إنّ استهداف إنهاض الأمّة عمل مشروع، وهو ما تطلّعت إليه حركات إسلامية متعدّدة ورجال مصلحون كثيرون خلال القرن الماضي، وقد استهدف عمرو خالد ذلك الأمر أيضاً في برنامج “صناع الحياة” الذي بثّته قناة “اقرأ” الفضائية.
ليس من شك بأنّ استهداف إنهاض الأمّة أمر مهم، ولكنّ الأهم هو امتلاك الأدوات الشرعية والعقلية والعلمية التي تجعل ذلك الاستهداف ممكناً عند من يتصدّى لذلك العمل.
وما كان لي أن أتعرّض لعمرو خالد لولا استهدافه النهضة، وقد نشرت حلقة أولى عن مشروعه النهضوي في هذا الموقع بتاريخ 25 (نوفمبر) 2004م، وها نحن ننشر حلقة ثانية(1) حول المشروع نفسه، والقصد من كل ذلك تقويم الأدوات والمعلومات والأطروحات التي قدّمها عمرو خالد في برنامجه “صناع الحياة” والتوصّل إلى حكم: هل يؤدّي ذلك إلى نهضة أم لا؟ وفي الختام نسأل الله السداد والتمكين لهذه الأمّة وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
تحدّثت في الحلقة الماضية عن مرضين منتشرين بين المسلمين تعرّض لهما عمرو خالد وهما: السلبية، وعدم الجدّية، وبيّنت أنه تحدّث عن المعوّقات والأسباب التي تجعل المسلم سلبيّاً، ودعاه إلى أن يكون إيجابيّاً دون أن يحدّد أيّة خطوات في في هذا الصدد، وبيّنت أنّ تعاليم الإسلام غنيّة في تقديم آليّات للتغلّب على تلك السلبيّة، لذلك وضّحت أنّ عمرو خالد فوّت فرصة كبيرة عندما لم يبرز دور الإسلام في كيفيّة معالجة أسباب السلبيّة.
أمّا حديث عمرو خالد عن مرض عدم الجدّية فقد بيّنت أنه ذكر وجوده بين شبابنا اليوم، ثم تحدّث عن بعض الشخصيّات التي اتسمت بالجدّية في تاريخنا الإسلامي وهي كثيرة بالفعل، لكنّه لم يبيّن كيفيّة توليدها، وشرحت أنّ هناك منهجاً متكاملاً لتوليد الشخصية الجادّة في الإسلام وأبرز عناصره اليوم الآخر لم يستفد منه عمرو خالد، لذلك قرّرنا أنه لم يعالج الموضوع معالجة سديدة ومفيدة.
والآن سأنتقل إلى مناقشة خُلُقين آخرين مهمّين في بناء الشخصية المسلمة وهما: الإتقان، والإرادة. ومن الطبيعي أنّ حديث عمرو خالد عنهما جاء نتيجة الخلل الموجود في التعامل معهما من جهة، ولأهمّيتهما في بناء الحياة الاجتماعية من جهة ثانية, وسأتناول حديثه عن عدم الاتقان وعن الإرادة، وسأُبيّن مدى الصواب ومدى النقص في معالجته لهذين الخُلُقين.
ثالثاً: الإتقان:
جاء حديث عمرو خالد عن الإتقان بعد حديثه عن الإيجابية، وبيّن أننا نعمل لكن لا نتقن أعمالنا، ويشمل عدم الاتقان كلاً من الميكانيكي والمدرس والطبيب والمحاضر والرياضي إلخ…، ثم تحدّث عن نظرة الغرب إلى المسلمين بسبب عدم إتقانهم لأعمالهم ووصفهم لهم بأنهم شعوب شعارات وكلام، وقد اعتبر عمرو خالد أنّ الإحسان يرادف الإتقان، وأورد عدداً من الآيات والأحاديث التي تحتوي على أحد مشتقّات كلمة الإحسان وفسّرها على أنها تعني الإتقان، وهو أخطأ في هذا حيناً، وابتعد عن المعنى الشرعي في أحيان كثيرة، والحقيقة إنّ الإحسان أوسع معنى من الإتقان، فهو يأتي أحياناً بمعنى: التصدّق، أو الصفح، أو التجاوز عن الأخطاء إلخ…، وأبرز معنى شرعي له هو كونه المرتبة العليا في الدنيا بعد الإسلام والإيمان كما وضّح ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الذي جاءه وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقد نقل البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن إمارتها. قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.
