tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

ما حدث في جنين جريمة حرب

تقرير لـ “هيومن رايتس وواتش”

ذكرت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” في تقرير خاص، في أعقاب تحقيقات استغرقت أسبوعاً، أن ثمة دلائل توحي بأن قوات الجيش الإسرائيلي ارتكبت جرائم حرب في العملية العسكرية التي قامت بها في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، لكن المنظمة لم تتوصل إلى أي دليل بدعم الادعاءات القائلة إن القوات الإسرائيلية ارتكبت مجازر راح ضحيتها مئات الفلسطينيين في هذا المخيم.

وحددت المنظمة في تقريرها، الذي يقع في ثمان وأربعين صفحة هوية اثنين وخمسين فلسطينياً قتلوا في أثناء العملية، منهم اثنان وعشرون مدنياً قتل الكثير منهم عن عمد أو دون وجه حق، كما وجدت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” أن القوات الإسرائيلية استخدمت المدنيين الفلسطينيين “دروعاً بشرية” واستخدمت القوة المفرطة والعشوائية في أثناء العملية.

وقال بيتر بوكارت، وهو أحد كبار الباحثين في منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” وعضو فريق التحقيق: “إن الانتهاكات التي وثّقناها في جنين بالغة الخطورة، ويبدو أنها تصل في بعض الحالات إلى حد جرائم الحرب، ومن الضروري إجراء تحقيقات جنائية لتحديد المسؤولية الفردية عن أخطر الانتهاكات. وهذه التحقيقات هي أولاً وأخيراً مسؤولية الحكومة الإسرائيلية: ولكن على المجتمع الدولي أن يضمن توافر القدر المعقول من المحاسبة في هذا الصدد.

وكان فريق من منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” مكون من ثلاثة من المحققين ذوي الخبرة في هذا الصدد قد قضى سبعة أيام في مخيم جنين للاجئين، حيث استمع إلى روايات تفصيلية من المصابين والشهود، وحرص على التثبت منها بدقة ومقارنتها بروايات آخرين بصورة مستقلة لإعادة بناء صورة تفصيلية للأحداث التي وقعت في المخيم في إبريل 2002، غير أن الجيش الإسرائيلي لم يوافق على طلب منظمة ” مراقبة حقوق الإنسان” الذي قدمته مراراً للحصول على معلومات بخصوص عمليات التوغل العسكرية التي قام بها في الضفة الغربية وغزة. وقال بوكارت، الذي سبق أن رأس تحقيقات منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” في الانتهاكات التي وقعت في وقت الحرب في الشيشان وكوسوفا وأفغانستان، إن من الواضح أن أحداث جنين تستدعي إجراء المزيد من التحقيقات، مشيراً إلى أن من شيم الجيوش المحترفة أن تولي اهتماماً جاداً لضرورة تحديد المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب.

وقال بوكارت: يجب على إسرائيل أن تتعاون بصورة كاملة مع بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، ويجب ألا يفلت من العقوبة أي شخص يثبت ضلوعه في الانتهاكات السافرة لقوانين الحرب. حيث إن هناك روايات شديدة التباين عما حدث في جنين، فإن بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة يمكن أن تسهم إسهاماً كبيراً في البحث عن الحقيقة هناك.

وكانت القوات الإسرائيلية قد شنت عملية عسكرية كبيرة في الثالث من إبريل 2002 على مخيم جنين للاجئين، الذي يقيم فيه نحو أربعة عشر ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين، واشترك ما يتراوح بين ثمانين ومئة فلسطيني مسلح في القتال ضدها. وتزعم إسرائيل أن المخيم كان نقطة انطلاق للكثير من عمليات التفجير الانتحارية التي أدت إلى قتل وتشويه أكثر من مئة مدني إسرائيلي في الأشهر الأخيرة. وقد أدانت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” مراراً هذا القتل المتعمد للمدنيين. كما قام الفلسطينيون المسلحون بزرع الكثير من العبوات الناسفة في المخيم قبل الاجتياح الإسرائيلي وفي أثنائه.

