tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

التيارات الإسلامية (السلمية) في الأردن

إن أبرز التيارات الإسلامية السلمية في الأردن ثلاث، هي: السلفيون، وجماعة التبليغ، والإخوان المسلمون، وسنتناول هذه التيارات تيارًا بعد الآخر.

أولا: التيار السلفي:

يقوم التيار السلفي في الأردن على الإهتمام بالعقيدة، واتباع السنة، وتنقية الأحاديث الصحيحة من الضعيفة والموضوعة، ومحاربة البدع إلخ…، وهو في هذا يلتقي مع التيار السلفي العام من ناحية، والمرجعيات والاهتمامات، وامتداد له ومستفيد منه من ناحية ثانية. ومما ساعده على التجذر في الأردن، والانتشار الأفقي هجرة الشيخ ناصرالدين الألباني الى الأردن إثر الأحداث التي وقعت في سورية والتي اضطر فيها كثير من الإسلاميين إلى مغادرة سورية في نهاية السبعينات، فشكل الشيخ ناصر الدين الألباني نقطة استقطاب، فقد التف حوله كثير من الشباب الذي تتلمذوا على يديه، ونقلوا أقواله وآراءه وفتاويه واجتهاداته إلى مختلف الأحياء والمدن.

من الواضح أن التيار السلفي يقوم على نشر العلم الشرعي، وتعميق الوعي الديني، ولايهتم بحركة وواقع الأمة، وليست لديه أي تشخيص لواقع الأمة الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعقلي والنفسي إلخ…، وليست لديه أية خطة تفصيلية لمواجهة الأمراض التي تعرقل نهوض الأمة، وتؤخر مسيرتها.

كما أنه التيار السلفي لا يعلم الحضارة الغربية علما تفصيليا، وهذا القصور في العلم يجعله لا يحسن التعامل مع الواقع المحيط به، لأن العلم بتفصيلات الحضارة الغربية والأسس التي قامت عليها، وفرز إيجابياتها وسلبياتها، ليس من نافلة العلم، إنما هو من الواجبات في هذا العصر، لأن الحضارة الغربية تغلغلت في كل نواحي حياتنا الثقافية والفكرية والتربوية والنفسية والفنية إلخ…، لذلك من الواجب معرفة الصواب والخطأ فيها، والنافع والضار منها وذلك من أجل توجيه أبناء أمتنا الى ما ينفعهم، ويحافظ على هويتهم، ويسعدهم في دنياهم ويعلي مكانتهم في آخرتهم إلخ…

من الجدير بالملاحظة أن التيار السلفي توقف عندما أفرزه التراث في المجال العلمي من مقولات وأقوال، وليست عنده أي اضافات جديدة، ذات قيمة علمية، وذلك لسببين:

الأول: عدم توجهه إلى تغيير الواقع، فالتوجه الى تغيير الواقع يفرز علوما جديدة ناشئة من تعمق الواقع، وتحليل مناصرة، واصدار أحكام شرعية عليه، ثم يأتي استهداف التغيير فيتطلب تركيب الأحكام، ويمكن أن يفرز تحليل الواقع، والتوجه الى تغيير ثقافته، تستفيد من التراث، لكنها تضيف إليه وتثريه، وتغنيه.

الثاني: عدم الإلمام التفصيلي بالحضارة الغربية، وقد أوردته هذا القصور عجزا في امكانية الاستفادة من بعض العلوم الغربية الحديثة كعلم الايجولوجيا، والأرليوجيا واللسانيات التي تفيد التيار في تعميق النظر الى بعض القضايا الشرعية التي يمكن أن تأدي إلى صياغة علوم جديدة تساعد على استنباط النصوص وتحليلها وفهمها إلخ…

ثانيا: جماعة الدعوة والتبليغ:

وهي جماعة تقوم على الدعوة إلى الله عن طريق الخروج، وتوجه أفرادها إلى تطهير الذات، ويستفيد الفرد من الخروج الجماعي في تطوير الفرد لذاته، وتقوية إرادته لأنه يطوع نفسه لخدمة الجماعة.

ومن المعلوم أن الجماعة نشأت في الهند ثم انتشرت في جميع أنحاء الأردن، من الواضح تأثير المكان عليها، واعتماد الخروج سبيلا لتطهير الذات هي من تأثير الثقافة الهندية، التي تقوم على الفكرة ذاتها بشكل رئيسي، وتعتبرها سبيل الذات لاكتشاف وحدة الوجود.

ولا نريد أن نفصل في أصل نشأتها ، ولا في التأثيرات التي نقلتها من الثقافة الهندية لأنها تأثيرات توقفت عند الأساليب، وبقي مضمونها بعيد عن المبادئ الإسلامية، فهي تدعو إلى الأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، وتحرص على دعوة العاصين والمقصرين والغافلين إلى الانتهاء عن المعاصي والتقصير والغفلة إلخ….، ومما يؤخذ عليها أنها لم تطور أساليبها الدعوية خلال مائة سنة فهي مازال العمل الرئيسي عندها هو الخروج، فالفرد يخرج يوماً في الأسبوع، وعدة أيام في الشهر، وشهراً في السنة، ويكون الخروج إلى دعوة الناس المحيطين بالمسجد ونصحهم وتذكيرهم ودعوتهم إلى الأخلاق الفاضلة…. ولا شك أن اعتماد هذا الخروج كوسيلة وحيدة وأساسية يدل على قصور في وعي وسائل العصر الحديثة للاتصال وقيمتها، وهي لا تتوقف عن النمو والتجدد والتطور، فقد بدأت بالمذياع ثم التلفاز، ثم الكاسيت والمسجلات، ثم الفيديو، ثم النت واستحداثاتها الحديثة كالفيس بوك وغيره إلخ…، فإن  توظيف أية وسيلة من الوسائل السابقة وملئها بالمضمون المناسب يمكن أن يصل إلى شريحة أوسع من الذين يقابلهم في خروجه، ويمكن أن تكون الفائدة أعم وأنجح، ويمكن الاستفادة من كل وسيلة في وقتها، فالمذياع في وقت، ثم الكاسيت، ثم الفيديو إلخ…، لكنها بكل أسف لم تفعل شيئاً من ذلك، فخسرت إمكانية الاستفادة من وسائل العصرفي تبليغ دعوتها.

