واقعنا المعاصر الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/category/واقعنا-المعاصر/ منبر الأمة الإسلامية Mon, 18 Sep 2023 18:44:49 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.5.2 https://i0.wp.com/www.al-ommah.com/wp-content/uploads/2021/02/Group-6.png?fit=32%2C32&ssl=1 واقعنا المعاصر الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/category/واقعنا-المعاصر/ 32 32 171170647 فلسطين في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة https://www.al-ommah.com/%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86/ https://www.al-ommah.com/%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86/#respond Mon, 26 Apr 2021 15:34:41 +0000 https://al-ommah.com/?p=6372 فلسطين عند الحركات الإسلامية لقد كانت القضية الفلسطينية هي القضية السياسية الأولى في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة ولو أخذنا الإخوان في مصر كمثال على ذلك، لرأينا وضوح خطر الاستيطان اليهودي في فلسطين عند حسن البنا في مرحلة مبكرة من وجود الإخوان، وتحشيده أعضاء الإخوان ودفعهم إلى الانخراط في القتال في […]

ظهرت المقالة فلسطين في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
فلسطين عند الحركات الإسلامية

لقد كانت القضية الفلسطينية هي القضية السياسية الأولى في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة ولو أخذنا الإخوان في مصر كمثال على ذلك، لرأينا وضوح خطر الاستيطان اليهودي في فلسطين عند حسن البنا في مرحلة مبكرة من وجود الإخوان، وتحشيده أعضاء الإخوان ودفعهم إلى الانخراط في القتال في كتائب مستقلة عامي 1947 و1948.

وكذلك زيارته إلى سورية في عام 1947 ودفعه الإخوان إلى إرسال كتائب للمقاتلة في فلسطين، وذهاب الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين عام 1948 على رأس مقاتلين من أفراد الإخوان المسلمين ومن الشعب السوري للمقاتلة في القدس وفي محيطها.

وربما نستطيع أن نعمم أحكام هذا الموقف للإخوان المسلمين في مصر وسورية على كل الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، في باكستان والمغرب العربي وإندونيسيا وأفريقيا منذ أربعينيات القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية.

فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى

وإذا أردنا أن نعود إلى مرحلة أبكر في تاريخ القضية الفلسطينية وهي التي بدأت بعد الحرب العالمية الأولى والتي اتضحت في وعد بلفور، وقيام الانتداب البريطاني على فلسطين بدعم المشروع الصهيوني وتمكينه من أرض فلسطين، نجد أن القيادات الإسلامية من أمثال الحاج أمين الحسيني وعز الدين القسام، وهما القائدان الرئيسيان في المرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، نجد أنهما كانا إسلاميين، لكنهما احتويا تحت جناحيهما القيادات الوطنية وحتى المسيحية منها.

ثم تأخرت القيادات الإسلامية على مستوى العالم العربي في الستينات وتقدمت القيادات القومية وعلى رأسها جمال عبد الناصر الذي قاد مصر بعد انقلاب عام 1952، ثم عمم جمال عبد الناصر الفكر القومي العربي على معظم البلاد العربية فأصبحت قيادات سورية والعراق واليمن وليبيا والجزائر والسودان إلخ…، تنادي بالفكر القومي العربي، وأصبحت تتبنى شعارات الوحدة والاشتراكية والتصنيع وطرد الاستعمار، ومنها: تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني إلخ…

فلسطين عند الفكر القومي العربي

الحركة الإسلامية في فلسطين

جمال عبد الناصر.

لقد أصبحت القضية الفلسطينية عنوانًا رئيسيًا لدى الفكر القومي العربي في جميع الدول العربية، وكان مادة أساسية في دعاوي الانقلابات جميعها التي جاءت إلى الحكم بدءا من انقلاب جمال عبد الناصر عام 1952، ثم انقلاب عبد الله السلال في اليمن عام 1962، ثم انقلاب البعث في العراق وسورية عام 1963، ثم انقلاب معمر القذافي في ليبيا عام 1969، ثم انقلاب جعفر النميري في السودان عام 1969 إلخ…

أطماع اليهود

وعندما واجهت القضية الفلسطينية أطماع اليهود في تحويل “نبع الدان” وهو النبع الرئيسي الذي يزود نهر الأردن بأغلب مياهه منه عام 1963، وتبلورت تلك الأطماع بتحويل “نبع الدان” قبل أن يصب في نهر الأردن بأنابيب إلى صحراء النقب من أجل سقايتها، وتحويلها إلى أراض زراعية، اجتمعت القمة العربية في يناير عام 1964 في الإسكندرية بدعوة من جمال عبد الناصر، وأنشأت منظمة التحرير الفلسطينية.

إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية

وكان القصد من تلك الخطوة تهرب التيار القومي العربي الذي يقوده جمال عبد الناصر، ومعه الدول القومية العربية من مواجهة إسرائيل والتصدي لها في تحويل المياه إلى تحويل المسؤولية على الفلسطينيين.

وبذلك تحولت القضية الفلسطينية من قضية عربية – صهيونية إلى قضية فلسطينية – صهيونية، يتحمل مسؤوليتها الفلسطينيون وحدهم. وصار الشعار السياسي عند العرب “نرضى يما يرضى به الشعب الفلسطيني”، وليس من شك بأن هذا الموقف فيه تراجع وانهزام إلى الوراء. ويتحمل مسؤوليته التيار القومي العربي، والقيادات القومية العربية التي كانت تقود معظم الدول العربية آنذاك: مصر وسورية والعراق والجزائر واليمن إلخ…

نكسة حزيران

ثم حدثت نكسة حزيران عام 1967، وقد انتصرت إسرائيل على ثلاث دول عربية هي: مصر، سورية، الأردن، فاحتلت إسرائيل سيناء من مصر، والجولان من سورية، والضفة الغربية من الأردن، وكانت هزيمة كبرى.

وكانت هزيمة صادمة للأمة بشكل فاق التصور، وتتحمل القيادات القومية بشكل خاص على اختلاف تنوعاتها في ذلك الحين، وعلى رأسها جمال عبد الناصر، وحزب البعث في سورية، وهواري بومدين في الجزائر المسؤولية الكاملة عن هذه الهزيمة.

ودلت على أن الشعارات التي طرحها الفكر القومي العربي من بناء الجيوش القوية القادرة على تحرير فلسطين، والانتصار على إسرائيل، كانت كلاماً فارغاً لا حقيقة له على الأرض.

مع أن الأمة لم تبخل في تقديم الدعم والتأييد والمؤازرة والمعاونة للأنظمة القومية بكل أشكالها، وبخاصة نظام جمال عبد الناصر، فقدمت الأموال والتضحيات والطاعة له وتنفيذ ما يقوله وما يأمر به.

لكن وقعت الهزيمة والسبب هو أن الفكر القومي قام على معاداة الدين الإسلامي، واعتباره عاملا من عوامل التأخر والانحطاط والسقوط، واعتبار أن هذه الأمة الموجودة من المحيط إلى الخليج تقوم على عاملين، هما: اللغة والتاريخ.

عدم موضوعية مقولات الفكر القومي

فمن الواضح أن مقولات الفكر القومي السابقة ليست مقولات موضوعية وليست علمية لأنها لا تنطلق من الواقع الاجتماعي والثقافي والفكري والاقتصادي والنفسي والعقلي الذي يحيط بنا.

بل انطلقت من إسقاط الفكر القومي الألماني على الواقع العربي دون نظر إلى هذا الواقع وتفصيلاته وألوانه، وانطلقت في محاربة الدين واقتلاعه من عقول ونفوس وحياة أبناء هذه الأمة، فكانت الكارثة تقع تلو الكارثة، في الاقتصاد، والسياسة، والزراعة، والاجتماع، والبناء النفسي والعقلي إلخ…

فلسطين بعد الصحوة الإسلامية

لقد برزت الصحوة الإسلامية إثر نكسة حزيران، وإثر فشل الفكر القومي العربي في إحداث النهضة لتعبر عن حقيقة وجود الأمة الإسلامية، وأن الفكر القومي العربي لم يستطع أن يغرّب الأمة، وتجلى ذلك في كل المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والمالية إلخ…

فقد برزت البنوك الإسلامية، وعادت النساء إلى الحجاب الإسلامي، وأصبح الكتاب الإسلامي هو الأكثر روجاً وأصبح النواب المسلمون ذوي حضور بارز في كثير من البرلمانات العربية.

انتفاضة الحجارة

ومع رسوخ الصحوة تقدّم الإسلاميون في مجال القضية الفلسطينية فبرزت حركتا الجهاد الإسلامي وحماس، وأشعلتا انتفاضة الحجارة عام 1987، وكانت حدثا عظيما في تاريخ القضية الفلسطينية وكانت حادثا مزلزلاً للمنطقة جميعها.

وانتهت هذه الانتفاضة عندما وقع ياسر عرفات “اتفاق أوسلو” في البيت الأبيض عام 1993، وكانت هذه هي السقطة الثانية للتيار القومي الوطني، بعد السقوط الأول الذي قام به السادات عندما زار إسرائيل عام 1977، ووقع معها اتفاق سلام عام 1979.

السقطة الثانية للتيار القومي الوطني

برر السادات خطوته هذه أمام الشعب المصري آنذاك بأن مصر خاضت عدة حروب ضد إسرائيل لصالح الفلسطينيين والعرب، وسخرت اقتصادها لهذه الحروب، وقدمت أبناءها شهداء لصالح هذه المواجهة، وافتقرت نتيجة ذلك، لذلك هي مضطرة لأن تصالح إسرائيل من أجل أن يتعافى اقتصادها، ويحيا الشعب المصري حياته الطبيعية.

وقد وعد السادات شعبه بأن مصر ستصبح أنهارا من عسل ولبن بعد الصلح مع إسرائيل، وبعد توقيع اتفاقية السلام، وبأن مصر ستصبح واجهة للاستقرار والرقي والتقدم والازدهار والتطور ولم يحدث شيء من ذلك، بل ازدادت مصر فقرا بعد معاهدة السلام وازدادت جوعا وتأخرا في كل مجال.

من الواضح أن نظام السادات تنكر للقضية الفلسطينية وقدم مصالح مصر القطرية على مصالح الأمة، لذلك وقع في مستنقع الخيانة، وكان مصيره القتل على يد خالد الإسلامبولي.

وكان أحد أسباب اغتياله حسب ما صرح الإسلامبولي في المحكمة هو زيارته لإسرائيل عام 1977، وتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979.

فلسطين بعد الربيع العربي

الحركة الإسلامية

صورة من مظاهرات الربيع العربي.

ثم تطورت الأمور في المنطقة وبرز الإسلاميون بعد الربيع العربي عام 2011، لأنهم كانوا مادته الرئيسية، فقفزوا إلى مقعد القيادة في عدد من الدول العربية: تونس، مصر، المغرب.

وشاركوا في القيادة في عدد من الدول العربية مثل: اليمن وليبيا وسورية، ولم يستمر وجودهم القيادي إلا في بلدين هما تونس والمغرب نتيجة مؤامرات الغرب، وللأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية.

فماذا كان موقف الحركة الإسلامية في المغرب من القضية الفلسطينية؟ لقد كان موقف الحركة الإسلامية في المغرب من القضية الفلسطينية سقوطًا مريعًا فكيف كان ذلك؟

فقد اعترفت المغرب بإسرائيل بعد وساطة ترامب في نهاية عام 2020، وأقامت علاقات تطبيع كاملة مع إسرائيل في كافة المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية إلخ…

وكان سعد الدين العثماني رئيس الوزراء -ابن الحركة الإسلامية- هو الذي قام بتوقيع اتفاقات التطبيع، وقد أيد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يرأسه سعدالدين العثماني قرارات رئيس الوزراء وباركها.

وقعت الحركة الإسلامية في المغرب في خطأين نحو القضية الفلسطينية

وبهذا تكون الحركة الإسلامية في المغرب وقعت في خطأين:

الأول: هو تقديمها مصالح المغرب القطرية على حساب مصلحة الأمة، فقد أخذ المغرب اعتراف أمريكا بأن الصحراء المغربية جزء من المغرب، وكان هذا هو الثمن الذي قدمه ترامب للمغرب من أجل أن يطبع المغرب مع إسرائيل.

الثاني: وقوعها في خطأ التخلي عن قضية دينية، ويصل إلى مرتبة الخيانة الدينية وذلك لأن المسجد الأقصى كما هو معلوم ثالث الحرمين وأولى القبلتين وهو مسرى الرسول ﷺ ومعراجه، والصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة كما ورد في الحديث الشريف.

والمسجد الأقصى لا يدخله الدجال، والأرض المحيطة بالأقصى هي أرض مباركة بنصوص القرآن الكريم، فهي قضية دينية بالإضافة إلى كونها سياسية، وعندما وقفت الحركة الإسلامية في المغرب إلى جانب إسرائيل، وطبعت معها، تكون قد وقعت في خطأ ديني.

الخلاصة

لقد كانت القضية الفلسطينية قضية الأمة الأولى، وقد لعب الفكر القومي العربي دوراً في نقل القضية من أن تكون قضية العالم الإسلامي إلى قضية العرب، ثم قضية الفلسطينيين.

ثم سقط الفكر القومي-الوطني سقوطاً مريعاً عندما زار السادات إسرائيل عام 1977، وعندما وقع اتفاق سلام معها عام 1979. وكذلك سقط مرة ثانية عندما وقع ياسر عرفات اتفاق سلام معها عام 1993 وكذلك سقط مرة ثالثة عندما وقع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل في وادي عربة في نهاية عام 1994.

لقد لعبت الحركة الإسلامية دوراً إيجابياً في قيادة القضية الفلسطينية بعد الحرب العالمية الأولى بقيادة الحاج أمين الحسيني وعز الدين القسام. ثم لعبت الحركة الإسلامية دوراً إيجابياً آخر بعد الصحوة الإسلامية عام 1970، ففجرت حركتا الجهاد الإسلامي وحماس الانتفاضة الأولى المجيدة عام 1987.

ثم لعبت الحركة الإسلامية دوراً إيجابياً بعد الربيع العربي الذي جاء في عام 2011 رداً من الأمة على:

  • التغريب من جهة.
  • على الاستخذاء في وجه الغرب وإسرائيل من جهة ثانية.

فكان الإسلاميون مادة الربيع العربي الأساسية، لكن الحركة الإسلامية في المغرب سقطت سياسيًا ودينيًا، عندما طبّع المغرب مع إسرائيل. وكان سعد الدين العثماني هو من وقع اتفاقيات التطبيع وهو من الحركة الإسلامية رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وكان هذا السقوط الأول للحركة الإسلامية، ونأمل أن يكون الأخير لها.

ونأمل أن تغلب الحركة الإسلامية في البلاد الأخرى مصالح الأمة على مصالحها القطرية، لأن انتصار الأمة هو -في النهاية- انتصار للجميع.