ومن بين المدنيين الاثنين والعشرين الذين وثق هذا التحقيق مقتلهم الأشخاص التالية أسماؤهم:

كمال زعير (57 عاماً) وهو رجل مقعد رمياً بالرصاص ثم دهسته الدبابات الإسرائيلية يوم 10 إبريل بينما كان يتنقل على كرسيه المتحرك حاملاً علماً أبيض عبر طريق رئيسي في جنين.

جمال فايد (37 عاماً) وهو رجل مشلول سُحق تحت أنقاض بيته يوم 7 إبريل بعد أن رفضت القوات الإسرائيلية إمهال أسرته ريثما تقوم بإخراجه من المنـزل قبل أن تهدمه إحدى الجرافات.

فارس زيبان (14 عاماً) الذي قتل بإطلاق النار عليه من عربة مصفحة تابعة للقوات الاسرائيلية وهو في طريقه لشراء بعض الحوائج من البقالة بعد رفع الحصار المفروض من جانب القوات الإسرائيلية أخيراً في الحادي عشر من إبريل.

عفاف دسوقي (52 عاماً) التي قتلت في الخامس من إبريل في انفجار عبوة ناسفة زرعها جنود القوات الإسرائيلية أمام مدخل بيتها بينما كانت تفتح الباب للجنود.

وفي إحدى الحالات التي أصيب فيها أحد المتشددين الفلسطينيين، منع الجنود الإسرائيليون وصول المساعدات الطبية إليه لساعات عدة ثم قتلوه، وكان الرجل ملقى على مقربة من إحدى المستشفيات قرب المخيم، ولم يكن عندئذ مسلحاً أو مشاركاً بدور فعال في القتال.

كما توصلت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” إلى دلائل تشير إلى أن القوات الإسرائيلية عمدت لاستخدام القوة بصورة عشوائية لا تتناسب مع هدف الحملة، فقد أطلقت المروحيات التي زودت بها الولايات المتحدة إسرائيل صواريخ مضادة للدبابات وأنواعاً أخرى من المقذوفات على المخيم، وكان ذلك في بعض الحالات يحدث دون بذل الجهد الكافي لتحديد الأهداف العسكرية المشروعة وتجنب إصابة بيوت المدنيين. وقصفت المروحيات الكثير من المنازل في مخيم جنين التي يسكنها المدنيون فقط والتي لم يكن فيها أي مقاتلين فلسطينيين. وفي واحدة من هذه الحالات الكثيرة أصابت قذيفة أطلقتها دبابة وصاروخان مضادان للدبابات من طراز “تاو” أطلقتهما إحدى المروحيات منـزل كامل طوالبة، وهو أب لأربعة عشر طفلاً في السادس من إبريل. ولم يكن في منـزل طوالبة أي مقاتلين، وعندما حاول هو وأسرته مغادرة المنـزل المحترق أطلق الجنود الإسرائيليون الموجودون في المنطقة النار عليهم.

وفي حالة أخرى قتلت امرأة تبلغ من العمر ستين عاماً عندما أطلقت مروحية صاروخاً على شقتها الواقعة في الطابق العلوي في إحدى البنايات على الرغم من عدم وجود أي فلسطينيين مسلحين في البناية أو في المنطقة المجاورة لها مباشرة. وقد أدت حملة الجيش الإسرائيلي إلى دمار واسع النطاق للبنية الأساسية في المخيم على نحو لا يتناسب مع دوافع الحملة، وخصوصاً في حي الحواشين في أعقاب كمين نصب فيه لجنود إسرائيليين في التاسع من إبريل. وعلى العكس مما حدث في أماكن أخرى من المخيم، حيث استخدمت الجرافات المصفحة أساساً لتوسيع الشوارع، قامت الجرافات في حي الحواشين بتسوية المنطقة بأكملها في الأرض. وفي شتى أنحاء المخيم هدمت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 140 مبنى سوتها بالأرض، وكثير من هذه المباني كان يقيم فيها الكثير من الأسر، كما تعرض أكثر من 200 مبنى آخر للتدمير الشديد، مما أدى لتشريد ما يقدر بأربعة آلاف شخص، أي أكثر من ربع سكان المخيم. ويقع أكثر من مئة من هذه المباني في حي الحواشين.