ثالثا: الإخوان المسلمون:

نشأ الإخوان المسلمون في الأردن عام 1946، وهم يملكون مسيرة طويلة في الأردن أصبحت جزءاً من تاريخ الأردن، ولا يتسع المقام للحديث عن هذا التاريخ الطويل من التواجد في الأردن وتقويمه، بل له مجالات أخرى، ولكن سنتحدث عن أبرز الأمور التي اعترضت طريق العمل، خلال الفترة الماضية.

قام الإخوان في الأردن بدور سياسي ودعوي واجتماعي وثقافي وخيري إلخ….، وقد أنشأوا جمعية المركز الإسلامي الخيرية عام 1962 المسؤولة عن الأعمال الخيرية في جميع الأردن، وأنشأوا مستشفيين في عمان والعقبة تحت مسمى المستشفى الإسلامي، كما أنشأ الإخوان عدة مدارس ومعاهد، كما أنشأوا عدة دور تهتم بالقرآن ودراسته وتحفيظه إلخ…

إن هذه النشاطات تحمد لهم، وجعلتهم على تواصل مع أفراد الأمة في مختلف المجالات، وهذا تصرف سليم، لأن هذه الأمة أمتنا، ونحن أولى من غيرنا في سد جوعتها، وإزالة جهلها، وتطبيب مريضها، واجتهادهم في هذا مخالف لحزب التحرير الذي يرى أن كل هذه الأعمال لا تجوز، ولا شك أن حزب التحرير مخطئ في اجتهاده.

كما أنشأ الإخوان حزباً سياسياً سموه (حزب جبهة العمل الإسلامي) عام 1992، وخاض الانتخابات عدة دورات، وحصل على 17 مقعداً في انتخابات 2003، كما حصل على 6 مقاعد في انتخابات 2007، وقاطع الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2010، وكان الإخوان شاركوا في بعض القرارات وحصلوا على عدة مقاعد وزارية.

لقد تعرض النظام لهزتين كبيرتين في عهد الملك حسين كانتا تستهدفان تغيير النظام، هما: محاولة الانقلاب عام 1957، والعمل الفدائي عام 1970، وكان اليساريون هم الذين يستهدفون النظام في الحالتين، ولم يشارك الإخوان الآخرين في التآمر على النظام، واعتزلوا الفتنة في الثانية، وعلّل الإخوان موقفهم ذلك بأنه في مصلحة الأمة، وأن اليسار هو الخطر الداهم الذي دمر عقائد وقيم الأمة في أكثر من مكان في العالم العربي وفي الدول المحيطة بالأردن.

وقد مرت علاقة الإخوان بالنظام بعدة توترات خلال الستين سنة الماضية، ولكن أبرزها حصلت بعد أن وقع النظام الأردني اتفاقات وادي عربة عام 1994 مع اسرائيل، لذلك قاطع الإخوان انتخابات عام 1997، وكان يفترض أن يعيد الإخوان ترتيب أوراقهم في الأردن، ويعيدوا النظر في آليات عملهم، لأن اتفاقات وادي عربة تمثل أكبر انعطاف في تاريخ الأردن، ولأنها أكبر طعنة في مسير الأمة مع مثيلتيها: اتفاقات وادي كامب ديفيد مع مصر، واتفاقات أوسلو مع السلطة، بعد قيام اسرائيل عام 1948، ويقتضي هذا الانعطاف الكبير في طعن الأمة تغييراً نوعياً في العمل جميعه.

وقد مر الجانب الخيري عند الإخوان المسلمين بأكبر توتر له مع النظام الأردني عام 2007، عندما حاول أن يدخل في تفاصيله، وقام ببعض التطرقات من مثل تجميد الهيئة الإدارية إلخ… ويفترض أن يعطي مثل هذا التطرق التنبيه لقيادة الإخوان لأن يبحث عن أطر وقنوات تحفظ هذا العمل الخيري بعيداً عن المصادرة والتعطيل في المستقبل، لأن وجود مثل هذه الثروة والمؤسسات قوة للأمة، ونحن يجب أن نحرص على تمتين وترسيخ هذه الثروة والمؤسسات وإبقاءها في خدمة الأمة، ومن الممكن أن تكون إحدى هذه الوسائل في المحافظة عليها لتكون في إفادة الأمة هو جعلها أوقافاً، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يعطل إستفادة الأمة منها، كما أن المجال مفتوح للتفكير في وسائل أخرى تبقيها بعيداً عن أي عبث أو إضرار.

اترك رد