نُشر لي على موقع ” الجزيرة نت”- باب “المعرفة” – زاوية “وجهات نظر” مقال تحت عنوان ” هل هي مؤتمرات أصدقاء أم أعداء سوريا؟“.
وللأسف ما زال العالم يتفرج على فيلم الرعب الحي الذي يجري في سوريا، ما زال العالم على حاله من خذلان للشعب السوري وثورته، ومازال العالم يدير ظهره للقتل اليومي للشعب السوري على يد الطاغية وأعوانه وحلفائه.
نسأل الله العلي القدير أن يعجل الفرج.
وها نحن نعيد نشر المقال في هذا الموقع لكي يطلع عليه القراء وتعم الفائدة إن شاء الله.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
انعقد في باريس مؤتمر تحت عنوان “مؤتمر أصدقاء سوريا” قبل فترة قصيرة من الزمن لبحث أوضاع الثورة السورية، وكيفية مساعدتها على حل مشاكلها، وقد جاء هذا المؤتمر ضمن سلسلة مؤتمرات انعقدت في عدة دول عربية وأجنبية على مدار العامين الماضيين، وقد كان منها: مراكش وتونس وإسطنبول وغيرها.
وقد ذكّرت قياداتُ الائتلاف المؤتمرين بأنه لم يتم الوفاء بما تعهدت به الدول في الشهر الماضي في مدينة مراكش المغربية، وأضافت تلك القيادات “أن موازين القوى على الأرض تميل لصالح الثورة والثوار، لكن الحسم يحتاج إلى بعض الأسلحة التي تواجه الطائرات والدبابات”، وردت المعارضة على إلحاح المجتمع الدولي على تشكيل حكومة من قبل الثوار بأنها موافقة على الفكرة، ولكن تنفيذها يحتاج إلى أمرين، وقالت “من أجل إقامة حكومة ترعى شؤون السوريين لا بد من إيجاد مناطق آمنة في المناطق المحررة حتى تستطيع أن تقيم فيها هذه الحكومة، ولا بد من ميزانية تبدأ من 500 مليون دولار من أجل الإنفاق على حاجات الشعب السوري”.
وشرحت قيادة الائتلاف للمؤتمرين صورة الوضع، مذكرة بأنه سقط 60 ألف شهيد (بينهم 1400 تحت التعذيب) و140 ألف جريح، بالإضافة إلى 60 ألف مفقود، و140 ألف معتقل، و720 ألف لاجئ مسجل، ومليونيْ مشرد، و4 ملايين يحتاجون للمساعدة.
وكان المفروض أن يستجيب مؤتمر أصدقاء سوريا لطلبات وفد الثورة السورية، وأن يلبيها لأن قيادة الائتلاف هي التي تقرر حاجات الساحة السورية، لكنه لم يستجب لأنه لم يعلن موافقته على الطلبات التي قدمتها القيادات المعارضة السورية، وأبرزها السلاح النوعي من صواريخ ومضادات للدبابات من جهة، وتأمين مناطق آمنة تكون مقرا للحكومة السورية التي ستدير شؤون سوريا من جهة ثانية، وتأمين الأموال الكافية التي تحتاجها الحكومة السورية من أجل إغاثة السوريين في المناطق المحررة من جهة ثالثة.
وفي هذه الحالة عند عدم الاستجابة للطلبات المقدمة من قبل قيادات الثورة السورية، يحق لنا أن نتساءل: هل هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات التي عقدت خلال السنتين الماضيتين هي مؤتمرات أصدقاء سوريا؟ أم هي مؤتمرات أعداء سوريا؟
يُفترض في الأصدقاء أن يستجيبوا لطلب أصدقائهم، وليس أن يفرضوا عليهم رؤيتهم وحلولهم، ولماذا يحدث هذا فقط مع سوريا في سلسلة ثورات الربيع العربي؟ إن قيادة الائتلاف يجب أن ترفض صورة الوصاية عليها وتعود إلى الشعب السوري، وتصارحه بما يحدث، وتبحث عن بديل للتوصل إلى السلاح النوعي الذي تواجه به النظام المجرم، والأموال التي تقيم بها دولتها، وتسد حاجات شعبها.
في الجواب على السؤال السابق، سنجد أن الدول الكبرى صديقة سوريا حجبت السلاح النوعي والأموال عن الثورة بحجتين الأولى: وجود جبهة النصرة والثانية: الأقليات.
أما عن جبهة النصرة فهناك عدة حقائق تبرز في هذا المجال:
الأولى: هي محدودة العدد والقوة -حتى الآن- وهذا يجعل تأثيرها غير كبير في ساحة الثورة السورية.
الثانية: تختلف عن “القاعدة” في العراق في أمرين:
أ- أقل استباحة وتهاونا في سفك الدماء، وهذا يجعل أضرارها أقل في مجال ترابط النسيج الاجتماعي للشعب السوري.
ب- أكثر تعاونا وتنسيقا مع الحركات الجهادية الأخرى على عكس تاريخها في العراق، حيث تميزت هناك بالانفرادية، وهذا يعطي فرصة لضبط إيقاعها السياسي والعسكري في ساحة الثورة السورية.
