tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

إلى أي حد سينجح حزب الوسط في حل أزمة الحركة الإسلامية؟

تعقيب على ندوة “تلفزيون المستقلة” حول مبادرة حزب الوسط المصري

إن تأسيس حزب حدث مهم في تاريخ الأمة ولا بد له حتى ينجح من أن تتوفر له شروط موضوعية وذاتية، فهل تحقق مثل ذلك عند تشكيل حزب الوسط؟ لنتفحص الظروف الموضوعية المحيطة بأمتنا فماذا نرى؟ 

        نرى الصورة التالية:

        1- تعثّر أحلام النهضة التي أطلقها المشروع القومي العربي خلال القرن الحالي في الاستقلال والحرية والرخاء الاقتصادي والفعل الحضاري إلخ…

        2- وجود أزمات في مختلف مجالات حياتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية إلخ…ولا أمل بحلول قريبة.

        3- وجود أخطار حقيقية تهدد وجود الأمة بعد قيام إسرائيل عام 1948م وبعد انهزامنا أمامها في عدّة حروب وأبرزها حرب عام 1967م.

        4- تأزّم العمل الإسلامي، وتعثّر الحركة الإسلامية ووصولها إلى طريق مسدود في تحقيق المشروع الحضاري الإسلامي وإخراجه إلى حيّز الوجود والإمكان.

        إذن الظروف الموضوعية مناسبة ليس لتشكيل حزب واحد فقط بل لتشكيل أحزاب تتصدى لهذه المشاكل بالنظر والتقويم والمعالجة. هذا عن الظروف الموضوعية، فماذا عن الظروف الذاتية؟

لا يكفي لنجاح حزب من الأحزاب في تحقيق المشروع الحضاري للأمة الإسلامية من وجود العواطف الجيّاشة لدى مؤسسيه نحو الأمة وتاريخها، أو وجود مشاعر الحرقة والألم على سوء أوضاعها، لأن مثل هذه العواطف رافقت نشوء جميع الأحزاب التي قامت على اتساع الساحة العربية والإسلامية، ومع ذلك لم تنجح في تحقيق المشروع الحضاري للأمة الإسلامية، وذلك لأنها لم تستكمل تحقيق الشروط الذاتية، ومن أبرزها – في تقديري – الأمور التالية:

1- دراسة معمقة لتاريخ انحدار الأمة، ومراحله، والعوامل الأبرز فيه:

        إن الرؤية المعمّقة لمسيرة انحدار الأمة، وتوصيف مراحله، وتحديد العوامل التي سبّبته يساعد القيادة على رسم أولويات العلاج، ويبعدها عن السطحية في تحديد عوامل النهوض، ويساعدها على الدقة في إنزال الأحكام الشرعية على أرض الواقع المدروس.

2- بلورة نظرية التغيير الإسلامية:

        إن ساحة العمل الإسلامي تفتقر إلى بلورة نظرية التغيير الإسلامية التي نستند في وضع أصولها إلى حديث القرآن الكريم عن تغيير الأنبياء لواقع أقوامهم، ونستفيد في تحديد ركائزها من تغيير الرسول  صلى الله عليه وسلم لواقع مدينتي مكة والمدينة أولاً ثم الجزيرة العربية ثانياً، ونستفيد كذلك في صياغتها من التغييرات والتجارب التي قامت على مدار التاريخ الإسلامي وأقامت دولاً مثل: الدولة الزنكية ودولة الموحدين ودولة المرابطين إلخ…

إن بلورة نظرية التغيير الإسلامية – تلك – سيساعد العاملين في الحقل الإسلامي على تحديد أهداف التغيير ووسائله وآلياته ومراحله ، وتوضيح واجبات كل  من القيادة والقاعدة وحقوقهما وصورة العلاقة بينهما إلخ… إن وجود هذه النظرية يساعد العمل الإسلامي على الخطوات المتزنة والحكيمة ، ويبعده عن الارتجال والعاطفة ، وإن غياب هذه النظرية هو الذي يجعله مضطرباً في خطواته في العصر الحاضر ينتقل أحياناً من  النقيض إلى النقيض ، فهو حيناً يمد يده إلى الحكام ثم ينتقل إلى معاداتهم ، وهو حيناً آخر يكون علنياً ثم ينتقل إلى السريّة ، وهو حيناً ثالثاً يكون دعوة سلمية ثم يتحول إلى دعوة عنيفة إلخ… إن غياب هذه النظرية سبب رئيسي وراء هذا الاضطراب في الخطوات ، ووراء هذا الانتقال بين التناقضات .