المقال في موقع عربي 21 فلسطين في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة

ظهرت المقالة فلسطين في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86/feed/ 0 6372
لماذا تحولت الخلافة من “الشورى” إلى “الوراثة”؟ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%ab%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%ab%d8%a9/#respond Wed, 04 Oct 2017 14:12:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2077 اختار المسلمون أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- رئيساً للدولة وخليفة للرسول بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وقد كان مجيئه خليفة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كسراً للعادات والسنة المتبعة في ذلك العصر والوقت، فقد كان السائد في الحكومات القائمة -آنذاك- أن يكون الوارث للحكم ابناً للحاكم السابق، أو أحد […]

ظهرت المقالة لماذا تحولت الخلافة من “الشورى” إلى “الوراثة”؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
اختار المسلمون أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- رئيساً للدولة وخليفة للرسول بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وقد كان مجيئه خليفة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كسراً للعادات والسنة المتبعة في ذلك العصر والوقت، فقد كان السائد في الحكومات القائمة -آنذاك- أن يكون الوارث للحكم ابناً للحاكم السابق، أو أحد أفراد أسرته، والواضح أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لم يكن لا هذا ولا ذاك.

وقد جاء اختيار أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أيضاً نتيجة شورى غير مسبوقة في التاريخ، فقد اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة وتداولوا أسماء متعددة ليكونوا في رأس الدولة، ثم اختاروا أبا بكر -رضي الله عنه- ليكون خليفة للرسول، ثم أخذ البيعة بناء على هذا الاختيار والشورى، وكانت طاعة المسلمين له بعد ذلك ناتجة من كونه جاء اختياراً، وكونه جاء نتيجة بيعة ورضا من المسلمين.

لقد اعتمدت الدولة الإسلامية الشورى في اختيار رئيس دولتها -كما هو واضح- بدءاً من أبي بكر وانتهاء بعلي -رضي الله عنه، لكن الأمر تغير منذ عهد معاوية، فأصبح وراثة، إذ ورث الحكم لابنه يزيد ثم تتالت الأمور بهذه الصورة، فلماذا تغير الأمر من “شورى” إلى “وراثة”؟

لقد تعرضت الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى نوعين من المؤامرات خارجية وداخلية، وهذه المؤامرات دفعت الأمة إلى تغيير هذه القاعدة من “شورى” إلى “وراثة”، وسنتحدث عن النوعين وأخطارهما، ونتائجهما على الأمة.

أولاً: المؤامرات الخارجية:

لقد تجسدت المؤامرات الخارجية بعد وفاة الرسول بحروب الردة، فقد ارتدت بعد وفاة الرسول معظم قبائل الجزيرة العربية، وكانت تريد هذه القبائل اقتلاع الدولة الإسلامية من المدينة، وإنهاء الوجود الإسلامي. لكن قيادة أبي بكر الصديق واجهتها بموقف حازم، بأن سيرت جيوشاً متعددة بقيادة كبار الصحابة لمقاتلتهم، وقد استطاعت هذه القيادة الحازمة أن تخضعهم، وتقتلع شوكتهم، وتجعلهم يلتزمون ويطيعون قيادة أبي بكر في المدينة المنورة.

ثانياً: المؤامرات الداخلية:

أ‌- مؤامرة أبي لؤلؤة المجوسي:

لقد انتهت مؤامرة أبي لؤلؤة المجوسي باستشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدنية عام 23 هجرية، وقد حاك خيوطها مع شخصين آخرين هما: الهرمزان وهو أحد أمراء الفرس على الأهواز، وجفينه وهو رومي من سبي مدينة الحيرة. ليس من شك بأن اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله عنه شكل زلزالا للدولة الإسلامية، هدد وجودها، وقطع سلسلة البناء العظيمة التي بدأ عمر بن الخطاب في إرسائها لهذه الدولة الفتية.

ب‌- مؤامرة عبد الله بن سبأ:

1- مقتل عثمان بن عفان: لقد كان الدور الأكبر لعبد الله بن سبأ في إثارة المجال السياسي، فقد أثار الغوغاء حول بعض تصرفات عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد اعتمد في فتنته على تحريك أبناء القبائل المرتدة، فقد كان عماد المجموعات التي تحركت من البصرة والكوفة ومصر وذهبت إلى المدينة، وحاصرت عثمان بن عفان من القبائل المرتدة، كما كانت قياداتها من القبائل التي ارتدت في عهد أبي بكر الصديق.

وقد حدثت وقائع متعددة لا مجال للتفصيل فيها، وهي موجودة في كتب التاريخ تبين أن عدم الوصول إلى حل كان هو المقصود من الفتنة، وأن مقصدها هو زعزعة الدولة، وأبرز مثال على ذلك هو: أنه بعد أن حاور عثمان المرتدين ورد على جميع حججهم فيما يتعلق بتقريب أقاربه، وإيثارهم بالولايات والمال، وأقنعهم بنزاهته وسلامة سيرته، وعادوا إلى بلادهم: مصر، والبصرة، والكوفة.

برزت واقعة أن عثمان أرسل كتاباً إلى والي مصر بقتل المتمردين بعد وصولهم، مما جعل المتمردين يعودون ويتهمونه بنقض العهد، لكنه أنكر واقعة الكتاب نهائياً.

ولكن الواضح من قصة الكتاب، أن هناك طرفاً كان لا يريد أن تهدأ الأمور، وتنتهي إلى حل يؤدي إلى التهدئة في الدولة، لكن يريد أن تستمر الأزمة، وتنتهي إلى ما انتهت إليه وهو زعزعة الدولة، وصولاً إلى اقتلاع الدولة الإسلامية ثم اقتلاع الإسلام من الأرض، وهل هناك أكبر من قتل رئيس الدولة وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه؟!

2- واقعة الجمل: بعد أن اجتمع المعسكران في البصرة: معسكر عائشة وطلحة والزبير من جهة، ومعسكر علي بن أبي طالب من جهة ثانية رضي الله عنهم جميعاً، وتوصل الطرفان إلى حل طرحته عائشة رضي الله عنها، وكان الغد موعد إبرامه، وعلم أصحاب الفتنة ذلك، وأيقنوا أن اتفاق الطرفين سيكون فيه خسارتهم، لذلك هجموا على الطرفين، وظن كل طرف أن الآخر غدر به وهاجمه، وبهذا حدثت “معركة الجمل”، وكان سببها الرئيسي هم أصحاب الفتنة ومثيروها.

3- مقتل علي رضي الله عنه: استشهد الخليفة الثالث علي على يد الخوارج، مما جعل الدولة تعيش محنة ثالثة، يظهر فيها مدى قوة الأطراف التي تقصد اقتلاع الدولة الإسلامية، ثم اقتلاع الإسلام، ثم أصبح هناك رأسان للدولة بعد استشهاد علي هما: الحسن بن علي، ومعاوية، لكن الحسن تنازل عن الخلافة لمعاوية لأنه وجد أنه أقدر على المحافظة على بقاء الدولة واستمراريتها.

بعد هذه الفتن التي قتلت ثلاثة خلفاء، والتي كانت تستهدف اقتلاع الدولة الإسلامية ثم اقتلاع الإسلام، توجه معاوية بن أبي سفيان إلى “توريث” ابنه، وتجميد قاعدة “الشورى” وقد ساعده على هذا التوجه خطوتان:

  • الأولى – عام الجماعة عندما تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما، واعتبر المسلمون هذا العام عام الجماعة، وجاءت خطوة الحسن بن علي رضي الله عنه تحقيقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه عن الحسن: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ).
  • الثانية – مبايعة بعض الصحابة ليزيد لقد بايع عدد كبير من الصحابة يزيد على الخلافة، وأقروا معاوية على توريث ابنه يزيد، وتقدر بعض هذه الروايات بأن عددهم زاد عن المائة، ولا شك أن الصحابة عندما أقروا معاوية على ذلك، أقروه لأنهم يدركون أن هذا في مصلحة استقرار الدولة، وأن البديل سيكون تهديد وجود الدولة الإسلامية، وزعزعة استقرارها، بل إمكانية اقتلاعها ثم اقتلاع الإسلام. ليس من شك أن الصحابة اتخذوا هذا الموقف نتيجة وعي متقدم في الحرص على الدولة الإسلامية.

الخلاصة

عندما تحولت الدولة الإسلامية من نظام “الشورى” إلى نظام “الوراثة” كان ذلك نتيجة وعي عميق من الصحابة بأنها خطوة ضرورية لأجل المحافظة على وجود الدولة الإسلامية، وبقاء الإسلام ذاته في سدة التطبيق، وإلا سيكون البديل هو “اقتلاع الدولة” و”اقتلاع الإسلام”.

رابط المقال من موقع الجزيرة نت لماذا تحولت الخلافة من “الشورى” إلى “الوراثة”؟

ظهرت المقالة لماذا تحولت الخلافة من “الشورى” إلى “الوراثة”؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%ab%d8%a9/feed/ 0 2077
ما معنى الوطن وما هي المواطنة؟ https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b7%d9%86%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b7%d9%86%d8%a9/#respond Wed, 26 Jul 2017 23:53:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2064 تحدث كثير من الكتاب والمفكرين عن “الوطن” و”المواطنة” بشكل غير دقيق، واعتبروا مجرد تسمية ذلك البلد باسم “وطن الأردن” مثلاً، فهذا يعني أن هناك “مواطنة” في الأردن، وهذا الكلام ليس صحيحاً ولا سليماً. لقد جاءت كلمة “الوطن” من الحضارة الغربية في العصور الحديثة، وهي “مفهوم” و “مصطلح” له دلالاته الخاصة […]

ظهرت المقالة ما معنى الوطن وما هي المواطنة؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تحدث كثير من الكتاب والمفكرين عن “الوطن” و”المواطنة” بشكل غير دقيق، واعتبروا مجرد تسمية ذلك البلد باسم “وطن الأردن” مثلاً، فهذا يعني أن هناك “مواطنة” في الأردن، وهذا الكلام ليس صحيحاً ولا سليماً.

لقد جاءت كلمة “الوطن” من الحضارة الغربية في العصور الحديثة، وهي “مفهوم” و “مصطلح” له دلالاته الخاصة التي تكونت عبر مراحل طويلة من التاريخ، وربما احتاجت إلى مئات السنين، فمصطلح “الوطن” الذي تكون في الغرب، لا يتطابق مع كلمة “الوطن” المعجمية التي تعني عندنا “الأرض” فقط، وتدل على “جغرافيا” ذلك البلد، “فالوطن اللبناني” عندنا هو “جغرافيا” لبنان، تبدأ من “طرابلس” شمالاً وتنتهي في “رأس الناقورة” جنوبا وغير ذلك من المعالم الجغرافية المعروفة.

لكن كلمة “الوطن” في الغرب التي تشكلت في العصور الحديثة بعد انهيار الامبراطوريات الكنسية الإقطاعية في نهاية العصور الوسطى التي كانت تحكم أوروبا من أمثال أسرة بوربون في فرنسا، وأسرة هوهنتسولرن وأولدنبورغ في ألمانيا، وعائلة سافوي في إيطاليا إلخ …

لقد انهارت تلك الأسر والدول التي كانت تحكم أعراقاً وشعوبا مختلفة، بفعل نشوء الرأسمالية، وانتهاء المرحلة الإقطاعية، ونشوء الثورة الصناعية التي بدأت بعصر البخار ثم الكهرباء، ونشوء الصراع الديني بين الكاثوليكية والبروتستانتية، ثم قيام الثورة الفرنسية عام 1789، لقد خلقت تلك التطورات والتي اشتملت على عوامل دينية وعرقية، واجتماعية، واقتصادية وتفاعلها مع بعضها جميعا، لقد خلقت تلك التطورات “أمماً” جديدة، “ودولا “جديدة، “وأوطاناً” جديدة.

لقد كانت الروابط التي تجمع الشعوب القديمة هي الدين والأسر الحاكمة، لكن بعد أن انهارت تلك الدول-الأسر، انبثقت روابط جديدة تقوم على “مفهوم الوطن” الذي يحتوي على “المواطنة” والذي تسكنه “أمة”.

فأصبح هناك “الوطن الفرنسي” و”المواطنة الفرنسية” و”الأمة الفرنسية” … وقس على ذلك بقية الدول والأوطان والأمم التي تشكلت في أوروبا من مثل: النمسا، المجر، هولندا، السويد، إلخ…

عندما تقول كلمة “الوطن الفرنسي” فيعني ذلك عدة أمور:

أولاً: هناك أرض جغرافية تعرف باسم “الوطن الفرنسي”.

ثانياً: هناك “أمة فرنسية” تجمعها أمور مشتركة متعددة: من عادات وتقاليد ومفاهيم وأخلاق وقيم. جاءت نتيجة تطور تاريخي مشترك وتشكلت خلال القرون السابقة، وهذه الأمور تشكل خلفية ذهنية وشعورية لها تميزها عن غيرها من الأمم، ويمكن أن نسمي هذه الأمور المشتركة التي تكونت خلال مئات السنين بـ “الوحدة الثقافية”.

ثالثاً: “المواطنة”:

إن هذه الثقافة المشتركة التي تجمع الشعب الفرنسي والتي تشكل “الوحدة الثقافية” هي أصل قيام “المواطنة”. “فالمواطنة” قيم وأفكار وعادات وتقاليد وأخلاق تشكلت عبر مئات السنين وهي التي جعلتهم يقيمون “وطناً فرنسياً”.

إذن “المواطنة” ليست لفظاً مجرداً أطلقه فتكون قد تحققت “المواطنة “، بل هي قيم مشتركة وثقافة وأخلاق وعادات وتقاليد تبلورت خلال مئات السنين، هي التي تجمع هؤلاء “المواطنين الفرنسيين” وتميزهم عن غيرهم، لأنهم مشتركون ومتقاربون في عشرات الأمور المهمة التي أشرنا إليها، والتي تشكل أساس “المواطنة”.

الآن نأتي إلى بلادنا، فلو أخذنا بلداً مثل العراق، تشكل كقطر، وككيان سياسي مستقل بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الخلافة العثمانية، من المعلوم أن هذا القطر تم تشكيله بناء على مفاوضات بين وزيري خارجية فرنسا وإنكلترا، ونجم عن هذه المفاوضات اتفاق سايكس-بيكو الذي عرف بهذا العنوان.

واستطاع الإنكليز ضم الموصل إليه طمعاً في البترول الذي كان قد أكتشف فيه، مع أن الموصل أقرب تاريخياً إلى حلب وسورية، وألحقت مدينة “دير الزور” بسورية مع أنها أقرب تاريخياً إلى العراق.

ثم جاء الملك فيصل وحكم العراق، وقام إلى جانبه ساطع الحصري رائد الفكر القومي العربي، وأقام دولة قومية، وكان القصد من هذه الدولة أن تؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة.