قال: ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم” (متفق عليه واللفظ لمسلم). وربما كانت ذروة الخطأ عند عمرو خالد تسميته أشياء ذات مسمّيات شرعية بغير أسمائها من مثل: “أقيموا الصلاة” فسمّاها إتقان الصلاة مع أنّ المقصود بالأمر بإقامة الصلاة هو الإتيان بأركان الصلاة وواجباتها وسننها، واعتبر “إسباغ الوضوء” هو إتقان الوضوء، مع أنّ الإسباغ سنّة من سنن الوضوء وهناك أركان للوضوء لابد من إتيانها من أجل أن يصحّ الوضوء.
ثم أبرز عمرو خالد بعض النماذج التاريخية التي أتقنت في بعض أعمالها من مثل عمل خالد بن الوليد رضي الله عنه في غزوة مؤتة، ومن مثل عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في في الهجرة النبوية إلخ… ثم ذكر فتح القسطنطينية مثالاً بارزاً على الإتقان، ثم ذكر مرحلة أخرى نماذج من عدم الإتقان، ثم عدّد أسباب عدم الإتقان، وهي:
1- تعمّد عدم الإتقان ليحقّق مكاسب مادية.
2- الجهل.
3- الإهمال والتكاسل.
4- عدم إدراك لذّة الإتقان.
ثم ذكر في فقرة ثانية من حديثه عوامل الإتقان فعدّدها وهي:
1- أن يكون عندك هدف في الحياة.
2- إرادة قوية.
3- الصبر.
4- العلم والخبرة.
إذا تفحّصنا الأسباب السابقة التي ذكرها عمرو خالد للإتقان وعدمه نجد أنها أسباب ثانوية في غالب الأحيان، وليست أسباباً رئيسية لأنها أسباب مرتبطة بحالات فردية، فهو قد ذكر أنّ عدم الإتقان مرتبط بتحقيق مكاسب مادية، أو بالجهل، أو بالإهمال والتكاسل، لكن الحقيقة أنّ شخصاً يمكن ألاّّ يتقن عمله دون تحقيق أيّة مكاسب مادية، وكذلك يمكن للعالم في أمر ما ألاّ يتقن عمله، ويمكن للشخص النشيط أن لا يتقن عمله. أمّا الأسباب التي ذكرها عمرو خالد في صدد الحديث عن أسباب إتقان العمل وهي: أن يكون عندك هدف في الحياة، وتمتلك إرادة قوية وصبراً وعلماً وخبرة، فهي ليست مرتبطة ارتباطاً خاصاً بالإتقان، بل هي مطلوبة لأداء أي عمل مهما كان المستوى الذي يُؤدّى فيه العمل، فلابد لكل عمل من هدف له قبل أدائه، ولابد له من إرادة من أجل إنجازه، ولابد من صبر أثناء إنجازه، ولابد من علم وخبرة قبل بداية إنجازه.
والآن: بعد أن فنّدنا الأسباب التي ذكرها عمرو خالد كأسباب عدم الإتقان والأسباب المباشرة للإتقان، نسأل: ما العامل الرئيسي الذي يولّد الإتقان في نظر الإسلام؟ العامل الرئيسي الذي يولّد الإتقان في نظر الإسلام عند المسلم هو مراقبة الله أو مراقبة الناس، ، وقد حرص الإسلام على أن تكون الأولوية لمراقبة الله، لذلك وجّه المسلم إلى توليد اليقين بمراقبة الله له: فهو -تعالى- يسمع أقوالنا، ويرى -تعالى- أعمالنا، ويعلم -تعالى- إسرارنا ووسوسة صدورنا.