3- إعادة تشكيل الفاعلية النفسية والعقلية للمسلم المعاصر:

فقد المسلم المعاصر كثيراً من فاعليته النفسية والعقلية بالمقارنة مع مسلم القرون الأولى ، وما ذلك إلاّ بسبب عناصر خارجية تداخلت مع المنهجية الإسلامية ، وإن القصور في الفاعلية النفسية والعقلية سبب رئيسي في تعثّر العمل الإسلامي وعدم تحقيق أهدافه ، لذلك كان يُفترض أن يكون هذا القصور محط دراسة وبحث من قبل الحركة الإسلامية المعاصرة من أجل تحديد مظاهر النقص في الفاعلية النفسية والعقلية ، والعوامل التي أدّت إلى ذلك ، وكيفية المعالجة إلخ… لكننا نجد نقصاً كبيراً في هذا المجال ، وهو ما يجب أن يكون من أوليّات أي حزب يتطلع إلى التكوين ، وإن النجاح في سدّ هذا  النقص سيؤدي إلى إزالة كثير من القصور الذي نلحظه في المسلم المعاصر من مِثْل الخلخلة في البناء النفسي ، والسلبية إزاء المحيط الاجتماعي ، ومحدودية الإبداع العلمي إلخ…

4- تقويم التجارب الإسلامية المعاصرة:

        قامت تجارب إسلامية متعددة في عدد من الأوطان الإسلامية، وأفلحت في ترسيخ بعض الإيجابيات وفي معالجة بعض الأمراض، وفشلت في مجالات أخرى، فما هو تقويمنا التفصيلي لهذه التجارب؟ فيم نجحت؟ وفيم فشلت؟ وما القصور فيها؟ ما الذي يمكن أن نبني عليه؟ وما الذي يجب أن نتجنبه في المستقبل؟ وأين كان الخطأ؟     وفيم كان الصواب؟ إلخ…

        ويمكن أن ننتقل إلى مثال أكثر تحديداً: الجماعة الإسلامية في باكستان، فقد أنشأ أبو الأعلى المودودي هذه الجماعة في عام 1941م، ونهج نهجاً معيناً في دعوته إليها، وطرح آراءه الإسلامية في عشرات الكتب، وسوّد آلاف الصفحات في شرح الإسلام الذي يدعو إليه، ودعا إلى جماعته في مجلة “ترجمان القرآن” التي استمرت تصدر أكثر من نصف قرن، وقاد المظاهرات، وأنشأ المؤسسات، وخاض الانتخابات، وشارك في كثير من الحكومات إلخ… فما تقويمنا لهذه الجماعة؟ ما إيجابياتها؟ ما سلبياتها؟ فيم نجحت؟  وفيم تعثرت؟ أين تقويم ما كتبه أبو الأعلى المودودي؟  هل كان كل ما كتبه صواباً؟ هل كان كل ما كتبه مجانباً للصواب؟ لا أظن ذلك، إذن أين جوانب الصواب والخطأ فيما دعا إليه وكتبه؟ ما الذي أبدع فيه؟ ما المدارس التي تأثر فيها؟ ما قيمة نقده للحضارة الغربية؟ ما منهجه في التغيير وما قيمة هذا المنهج؟ إلخ…، أسئلة كثيرة بحاجة إلى عشرات الكتب من أجل الإجابة عليها، لكننا لا نجد منها في المكتبة الإسلامية إلاّ النزر اليسير، وإن وجدنا فهو لا يسمن ولا يغني من جوع. لذلك يجب على الأحزاب والجماعات التي تريد أن تمارس عملاً إسلامياً تغييرياً أن تقوم بجهد ذاتي في تقويم التجارب السابقة، حتى يكون العمل الإسلامي متواصلاً يبني على الصواب ويتجنّب الخطأ، ففي ذلك توفير للجهد والوقت. وإن هذا التقويم للأعمال السابقة وحصر الإيجابيات والسلبيات نهج قرآني وسنة نبوية تمثلت في حديث القرآن الكريم عن معظم الغزوات التي خاضها المسلمون ومعظم الأحداث التي وقعت في مكة والمدينة وتوجيههم إلى ما هو أصوب وأصح في كل تصرفاتهم.