من ملامح هذ المرحلة الجديدة استبدال الإخاء القومي العربي بالإخاء الإسلامي من جهة، وإنشاء أمة عربية تكون بديلاً عن الأمة الإسلامية التي قامت قبل أربعة عشر قرناً من جهة ثانية، وإنشاء وطن عراقي يقيم “مواطنة عراقية” من جهة ثالثة.

فماذا كانت النتيجة؟ لقد فشل الفكر القومي العربي في تكوين “وطن عراقي” وفي إنشاء “مواطنة عراقية” بدليل أنه بعد مائة سنة من الحكم القومي العربي في مرحلتيه الملكية والجمهورية وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لم يرجع العراق موحداً، ولم يواجه العدوان موحداً، لأنه لم تنشأ “المواطنة” المطلوبة.

لقد نجح الفكر القومي العربي في العراق –بكل أسف- خلال المائة سنة الماضية في أمر واحد فقط وهو تفتيت الرابطة السابقة، وهي رابطة “الأخوة الإسلامية” والتي تقوم على عدة عوامل منها: “الوحدة الثقافية” بالدرجة الأولى، والتي حفظت كيان “الأمة الواحدة” لأكثر من ألف عام.

ولنأخذ مثالاً آخر هو سورية، أقر من البداية أن هناك سورية، “جغرافياً” هناك بلد اسمه سورية، كما تقول “محافظة حلب”، “محافظة حمص”، فهل هناك “وطن سوري” بالمعنى “القومي والوطني” الذي وجدناه في فرنسا؟ وهل هناك “مواطنة” تقوم على قيم متبلورة ومشكلة تجمع “السوريين” جميعاً؟ وهل هناك “هوية سورية” بمعنى صفات مشتركة تميز سورية والسوريين عن غيرهم؟ هل هناك “وحدة ثقافية سورية” تميز سورية عن غيرها؟

الجواب على كل الأسئلة السابقة: لا، لأنه لم يتشكل “وطن سوري”، فتحقيق هذا الأمر يحتاج مئات السنين، وبالتالي ليست هناك ” مواطنة سورية” وليست هناك “هوية سورية” فهل معنى ذلك أنه لا توجد روابط مشتركة تجمع السوريين أو الأردنيين أو العراقيين؟

توجد رابطة تجمع السوريين وهي رابطة “الأخوة الإسلامية” والتي قامت منذ أكثر من ألف سنة، واستمرت فاعلة بين السوريين أنفسهم، وتجمع السوريين مع أبناء “الأمة الإسلامية” الآخرين في العراق والأردن ومصر وتونس إلخ …، وهنا يأتي السؤال وماذا عن أصحاب الديانات والطوائف والمذاهب الأخرى التي تقيم بين ظهراني المجتمع الإسلامي؟ ما وضعها؟ وكيف تعامل معها “المجتمع الإسلامي” و”الأمة الإسلامية”؟

لقد تجلَّت عبقرية “الأمة الإسلامية” بأنها ابتكرت وسائل وروابط أقامتها معها، وجعلتها جزءاً منها، واستفادت من إمكانياتها، وكانت رافداً من روافد “الحضارة الإسلامية” وأعتقد أن العامل الأساسي في توليد هذه “العبقرية” في التعامل مع الآخرين المخالفين في الدين والمذهب، واستيعابهم بصورة من الصور ليكونوا عامل بناء في المشروع الحضاري الإسلامي، هو الأحكام الخاصة التي وردت في حق أهل الكتاب، وأباحت للمسلمين أن يأكلوا ذبائحهم ويتزوجوا نساءهم كما قال تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5] الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ[المائدة:16]

لقد نشأت علاقات وروابط بين المسلمين وبين الآخرين، الذين يعيشون في بلادهم من أرقى الروابط والعلاقات، لكنها تحتاج إلى الدراسة والتقنين والإظهار، وهي من الجوانب التي لم تأخذ حقها من الدراسة والتمحيص، وبقيت في منطقة الإهمال ولعلي أفعل شيئاً من هذا في مقال قادم إن شاء الله.

ولقد حاول الغرب خلال المائة سنة الماضية أن يدمر “الأمة الإسلامية” ووحدتها، ورابطة “الأخوة الإسلامية” من خلال ثلاثة أعمال:

الأول: إقامة كيانات قطرية كما فعل في بلاد الشام حيث جزأها إلى أربع كيانات (سورية، لبنان، فلسطين، الأردن)، وأنشأ “دولة العراق” إلخ …، وهو يطمح أن تتحول هذه الأقطار إلى أمم، فتصبح هناك “أمة أردنية”، “أمة لبنانية” إلخ …، تنفصل انفصالاً تاماً عن “أمتها الإسلامية” بمرور الزمن.

الثاني: تفتيت “الوحدة الثقافية” التي تعتبر المقوم الرئيسي لوجود “أمتنا”، وذلك من أجل تدمير “أمتنا” وإنهاء فاعليتها في الأرض، وذلك من خلال التشكيك والتهوين من محاور هذه “الوحدة الثقافية”، وهي: القرآن الكريم، السنة المشرفة، اللغة العربية.

الثالث: دفع الأعراق والأجناس والطوائف والمذاهب المختلفة والتي كانت جزءاً من الأمة الإسلامية على مدار التاريخ إلى إقامة كيان مستقل من أجل التمزيق والتفتيت، كما هم الآن مع الشيعة والأكراد في العراق، والمسيحيين في لبنان.

هل يعني ذلك أن “الأرض-الوطن” لا قيمة له في منهجيتنا الإسلامية؟ لا، بالعكس، فالوطن له قيمته الكبرى وأهميته الخاصة من خلال المعطيات الإسلامية التي راعت “الفطرة” من جهة، وراعت استهداف جمع الأعراق والشعوب والقبائل والأجناس، ودمجها في بوتقة هي بوتقة “الأمة” من جهة ثانية.

فقد أباح الإسلام لنا أن نحب أرضنا وأوطاننا، فقد قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة، 24)

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة بعد هجرته منها:” ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك” (رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير)

وأوجب علينا أن ندافع عن أرضنا وألا نفرط فيها، واعتبر القتل في الدفاع عنها شهادة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد” (صححه الألباني)

وقد افتى العلماء بأن الجهاد يتعين ويصبح فرض عين على كل “أهل البلد” التي تواجه عدواناً من آخرين لاغتصابها وأخذها من أهلها، وأفتوا بأنه يجوز للعبد أن يخرج بدون إذن سيده، وإذا عجز أهل “تلك الأرض” في الوقوف في وجه المعتدي عليهم فينتقل وجوب مساعدتهم إلى المجاورين لهم ويتعين عليهم الجهاد، وهكذا دواليك.

الخلاصة: لقد جاء “مصطلح الوطن” و”المواطنة من الغرب، وقد تجمعت وتبلورت مدلولات ومضامين مصطلح “الوطن” في أوروبا خلال عشرات السنين بل مئاتها، وقد تكون هذا المصطلح من تفاعل وعدة عوامل منها: العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية إلخ …

وانبثق مصطلح “المواطنة” نتيجة تشكل “الوطن” ووجوده جغرافياً وثقافياً وفكرياً إلخ …ويعني مصطلح “المواطنة” اشتراك أفراد هذا “الوطن” في عدد من الصفات والعادات والأخلاق والقيم التي تميزهم عن غيرهم وبالتالي تكون نتيجة هذا الفهم المشترك واللقاء المشترك وجود “مواطنين” يسعون إلى تحقيق العدالة والمساواة.

وإذا جئنا إلى بلادنا وجدنا أنه ليس هناك “وطن” بالمعنى الغربي، ولا ثقافة خاصة بكل قطر من الأقطار العربية، فليس هناك شيء خاص بمصر أو العراق أو فلسطين أو الجزائر أو السودان إلخ …، بل جميع هذه الاقطار تشترك بثقافة واحدة، وعادات وتقاليد واحدة، وقيم واحدة إلخ …، هي ما نسميه “الوحدة الثقافية” المنبثقة من مفهوم “الأمة الواحدة” المبنية منذ أكثر من ألف عام.

لذلك عندما يتحدث المفكر العراقي عن “مواطنة عراقية” يكون حديثه عن لا شيء، أوعن شيء لا وجود له، ولا يتحقق على أرض الواقع، لأنه ليس هناك “وطن عراقي” يتميز عمن في جواره مثل: سورية والأردن وفلسطين ومصر والجزائر إلخ …

لذلك على العلماء والقادة التمسك بما هو موجود من روابط وهي رابطة “الأخوة الإسلامية” المنبثقة عن وجود “أمة إسلامية” تجمعها “وحدة ثقافية” تربط بين سكان المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، والبناء على هذه الرابطة، وعدم السعي وراء روابط غير موجودة لأن ذلك ليس من العقل والحكمة.

ظهرت المقالة ما معنى الوطن وما هي المواطنة؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b7%d9%86%d8%a9/feed/ 0 2064
النكسة: الأسباب والمخرج https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b1%d8%ac/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b1%d8%ac/#respond Fri, 26 May 2017 23:50:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2062 قد مر خمسون عاماً على النكسة التي وقعت في 5 / حزيران / 1967، وقد احتلت إسرائيل في نهاية هذه النكسة: سيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن، والجولان من سورية، فما هو الوضع الآن بعد مرور نصف قرن على تلك النكسة؟ الأمور تزداد سوءاً، والعالم العربي يزداد استسلاماً لإسرائيل […]

ظهرت المقالة النكسة: الأسباب والمخرج أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
قد مر خمسون عاماً على النكسة التي وقعت في 5 / حزيران / 1967، وقد احتلت إسرائيل في نهاية هذه النكسة: سيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن، والجولان من سورية، فما هو الوضع الآن بعد مرور نصف قرن على تلك النكسة؟

الأمور تزداد سوءاً، والعالم العربي يزداد استسلاماً لإسرائيل وتفككاً، فقد وقّعت دولتان عربيتان الصلح مع إسرائيل وهما مصر عام 1977، والأردن عام 1993، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية وقّعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل عام 1993 الذي اعترف بإسرائيل كدولة احتلال، لكن اسرائيل لم تعترف بحق التقرير للشعب الفلسطيني.

       ثم جاء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ليُنهي الجبهة الشرقية المتمثلة في الجيش العراقي، ثم جاءت الاضطرابات في سورية لتجعل الجيش يتفكك، فبهذا أصبحت إسرائيل آمنة من جميع محيطها.

       لم يكن احتلال إسرائيل للقدس عام 1967 هو أول احتلال لها، فقد احتل الصليبيون القدس عام 1099، واحتلوا ساحل بلاد الشام جميعه، كما احتلوا مناطق واسعة في بلاد الشام وتركيا، ولكن مع ذلك بدأ أول انتصار عليهم عندما حرّر عماد الدين الزنكي  )الرّها( عام 1144 من الصليبيين، وكان ذلك الانتصار بداية الصعود للقوى الإسلامية التي انتهت بمعركة حطين عام 1187 واسترجاع القدس.

وعند مقارنة الأوضاع في الفترتين نجد تبايناً كبيراً، فهناك انتصار كبير بعد 45 سنة على احتلال القدس، ثم كان هناك انتصار كبير في “حطين” عام 1187، وإنهاء للوجود الصليبي في المنطقة كلها بشكل نهائي، في حين اننا نجد على الجانب الآخر أن إسرائيل ما زالت تتمدد وتتوسع وتتمكّن بعد 69 عاماً من وجودها في فلسطين، فلماذا هذا الاختلاف في النتائج؟

       نجد أن الأسباب هي:

  • تصادم القيادات المعاصرة مع وحدة الأمة الثقافية وأبرزها الدين، في حين تصالحت القيادات السابقة معها.

وكانت الاشتراكية التي سادت في الستينيات هي الأيديولوجية التي تبناها نظام عبدالناصر في مصر، ونظاما البعث في سورية والعراق، وتعتمد هذه الأيديولوجية على محاربة الدين في المجتمع لأنها تعتبره سبباً للانحطاط والتقهقر والتأخر، في حين أن القيادات السابقة كعماد الدين الزنكي، ونور الدين الزنكي، وصلاح الدين الأيوبي، كانت متصالحة مع الدين.

  • النزعة التجزيئية عند القيادات المعاصرة، في حين وجود النزعة التوحيدية عند القيادات السابقة.

تغلبت النزعات التجزيئية القطرية في التعامل مع قضايا الأمة عند القيادات المعاصرة في جعل النتائج سلبية على أرض الواقع، ويمكن أن نضرب مثالاً على ذلك ما فعله جمال عبدالناصر في مؤتمر القمة العربي لعام 1964، إذ أنشأ منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت مسؤولة عن القضية الفلسطينية، وبهذا انتقلت القضية الفلسطينية، فبعد أن كانت قضية الأمة بعد الحرب العالمية الأولى وساهم في القتال على جبالها السوري والعراقي واللبناني إلخ….، أصبحت عام 1964 خاصة بالفلسطينيين، وقس على ذلك بقية القضايا.

في حين أن القيادات السابقة كانت ذات نزعة توحيدية، فبعد أن حكم عماد الدين الزنكي الموصل عام 521هـ، حكم حلب عام 522هـ، ثم استولى على حماه في العام التالي، ثم حكم مصر عام 532هـ، ثم انتزع “الرها” من الصليبيين عام 533هـ – 1144.

  • غياب الاستقلال الاقتصادي في العصر الحديث هو أحد عوامل خسارتنا للحرب، في حين تحقق الاستقلال الاقتصادي في الدولتين الزنكية والأيوبية.

لقد كان السبب المباشر لمعركة حزيران عام 1967 هو أن مصر كانت تتلقى قروضاً مجانية من القمح من قبل أمريكا، ثم أوقفت أمريكا فجأة هذه القروض معاقبة لجمال عبدالناصر على بعض المواقف السياسية، فردّ عبدالناصر على تلك الخطوة بسحب البوليس الدولي الذي كان يقف حاجزاً بين مصر وإسرائيل، فاعتبرت إسرائيل هذه الخطوة إعلان حرب، ثم وقعت النكسة.

لقد كان افتقاد الاستقلال الاقتصادي للدول العربية في العصر الحاضر هو أحد العوامل في ارتهان القرار السياسي والعسكري بيد الخارج، لكننا نرى في المقابل أن الدولتين: الزنكية والأيوبية، صاغا اقتصادهما ليكون في خدمة الدولة الحربية، فبعد أن كان الاقطاع الإداري هو السائد في الدولة السلجوقية، أصبح الإقطاع العسكري هو الخط الاقتصادي المتبع لدى الدولتين: الزنكية والأيوبية، وهو الأنسب لتجييش الجيوش في مرحلة مواجهة الصليبيين.

الخلاصة: هذه هي العوامل التي جعلت ميزان القوة والانتصارات تبدأ بعد 45 عاماً لدى الدولة الزنكية فحررت “الرها” عام 1144، في حين مرّ على النكبة 69 عاماً وعلى النكسة 50 عاماً ولم تستطع الدولة العربية المعاصرة أن تحرر شبراً.