الثالثة: إن دعوى حجب السلاح النوعي عن فصائل الثورة السورية بحجة عدم وصولها إلى القاعدة دعوى باطلة، لأن قيادة الجيش الحر قادرة على أن تضبط السلاح النوعي، وأن تعطي ضمانات كي لا يذهب إلى جبهة النصرة أو غيرها.
أما عن الأقليات فإن التاريخ القريب يقول إن الأقليات في سوريا كانت تعيش في وئام وتسامح مع بقية أجزاء الأمة، ويؤكد ذلك أن الطائفة العلوية -وهي الأقلية- حكمت سوريا أكثر من أربعين سنة، ولولا التسامح لما استطاعت أن تصل إلى قمة الحكم، وتستأثر بالسلطة.
وكذلك يقول التاريخ المتوسط إن تدخل الدول الكبرى هو الذي يفسد العلاقة بين الأقليات وجسم الأمة الكبير، وهذا ما حدث في القرن التاسع عشر عندما وضعت كل دولة كبرى يدها على أقلية من الأقليات، فادعت فرنسا رعايتها للكاثوليك، وادعت روسيا رعايتها للأرثوذكس، وادعت بريطانيا رعايتها للدروز.
ومن المعروف تاريخيا أن التصادم الذي حدث عام 1860، والذي وقع بين الأقليتين المارونية والدرزية، وأدى لاحتلال فرنسا لبيروت، كان وراءه الإنجليز والفرنسيون من أجل إيجاد مبرر للتدخل في شؤون الخلافة العثمانية آنذاك، وقد انتقل التصادم إلى دمشق مما أدى إلى أن يتدخل الأمير عبد القادر الجزائري من أجل حماية المسيحيين في دمشق، وقد أدت تلك الأحداث إلى منح جبل لبنان صبغة إدارية حديثة تحت عنوان “متصرفية جبل لبنان”، وأظن أن الأقليات وعت بعد تلك الأحداث وغيرها أن الخير في التحامها مع أمتها التي تحيط بها، وأن عليها ألا تعطي أذنا للغرب بحال من الأحوال.
ومن الجدير بالذكر أنه ليست القاعدة ولا جبهة النصرة من جهة، ولا الأقليات من جهة ثانية، هي السبب في عدم تجاوب الغرب مع مطالب الثورة السورية الأبرز، وهي: إعطاء السلاح النوعي لحسم المعركة، وإيجاد مناطق آمنة، ودفع الأموال اللازمة لإغاثة الشعب السوري، ولكن السبب الحقيقي المسكوت عنه وراء تلك التصرفات هو إسرائيل.
فالغرب لا يريد أن ينتصر الثوار على الجيش الأسدي الذي رباه الأسد ووضعه لحماية إسرائيل، أو يتغلب عليه، لأنه يؤدي دورا أساسيا في المحافظة على الكيان الصهيوني، وإذا انتصر الثوار على هذا الجيش فإن إسرائيل ستصبح مكشوفة الستر أمام الثوار، وخاصة أنه ليست هناك اتفاقية سلام بين إسرائيل وسوريا تحميها من المواجهة مع الثوار كما هو حادث في مصر، وأنه ليس هناك خطر على إسرائيل من ثورة تونس واليمن وليبيا لأنه ليست هناك حدود مشتركة بين هذه الدول وإسرائيل، فلا تريد الدول الكبرى أن ينتصر أحد على هذا الجيش الأسدي، أو يتغلب عليه لأنه يؤدي دورا أساسيا في المحافظة على الكيان الصهيوني.
لذلك أعتقد أن واجب القيادات السياسية للشعب السوري أن تعبر عن هذا الشعب تعبيرا صحيحا، وأن تكون في مستوى تضحياته التي يبذلها من شهداء وجرحى..، وأن توضح للمؤتمرين في مؤتمرات أصدقاء سوريا أنهم أصدقاء وليسوا أعداء أو أوصياء، وأن توضح لهم أن ميزان القوى يميل لصالح الثورة والثوار، وبناءً على هذا يجب أن تزيد من التحامها بجماهير أمتها من جهة، وأن تحل مشكلة السلاح النوعي بالتوجه إلى تصنيع الأسلحة التي حجبتها الدول الصديقة من جهة أخرى، فهذا أمر ممكن، فقد حدث مع الكثير من الثورات، وأقرب مثال هو المجاهدون في غزة، حيث صنعوا الصواريخ التي أقضت مضاجع الكيان الصهيوني.
وفي النهاية نقول: هناك مؤتمرات كثيرة تنعقد تحت عنوان “أصدقاء سوريا”، لكنها لا تلبي -في الحقيقة- حاجات الشعب السوري في السلاح النوعي والمناطق الآمنة والمال، لذلك يمكن أن يصنفها الشعب في خانة العداء لسوريا، وهذا يوجب على القيادات السورية أن تعي هذه الحقيقة، وتلتحم بشعبها وأمتها، لأنهما هما السند، وهما القيمتان الحقيقيتان اللتان تقودان إلى النصر، واللتان من خلالهما يمكن إيجاد حلول لكل المشاكل التي تواجه الثورة السورية.