        إذا لم تقم الأحزاب والجماعات الإسلامية بمثل هذا الجهد في تقويم الأعمال السابقة فإنها ستكرر أخطاء من سبقها، ولن تستفيد من جهوده، وهذا سبب رئيسي فيما نراه من قلّة جدوى الأعمال الإسلامية.

5- فهم الواقع فهماً تفصيلياً سليماً:

        يحتاج الحزب الذي ينشد تغيير الواقع أن يفهم نشوء الدولة الحديثة وشرعيتها، وأن يحيط بالطوائف وتاريخها، وأن يحلل سياسات الدول الكبرى وتقاطعاتها، وأن يشخّص الحضارة الغربية وأزمتها، وأن يرسم العوامل المؤثرة في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والفكري إلخ…يحتاج الحزب إلى فهم كل ذلك والإحاطة به ورسم خريطة تحوّلاته من أجل وضع مخطط للارتقاء بالواقع وتغييره نحو الأفضل، لأن وعي الواقع الوعي الصحيح هو الخطوة الأولى السليمة في اتجاه تغييره.

        والآن لو سألنا أنفسنا السؤال التالي: ما الذي يملكه حزب الوسط من هذه الأدوات التي تحدّثنا عنها سابقاً على ضوء التوضيحات التي طرحها المؤسسون في الندوة مدار التعليق؟ نجد أنهم يملكون أمرين: الأول: تجربة شخصية مع الإخوان المسلمين أعطتهم أحكاماً عليها، الثاني: فتاوى جديدة لبعض الكتّاب المعاصرين، وسأتعرض لهذين الأمرين في السطور التالية:

1- التجربة الشخصية مع الإخوان المسلمين:  

        يمتلك بعض مؤسسي حزب الوسط تجربة شخصية مع الأخوان المسلمين ، وقد اعتبروا أن من أبرز دواعي إنشاء حزبهم وقوع جماعة الأخوان المسلمين في إشكالية الخلط بين الإصلاح والسياسة ، وأن هذا الخلط أدى إلى التضارب والتناقض وعدم الجدوى ، ومن هذا التضارب اعتبارها نفسها أنها أكبر من الأحزاب ، وأنها ليست طرفاً مع أحد وأن دورها يقتصر على التوجيه ، وأنها مرجعية مقبولة من الجميع ثم تدخل في منافسة مع باقي الأطراف من أجل الحصول على مقاعد في البرلمان أو في المجالس المحلية ، وقد اعتبر  المهندس أبو العلاء ماضي أن ذلك الخلط عيب ولا يمكن القبول به والاستمرار فيه ، وأن المطلوب هو الفصل بينهما ، فهل صحيح أن الخلط بين الإصلاح والسياسة هو الذي أفرز تلك الأخطاء ؟ ومن أين جاء نموذج الخلط بين الإصلاح والسياسة في واقعنا الاجتماعي؟ 

        الحقيقة إنه ليس الخلط بين الإصلاح والسياسة هو الذي أفرز تلك الأخطاء بدليل أن أحزاباً سياسية يسارية وعلمانية ولم تمارس الإصلاح في وقت من الأوقات وقعت في الأخطاء نفسها من مثل الإدعاء أنها الأحزاب القائدة للأمة ، وأنها المرجع لجميع الشعب، وأنها المعبّر عن روح الشعب وضميره ، ومع ذلك تدخل في تنافس مع الآخرين ، إذن القضية ليست قضية خلط بين إصلاح وسياسة لكنها قضية غياب مفهوم الأمة في العمل الإسلامي المعاصر ، فعندما يحضر ذلك المفهوم وهو أنّ الواقع المحيط بنا تعبير عن الأمة الإسلامية يجعل تلك الجماعة تدرك أنها جزء من كلّ وأنها طرف كالأطراف الأخرى وأنه ليس هناك جماعة أو حزب مرجعية للجميع ، بل الأمة هي مرجعية الجميع ، وأن قيمة الجماعة ومشروعيتها تأتي من الأعمال التي تقوم بها هذه الجماعة لتدعيم وجود الأمة  وترسيخ كيانها وإعلاء شانها وتعزيز وحدتها وليس من الدعاوي الفارغة.

