tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

ملاحظات حول مقال “القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي: نظرة فاحصة”

أرسل الكاتب الحسين فرحات مقالاً عقّب فيه على مقال “القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي: نظرة فاحصة” للكاتب غازي التوبة، وقد دوّن عليه عدّة ملاحظات، أشار في بعضها إلى غياب التصوّر النسقي والنظرة الشمولية لفكر مالك بن نبي في المقال محل النقد، ثم تحدّث فرحات عن التجارب التاريخية التي تؤكّد أنّ القوي يستعمر الضعيف، ثم عرّج على حديث الكاتب غازي التوبة عن العوامل التي جعلت فرنسا تستعمر الجزائر عام 1830، ولا تستعمر مصر عام 1798، واعتبرها تدخل في السياق نفسه، وتؤكّد وجهة نظره. ثم انتقل إلى جانب آخر من المقال وهو حديث الكاتب التوبة عن توقّف العقل العربي عن الإبداع وعن حدوث التفكك الاجتماعي، فاعتبر أنّ التفكيك حدث في نهاية عهد الموحّدين وليس في بدايته، ونقل نصوصاً تاريخية تؤيّد ذلك، واعتبر أنّ هناك إبداعاً عقلياً لكنه لم يكن مفيداً للمجتمع بسبب موات الشبكة الاجتماعية، فإنّ مالك بن نبي يعتبر أنه لابدّ للأفكار حتى تكون مفيدة من أن تكون شبكة عالم الأشخاص حيّة، فلا فائدة من عالم الأفكار في حالة موات عالم الأشخاص.

التحرير:

        لم يغب التصوّر النسقي والنظرة الشمولية عند الكاتب غازي التوبة في حديثه عن مالك -كما زعم الكاتب فرحات- ودلّ على ذلك ربطه بين فكرة “القابلية للاستعمار” وبين الضعف الذي وقع في نهاية عهد دولة الموحّدين، ووضّح أنّ عوامل الإنسان والتراب والوقت التي اعتبرها مالك بن نبي عوامل أساسية في إنشاء الحضارة، أصبحت عوامل خامدة ليس بينها صلة مبدعة، ومما يؤكّد وجهة نظر الكاتب التوبة أنّ مالك بن نبي في كتابه “وجهة العالم الإسلامي” ميّز بين نوعين من الاحتلال فقال في (ص،102):

“وبهذا نفهم الاستعمار باعتباره ضرورة تاريخية، فيجب أن يحدث تفرقة أساسية بين بلد فقير ومحتل وبلد مستعمر، ففي الحالة الأولى يوجد تركيب سابق للإنسان والتراب والوقت، وهو يستتبع فرداً غير قابل للاستعمار، أمّا في الحالة الثانية فإنّ جميع الظروف الاجتماعية التي تحوط الفرد تدلّ على قابليته للاستعمار، وفي هذه الحالة يصبح الاحتلال الأجنبي استعماراً قدراً محتوماً”.

        فالكاتب التوبة لا يختلف مع الكاتب فرحات في أنّ الاستعمار صورة من صور سيطرة القوي على الضعيف، ولكن أيّ ضعيف؟ هذا هو السؤال، فالضعيف المستعمَر (بفتح الميم) في العالم الإسلامي في نظر التوبة هو من النوع الأول الذي أشار إليه مالك بن نبي في الفقرة السابقة، وليس هو المتخلّف حضارياً، ولكنه الضعيف لمواصفات معيّنة ومواضعات محدودة، وقد وضّح الكاتب التوبة ذلك في حادثة استعمار الجزائر وقارن بين احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 وفشلها في احتلال مصر عام 1789، وأعاد ذلك إلى العوامل الخاصة المحيطة بظروف تلك المرحلة وليس إلى التخلّف الحضاري لأن الخلفية الحضارية واحدة بين الجزائر ومصر، وقد أبرز ذلك النظرة الشمولية والتصوّر النسقي عند الكاتب التوبة ونفى اتهامات الكاتب فرحات.

        أمّا حديث الكاتب فرحات عن أنّ التفكّك صار في نهاية عهد الموحّدين وليس في بدايته، فهناك إشارة في مقال الكاتب غازي التوبة عن الموحّدين، وهو لم يدخل في التفصيل التاريخي، لكنه في كل الأحوال لا يرى في هذه المظاهر التي جاءت في نهاية عهد الموحّدين -كما نقل الكاتب فرحات- ما يستدعي القول بانحطاط الأمّة، لأنّ الانحطاط يعني موت الأمّة، ويعني وجود تناقضات مع الفطرة في البناء الهيكلي للأمّة، وهو ليس موجوداً، بدليل أنّ الأمّة مستمرّة، وما تحدّث عنه الكاتب فرحات هو مظهر من مظاهر ضعف الأمّة، وحلقة من حلقات سقوط عصبية معيّنة، وسيؤدّي ذلك إلى نهوض عصبية جديدة، ولاشكّ أنّ هذا مظهر خلل واضطراب لكنّه ليس انحطاطاً كما قلنا، لأنّ الأمّة استمرّت بعد ذلك وفتحت القسطنطينية عام 1453 ثم اجتاحت أوروبا كلها بعد ذلك في القرن السادس عشر، واستمرّ الترابط واستمرّت الأمّة تعطي في مختلف المجالات.

        وفي المجال الآخر: العقلي، اعترف الكاتب فرحات أنّ هناك إبداعاً في عصر ما بعد الموحّدين، وأشار إلى بعض الاكتشافات كفكرة الدورة الدموية ونظرية ابن خلدون عن قيام الدول وسقوطها إلخ… وهو ما يقرّره الكاتب التوبة من استمرار الفاعلية العقلية ونفي الموات عنها، أمّا قضية الاستفادة من هذه الإبداعات العلمية فقضية أخرى لم يتطرّق لها الكاتب، لذلك لا حاجة لمناقشتها.

اترك رد