إنّ هذا اليقين هو الذي يولّد الإتقان، أمّا عن سمعه -تعالى- فقال عزّ من قائل: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة،7)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق،16-18)، وقال تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك،13-14)، وأمّا عن رؤيته -تعالى- لما نفعل، فقد قال: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (يونس،61)، أمّا عن علمه -تعالى- بما نعمل فقد قال: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ . وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون)َ (الأنعام،59-60)، أمّا عن مراقبة الناس فقد وضعها القرآن الكريم في مرتبة تالية بعد مراقبة الله فقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة،105).
الخلاصة إنّ عمرو خالد أخطأ في تفسير بعض ألفاظ القرآن الكريم والحديث الشريف حيناً، وابتعد عن المعنى الشرعي لها حيناً آخر، كما أخطأ في تحديد العوامل التي تؤدّي إلى عدم الإتقان، كما أخطأ في تحديد الأسباب التي تؤدّي إلى الإتقان، ووضّحنا أن الإسلام يربط بين الإتقان وبين مراقبة الله، لذلك تعدّدت الآيات القرآنية التي تحدّثت عن سمع الله تعالى، ورؤيته وعلمه -تعالى- بأقوالنا وأسرارنا وإظهارنا إلخ… وكان على عمرو خالد أن يعمّق هذا الإحساس بمراقبة الله -تعالى- عند المسلم كي يولّد الإتقان عنده.
رابعاً: الإرادة:
اهتمّ عمرو خالد بالإرادة واعتبرها الأصل في المرحلة الثانية لمشروع “صنّاع الحياة” التي سيتم فيها فكّ قيود بلاد المسلمين، بعد أن تمّ في المرحلة الأولى فكّ قيد المسلم الشخصي، وعرّف عمرو خالد الإرادة فقال: “الإرادة قوّة خفيّة وهائلة إذا خرجت تعمل العجائب، والإرادة تحبو وتكبر”، ثم تساءل في موضع آخر من برنامجه فقال: “كيف نبني الإرادة؟” فأجاب:
1- بالقدرة على تخيّل الهدف.
2- ملء العقل بتفاصيل الهدف ونتائجه.
3- تخيّل الجنّة.
والحقيقة إنه لم يستطع أن يُعرّف الإرادة تعريفاً دقيقاً، فهو قد تحدّث عن بعض أعمال الإرادة ونتائج وجودها، كما لم يستطع أن يحدد كيفيّة بنائها، فالإرادة قوّة نفسية تتولّد نتيجة تربية معيّنة تجعل الإنسان قادراً على التحكم بذاته، وتأتي نتيجة مجاهدة الشهوات والتحكم فيها وإخضاعها وعدم الخضوع لها، فهناك حبّ الطعام والشراب، وهناك حبّ النساء والمال إلخ… فهذه الشهوات هي التي تستعبد الإنسان، وتضعف إرادته، ومجاهدتها هو الذي يقوّي الإرادة، لذلك فالإنسان مخيّر بين طريقين إما أن يُعَبِّد ذاته لشهواته فيصبح ضعيف الإرادة، وإما أن يُعَبِّد ذاته لله فيصبح قوي الإرادة، لذلك فإنّ حديث عمرو خالد عن بناء الإرادة بتخيّل الهدف وملء العقل بتفاصيل الهدف ونتائجه وتخيّل الجنّة ليس حديثاً صحيحاً عن كيفيّة بناء الإرادة، بل هو خاطئ، فتخيّل الهدف وملء العقل بتفاصيل الهدف وتخيّل الجنّة لا يولّد إرادة، بل هي أعمال عقلية وتخيّلية بعيدة عن الإرادة وهي تبني في أحسن الأحوال الخيال والعقل، والحقيقة إنّ تعامل المسلم مع الجنّة يجب أن يكون ليس بتخيّل الجنّة بل برجاء الجنّة ونعيمها، والخوف من النار وجحيمها، هذا ما يبني الإرادة ويساعد على تقويتها والتغلّب على سيطرة الشهوات.
