يعرف المتابعون لأوضاع “القاعدة” و”جماعة الجهاد” أن وضعهما التنظيمي كان سيئاً قبل 11 سبتمبر 2001م، فقد تعرضتا لانشقاقات متعددة، وتخلّى كثير من أتباعهما عن قياداتهما، فقد انشق بعض أتباع القاعدة عن أسامة بن لادن واعتبروه خارجاً عن المنهجية الصحيحة عندما أبدى استعداداً للتعاون مع الحكومة السعودية في مقاتلة صدام حسين بعد غزوه الكويت، وربما تعرضت جماعة الجهاد لانشقاقات أكثر، كان بعضها في بيشاور، ومنها الانشقاق الذي قاده العقيد محمد مكاوي، والذي كان يحتل مركزاً مرموقاً في المخابرات المصرية، وقد اضطر إلى تركه والرحيل إلى بيشاور اثر انكشاف علاقته بجماعة الجهاد الإسلامي، وحمّل أيمن الظواهري مسؤولية ذلك الانكشاف إثر مهاترات طويلة بينهما، ومنها الانشقاق الذي وقع بعد الارتحال إلى السودان عام 1992م والاختلاف على من سيستلم القيادة إثر تخلي الدكتور فضل عنها وهو المنظر الأشهر في جماعة “الجهاد” ومؤلف أبرز كتاب عندهم “العدة في أحكام الجهاد والعدة”، ومنها الانشقاق الذي وقع بعد تحالف أيمن الظواهري مع أسامة بن لادن، وانضوائه تحت لواء “الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والنصارى” وعدم موافقة رهط من أتباعه على ذلك الانضواء، لأنه غيّر استراتيجية العمل التي قام عليها تنظيم الجهاد والتي تقوم على استهداف “العدو القريب” فأصبحت تستهدف “العدو البعيد”.
ومن المعروف لمتابعي أوضاع الجماعات والتنظيمات أن أي إنشقاق سيؤدي إلى تداول كثير من أحوالها ومخططاتها خارج نطاق جماعتها وتنظيمها، وإلى إنكشاف أسرارها، وسيسبب ذلك تردي الجماعة، وضعفها، واضطرابها. هذا ما كان عليه الوضع التنظيمي لجماعة “القاعدة” و”الجهاد الإسلامي” قبل الحادي عشر من سبتمبر، ولكننا نجد تضخيماً لوضعهما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م في أجهزة الإعلام الأمريكية والعربية، فلماذا كل هذا التضخيم؟
الجواب على ذلك واضح بالنسبة لأمريكا، فهو مرتبط بتحقيق أهداف جماعة “المحافظين الجدد” المحيطين بالرئيس بوش، والذين منهم:
ديك تشيني، ورامسفيلد، ورايس، ووولفتز إلخ…، والذين صاغوا رؤية بوش في السيطرة على العالم منذ عام 1997م قبل وصولهم إلى الحكم، والذين يتطلعون إلى أن يجعلوا القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً كما كان القرن العشرون أمريكياً بامتياز، وبخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، فلابد من عدو، وجاءت أحداث 11 سبتمبر كصيد ثمين، فالتقطها المحافظون الجدد، وطرحوا شعار مكافحة الإرهاب من أجل تجييش الرأي العالم الأمريكي من جهة، ومن أجل إجراء تغييرات إقليمية دولية تحقق لهم ولحليفتهم اسرائيل السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط والعالم من جهة ثانية، فصارت الأجهزة الأمريكية تلتقط أية حادثة لتربطها بالقاعدة، ويمكن التمثيل على ذلك بحادثتين:
الأولى: حادثة تفجير جزيرة بالي التي ربطتها الأجهزة الأمريكية بالقاعدة مباشرة، ولكن رئيس شرطة أندونيسيا صرح مؤخراً بأن الشرطة لم تستطع أن تتوصل إلى الربط بين التفجير و”القاعدة” (الحياة، 9/1/2003م)،
الثانية: تحذير جهاز اف بي آي من دخول خمسة أشخاص إلى الولايات المتحدة، ووصفهم بالخطورة، وبأنهم إرهابيون ثم تراجعت عن ذلك الإعلان بأن الخبر مدسوس من قبل شخص باكستاني خضع للتحقيق والاستجواب في كندا (الحياة، 9/1/2003م).
والأرجح أن مثل هذا التضخيم لم يأت عبثاً، إنما جاء لأن الخصم في حقيقته ليس ضخماً، فلابد من إعطائه تلك الهالة من أجل أهداف سياسية وإعلامية ونفسية إلخ…
ذلك هو الوضع على مستوى الإعلام الأمريكي والساحة الأمريكية، أما على مستوى الإعلام العربي فلا يمكن أن يفهم تضخيمه لجماعتي “القاعدة” و”الجهاد” إلا من منطلقين:
ومما يؤكد استهدافه التضخيم لحركتي “القاعدة” و”الجهاد” هو إعادة نشر مضمون كتاب “فرسان تحت راية النبي” الذي ألّفه أيمن الظواهري في أكثر من صورة وكيفية في إحدى الصحف العربية على مدار الأشهر الماضية، لأنها لم تجد شيئاً تنشره من أجل أن تشغل ذهن القارئ العربي بتلك الحركتين وأوضاعهما.