ومن الواضح أن تسوية الحي بأكمله بالأرض بصورة موسعة ومنهجية ومتعمدة لا يتناسب مع أي هدف عسكري تسعى إسرائيل إلى تحقيقه. وقال بوكارت إن إثبات أن هذا التدمير تجاوز كثيراً حد الضرورة العسكرية إلى حد التدمير المفرط بلا مبرر – مما يعد جريمة من جرائم الحرب – يجب أن يكون من أهم أوليات لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة.

كما وثقت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” حالات عمدت فيها القوات الإسرائيلية إلى استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وهو أسلوب يحرمه القانون الإنساني الدولي. وفي إحدى الحالات، أرغم الجنود الإسرائيليون ثمانية مدنيين على سترهم بإجبارهم على الوقوف في شرفة بينما كان الجنود يطلقون النار على مسلحين فلسطينيين. وكان من بين هؤلاء المدنيين كامل طوالبة وابنه البالغ من العمر أربعة عشر عاماً، ووصف طوالبه كيف أرغمهما الجنود على البقاء لمدة ثلاث ساعات في مرمي النيران، وراحوا يتخذون من كتفي وكتفي ابنه متكأً لبنادقهم وهم يطلقون النار. وقال بوكارت: “وحتى لو سلمنا بصحة الاتهام الإسرائيلي بأن الجماعات الفلسطينية التي تتخذ من مخيم اللاجئين قاعدة لها هي المسؤولة عن مهاجمة المدنيين الإسرائيليين، فإن ذلك لا يبرر انتهاكات الجيش الإسرائيلي الموثقة في هذا التقرير”. وأضاف بوكارت أن منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” لم تعثر على أي أدلة على أن المسلحين الفلسطينيين اتخذوا المدنيين دروعاً بشرية بالإكراه في أثناء المعارك التي دارت في المخيم، ولم تجد أي دلائل توحي بأن المسلحين الفلسطينيين منعوا مدنيين فلسطينيين من مغادرة المخيم.

وقال بوكارت: “كما هو الحال في تحقيقاتنا السابقة في عمليات الجيش الإسرائيلي، فقد وجدنا أيضاً حالات كثيرة أجبرت فيها القوات الإسرائيلية مدنيين فلسطينيون على المشاركة في عمليات عسكرية، وأردف بوكارت قائلاً: “لقد أجبر مدنيون فلسطينيون، تحت تهديد السلاح في بعض الأحيان على مصاحبة قوات الجيش الإسرائيلي في أثناء تفتيشها للمنازل، وعلى القيام ببعض المهام الخطيرة في أثناء عملية التفتيش تلك”.

وخلال معظم “عملية الدرع الواقي” منعت قوات الجيش الإسرائيلي فرق الإسعاف والأطباء من دخول مخيم جنين، وأطلق الجنود نيرانهم مراراً على طواقم الإسعاف التابعة للهلال الأحمر، وفي إحدى الحالات، قتل الجنود بنيرانهم ممرضة ترتدي الزي الرسمي، وهي فروة جمال البالغة من العمر سبعة وعشرين عاماً، وكانت قد جاءت إلى المخيم لإسعاف رجل جريح، وفي حالة أخرى توفيت مريم وشاحي البالغة من العمر ثمانية وخمسين عاماً، في بيتها بعد ست وثلاثين ساعة من إصابتها بجروح ناجمة عن شظايا، فقد منع الجنود الإسرائيليون طواقم الإسعاف المرة تلو الأخرى من الوصول إلى منـزلها الواقع على بعد بضع مئات الأمتار من المستشفى الرئيسي في جنين.

اترك رد