ومن أغرب الأمور التي دعا عمرو خالد المشاهدين إليها الجري كل يوم لمسافة ستة كيلومترات ويصبح الجري في الأسبوع لمسافة (42) كيلومتر، وهي تعادل مسافة سباق الماراثون المشهور عالمياً، واعتبرها الوسيلة الرئيسية التي تبني الإرادة وتقوّيها، ويمكن أن تكون مثل هذه الدعوة مقبولة من شخص غير مسلم لا يملك منهجاً ولا وسائل تساعده على بناء إرادة مَنْ حوله، لكن أن تأتي هذه الدعوة من عمرو خالد الذي أعلن أنّ مرجعيّته الإسلام، وهذا الإسلام يمتلك عشرات الوسائل لبناء الإرادة وتقويتها وشحذها في اليوم والليلة، وأبرزها العبادات التي تشمل الصلاة والصيام الزكاة والحج والذكر وتلاوة القرآن إلخ…، ويبدأ بناء الإرادة منذ أذان الفجر حيث يكون المسلم مشدوداً إلى فراشه، فكان على عمرو خالد أن يحثّ هذا المسلم على القيام إلى الصلاة في أول وقتها، وفي الذهاب إلى المسجد، لأنّ مكابدة شهوة النوم والذهاب إلى المسجد من أول الوسائل التي تبني الإرادة، ثم كان على عمرو خالد أن يطاب من المسلم أن يعقل ما يقرأه في صلاته، أو ما يسمعه من الإمام لأن ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: “ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت” وهذا العقل لما يقرأ أو لما يسمع من أهم الوسائل التي تقوّي الإرادة وتجعل صاحبها قادراً على التركيز وعدم التشتّت الذهني، وعلى التحكّم -في النهاية- بذاته.
ثم كان على عمرو خالد أن يدعو المسلم إلى الالتزام بصيام شهر رمضان، وأن يدعوه إلى أن يصوم بعض الأيام متنفّلاً في الأشهر الأخرى لأنّ هذا الصيام يُقوّي الإرادة، إذ يمتنع المسلم في هذا الصيام عن شهوات محبوبة لصيقة بذاته وهي شهوات الطعام والشراب والنساء من أجل محبوب أعظم هو الله تعالى. وكان على عمرو خالد -أيضاً- أن يدعو المسلم إلى الالتزام بأداء الزكاة وإخراج الصدقات مع توجيه قلبه إلى نيل رضوان الله تعالى، لأنّ عمل ذلك ينمّي الإرادة، فأداء الزكاة وإخراج الصدقات فيه تعظيم لأمر الله على تعظيم المال، والتعلّق به، والبخل في إنفاقه الذي هو مغروس في أصل الفطرة البشرية. وكان على عمرو خالد بعد ذلك أن يحثّ المسلم على أداء فريضة الحج، لأنّ عمل ذلك يرتقي بالإرادة، فالقيام بالحج خضوع لأمر الله بتحمّل أعباء السفر ومشاقّه وتعريض النفس للأهوال والمتاعب والابتعاد عن الأهل، وإنفاق الأموال، وعدم الخضوع لحظوظ النفس في الراحة والسلامة والبخل وعدم الإنفاق.
هذه بعض الوسائل التي تقوّي الإرادة، وهي عبادات لا يتمّ إسلام المسلم ولا إيمانه إلا بأدائها، والتي كان على عمرو خالد أن يتعمّق فيها ويبيّن لمشاهديه وسامعيه كيفية بنائها لإرادتهم عندما يؤدّونها في صورتها الشرعية السليمة، ناهيك عن العبادات الأخرى كالأذكار وتلاوة القرآن والقيام والاستغفار وصلاة الضحى إلخ…
الخلاصة إنّ عمرو خالد لم يُعرّف الإرادة تعريفاً صحيحاً كما لم يصب في حديثه عن عوامل بنائها، ولم يتحدّث عن دور العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج في بنائها وتنميتها وتطويرها والارتقاء بها، مع أنه هدف أصيل في فرضها على المسلم.
استعرضنا في سبق أربعة أخلاق تعرّض لها عمرو خالد في مشروعه النهضوي من أجل بناء الإنسان المسلم، وهي: الإيجابية، الجدّية، الإتقان، الإرادة، لكنّنا وجدنا في النهاية أنّ معالجته لها تتراوح بين السطحية والخطأ، والأهمّ من ذلك عدم التوجّه إلى استلهام الإسلام والاستفادة من آليّاته ورؤاه وطروحاته في تطوير الشخصية المسلمة ودفعها إلى التعافي من كل ما تعانيه.