        والسؤال الآن: من أين جاء نموذج ازدواج الإصلاح والسياسة في حياتنا المعاصرة؟ جاء نموذج ازدواج الإصلاح مع السياسة من الأشكال التاريخية السابقة التي تحقق فيها مثل هذا الازدواج المتمثل بنموذج العالم الفقيه الشيخ الذي يتصدى مع  تلامذته ومريديه لإصلاح القلوب ، وتعليم الناس ، ومساعدة المحتاجين والملهوفين  والفقراء والمساكين ، وبناء التكايا والزوايا ، ونشر الخير والفضيلة ، والتصدي في الوقت نفسه لظلم الوالي والخليفة والسلطان وتقصيره في القيام بواجباته ، لقد جاءت ازدواجية الإصلاح والسياسة من ذلك النموذج التاريخي ، وحينما حاول تقي الدين النبهاني أن يستخف بذلك النموذج التاريخي في الخمسينات وينشئ حزب التحرير قاصراً حزبه على السياسة مبتعداً عن الإصلاح لم يحقق أي نجاح وبقى حزباً محدود الجماهير وقليل التأثير ، وكانت مخالفته لذلك النموذج التاريخي – في تقديري – أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى محدودية نتائج حزبه وتأثيره في الواقع ، لذلك فالأحرى بحزب الوسط أن يراعي واقع  الأمة الاجتماعي بعدم مجافاة ذلك النموذج التاريخي ولكن على أساس أن يهذبه وينقيه   ويصفيه ويتجنّب سلبياته كما ذكرنا باعتماد مفهوم الأمة .

2- فتاوى جديدة لبعض الكتّاب المعاصرين:

        ذكر السيدان عصام سلطان وأبو العلاء ماضي في موقعين مختلفين من الندوة أن حزب الوسط سيأخذ ببعض الفتاوى الجديدة فيما يتعلق بالمرأة والأقباط وغير ذلك  لبعض الكتّاب المعاصرين أمثال: فهمي هويدي وطارق البشري ويوسف القرضاوي إلخ…لكن الاجتهادات – تلك – لن تأخذ قيمتها الحقيقية ووضعها المناسب إلا حينما تكون الدراسات الأخرى منجزة مثل نظرية التغيير ودراسة تاريخ انحدار الأمة وعوامل ضعفها إلخ…

لأن قيمة تلك الأحكام ليست لكونها جديدة بمقدار كونها مناسبة للواقع الحياتي الجديد، ولن يكون ذلك أكيداً إلاّ من خلال التطابق بين تلك الاجتهادات وبين الرؤية الفكرية المعمّقة المنبثقة عن تلك الدراسات .

        أشار السادة الثلاثة المشاركون في الندوة إلى بعض السلبيات في حياتنا المعاصرة من مثل العنف، وإقصاء الآخرين، والاستعلاء عليهم في بعض الأحيان، والقصور في بعض الأحكام إلخ…

وأشاروا إلى أسبابها في بعض الأحيان وقد ربط الدكتور محمد موورو بين أسلوب التربية الإخواني وبين العنف، وقد أشار السيد أبو العلاء ماضي إلى جانب آخر من تربية الإخوان وهو اعتبار الآخرين شراً ثم الاكتشاف أنهم غير ذلك إلخ…. 

