الجندية الحقّة أساس في بناء الجماعة المسلمة

الجندية الحقّة أساس في بناء الجماعة المسلمة

إن أي عمل جماعي يحتاج إلى ثلاثة عناصر: قيادة، وجنود، ومنهج. وإن نجاح العمل الجماعي في تحقيق أهدافه يقتضي توافر شروط معيّنة في كل عنصر من العناصر السابقة، والواضح أن أمّتنا تعاني مشاكل في العناصر الثلاثة السابقة قد تصل إلى حدّ الأزمة في بعضها، وقد تحدّثت في مقالات سابقة عن عنصر القيادة، وأوجه القصور الموجودة فيه، لكني سأتحدّث اليوم عن الجندية والشروط التي يجب توافرها فيها من أجل نجاح أية جماعة مسلمة.

لقد تحدّث القرآن الكريم بالتفصيل عن جماعتين:

الأولى: جماعة بني اسرائيل وعلاقتهم بموسى عليه السلام، وضرب بهم مثلاً للجندية السيئة، وفصّل في أقوالهم وأعمالهم كي يعطي صورة عن الجنود السيّئين الذي لا يسمعون قول قيادتهم وإن سمعوا قول القيادة لا ينفّذونه، والشواهد على ذلك كثيرة: قال لهم الله قولوا حِطَّة، فقالوا حِنْطَة، قال لهم الله: اذبحوا بقرة، فقالوا: ما لونها؟، قال لهم الله: ادخلوا الأرض المقدّسة، قالوا: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، لذلك كانت نهايتهم التيه في صحراء سيناء، وعدم استطاعة موسى عليه السلام أن يحقّق التمكين للدعوة في حياته.

الثانية: جماعة الصحابة رضي الله عنهم، وهم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد كانت ميّزتهم إطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتنفيذ أوامره، لذلك فقد استطاع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يحقّق بهم عدّة انتصارات في الأرض أبرزها إقامة الدولة الإسلامية في المدينة، والتمكين للأمّة الإسلامية.

     لقد اتفق الرسولان محمد وموسى -عليهما السلام- في أنهما رسولان من أولي العزم، وأنهما أنزل عليهما كتابان، واختلفا في أن الأول فتح الجزيرة العربية كلها خلال عشر سنين، والثاني لم يستطع أن يفتح فلسطين، والسبب في أن بني اسرائيل كانوا مثالاً للجنود السيّئين، في حين أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مثالاً للجنود الجيّدين.

     والآن ما المواصفات التي يجب أن تتوافر في الجنود حتى تنجح الجماعة في تحقيق أهدافها؟ هذه هي بعض المواصفات المطلوبة وليست كلها:

الأولى: السمع والطاعة:

    قال تعالى: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ َكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (البقرة،285)، وقدّم السمع على الطاعة لأن الطاعة يجب أن تكون نتيجة السمع الواعي.

الثانية: العودة إلى القيادة:

    يجب أن تكون هناك عودة من الجنود إلى القيادة في كثير من المواضع، وقد مثّل القرآن الكريم على ذلك بمثل يتعلّق بالأمن، فقال تعالى: “وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ” (النساء،83).

الثالثة: توقير القيادة:

     لاشكّ أن توقير القيادة حق لها، وهناك مظاهر عدّة للتوقير منها: خفض الصوت في الحديث معها والقول السديد أمامها، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى” (الحجرات،2-3).

الرابعة: عدم التقدمة بين يدي القيادة:

        لاشك أن القيادة محيطة بالمنهج وظروف الجماعة، وهي أدرى بكل ما تحتاجه من خطوات وقرارات، لذلك فالواجب على الجنود الوقوف عند حدودهم وعدم التعدّي على دور القيادات في طرح تصورات المنهج، فذلك يؤدّي إلى الاضطراب والبلبلة لأنهم لا يملكون المعلومات الكاملة عن ظروف الجماعة وأحوالها، ولا يحيطون بالمنهج الإحاطة الكاملة، لذلك قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (الحجرات،1).

        هذه كلمة سريعة عن عنصر الجندية الذي هو عنصر رئيسي في عناصر بناء الجماعة المسلمة، وسنعود إلى معالجة هذا الموضوع في حديث أكثر تفصيلاً في مرّات قادمة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

Lorem Ipsum

اترك رد