tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

لماذا غاب الإسلاميون عن العمل الفدائي في الستينات؟

        لقد كان دور العلماء والمشايخ والحركات والجماعات الإسلامية بارزاً في مجاهدة المستعمِرين في الفترة المعاصرة، وقد كان دورهم أكثر بروزاً في القضية الفلسطينية منذ سقوط الخلافة، ومنذ الانتداب البريطاني على فلسطين من خلال رجلين، هما:

الأول: الشيخ عز الدين القسام الذي حرّك جماهير فلسطين لمقاومة الإنجليز ولمقاومة الصهاينة من خلال اعتلائه منبر جامع الاستقلال في حيفا إلى حين استشهاده في أحراج بعبد في عام 1935م.

الثاني: الحاج أمين الحسيني الذي لعب دوراً آخر أكثر اتساعاً في المكان والزمان من خلال ثلاثة مواقع دينية:

أولها: كونه مفتياً لفلسطين.

ثانيها: عمامته التي تميّز بها عن زعماء العالم العربي والتي توضّح أنه عالم دين.

ثالثها: المؤتمر الإسلامي الذي عقده في مرحلة مبكّرة من تاريخ القضية الفلسطينية في عشرينات القرن الماضي والذي دعا إليه شخصيّات إسلامية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

        ومن الجليّ أن السبب في دور الإسلاميّين الكبير في مقاومة الاستعمار الصهيوني هو بروز حكم الجهاد في تشريعات الإسلام وآياته، وفي ثناء آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على المجاهدين، وتأكيد عظيم مثوبتهم إلخ…

        واستمرّ هذا الدور البارز للإسلاميّين في القضية الفلسطينية بعد الحرب العالمية الثانية، فساهم الإسلاميّون مع مختلف الفئات الشعبية التي دخلت فلسطين لمقاتلة اليهود كالقوميّين العرب والبعثيّين والقوميّين السوريّين، فدخل الإخوان المسلمون من مصر وسورية، وخاضت كتائبهم القتال في القدس وفي جنوب فلسطين، وأبلوا بلاء حسناً، وتحدّثت عن هذا القتال وأرّخت له كتب متعدّدة.

        ومع كل هذا الدور البارز للإسلاميّين في القضية الفلسطينية منذ مطلع القرن، فنجد غياباً شبه كامل لدورهم منذ الخمسينات من القرن الماضي إلى نهاية الثمانيات تقريباً، ونلحظ أيضاً غيابهم عن نشأة العمل الفدائي في الستينات، فما السبب في ذلك؟

        قد يعلّل بعضهم هذا الغياب للإخوان في الخمسينات والستينات بملاحقة جمال عبد الناصر، وحيلولته دون قيامهم بأي دور، لكن هذا لا يكفي لتعليل هذا الغياب، والمراجعة الفاصلة لتلك الفترة تبيّن أن هناك عوامل أخرى أبرزها قيادة حسن الهضيبـي للعمل الإسلامي في مطلع الخمسينات، ورفضه لأي عمل عسكري، فقد صرّح إثر تعيينه مرشداً للإخوان المسلمين قائلاً: “لا إرهاب في الدين ولا سرية في الدعوة”. وجاء هذا التصريح تعليقاً على رفضه لوجود الجهاز السريّ في الإخوان وتكليفه لأحد الإخوان المسلمين بأن يضع البرامج التي تلغي الجهاز السريّ وتدمجه في الجسم العام للجماعة، لذلك عندما نشب العمل الفدائي ضدّ الإنجليز عام 1952م، اعتبر أن كل أخ حرّ بأن يعبّر عن وطنيّته بالصورة التي يريدها، لكن الذي يعبّر عن الإخوان المسلمين ورأيهم هو القيادة الرسمية لهؤلاء الإخوان، وهي ليست ملزمة وليست مسؤولة عن تصرفات أولئك الإخوان الذين يمارسون القتال بصورتهم الفردية. ولما كان هذا موقفاً غريباً من حركة إسلامية ناهيك عن حركة إسلامية بنت جانباً من أمجادها على الجهاد في فلسطين وعلى مجاهدة الإنجليز، وشكّل مؤسّسها حسن البنّا جهازاً خاصاً سمّاه “الجهاز السريّ” ليقوم بمهمة الجهاد ضدّ الإنجليز واليهود.