رابط المقال من السورية نت النكسة: الأسباب والمخرج

ظهرت المقالة النكسة: الأسباب والمخرج أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b1%d8%ac/feed/ 0 2062
الإصلاح الديني.. المحاولات والتعثر https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%ab%d8%b1/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%ab%d8%b1/#respond Thu, 16 Feb 2017 19:11:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2045 على الأرجح فإن أول محاولة إصلاح ديني في العصر الحديث قادها محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1791) وكانت في نجد، وقامت على أمرين أساسيين، هما: تنقية العقيدة ومحاربة الشرك من جهة، واتباع السنة الصحيحة من جهة ثانية، ثم نجح في إقامة دولة بالتحالف مع العائلة السعودية، وكانت عاصمتها الدرعية. […]

ظهرت المقالة الإصلاح الديني.. المحاولات والتعثر أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
على الأرجح فإن أول محاولة إصلاح ديني في العصر الحديث قادها محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1791) وكانت في نجد، وقامت على أمرين أساسيين، هما: تنقية العقيدة ومحاربة الشرك من جهة، واتباع السنة الصحيحة من جهة ثانية، ثم نجح في إقامة دولة بالتحالف مع العائلة السعودية، وكانت عاصمتها الدرعية.

لكن الخلافة العثمانية بعثت محمد علي باشا (والي مصر) فهاجم هذه الدولة وقضى عليها ابنه إبراهيم باشا في عام 1814 بعد أن احتل كلاً من نجد والحجاز، ودمر الدرعية وأنهى هذه الدولة بشكل مؤقت، لتقوم مرتين أخريين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.

ثم جاءت المحاولة الثانية للإصلاح الديني على يد محمد عبده (1849 – 1905) في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فواجه تحدي الحضارة الغربية للأمة في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والعقائدية والفكرية.

وألف عدداً من الكتب في مجال العقيدة والحضارة، وكتب تفسيراً للقرآن الكريم سُمي “تفسير المنار” ولم يكمله (تابع كتابته تلميذه رشيد رضا لكنه أيضا توفي قبل إكماله)، وقام بمحاولات لإصلاح الأزهر والتعليم الرسمي والمحاكم والقضاء، وقدم مذكرات مفصلة إلى اللورد كرومر (الحاكم الإنجليزي العام على مصر) لتحقيق ذلك، وأنشأ جمعية تهتم باللغة العربية.

وربما قام بعض تلاميذ محمد عبده بمحاولات إصلاح جريئة تمت بتوجيه منه ورعايته ولكن من خلف ستار، ومن ذلك ما دعا إليه قاسم أمين في كتابيه اللذين أصدرهما في حياته وهما: “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”.

ويمكن أن نُدرج ما قام به علي عبد الرازق وطه حسين -اللذان يعتبران من تلامذته أيضاً- في كتابين ألّفاهما بعد وفاته، ويعتبران من أخطر الكتب التي ألفت في العصر الحديث وهزت ثوابت في وجود الأمة، وهما: “الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبد الرازق، و”في الشعر الجاهلي” لطه حسين.

فالأول اعتبر أن الخلافة من اختراع المسلمين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء داعيا ولم يأت حاكما، والثاني: اعتبر أن القرآن الكريم انعكاس للبيئة الجاهلية في عقل محمد صلى الله عليه وسلم وهو ما ينفي عنه صفة الوحي، وقال إن للقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ولنا أن نصدق أو لا نصدق، مما اضطر الحكومة المصرية آنذاك أن تحاكم الكاتبين وأن تعدم كتابيهما.

ومن الجدير بالتنويه أن محاولة محمد عبده الإصلاحية كانت متجاوبة مع بعض معطيات الحضارة الغربية، كما رأينا في بعض الأمور السابقة في ما يتعلق بالمرأة والسياسة والتعليم والقضاء، وكان محمد عبده متعاونا في هذا التوجه مع اللورد كرومر، ويمكن أن نضيف إلى التجاوب مع معطيات الحضارة الغربية موقف محمد عبده من الغيب.

فقد حاول محمد عبده أن يضيق الفجوة بين عالم الغيب وعالم الشهادة لصالح مادية الحضارة الغربية، فلجأ إلى التأويل وأوّل آيتيْ “فأرسل عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل” اللتين وردتا في سورة الفيل بأن المقصود فيهما جرثومة الجدري التي أهلكت جند أبرهة الحبشي، واستند في ذلك إلى رواية وردت تقول إن مرض الجدري انتشر في الجزيرة العربية أثناء غزو أبرهة الحبشي للكعبة من أجل تدميرها.

لقد حدث تغير نوعي في المحاولة الإصلاحية لمحمد عبده، وحصل تعديل لمسيرتها على يد تلميذه محمد رشيد رضا، حيث تأثر بمدرسة محمد عبد الوهاب ونقل عنها الاعتماد على الحديث الصحيح، والاهتمام بأمور السنة ومحاربة البدع، والتركيز على تنقية العقيدة من الشوائب، والاجتهاد في إعادة الخلافة بعد سقوطها عام 1924 في إسطنبول، ولذلك ألف كتابا تحت عنوان: “الخلافة أو الإمامة العظمى”، ويمكن أن نعتبره رداً غير مباشر على كتاب “الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبد الرازق.

ويمكن أن نعتبر إنشاء حسن البنا للإخوان المسلمين عام 1928 أحد التجليات الشعبية للمحاولة الإصلاحية في أخرى صورها على يد محمد رشيد رضا، لأن حسن البنا كان على علاقة وثيقة بمحمد رشيد وتأثر بأفكاره وبإضافاته الفكرية على مدرسة محمد عبده.

لكن هذه المحاولة الإصلاحية -التي قادها محمد عبده، وعدّل مسيرتها محمد رشيد رضا- لقيت تعثراً بعد الحرب العالمية الأولى، لأن النظام السياسي قام بعد ثورة 1919 على التنكر لدور الدين الإسلامي في بناء الأمة، فاعتبر أن الشعب في مصر أمة فرعونية، ولا علاقة للدين الإسلامي بتكوينها.

وقد دعا إلى هذا الأمر عدد كبير من مثقفي مصر ومفكريها، ومنهم: سعد زغلول، أحمد لطفي السيد، طه حسين، عباس محمود العقاد، سلامة موسى وغيرهم، وقامت أحزاب على تلك الدعوى، ومنها: حزب الوفد، حزب الأحرار الدستوريين… إلخ.

لذلك اتجه الإصلاح الديني إلى الصراع مع الأطراف الأخرى حول هوية الشعب المصري، وإلى إبراز دور الإسلام في تكوين بنائه النفسي والعقلي والاجتماعي والثقافي، ومما يؤكد ذلك أن عاداته وتقاليده وأعرافه مرتبطة بتعاليم الإسلام وسننه وآدابه وتوجيهاته وأخلاقه… إلخ، وليس هناك أي أثر للتاريخ الفرعوني في واقع الشعب المصري.

ثم تعثر الإصلاح الديني مرة ثانية بعد الحرب العالمية الثانية عندما قامت ثورة يوليو/تموز عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر وارتكزت على أمرين:

الأول: القومية العربية: التي تنكرت للدين الإسلامي عندما اعتبرت أن الأمة العربية قامت على اللغة والتاريخ، ولا دخل للدين الإسلامي في تكوينها، وهذا منافٍ ومخالفٌ للواقع مخالفة صارخة. والثاني: الاشتراكية: وقد اعتبرت هذه الاشتراكية المأخوذة من الماركسية أن الدين خرافة، ويجب استئصاله من واقع الحياة لأنه يغذي الأوهام ويوّلد الاستسلام للأغنياء والرأسماليين.

لذلك تعثرت المحاولة الإصلاحية بعد الحرب العالمية الأولى وبعد الحرب العالمية الثانية لأنها خاضت معركتين: الأولى من أجل الهوية، والثانية من أجل الوجود والبقاء في مواجهة الاستئصال والعنف الدموي اللذين أصلت لهما الاشتراكية في الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية.

ثم ظهرت تعقيدات أخرى في مسيرة الإصلاح الديني عندما قاد الخميني ثورة حكم بها إيران عام 1979، وأصر على أن تكون الثورة الإيرانية ذات بعد طائفي فأضاف مادة في دستور الجمهورية توضح التزام الدولة بالمذهب الجعفري الاثني عشري إلى الأبد.

وقد جعل ذلك الساحة تصطبغ ببعد جديد لم يكن موجودا هو البعد الطائفي، فعقّد ذلك عملية الإصلاح وجعلها تواجه مشكلة جديدة هي: “التفتيت الطائفي” الناتج من الصراع السني/الشيعي، الذي غذته قيادة “ملالي إيران” وما زالت مصرة عليه.

كما ظهرت مشاكل أخرى في مواجهة الإصلاح الديني جعلته ينشغل عن الإصلاح في مواجهة التفتيت الإثني والطائفي والعرقي، عندما طرح الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” بعد غزو العراق عام 2003، وطرحت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس عام 2006 مبدأ “الفوضى الخلاقة” كآلية لتحقيق “الشرق الأوسط الجديد” الذي دعا إليه بوش، والذي ستكون إسرائيل واسطة العقد فيه.

استهدف هذا المشروع الأميركي تفتيت العراق وسوريا ومصر والسعودية… إلخ إلى دويلات صغيرة، مما جعل الإصلاح الديني يتوجه إلى العمل الدؤوب للمحافظة على وحدة الأمة ووجودها وكيانها، في مواجهة مختلف التهديدات الهادفة إلى التفتيت والناجمة من مشروع “الشرق الأوسط الجديد”.

الخلاصة: لقد قامت محاولتان للإصلاح الديني، الأولى: في القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب، والثانية: في القرن التاسع عشر على يد محمد عبده، ثم تلاقحت المدرستان في بداية القرن العشرين على يد محمد رشيد رضا، لكن محاولات الإصلاح الديني تعثرت بسبب الصراع على الهوية الذي تمثل في الطرح القومي الفرعوني بعد الحرب العالمية الأولى، والذي اعتبر مصر أمة فرعونية لا دخل للدين الإسلامي في تكوينها.

ثم تعثر الإصلاح مرة ثانية بعد الحرب العالمية الثانية عندما طرح جمال عبد الناصر الفكر القومي العربي والفكر الاشتراكي، فتنكر الفكر القومي العربي للدين الإسلامي عندما اعتبر أن الأمة العربية تقوم على اللغة والتاريخ فقط ولا دخل للدين الإسلامي في تكوينها، كما اعتبرت الاشتراكية الأديان دون استثناء خرافة وأوهاما، لأنها نظم تستغلها البرجوازية في تخدير البروليتاريا، وهذا ما لا ينطبق على الإسلام وإن انطبق على أديان أخرى.

ثم ظهرت مشاكل أخرى في وجه الإصلاح الديني تتجلى في التفتيت الطائفي الذي أطلقه “مشروع ملالي إيران”، وفي التفتيت العرقي والسياسي الذي أطلقته “الفوضى الخلاقة” و”مشروع الشرق الأوسط الجديد”، مما أضاف صعوبات في وجه الإصلاح الديني كان عليه أن يواجهها ويضع لها حلولا، وهو ما جعل الإصلاح الديني يتعثر مرة ثالثة في القرن الواحد والعشرين.

رابط المقال في الجزيرة نت الإصلاح الديني.. المحاولات والتعثر

ظهرت المقالة الإصلاح الديني.. المحاولات والتعثر أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%ab%d8%b1/feed/ 0 2045
مقارنة بين ثورتي 1919 و2011 في مصر https://www.al-ommah.com/%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b1%d9%86%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%aa%d9%8a-1919-%d9%882011-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b1/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b1%d9%86%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%aa%d9%8a-1919-%d9%882011-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b1/#respond Wed, 04 Jan 2017 20:29:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2050 تمر علينا بعد أيام ذكرى ثورة مصر التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وانتهت بسقوط حسني مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، ومن المفيد أن نقارنها بثورة شعبية مثلها حدثت في مطلع القرن العشرين في مصر، وهي ثورة 1919 التي وقعت بعد الحرب العالمية الأولى وقادها سعد زغلول؛ فماذا نجد؟ […]

ظهرت المقالة مقارنة بين ثورتي 1919 و2011 في مصر أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تمر علينا بعد أيام ذكرى ثورة مصر التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وانتهت بسقوط حسني مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، ومن المفيد أن نقارنها بثورة شعبية مثلها حدثت في مطلع القرن العشرين في مصر، وهي ثورة 1919 التي وقعت بعد الحرب العالمية الأولى وقادها سعد زغلول؛ فماذا نجد؟

إن أول أمر نجده هو أن ثورة 1919 نجحت في إنجاز بعض أهدافها، وأهمها: قيام نظام ديمقراطي أنتج دستورا عام 1923، تحددت فيه صلاحيات مختلف الجهات الحاكمة من ملك ورئيس وزراء ووزراء، كما أقر وجود برلمان يتشكل بانتخابات يصوت فيها عموم الشعب المصري، وتتنافس على مقاعده عدة أحزاب أبرزها حزب الوفد برئاسة سعد زغلول، كما أقر حرية الصحافة وحرية الرأي وحرية التظاهر… إلخ.

هذا ما حققته ثورة 1919، في حين نجد -في المقابل- أن ثورة 25 يناير فشلت في تحقيق هدف قيام نظام ديمقراطي، فبعد أن أطاحت بحسني مبارك وجاء محمد مرسي رئيسا منتخبا في عام 2012 انقلب عليه عبد الفتاح السيسي بتاريخ 3 يوليو/تموز 2013 وأطاح به، وأعاد حكم الجيش والعسكر لمصر مرة أخرى، فلماذا نجح في ذلك؟

ليس من شك في أن هناك عدة عوامل وراء نجاح ثورة 1919 وفشل ثورة 2011، منها: السياسي والتنظيمي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي… إلخ، لكن أعتقد أن العامل الأهم في نجاح ثورة عام 1919 وفشل ثورة 2011 هو العامل الثقافي، وهو ما سأتحدث عنه في السطور القادمة.

لقد جاءت ثورة 1919 حصيلة بناء ثقافي بدأه رفاعة الطهطاوي الذي ذهب مرشدا دينيا مع أول دفعة عسكرية أرسلها محمد علي باشا إلى باريس عام 1826، وكتب بعد عودته من تلك الرحلة عدة كتب أبرزها: “تلخيص الإبريز في تلخيص باريز” و”المرشد الأمين في تربية البنات والبنين”، ثم أنشأ داراً للترجمة في القاهرة بعد عودته من هناك.

وأرست دعائم البناء الثقافي مدرسة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، واستكمل بناءه تلاميذ محمد عبده من بعده من أمثال: قاسم أمين وسعد زغلول وأحمد لطفي السيد ورشيد رضا ومصطفى عبد الرازق… إلخ، ولقد كانت المادة الثقافية التي أفرزتها مدرسة محمد عبده وتلاميذه الركيزة الأساسية التي أطلقت ثورة 1919، وشكلت الفضاء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفني والتربوي لها.

