ذلك هو القصور الثقافي لدى أسامة بن لادن ولدى القيادة التي جمعها بن لادن، والذي جعلها لا تدرك مثل هذا الاستدراج.

في النهاية نقول: امتلك أسامة بن لادن كرما وشجاعة أهلتاه لاحتلال مكانة متقدمة في صفوف المجاهدين، وهو ما مكنه من إنشاء تنظيم القاعدة بعد ذلك، لكن هذا التنظيم أعطى ثمرات سلبية أكثر منها إيجابية على الأمة، تمثل ذلك في ضياع أفغانستان واحتلال العراق، وقد كان سبب ذلك القصور الثقافي والفكري والعلمي والشرعي الذي اتصف به أسامة بن لادن بشكل خاص والقاعدة بشكل عام.

المقال من الجزيرة أسامة بن لادن في الميزان

اترك رد