        لقد كان هذا الموقف من حسن الهضيبـي تغييراً في استراتيجية الجماعة من الجهاد المادي، وكانت له آثاره المفاجئة: القريبة والبعيدة، أما النتائج القريبة فتمثّلت في استقطاب ياسر عرفات لكثير من الكوادر الإخوانية وانتقالها إلى حركة فتح بسبب تطلّع هذه الكوادر إلى تحقيق فرضية الجهاد ضدّ الصهاينة، وتلبية حركة فتح لهذا التطلّع، ووقوف قيادة الإخوان في وجه هذه التطلّعات وعدم تلبيتها لها، ومن أبرز هذه الكوادر التي استقطبها ياسر عرفات: خليل الوزير، صلاح خلف، سليم الزعنون، رياض الآغا، محمد يوسف النجار إلخ… وقد تم هذا الاستقطاب عندما كان ياسر عرفات متعاوناً مع الإخوان المسلمين في تشكيل اتحاد طلاب فلسطين في القاهرة عام 1954م وما بعدها.

        لذلك عندما انطلق العمل الفدائي في عام 1965م لم يكن للحركة الإسلامية أي دور فيه، واستمر هذا الغياب إلى الثمانينات من القرن الماضي، لذلك لم يبرز أي دور للحركة الإسلامية في العمل الفدائي في الأردن بعد نكسة حزيران عام 1967م، وإنما قام دور متواضع للإخوان في معسكر الشيوخ الذي قاده الشيخ عبد الله عزام -رحمه الله- بغطاء من حركة فتح، لكنه أُغلق بعد القتال الذي وقع في أيلول من عام 1970م بين السلطة الأردنية والعمل الفدائي، وانفضّ المقاتلون مع الحرص مع عدم الاشتراك في القتال الدائر بين الفدائيّين والسلطة الأردنية على اعتبار أنه قتال فتنة داخلية.

        وقد نما هذا العداء للعمل الفدائي/الجهادي في صفوف الإسلاميّين وتبلور على يد عبد الله أبو عزّه أبرز القياديّين لجناح فلسطين، الذي أصّل له  وكتب دراسات متعدّدة حوله واعتبر أن أي قتال لإسرائيل عبث لا طائل تحته وأن الدولة هي التي تستطيع أن تقارع دولة اسرائيل، وأن العمل الفدائي لا يغيّر الدول، وذلك بسبب تركيبة الدولة الحديثة وبسبب نوعية أسلحتها، لذلك عندما اجتمع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الأردن بعد النكسة من أجل أن يتخذ موقفاً من العمل الفدائي في الأردن لم يستطع أن يتخذ أي موقف بسبب التناقض الحادّ بين وجهات نظر المتحاورين وانفضّ دون التوصّل إلى أي قرار.

        والآن: ما السبب الذي جعل حسن الهضيبـي ينجح في إيجاد هذا التحوّل الاستراتيجي في الموقف الإسلامي من الجهاد؟ السبب هو انحسار مفهوم الأمّة في الثقافة الإسلامية المعاصرة لحساب مفهوم الدولة، فلو كان مفهوم الأمّة هو المتأصّل والمقدَّم لما استطاع أن يُحدث مثل هذا التغيير في استراتيجية العمل الإسلامي، وحتى لا يحدث مثل هذا التغيير مرّة ثانية وبخاصة بعد عودة الإسلاميّين إلى واجهة الصراع مع العدو الصهيوني، يجب على العاملين في حقل الثقافة الإسلامية أن يعمّقوا مفهوم الأمّة في إدراك المسلم المعاصر، ويبرزوا أولويّته، حينذاك تأخذ القضية الفلسطينية أهمّيتها، ويأخذ الخطر الصهيوني حجمه الذي يجب أن يأخذه في الواقع الحقيقي، ويبرز الجهاد في كأداة مهمّة في تحفيز الأمّة لمواجهة عدوّها الرئيسي.

اترك رد