لقد مهد كثير من المفاهيم التي أرستها مدرسة محمد عبده -بغض النظر عن موقفنا من هذه المفاهيم والآراء وحُكمنا عليها- لثورة 1919، مثل: محاربة التواكل والدعوة إلى التوكل، والموقف الإيجابي من القضاء والقدر، ومحاربة أباطيل وخرافات وشعوذات التصوف، والدعوة إلى إعمال العقل، والإشادة بدور المدنية الإسلامية في مواجهة ظلامية العصور الوسطى في أوروبا المسيحية، وتحريك العمل بمقاصد الشريعة في الأصول والأحكام من خلال طباعة الموافقات للشاطبي، وإبراز علم المقاصد.

ومن ذلك رفض التهم الموجهة إلى حضارتنا الإسلامية بأنها حضارة نقل من حضارتيْ الرومان واليونان، وعلى العكس الاعتزاز بها والتأكيد على أنها نقلت وأبدعت في كل العلوم ومنها: الطب، والرياضيات، والقرآن، والفلك، والأصول، والصيدلة، والفيزياء، والكيمياء… إلخ، وجاء كتاب مصطفى عبد الرازق “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية” لإبراز ابتكار علم الأصول في كتاب “الرسالة” للشافعي، وتوضيح اختصاص أمتنا بهذا العلم، وعدم وجوده عند غيرها.

لقد بقي ذلك الفضاء الثقافي -الذي أنتجته مدرسة محمد عبده- هو الهواءَ الذي تتنفسه جماهير ثورة 2011، لذلك لم تنجح لأنها تغذت بمادة ثقافية قديمة، بل كانت بحاجة إلى مادة ثقافية جديدة تعالج مشاكل مستجدة تولدت بعد الحربين العالميتين، فهل يعني ذلك أن الأمة لم تنتج مادة ثقافية جديدة بين ثورتيْ 1919 و2011؟

بلى أنتجت وعالجت كل الواقع الجديد ومشاكله.. لكن لم يؤخذ بما أنتجته، ونحن سنستعرض المادة الثقافية عند ثلاثة كتاب وهم سيد قطب، محمد عابد الجابري، وطه عبد الرحمن، وسنبين الجديد في هذه المادة الثقافية، ثم نبين الأسباب التي كانت وراء عدم الاستفادة منها في تشخيص الواقع ومعالجته.

أولا: سيد قطب:
لقد جاءت كتابات سيد قطب في تفسيره للقرآن الكريم -الذي سماه “في ظلال القرآن”- إيجابية وفاعلة ومؤثرة في مجال توضيح دور العقيدة في البناء النفسي للمسلم، والثورة على الظلم، وتوضيح أنواع الشرك التي تعطل فاعلية المسلم، وتوليد ثقة المسلم بأمته ودينه، وإغناء قلب المسلم بتعظيم الله.

وقد نقل تلك المعاني إلى كتب ألفها تحت عناوين محددة منها: “خصائص التصور الإسلامي ومقوماته”، لكن جماهير الأمة لم تستفد من كتابات سيد قطب لسببين:

الأول: اتهامه بأن كتاباته توحي بتكفير المجتمع، وقد رد أخوه على تلك التهمة بأنه لم يقصد بحال من الأحوال تكفير عموم المسلمين، وأن هذا جاء نتيجة فهم خاطئ لبعض نصوصه وعباراته الأدبية التي حُمِّلَت غير ما قصد منها.

وقد أكد ذلك بأن علينا أن ننظر إلى كتاباته بشكل متكامل، فعند ذلك سنجد أن هناك نصوصا كثيرة وقطعية الدلالة تنفي ذلك، فعلينا من أجل الحكم الدقيق عليه أن نحمل الملتبس من ألفاظه على المحكم والواضح والقطعي واليقيني من الألفاظ والمعاني، وإذا فعلنا ذلك فإن الالتباس سينتهي، وسنتأكد من أن سيد قطب لم يقصد التكفير.

الثاني: وقوف بعض القيادات الإسلامية موقفاً معادياً لكتابات سيد قطب، ومنع الجماهير المرتبطة بها من قراءة أعمال سيد قطب وذلك خشية تأثرهم بها، وتوليد الثورة في نفوسهم، وتوجسهم من عدم القدرة على ضبطهم بعد ذلك.

ثانيا: الدكتور محمد عابد الجابري:
لقد أبدع الدكتور محمد عابد الجابري في بعض كتاباته عند تحليله للتراث وتقويمه له، فيما يتعلق بنشأة أنظمة الثقافة المعرفية التي سادت تراثنا وهي: البيان، العرفان، البرهان، وكيفية تداخل هذه الأنظمة المعرفية، وضرورة تفكيكها، والاستفادة من هذا التفكيك في بناء عقل إيجابي واعٍ فعال بعيد عن سلبيات الماضي بكل أنواعها.

ثالثا: الدكتور طه عبد الرحمن:
لقد أبدع الدكتور طه عبد الرحمن في نقد الحضارة الغربية، ووضح الحفرة التي وقعت فيها عندما فصلت الدين عن الدولة، وعندما استهدفت إنشاء أخلاق جديدة غير مرتبطة بالدين وفشلها في ذلك، وجنايتها على البشرية، وقد وضح ذلك بنقده لكبار فلاسفة الحضارة الغربية من أمثال: كانتْ، وهيغل، وديكارت، ونيتشه… إلخ.

وقد دعا من خلال هذا النقد إلى التمسك بالأخلاق الفردية والجماعية التي جاء بها الدين، والتي تعطي أفضل حيوية ودافعية للفرد في حراكه الثوري، ولا يمكن أن تتولد من غير الدين.

والسؤال الآن: لماذا لم تستفد ثورة 2011 من تلك المواد الثقافية التي طرحها أولئك الكتاب وغيرهم ممن لم آت على ذكرهم لضيق المقام؟

السبب في ذلك هو أن محدودية وعي القيادات وتدني ثقافتها وقصور معلوماتها حالت بينها وبين الاستفادة من تلك المواد الثقافية، والارتقاء بوعي جماهيرها، في حين أن ثورة 1919 كانت قياداتها أكثر وعيا، ويمكن أن نمثل على ذلك بسعد زغلول الذي قاد ثورة 1919 فقد كان تلميذا لمحمد عبده.

الخلاصة: لقد نجحت ثورة 1919 في إقامة نظام ديمقراطي مطلعَ القرن العشرين، في حين أن ثورة 2011 فشلت في ذلك مطلعَ القرن الواحد العشرين، وعند الفحص والتدقيق في سبب النجاح في الأولى والفشل في الثانية وجدناه في المادة الثقافية التي مهدت لثورة 1919 وكانت أساس نجاحها، وهي أقوال وأفكار مدرسة محمد عبدة وتلاميذه من بعده، أما ثورة 2011 فقد استمرت جماهيرها تعيش وتتنفس أفكار وأقوال مدرسة محمد عبده، ولذلك لم تنجح هذه الثورة.

ثم بينا أن السبب ليس الفقر والجدب في المادة الثقافية التي نتجت بعد الحرب العالمية الثانية، بل على العكس هناك أعلام قدموا مواد ثقافية جديدة وعميقة في مجال العقيدة وإعادة الفاعلية النفسية للفرد كسيد قطب، وفي مجال فهم التراث وتفكيكه كمحمد عابد الجابري، وفي مجال فهم الحضارة الغربية وتشريح أزمتها وكيفية الاستفادة منها مثل طه عبد الرحمن.

وبيبنا أن الذي حال دون الاستفادة من هؤلاء الأعلام وغيرهم هو: محدودية وعي قيادات ثورة 2011 بالمقارنة مع قيادات ثورة 1919.

رابط المقال في الجزيرة نت مقارنة بين ثورتي 1919 و2011 في مصر

ظهرت المقالة مقارنة بين ثورتي 1919 و2011 في مصر أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b1%d9%86%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%aa%d9%8a-1919-%d9%882011-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b1/feed/ 0 2050
الاستبداد المعاصر.. مصادره وهزيمته https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d9%85%d8%b5%d8%a7%d8%af%d8%b1%d9%87-%d9%88%d9%87%d8%b2%d9%8a%d9%85%d8%aa%d9%87/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d9%85%d8%b5%d8%a7%d8%af%d8%b1%d9%87-%d9%88%d9%87%d8%b2%d9%8a%d9%85%d8%aa%d9%87/#respond Thu, 24 Nov 2016 20:33:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2052 لقد مثل الربيع العربي ثورة على الاستبداد المعاصر الذي كان موجودا في عدد من أنظمة البلاد العربية مثل نظام حسني مبارك في مصر، ونظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام القذافي في ليبيا، ونظام الأسد في سوريا، ونظام على عبد الله صالح في اليمن..إلخ. لقد أذل الاستبداد المعاصر الشعوب […]

ظهرت المقالة الاستبداد المعاصر.. مصادره وهزيمته أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
لقد مثل الربيع العربي ثورة على الاستبداد المعاصر الذي كان موجودا في عدد من أنظمة البلاد العربية مثل نظام حسني مبارك في مصر، ونظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام القذافي في ليبيا، ونظام الأسد في سوريا، ونظام على عبد الله صالح في اليمن..إلخ.

لقد أذل الاستبداد المعاصر الشعوب في العالم العربي وأفقرها، وجعلها تلهث وراء لقمة العيش، وملأ حياتها خوفا ورعبا من أجهزة المخابرات التي زرعها في كل جنبات الوطن، وربط بها كل تحركات المواطن من بيع وشراء واستثمار وسفر وتوظيف وتعلم..إلخ، وحول حياته إلى كوابيس مستمرة لا يصحو من كابوس حتى ينام على كابوس آخر.

وإذا تفحصنا هذا الاستبداد الذي ثارت عليه الشعوب العربية وحللنا العوامل التي قام عليها، لوجدنا أنه قام على أسوأ ما جاءنا من العصر الحديث من مفاهيم وأفكار ومبادئ، وكذلك استورد أسوأ ما هو موجود أو قائم في العصور القديمة، ومع الرصيد الضخم الذي يمتلكه الاستبداد المعاصر من أسوأ مفاهيم العصر الحديث والعصور القديمة، فإنه انهزم أمام إرادة الشعوب، وظهرت سوءاته في الربيع العربي، فما هي مصادره من مفاهيم العصر الحديث؟ وما هي مصادره من العصور القديمة؟ وكيف انهزم أمام ثورة الشعوب؟

ولا: مصادر الاستبداد من مفاهيم العصر الحديث
لقد جملت أنظمة الاستبداد نفسها، فارتبطت بأحدث المبادئ والمفاهيم والأفكار التي قامت عليها أوروبا في العصر الحديث من مثل العلمانية والاشتراكية والليبرالية والديمقراطية والحرية..إلخ، لكنها اختارت أسوأ ما في هذه المبادئ والمفاهيم والأفكار فطبقتها، ولم تأخذ الجوانب المشرقة والإيجابية منها.

ففي مجال العلمانية، هناك علمانيتان فرنسية يعقوبية وأخرى أنجلوساكسونية، الأولى: تتدخل في عقائد الأفراد وسلوكهم، وتفرض عليهم مبادئ معينة وسلوكا معينا، والثانية: لا تفعل ذلك.
واختارت الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي -بكل أسف- العلمانية الفرنسية اليعقوبية وأبرزها: نظام البعث في سوريا والعراق، والقذافي في ليبيا، وبو رقيبة في تونس، وكمال أتاتورك في تركيا..إلخ.

فمن الواضح أن كمال أتاتورك قد طبق العلمانية الفرنسية أسوأ تطبيق، فقد فرض السفور على المرأة، وفرض “البرنيطة” (القبعة) على الرجل، وفرض ربطة العنق لكل من يدخل البرلمان، وكذلك ألغى بورقيبة التعليم الديني، وفرض البعث السوري السفور في المدارس.

وقد ربط الاستبداد المعاصر ذاته بالحداثة، فأخذ أسوأ ما فيها، وهو أدواتها القمعية وأجهزتها الرقابية، ولم يأخذ منها قيمها الإنسانية كالمساواة وحقوق الإنسان، ولم يأخذ منها أيضا إغناء الجانب المدني في المجتمع، من أجل الابتعاد عن تغول الحكومة وسلطتها، لذلك كانت دول الاستبداد المعاصر من أسوأ الدول قمعا وإرهابا وتخويفا لشعوبها، وأشدها بطشا وترويعا.

وقد ربط الاستبداد المعاصر نفسه بالديمقراطية فأخذ عنوانها ليحسن صورته، وربط ذاته ببعض آلياتها كالانتخابات مع القيام بتزويرها في أغلب الأحيان، وابتعد عن الآليات التي تحقق الأمان للمجتمع والابتعاد عن الاحتقان كآلية تداول السلطة، والقضاء النزيه، لذلك انتهت هذه الدول المستبدة بتوريث المستبد الحكم لابنه كما في سوريا واليمن ومصر، وإن لم يكن للحاكم ابن فالتوريث لزوج ابنته كما في تونس، وإن لم يكن له ولد ولا بنت فلأخيه كما في الجزائر والسودان.

وقد ربط الاستبداد المعاصر ذاته بالاشتراكية، لكنه أخذ منها أسوأ ما فيها، وهو قولها بضرورة الحزب الواحد، وبحتمية الصراع الطبقي وقيام ديكتاتورية البروليتاريا واستئصال البرجوازيين الرجعيين، لذلك قامت الأنظمة الاستبدادية في سوريا والعراق وتونس ومصر على الحزب الواحد، والتصريح بالحزب القائد، ولم تأخذ قيم العدل الاقتصادي الذي قامت الاشتراكية من أجله، لذلك أصبح الشعب أكثر فقرا في الدول التي طبقت الاشتراكية، مع أنه يفترض أن يصبح أكثر غنى وأكثر رفاها.

وقد أخذ الاستبداد المعاصر من القومية أسوأ ما فيها، وهو شوفينيتها وتعصبها العرقي المقيت، ولم يأخذ جانبها الإنساني، لذلك مارس الحكم القومي العربي البعثي الاضطهاد للأكراد في العراق وسوريا، حتى وصل الأمر إلى حد تجهيز حملة عسكرية في العراق باسم “الأنفال” في عهد البعث بعد عام 1968 من أجل محاربة الأكراد في جبال كردستان، واستعمال الكيميائي كما حصل في “حلبجة” عام 1988 من أجل القضاء عليهم.

ثانيا: مصادر الاستبداد من العصور القديمة
حفلت العصور القديمة بمفاهيم تغذي الحكومات المستبدة، وأبرز ما وصلنا من المفاهيم من الفرس وحكومات أوروبا الاقطاعية، ومن السلطة الكنسية، وتجسدت في عهد أردشير الذي كتبه أردشير ملك الفرس لولده، وتجسدت في رسالة “الصحابة” التي كتبها ابن المقفع الذي عمل لدى الأمويين والعباسيين ونقل مضمونها من التراث الفارسي والهندي، كما تجسدت في مقولات القديس بولس عن علاقة الرعية بالحاكم.