وتعود – في تقديري –  معظم تلك السلبيات إلى غياب مفهوم رئيسي في حياتنا الفكرية المعاصرة أشرت إليه سابقاً عند الحديث عن الخلط بين الإصلاح والسياسة ، وهو مفهوم “الأمة الإسلامية”، لأن العنف يأتي من انسداد علاقة الفرد أو الحزب بالدولة أو المجتمع، لكن عندما يحضر هذا المفهوم وهو أنني كفرد أو كحزب جزء من هذه الأمة الإسلامية المحيطة بي فإن علاقة الفرد والحزب تبقى متصلة بالأمة مهما كان وضع الدولة، وينتهي بذلك الانسداد وينغلق باب العنف، كذلك ينتهي اعتبار الآخرين المحيطين به شراً لأنه ليس هناك آخر بل هناك نحن، وينتهي الاعتقاد أنه بديل لأنه جزء  من أمّة والجزء لا يمكن أن يكون بديلاً عن الكل – الأمة، وإن استحضار هذا المفهوم وتعميق الوعي به يؤدي إلى إلغاء الاستعلاء على الآخرين لأن الإنسان لا يستعلي على ذاته.

        لقد اعتبر السيد أبو العلاء ماضي أن هناك صراعاً دائماً مع مثلث العلاقات المجتمعية والذي يضم الحركات الإسلامية والسلطة والقوى السياسية ، وأن كل أطراف هذا المضلّع قد مارست سياسة الإقصاء ، وكان كل طرف يحاول أن يقصي الأطراف الأخرى ، وهذه الحالة غير موجودة إلاّ في العالم الإسلامي ، وضرب مثالين على حلّها : أوروبا وإسرائيل، وفصّل في مثال إسرائيل وذكر أنك تجد في الدولة اليهودية المتدين  المغالي في دينه والمنحل المغالي في تحلله متعايشين في وزارة الداخلية والسلك الدبلوماسي والجيش لكن لم يسأل السيد ماضي نفسه : لماذا حدث هذا في الدولة اليهودية ولم يحدث في الدولة العربية الحديثة ؟ السبب في ذلك أن الفكر القومي اليهودي الذي أنشأ الدولة اليهودية لم ينقل الفكر القومي الغربي المتصادم مع الدين حرفياً إلى نطاقه ومجاله ، بل اعتمد قومية تعتبر الدين عنصراً رئيسياً في تكوينها وتكوين الأمة ، في حين أن الفكر القومي العربي الذي أنشأ الدولة العربية الحديثة نفى أن يكون الدين الإسلامي عنصراً من عناصر تكوين القومية والأمة ، واعتبر ساطع الحصري رائد القومية العربية أن القومية والأمة تقومان على عنصري اللغة والتاريخ ، وبكل أسف أصبحت نظرية الحصري  القومية معتمدة لدى معظم الدول القومية وأحزابها وقياداتها بعد الحرب العالمية الأولى ، إذن جاء التعايش في مثال الدولة اليهودية من خلال وعي القيادات لذاتيتها واحترامها لواقع أمتها التاريخي ، في حين أن المشكلة تنبعث في مثال الدولة العربية الحديثة من خلال نقل القيادات العربية للنموذج القومي الغربي بشكل حرفي مع تجاهل ذاتيتنا التي تتمثل في تغلغل الدين الإسلامي في كل أجزاء واقعنا الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلخ… ، السبب إذن يعود في حل مشكلة مثلث العلاقات في دولة إسرائيل إلى وعي القيادات القومية اليهودية لذاتيّتها واحترامها لتاريخ شعبها ،  ويعود في  عدم حلّها في الدولة العربية الحديثة إلى تجاهل القيادات القومية العربية لدور الدين الإسلامي في تكوين شخصيتنا وعدم احترامها لتاريخ أمتنا ، الفضل في إسرائيل  للقيادات المنشئة للدولة  وليس للأحزاب الفاعلة في هذه الدولة ، وليس معنى كلامي أننا يجب أن لا نسعى لإيجاد مخرج لهذه المشكلة ، لكنني أريد أن أنوّه أن المثال الذي استشهد به أبو العلاء ماضي لا يصلح شاهداً على وجهة نظره .

        في النهاية لا بدّ من الإشادة باهتمام الأخوة المشاركين في الندوة بالشأن العام الإسلامي، ولا بدّ من الاعتراف بأن الشروط الموضوعية ناضجة ومهيأة للنجاح في تشكيل حزب من الأحزاب، لكن هل سينجح الأخوة في حزب الوسط في استكمال الشروط الذاتية لنجاح حزبهم؟ هذا ما سنتركه لقادم الأيام.      

اترك رد