وقد نقل الاستبداد المعاصر من استبداد العصور القديمة أسوأ أقوالها وهو أن السلطة مقدسة، وأنها مطلقة، ويجب ألا تكون هذه السلطة محل اعتراض، وأنها أبوية بمعنى أن البشر يظلون قاصرين وينبغي الحجر عليهم، لأنهم لا يستطيعون تدبير شئونهم بأنفسهم، وعبرت عنها مقولات من مثل القول: “طلبنا من الله المدد فجاءنا بحافظ الأسد” التي قالها تجار الشام بعد “الحركة التصحيحية” التي قام بها حافظ الأسد عام 1970، ومن مثل مقولة: “قائدنا إلى الأبد، الفريق حافظ الأسد.”

ويمكن أن نذكر مثالا آخر على حضور هذه المعاني من استبداد العصور القديمة، في شخصية بو رقيبة الذي نصب ذاته مجاهدا أكبر لا ينبغي المس أو التطاول على زعامته الأبوية والانفرادية، وكذلك قدم ذاته على أنه المصلح الأكبر والمجتهد الأكبر الذي يتدخل في الفتوى الدينية في أخص القناعات الفردية لمواطنيه.

ثالثا: هزيمة الاستبداد
لقد اتبعت الحكومات الاستبدادية المعاصرة أسلوبا ممنهجا من أجل إذلال الشعوب، وتطويعها وتركيعها، واستخدمت أرقى الآلات في المراقبة والرصد، لكن مع ذلك خرجت الشعوب بصدورها العارية من أجل التخلص من نير الاستعباد والاستبداد الذي خضعت له، وقدمت الدماء فداء لهذا التخلص، وقد كان الانطلاق الرئيسي لثورات الربيع العربي من المساجد، مع أن حكومات الاستبداد المعاصرة وضعت برامج وخططا من أجل “تجفيف منابع الدين” لكنها مع ذلك لم تفلح في تحقيق أهدافها، فلماذا؟

لم تفلح لأن القرآن الكريم الذي هو كتاب المسلمين الأول، استمر يتلى في العالم العربي والإسلامي، وهو الذي ولّد الإنسان العصي على الخضوع للاستبداد، ويمكن أن نضرب على ذلك بقصة موسى عليه السلام، ومواجهته لفرعون، فقد ورد الحديث عن موسى عليه السلام 136 مرة في القرآن الكريم، وقد وردت قصة المواجهة بينه وبين فرعون في عشرات الآيات والسور، وقد كان الأمر الذي أمر الله به موسى هو الذهاب إلى فرعون الذي وصفه بالطغيان، وكان ذلك في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، قال تعالى: “اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى” (النازعات، 17)، وقد كان الأمر الأساسي الذي طلبه موسى عليه السلام من فرعون هو إطلاق بني إسرائيل وتحريرهم من عبوديته فقال تعالى: “فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ” (الشعراء، 16-17).

وحدثت مواجهات بين موسى عليه السلام وفرعون، وحشد كل منهما لهذه المواجهة، وثم بينت السور والآيات انتصار موسى عليه السلام ونجاته ومن معه من بني إسرائيل، وغرق فرعون ومن معه من الجنود.

ليس من شك أن هذه القصة التي تلاها المسلمون على مر العصور، وتلاها المسلمون -الآن- في عصور الاستبداد المعاصر بنت فيهم “بغض الطغاة”، وبنت فيهم ضرورة مواجهة هؤلاء المستبدين، وبينت لهم الزاد الذي يجب أن يتزودوا به من أجل مواجهة المستبدين، وهو طرد الخوف واستحضار معية الله سبحانه وتعالى، فقد قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلا لَيِّنا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى، قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه، 43-46).

لقد كان المسجد هو المعول الذي زلزل عروش المستبدين المعاصرين، لأنه احتوى القرآن الكريم، واحتوى العابدين الذين تلوا السورة التي علمتهم أن يكونوا كموسى عليه السلام في مواجهة فرعون وأن يثوروا على المستبدين ويطلبوا تحرير شعوبهم.

الخلاصة: لقد قام الربيع العربي من أجل اقتلاع المستبدين والاستبداد الذي جمع في محتواه أسوأ ما ورد في العصر الحديث من مفاهيم ومبادئ وآليات، كما نقل من العصور القديمة أسوأ مفاهيم الاستبداد التي قامت عليها، وقد جاءت هزيمته من المسجد الذي احتوى القرآن الكريم، واحتوى العابدين الذين اقتدوا بموسى عليه السلام في مواجهة المستبدين.

رابط المقال في الجزيرة نت الاستبداد المعاصر.. مصادره وهزيمته

ظهرت المقالة الاستبداد المعاصر.. مصادره وهزيمته أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d9%85%d8%b5%d8%a7%d8%af%d8%b1%d9%87-%d9%88%d9%87%d8%b2%d9%8a%d9%85%d8%aa%d9%87/feed/ 0 2052
الوحدة الثقافية.. ملاذنا الأخير https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%b0%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%b0%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1/#respond Wed, 21 Sep 2016 20:38:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2054 انطلق المشروع الغربي الصهيوني بعد الحرب العالمية الأولى لتجزئة وتفتيت أمتنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من أجل استغلالها ونهب خيراتها، وتحقيق زرع إسرائيل في فلسطين، ومحو شخصيتها الحضارية التاريخية من أجل تحقيق التغريب. وقد نجح المشروع الغربي الصهيوني في تحقيق التجزئة السياسية، فقسم بلاد الشام إلى أربع دول هي: سوريا، […]

ظهرت المقالة الوحدة الثقافية.. ملاذنا الأخير أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
انطلق المشروع الغربي الصهيوني بعد الحرب العالمية الأولى لتجزئة وتفتيت أمتنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من أجل استغلالها ونهب خيراتها، وتحقيق زرع إسرائيل في فلسطين، ومحو شخصيتها الحضارية التاريخية من أجل تحقيق التغريب.

وقد نجح المشروع الغربي الصهيوني في تحقيق التجزئة السياسية، فقسم بلاد الشام إلى أربع دول هي: سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن.

كما نجح في تدمير الخلافة العثمانية من خلال إثارة المكونين لهذه الخلافة، وهما: العرق العربي والتركي على بعضهما البعض، مما أدى إلى تقاتل العرب مع الأتراك في الحرب العالمية الأولى، وانقسام الخلافة العثمانية إلى قسمين: عربي بقيادة الشريف حسين، وتركي بقيادة كمال أتاتورك.

وقد توجه المشروع الغربي الصهيوني إلى تحريك الطوائف و الأعراق والإثنيات في العالم العربي، ودغدغة أحلامها بكيانات مستقلة من أجل تفتيت الأمة، وحقق ذلك من خلال دول للمسيحيين والعلويين والدروز بعد الحرب العالمية الأولى في كل من لبنان وسوريا.

وقد وعد اليهود بإقامة دولة لليهود في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، ونجح في إعلانها عام 1948، وهو الآن يدغدغ أحلام الأكراد في دولة تمتد من إيران شرقا إلى البحر المتوسط غربا مرورا بالعراق وسوريا وتركيا.

نستطيع أن نقرر أن المشروع الغربي الصهيوني حقق نجاحات إلى حد ما في تفتيت العاملين السياسي والاجتماعي من كيان أمتنا، ونجح إلى حد كبير في تحقيق النهب الاقتصادي وبخاصة فيما يتعلق بأسعار البترول، حيث موّل أوروبا وأحيا اقتصادها بعد الحرب العالمية الثانية من خلال فرض أسعار رخيصة لسعر برميل البترول لمدة أربعين سنة.

نجح المشروع الغربي الصهيوني في تحقيق التفتيت في مجالات الوحدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن الوحدة الثقافية بقيت عصية على التفتيت، وهي التي مثّلت الحلقة الأخيرة من مجالات التعبير عن حضور الأمة ووجودها، وقد ظهر ذلك في القضية الفلسطينية والجهاد الأفغاني.

لقد تعرضت الوحدة الثقافية لعدة محاولات للتفتيت كان أولها عن طريق الفكر القومي: الفرعوني والعربي، أما الفكر القومي الفرعوني فاعتبر أن الشعب في مصر ليس جزءا من الأمة العربية الإسلامية، بل اعتبره أمة مستقلة، ترتبط بتاريخ الفراعنة القديم، ودعا إلى هذه الأفكار عدد كبير من كتاب مصر وكبار مثقفيها من أمثال: أحمد لطفي السيد، وطه حسين، وسلامة موسى، وعباس محمود العقاد..إلخ. وبناء على تلك التوجهات دعا طه حسين إلى نقل الحضارة الغربية نقلا حرفيا لأن مصر تنتمي إلى الغرب وإلى البحر المتوسط وإلى أوروبا وليس إلى الشرق، ودعا إلى أخذ الحضارة الغربية: حلوها ومرها، وحسنها وسيئها دون تمييز ودون فصل.

وكذلك دعا ساطع الحصري رائد الفكر القومي العربي إلى اعتبار أهل العراق والشام جزءا من الأمة العربية التي لا يشكل الدين الإسلامي عاملا من عوامل بنائها ووجودها، لكن هاتين الدعوتين القوميتين: الفرعونية والعربية بقيتا دعوتين مختصتين بالنخب الثقافية في البلاد العربية، ولم يتعد ذلك إلى جماهير الأمة، لذلك بقيتا محدودتي الأثر، ويمكن أن نعتبر أنهما فشلتا في تفتيت الوحدة الثقافية.

ثم جاءت المحاولة الثانية لتفتيت الوحدة الثقافية عن طريق الفكر الماركسي الذي طبقه جمال عبد الناصر في مصر ثم تبعته عدد من الدول العربية منها سوريا والعراق والجزائر وليبيا والسودان واليمن.. إلخ. وقد اعتبر هذا الفكر الماركسي أن الدين هو أصل التأخر والانحطاط، وهو أصل التخلف في المجتمع، لذلك يجب استئصاله وإبعاده من أجل حياة حرة كريمة يسود فيها العقل والعلم والحضارة، ويجب أن نبعد الخرافات والأوهام والشعوذات التي يروج لها رجال الدين عن الآخرة والجنة والنار من أجل قيادة الجماهير لصالح طبقة الأغنياء والرأسماليين.

لكن هذه المحاولة فشلت في تحقيق أهدافها، وعلى العكس من ذلك جاءت الصحوة الإسلامية التي عاد فيها الناس إلى الدين، وانتشرت مظاهر إسلامية كانت مختفية، منها: الحجاب، والكتاب الإسلامي، والبنوك الإسلامية، والعمل الخيري الإسلامي إلخ.

ثم جاءت المحاولة الثالثة لتفتيت الوحدة الثقافية عن طريق “مشروع ملالي إيران” الذي انطلق بعد وصول الخميني إلى طهران 1979، وتقوم هذه المحاولة على افتعال التصادم بين “المذهب السني” و”المذهب الشيعي” اللذين يمثلان أكبر منظومتين ثقافيتين في الكيان الثقافي الإسلامي، ويعني تصادمهما أكبر نجاح في تفتيت الوحدة الثقافية، وزادت مخاطر التصادم والتفتيت في “مشروع ملالي إيران” بعد أن وقّعت إيران الاتفاق النووي مع دول مجلس الأمن الخمس وألمانيا في 14/7/2015، حيث أطلق التوقيع يد إيران في المنطقة، واعترف بها لاعبا أساسيا، وبدأت تحصد نتائج ذلك في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ليس من شك بأن الأخطر في “مشروع ملالي إيران” هو استهدافها تحويل هذه الأمة من “أمة إسلامية” إلى “أمة شيعية”، ولكي تنجح إيران في تحقيق هذا الهدف لابد من تفتيت الوحدة الثقافية تفتيتا كاملا، وصياغتها صياغة جديدة لتكون مناسبة لتكوين هذه” الأمة الشيعية”.

وسخّر “مشروع ملالي إيران” كل إمكانات إيران المالية والاقتصادية والعسكرية والسياسية من أجل تحقيق ذلك الهدف، كما استغل الطوائف الشيعية في كل العالم الإسلامي، و حاول أن يربطها به من أجل الانتصار في معركته وتحقيق أهدافه.

ليس من شك بأن “ملالي إيران” يعيشون أوهاما مريضة عندما يستهدفون تحويل هذه “الأمة الإسلامية” إلى “أمة شيعية” وسيفشلون قطعا في ذلك، لأني أعتقد أن الأمة تملك وعيا كافيا بأن معركتها مع الغرب الذي يريد أن يفتتها لصالح إسرائيل ومن أجل نهب خيراتها، وليست معركتها بين “مذهبي سني” و”مذهب شيعي”، وأن هذه المعركة التي يفتعلها “ملالي إيران” إنما هي تضليل عن معركتها الحقيقية مع الغرب.

أما المحاولة الرابعة لتفتيت الوحدة الثقافية فقد جاءت عن طريق “داعش” (تنظيم الدولة الإسلامية)، والخطورة في وجود “داعش” هي دعواها أنها الممثل الرئيس لأهل السنة، والمدافع عن مظلوميتهم في العراق وغيرها في وجه “مشروع ملالي إيران”، وتدعي أنها الصورة الأنقى للوحدة الثقافية المرتبطة بالنص الصحيح من قرآن كريم وسنة شريفة، ولكن ممارستها العملية على الأرض من أسوأ الممارسات وأغلظها وأقساها، وهو ما يركز عليه الإعلام الغربي ويبرزه.

من الواضح أن الغرب يطيل في عمر “داعش” ويغذي مختلف الأطراف للتصادم معها من أجل توليد تيار يأتي معلنا نبذ الوحدة الثقافية القائمة على الدين، وتوليد ثقافة معادية للدين، أو على الأقل تدعو إلى تحييد الدين وإبعاده عن مجالات السياسة، كما حدث في الغرب عندما وقعت حرب الثلاثين عاما في أوروبا بين البروتستانت والكاثوليك، ثم نتج عن ذلك صلح وستفاليا بتاريخ 1648م، وكان ذلك الصلح هو بداية التيار العلماني الذي يقوم على فصل الدين عن الدولة، وهو ما يطمح الغرب إلى توليده في منطقتنا من خلال دعم “داعش” وخلق التصادم المستمر معها.

الخلاصة: لقد استهدف المشروع الغربي الصهيوني وحدة الأمة بالتفتيت، واستطاع أن يحقق نجاحات في مجالات الوحدة السياسية والاجتماعية، ولكنه فشل إلى حد ما في تفتيت الوحدة الثقافية، في محاولتين عن طريق الفكر القومي والماركسي، ولكنه لم ييأس، وبدأ بمحاولتين جديدتين.

ولما كانت الوحدة الثقافية أهم ما نملك الآن، وهي ملاذنا الأخير، وهي ما يمكن أن نبني عليه من أجل إعادة حضور الأمة الفاعل، فإن الوقوف في وجه محاولات التفتيت الأخيرتين المتمثلتين في “مشروع ملالي إيران” و “داعش”، وتبيان خطورتهما، والعمل على تحصين الأمة من أخطارهما هو واجب الوقت على علماء الأمة النابهين، وواجب الوقت على الجماعات والأحزاب والهيئات التي تجتهد في إنهاض الأمة وتحقيق دور حضاري لها.

المقال كما ظهر في الجزيرة نت الوحدة الثقافية.. ملاذنا الأخير

ظهرت المقالة الوحدة الثقافية.. ملاذنا الأخير أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%b0%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1/feed/ 0 2054
ماذا بقي من ثورة 23 يوليو لدى حكام مصر؟ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a8%d9%82%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-23-%d9%8a%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%88/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a8%d9%82%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-23-%d9%8a%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%88/#respond Tue, 26 Jul 2016 20:41:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2056 قاد جمال عبد الناصر ثورة في مصر يوم 23 يوليو/تموز عام 1952، وتعتبر هذه الثورة مفصلية في تاريخ المنطقة العربية وأفريقيا والعالم الثالث، فماذا بقي منها لدى الرؤساء الذين جاءوا بعد عبد الناصر في الحكم؛ أنور السادات، وحسني مبارك، ومحمد مرسي، وعبد الفتاح السيسي؟ وحتى نستطيع أن نجيب على السؤال […]

ظهرت المقالة ماذا بقي من ثورة 23 يوليو لدى حكام مصر؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
قاد جمال عبد الناصر ثورة في مصر يوم 23 يوليو/تموز عام 1952، وتعتبر هذه الثورة مفصلية في تاريخ المنطقة العربية وأفريقيا والعالم الثالث، فماذا بقي منها لدى الرؤساء الذين جاءوا بعد عبد الناصر في الحكم؛ أنور السادات، وحسني مبارك، ومحمد مرسي، وعبد الفتاح السيسي؟ وحتى نستطيع أن نجيب على السؤال السابق، لابد لنا من التساؤل عن المبادئ التي قامت عليها ثورة 23 يوليو/تموز، والإنجازات التي حققتها.

أما عن المبادئ التي قامت عليها ثورة 23 يوليو/تموز، فقد قامت على نوعين من المبادئ، وهما: مبادئ الفكر القومي العربي من جهة، ومبادئ الفكر الاشتراكي الماركسي من جهة ثانية، فكيف تعامل عبد الناصر مع هذين النوعين من الأفكار؟ وماذا كان أثرهما في بناء مصر؟

لقد تبنى جمال عبد الناصر الفكر القومي العربي، وكان قد اطلع على كتابات ساطع الحصري في هذا المجال، ثم التقى به، وأهداه ساطع الحصري بعض كتبه، ومن المعلوم أن مصر كانت تقوم على الفكر القومي المصري الفرعوني بعد ثورة 1919 التي قادها سعد زغلول في مصر، والتي أعلنت أن مصر أمة فرعونية مستقلة، وليست جزءا من الأمة العربية أو الإسلامية، وقد غذى أقطاب السياسة والثقافة هذا المفهوم الفرعوني في أذهان الشعب المصري بعد الحرب العالمية الأولى، فأكد ذلك كل من أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل، وطه حسين عميد الأدب العربي، وعباس محمود العقاد جبار الفكر، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم.. إلخ.

وقد ازدهر العلم بالتاريخ الفرعوني والسلالات الفرعونية والحضارة الفرعونية بعد فك طلاسم اللغة الهيروغليفية عند اكتشاف حجر رشيد، وعند فك طلاسم الكتابات التي كانت تملأ جدران المعابد والآثار المصرية في كل أنحاء القطر المصري، وقد أدى ذلك كله إلى اكتشاف جثث الفراعنة المحنطة في الأهرامات والقبور وغيرها.

لقد أدت كل تلك الجهود الثقافية والعلمية والفكرية والتاريخية إلى تكوين تيار قوي في مصر يعتبر نفسه امتدادا للحضارة الفرعونية، لذلك عندما جاء عبد الناصر واعتمد الفكر القومي العربي في بناء الدولة المصرية، واعتبر الشعب المصري جزءا من الأمة العربية، كانت نقلة نوعية صادمة لجزء من الشعب المصري ونخبته التي بنت ثقافتها وأفكارها على أنها ليست جزءا من الأمة العربية، ولكن نقلة عبد الناصر واعتباره مصر جزءا من الأمة العربية كانت خطوة في الاتجاه الصحيح من جهة، ولاقت استحسانا لدى جزء كبير من الشعب المصري الممتلئ بالثقافة العربية والإسلامية، والذي كان يعتبر نفسه غير منسجم مع مقولة الانتماء للحضارة الفرعونية.

أما مبادئ الفكر الاشتراكي فقد تبناها عبد الناصر في الستينات بعد أن أقام علاقة مع الاتحاد السوفيتي، وقد أمم كثيرا من البنوك والمصانع والشركات، وكان قد أقام نظام الإصلاح الزراعي قبل ذلك في الخمسينات، ووزع كثيرا من أراضي الإقطاعيين على صغار الفلاحين، وكان قصده من تلك الإجراءات تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الشعب المصري، وكان قصده أيضا إيجاد قطاع صناعي واسع، ينتج صناعات مختلفة تغطي حاجات الشعب المصري ومنها الحاجات العسكرية.

وقد ضرب عبد الناصر على بعض الأوتار الحساسة عند جماهير أمتنا، فطرح شعارات تحرير فلسطين، وإقامة الوحدة بين الأقطار العربية، وطرد الاستعمار من المنطقة وبالأخص الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي، وبالفعل نجح في تحقيق بعض ما نادى به، فأقام الوحدة مع سوريا عام 1958، وساعد حركات التحرر في الجزائر وتونس والمغرب وعدن وبعض دول أفريقيا وآسيا.. وكان له دور كبير في نيل الجزائر استقلالها عام 1962 برئاسة أحمد بن بلة.

ولكن الفشل الرئيسي كان بالنسبة لجمال عبد الناصر في مجال القضية الفلسطينية، فكانت نكسة عام 1967 هي الواقعة التي قسمت ظهر النظام المصري، فقد انتصرت إسرائيل في حرب يونيو/حزيران عام 1967، ودمرت الطيران المصري في جميع أنحاء مصر صبيحة الخامس من يونيو/حزيران عام 1967، واحتلت في النهاية كل سيناء من مصر، كما احتلت الضفة الغربية من الأردن، واحتلت الجولان من سوريا.

والآن؛ ماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز بعد مجيء السادات إلى الحكم عام 1970 من ناحية المبادئ والإنجازات؟

لقد تنكر السادات للمبدأين اللذين أقام عليهما جمال عبد الناصر ثورة 23 يوليو/تموز، وهما الفكر القومي العربي، والاشتراكية، فأعاد مصر إلى عزلتها الإقليمية، وأحيا النزعة الفرعونية عند المصريين، كما نقل مصر من النظام الاشتراكي إلى النظام الاستهلاكي الرأسمالي الأميركي، كما نقل مصر من القتال مع إسرائيل إلى عقد السلام معها واعتبار حرب 1973 آخر الحروب معها، كما نقل مصر من معسكر التحرير والعالم الثالث إلى عالم الولاء للمعسكر الأميركي.

باختصار لقد محا السادات كل منظومة المبادئ والإنجازات التي أقام عبد الناصر مصر عليها، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة: لماذا نجح السادات في محو كل المبادئ والقيم والإنجازات التي أقام عبد الناصر مصر عليها بهذه السهولة؟

السبب في ذلك إلى أن المبادئ التي جاء بها عبد الناصر في مجال الفكر القومي العربي أو المجال الاشتراكي لم تكن متصالحة مع الدين بل متحاربة معه، فهو قد اعتمد القومية العربية التي طرحها الحصري، والتي كانت ذات محتوى علماني، وكانت تعتبر أن الأمة العربية تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، وتعتبر أن الدين ليس داخلا في بناء الأمة، وكذلك تبنى عبد الناصر الطرح الاشتراكي الماركسي الذي يعتبر الدين معاديا للتقدم، وأن رجال الدين رجعيون، ويدعون الشعب والفقراء إلى الاستكانة للرأسماليين والأغنياء.

وقد جاء هذا الموقف المعادي للدين من قبل جمال عبد الناصر بسبب نقله مفاهيم القومية والاشتراكية نقلا حرفيا من المفاهيم الغربية التي لا تتوافق مع معطيات حضارتنا، وذلك ما يعلل سرعة قضاء السادات على نقل مصر من وضع إلى آخر مناقض له، ويوضح كيفية قضاء السادات على الإنجازات التي بناها جمال عبد الناصر لمصر.

فماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز لدى حسني مبارك؟
لقد عمق حسني مبارك التحولات التي أقرها السادات من ناحية القطرية المصرية، ومن ناحية الانعزال المصري عن المحيط العربي، وحول السلام الذي أقامه السادات مع إسرائيل عام 1977 إلى استسلام كامل لإسرائيل، كما جعل مصر تابعة لأميركا، دائرة في فلك السياسة الأميركية، منفذة لمخططاتها في المنطقة.

أما في مجال الاقتصاد، فقد عمق حسني مبارك النهج الرأسمالي الذي بدأه السادات في مصر من خلال إنهاء دور القطاع العام وبيعه للقطاع الخاص، ومن خلال إعطاء دور كبير للجيش وجنرالاته في إدارة المؤسسات التجارية، وإدارة الاقتصاد المصري.

فماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز لدى الرئيس محمد مرسي؟
لقد حاول محمد مرسي إحداث تغيير جذري في وضع مصر السياسي والاقتصادي في الفترة التي مارس فيها الحكم، وهي لا تعدو السنة، ومع أنه جاء من بيئة معادية لثورة 23 يوليو/تموز، وهي بيئة الإخوان المسلمين، إلا أنه انسجم معها في إعادة مصر إلى محيطها العربي والإسلامي من جهة، وفي الوقوف في وجه إسرائيل كما حدث معه عندما وقف إلى جانب غزة في حربها مع إسرائيل عام 2012 من جهة ثانية.

فماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز لدى عبد الفتاح السيسي؟
لقد حاول السيسي أن يزيد شعبيته بأن يربط ويؤسس لبعض الشبه بين “ثورته” وثورة عبد الناصر، فكلاهما أقام ثورته في شهر يوليو/تموز وهو شهر الثورات، وكلاهما عسكري جاء من المؤسسة العسكرية التي تحمي مصر، وكلاهما حاول أن يبني اقتصادا مرتبطا بالقناة، فعبد الناصر أمم القناة من أجل زيادة الدخل المصري، وبنى السد العالي على النيل من أجل زيادة حصة مصر من مياه النيل ومن أجل توفير الكهرباء، وكذلك فعل عبد الفتاح السيسي فكان مشروعه الأول توسعة قناة السويس من أجل زيادة حركة السفن في القناة وإنعاش الدخل القومي لمصر.

لكن ممارسات السيسي على أرض الواقع تخالف الأهداف والوقائع التي توصلت إليها ثورة 23 يوليو/تموز، ومن ذلك مياه النيل، فقد اعتبرت ثورة 23 يوليو/تموز أن تدفق مياه النيل وعدم النيل من حصتها أحد دعائم الأمن القومي لمصر، لكن بناء أثيوبيا سد النهضة، تحدى هذه الدعامة وكسرها، وهدد أمن مصر القومي، مما اضطر السيسي إلى الاستعانة بإسرائيل من أجل أن يعالج هذا التهديد، فأرسل وزير خارجيته سامح شكري من أجل استجداء إسرائيل وطلب وساطتها عند أثيوبيا لعدم التجاوز على مصر في هذا المجال، وهذا مثال بسيط على التشابه والتناقض بين “الثورتين”، تشابه في الشكل وليس في المضمون.

الخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها هو أنه لم يبق شيء من مبادئ ثورة 23 يوليو/تموز ولا من إنجازاتها، فقد ألغى السادات التوجه القومي العربي والتوجه الاشتراكي اللذين أقامهما جمال عبد الناصر في كيان مصر، واللافت للنظر هو نجاح السادات السريع في هاتين الخطوتين، وقد عللنا ذلك بأنهما كانتا مبنيتين على العداء للدين، ثم جاء الرؤساء بعد السادات فعمقوا ما بناه السادات من تأكيد انعزالية مصر، ومن تأكيد التوجه الرأسمالي والاستسلام لإسرائيل، والارتباط الكامل بالسياسة الأميركية.

رابط المقال في الجزيرة نت ماذا بقي من ثورة 23 يوليو لدى حكام مصر؟

ظهرت المقالة ماذا بقي من ثورة 23 يوليو لدى حكام مصر؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a8%d9%82%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-23-%d9%8a%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%88/feed/ 0 2056
قراءة في مؤتمر حزب حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%ad%d8%b2%d8%a8-%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%86%d9%88%d8%b4%d9%8a/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%ad%d8%b2%d8%a8-%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%86%d9%88%d8%b4%d9%8a/#respond Fri, 08 Jul 2016 21:30:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2060 عقد “حزب حركة النهضة” التونسي الذي يرأسه راشد الغنوشي مؤتمره العاشر في 20-5-2016، وأجرى مراجعة لمسيرته السابقة، كما أجرى انتخابات لهياكله القيادية، ثم اختار الشيخ راشد الغنوشي رئيسا له في نهاية المؤتمر، وقد صدر بيان ختامي عن المؤتمر. وعند التدقيق في الأفكار والمبادئ التي تم بحثها، والاتفاق عليها، والعمل بها […]

ظهرت المقالة قراءة في مؤتمر حزب حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
عقد “حزب حركة النهضة” التونسي الذي يرأسه راشد الغنوشي مؤتمره العاشر في 20-5-2016، وأجرى مراجعة لمسيرته السابقة، كما أجرى انتخابات لهياكله القيادية، ثم اختار الشيخ راشد الغنوشي رئيسا له في نهاية المؤتمر، وقد صدر بيان ختامي عن المؤتمر.

وعند التدقيق في الأفكار والمبادئ التي تم بحثها، والاتفاق عليها، والعمل بها في استراتيجية “حزب حركة النهضة” القادمة، وجدنا أنها مبادئ أحدثت انعطافا نوعيا في مسيرة العمل الإسلامي، وسنرصد هذه المبادئ أولاً، ونقومها لنرى مدى صوابيتها ثانياً.

يمكن أن نجمل هذه التغييرات بأربعة تغييرات وهي:

أولاً- التخلص من الشمولية

لقد قامت أحزاب شمولية في العالم بعد الحرب العالمية الأولى، وتمثلت في الأحزاب الشيوعية والنازية والفاشية، وقامت على غرارها الأحزاب الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى في مصر والباكستان وبلاد الشام، وأبرز هذه الأحزاب الشمولية: الإخوان المسلمين في مصر، والجماعة الإسلامية في الباكستان، وحزب التحرير في القدس إلخ ….

وقد أدان “حزب حركة النهضة” في مراجعاته التوجه الشمولي وأعتبره توجهاً خاطئاً، لذلك أزال توجهه الشمولي وتحول إلى حزب غير شمولي، فماذا يعني ذلك؟

يعني ذلك عدة أمور:

التحول من حزب أممي مرتبط مع قيادات أخرى خارج الحدود إلى حزب وطني، لا صله بقيادات أخرى خارج حدود تونس. فك الارتباط بأية أيدلوجية شمولية، وعدم الاهتمام بالأمور الأيدلوجية، والاهتمام فقط بالأمور الوطنية المحلية الاقتصادية والسياسية والمعاشية والتنموية والبيئية لشعب تونس وحده.

وعندما تحول “حزب حركة النهضة” إلى هذا الوضع فعل ذلك نتيجة توجه عالمي بعد سقوط جدار برلين عام 1989، وتحول الأحزاب الشيوعية في روسيا وشرقي أوروبا ووسط آسيا من أحزاب شمولية إلى أحزاب وطنية محلية.

وهذا التحول جاء بعد أن ثبت أن الأيديولوجية الشيوعية قامت على كثير من المفاهيم الخاطئة من مثل: مادية الكون والإنسان، وإنكارها وجود الله والروح والبعث، وإنكارها عالم الغيب وإقرارها بعالم الشهادة فقط، وعدم إقرارها بحب التملك عند الإنسان، والتنكر للفرد والجنوح للجماعة.

وقد أفرزت هذه المفاهيم الخاطئة في عالم الواقع والحياة آثاراً سيئة في الدول والمجتمعات التي طبقت الشيوعية من قتل عشرات الملايين من الأشخاص، وتضييق على الحريات، وتغوّل لأجهزة المخابرات، وفشل في التنمية والاقتصاد، لذلك انهارت تلك الأنظمة في النهاية، وهو ما وقع في عام 1990، وكانت النتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي وتحوله من دولة كبرى إلى مجموعة دول متفرقة.

لذلك فالشر ليس في شمولية الأحزاب الشيوعية وإنما جاء الشر في الأحزاب الشيوعية من المفاهيم الخاطئة التي قامت عليها، والتي كانت منافية للعلم والعقل والفطرة.

لذلك يجب أن لا نضع الدين الإسلامي ضمن الأيديولوجيات السابقة، لأنه يقوم على الحق المنزل من الله في كل مبادئه وأفكاره وقيمه وفيما يتعلق بالكون والإنسان والحياة، وفيما يتعلق ببناء الفرد نفسياً وعقلياً وخلقياً إلخ…، وفي بناء الأمة ثقافة وفكراً وقيماً واقتصاداً واجتماعاً وسياسة إلخ….

لذلك أعتقد أن “حزب حركة النهضة” قد خسر مرتين عندما ابتعد عن الصورة التي كان يعمل بها:

الأولى: لأن الأمة بحاجة إلى بناء مسارات صحيحة، ليس في السياسة فقط، بل في كل تفريعات وجودها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية إلخ …، وهذا ما يجب أن تعمل عليه قيادة واحدة تنطلق من أيدلوجيا تعالج كل حاجات الإنسان والمجتمع، وتضع لها الحلول المناسبة، مع مراعاة أقصى درجات التخصص والمهنية في ممارسة هذه المجالات.

الثانية: لأنها استسلمت للقطرية، وتجاهلت حقيقة وجود أمة واحدة، وهو ما يمكن أن تستفيد منه في مراحل البناء، وتستثمره في سنة التدافع مع الآخرين المخالفين في كل مجالات البناء الفردي والجماعي.

ثانياً- الخروج من عباءة “الإسلام السياسي”

راشد الغنوشي

صرحت حركة النهضة في أكثر من مرة أنها خرجت من عباءة “الإسلام السياسي” فقد جاء هذا الكلام في تصريحات للغنوشي، كما جاء في البيان الختامي، ونحن سننقل ما جاء في البيان الختامي، فقد جاء فيه القرار التالي: “يؤكد هذا المؤتمر التاريخي موضوع خياراته الاستراتيجية أن حزب حركة النهضة قد تجاوز عمليا كل المبررات التي تجعل البعض يعتبره جزءاً مما يسمى “الإسلام السياسي” وأن هذه التسمية الشائعة لا تعبر عن حقيقة هويته الراهنة ولا تعكس مضمون المشروع المستقبلي الذي يحمله”

والسؤال الآن: ما الذي تعنيه عبارة “الإسلام السياسي”؟ برز مصطلح “الإسلام السياسي” بعد الحرب العالمية الأولى، وأطلق على الحركات والأحزاب والجماعات التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى مطالبة بإعادة الكيان السياسي للأمة الإسلامية والمتمثل بـ “دولة إسلامية”، وكذلك قامت مطالبة بإعادة “تطبيق الشريعة الإسلامية”، وكان أبرزها كما هو واضح من قراءة التاريخ واستعراض صفحاته: “الإخوان المسلمين” في مصر، و”الجماعة الإسلامية” في باكستان، و”حزب التحرير” في القدس إلخ….

وعندما يأتي راشد الغنوشي وحزب حركة النهضة فيصرحان بأنهما فصلا علاقتهما بــــ “الإسلام السياسي” فما الذي يعنيه ذلك؟ يعني ذلك بكل وضوح أنهما لم يعودا يدرجان في أهدافهما: “الدولة الإسلامية”، و”تطبيق الشريعة”.

وعندما نتابع نتائج المؤتمر العاشر لـ “حزب حركة النهضة” لا نجد أي حديث عن هذين الهدفين، مما يؤكد المعنى الذي ذهبنا إليه.

وليس من شك بأن استهداف إقامة “دولة إسلامية” وتطبيق “الشريعة الإسلامية” هو واجب شرعي على كل مسلم، وكذلك هو واجب على كل حزب أو جماعة أو تنظيم إسلامي، وهذا ما أقره العلماء والشرع، ويؤكد ذلك الصحابة –رضي الله عنهم- عندما انشغلوا عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واجب بما هو أوجب وهو اختيار خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة واختاروا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ثم توجهوا إلى إجراءات دفن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعندما يأتي “حزب حركة النهضة” ويترك هذين الهدفين، فهذا تراجع عن مطلب شرعي، ونكوص عما تتطلبه معطيات الدين وواقع الأمة، وتطلعات جماهير الأمة.

ثالثاً- الفصل بين “الدعوي” و “السياسي”

طرح “حزب حركة النهضة” الفصل بين “الدعوي” و “السياسي” في البيان الختامي للمؤتمر العاشر لـ “حزب حركة النهضة” وقد جاء الكلام التالي: “اختارت النهضة في هذا المؤتمر التخصص في الشأن السياسي على أن تعود مجالات الإصلاح الأخرى التربوية والثقافية والدينية للمجتمع المدني”.

وقد قدم المؤتمر، كما قدم راشد الغنوشي وغيره من رجال الحزب مبررات لهذا الفصل بالجدوى والنجاعة من جهة، وبتحرير المجال الديني من تقلبات السياسة من جهة أخرى، فقد جاء في بيان المؤتمر العام العاشر لحزب حركة النهضة ما يوضح ذلك، فقد جاء عن قضية “الجدوى والنجاعة” في شأن المجال السياسي: “يتخصص الحزب في إصلاح الحياة السياسية والحقل العام والإدارة والحكم والقانون ويسهم في إعادة بناء المشهد السياسي حول قيمة الوسطية ويتولى المجتمع المدني بكامل الاستقلالية القيام على بقية مجالات الإصلاح”، كما جاء في شأن المجال الديني: “إن تحرير القدرات المواطنية في الفضاء الديني ومجالات الإصلاح الأخرى سيحرر المشتغلين فيها من الانتظارية المعطلة ومن الارتهان لتقلبات السياسة”.

إن دعوى التخصص لا تكفي مبرراً لفصل المجال السياسي عن المجال الدعوي، يمكن أن تقيم عملك على أرقى قواعد التخصص للمجالين وتبقيهما تحت قيادة واحدة.

ومن قال إن فصلهما سيجعل المجال الديني في مأمن من التقلب السياسي، وهذا يحدث فقط عندما يتوقف الدعوي عند حدود المسجد ولا يتعداه، فيصبح مثل دور الراهب في الكنيسة المعاصرة، ولا شك أن الدعوي في الإسلام لا يتوقف عند حدود المسجد، بل يتعداه إلى السوق والإذاعة والتلفاز والأخلاق والمدرسة إلخ …، فعندئذ لا أظن أنه سيصبح في مأمن من السياسة.

إن الفصل بين “الدعوي”، و”السياسي” هو فصل غير معلن بين “الدين” و”الدولة”، ويصبح هذا المعنى متحققاً عندما نعلم أن راشد الغنوشي لا يرى تناقضا بين الإسلام والعلمانية التي تنادي بفصل الدين عن الدولة، فقد كتب راشد الغنوشي مقالاً بعنوان “الإسلام والعلمانية” بتاريخ 13-11-2008، وقد رددت عليه بمقال نشرته في الجزيرة.نت بعنوان “قراءة في مقال “الإسلام والعلمانية” للغنوشي” بتاريخ 16-3-2009، فندت فيه دعوى الغنوشي بإن الإسلام لا يتعارض مع العلمانية، وأثبت فيه أن الإسلام يتعارض حتى مع العلمانية الجزئية التي ميزها الغنوشي عن العلمانية الشاملة، وهو -أي راشد الغنوشي- قد تبع الدكتور عبد الوهاب المسيري في هذا التمييز والتقسيم الخاطئ.

فالغنوشي -كما هو واضح- في مقاله السابق، لا يستنكر الفصل الذي تقوم عليه العلمانية وهو: فصل الدين عن الدولة، بل يعتبر الإسلام يقوم على هذا، وهو يلتقي مع العلمانية في هذا الفصل، وبالتالي يجعلنا نقول إن هذا الفصل بين “الدعوي” و”السياسي” هو تطبيق للعلمانية التي تفصل “الدين” عن “الدولة” ولا يتعارض هذا مع الإسلام من وجهة نظره التي أوضحها في مقاله السابق “الإسلام والعلمانية”.

رابعاً- اعتبار الديمقراطية أساساً للدولة ومنهاجاً للحكم

راشد الغنوشي

صرح البيان الختامي للمؤتمر العاشر لـ “حزب حركة النهضة” بأنه سيعتمد الديمقراطية أساساً للحكم فجاء فيه القرار التالي: “يضمن الحياة الكريمة لكل التونسيين والتونسيات باعتماد الديمقراطية أساساً للدولة ومنهاجاً في إدارة الشأن العام” كما وردت عبارات أخرى تؤكد المعنى السابق نفسه في أكثر من موضع من البيان الختامي، ومنها: “وتعتبر النهضة أن عملها مندرج ضمن اجتهاد أصيل لتكوين تيار واسع من “المسلمين الديمقراطيين” الذين يرفضون التعارض بين قيم الإسلام وقيم المعاصرة” وجاء أيضاً “وتعني هذه الهوية الجديدة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدنا وأمتنا تبنّي النهضة للديمقراطية التوافقية والحوار والتفاوض والبحث عن كلمة سواء في إدارة شؤون بلدنا ولأولوية المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية وعلى الاختلافات الإيديولوجية”.

الديمقراطية

وعند العودة إلى “مصطلح الديمقراطية” نجد أنه يقوم على محورين:

  • مبادئ، وهي تشمل نسبية الحقيقة، ومادية الكون، والفردية المطلقة، واعتماد المصلحة أو المنفعة أو اللذة في كل عمل، وتقديمها على الأخلاق في حال التعارض.
  • آليات، وهي تشمل انتخاب الحاكم، محاسبة المسؤولين، وإطلاق حرية الرأي، وإقامة الشورى، وحرية تشكيل الجمعيات والنقابات والأحزاب إلخ …

ونحن سنناقش المبادئ والآيات التي تقوم عليها الديمقراطية لنرى مدى قربها وبعدها عن الإسلام.

مبادئ الديمقراطية

1-نسبية الحقيقة:

أما نسبية الحقيقة فديننا يقوم على أربعة أنواع من النصوص، أحدها: النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة وهو يتعارض مع نسبية الحقيقة، ومعظم أحكام العقيدة والعبادة والاسرة والحدود والحلال والحرام مبنية على هذا النوع من النصوص، ولذلك فإن نسبية الحقيقة تتعارض مع أهم عوامل بناء الفرد المسلم والأمة المسلمة.

2-مادية الكون:

أما مادية الكون فهو الإيمان بالكون المحسوس المجرب المرئي المسموع إلخ…، أي الإيمان بعالم الشهادة، ولكن المسلم يؤمن بعالم الشهادة لكنه يؤمن بجانب ذلك بعالم آخر هو عالم الغيب، وهذا العالم يشمل وجود الله والجنة والنار والملائكة والشياطين والروح إلخ …، وهذا ما تتنكر له المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية.

3-الحرية الفردية المطلقة:

أما الحرية الفردية المطلقة فقد تصل إلى حد حرية قتل النفس، وإلى حد حرية التصرف بالأموال بحيث يورثها إلى كلب أو هر، وإلى حد حرية التلاعب بالجنس، واعتبار الذكر نفسه أنثى في وقت ثم العودة إلى اعتبارها ذكراً، والعكس بالنسبة للأنثى.

ليس من شك أن مثل هذه الحرية تصطدم مع الحرية الفردية التي أقرها الإسلام، والتي تراعي الفطرة وحاجات الفرد الجماعية والمجتمع والأمة.

4-اعتماد المصلحة أو المنفعة أو اللذة في أي عمل:

أما بالنسبة لاعتماد المصلحة أو المنفعة أو اللذة في أي عمل من الأعمال فهذا أمر مقبول، لكن المشكلة في أن الحضارة الغربية تعتمد المنفعة والمصلحة واللذة وتقدمها على الأخلاق في حال التعارض.

آليات الديمقراطية

 

فإذا تناولنا انتخاب الحاكم، فإننا نجد أبا بكر الصديق رضي الله عنه أخذ شرعيته من اختيار الأنصار والمهاجرين له في سقيفة بني ساعدة، ومبايعتهم له بعد ذلك. وإذا تناولنا المحاسبة فقد حاسب كل من الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ولاتهم، واستردوا منهم أموالاً لصالح بيت مال المسلمين.

وإذا تناولنا حرية الرأي فإننا نجد أن امرأة حاججت عمر رضي الله عنه في شأن المهور فقال:

أصابت امرأة وأخطأ عمر.

وإذا تناولنا المشاورة فقد شكل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجلساً له من كبار الصحابة، كان يشاورهم في كل شؤون الخلافة، وسجل التاريخ أنه بقي الصحابة ردحاً من الزمن يتحاورون في شأن سواد العراق، هل يوزعونه على المتحاربين أم يبقونه مع أصحابه ويأخذون الخراج، وفي النهاية أخذ الصحابة بالرأي الذي يقول بإبقائه وأخذ الخراج لأن هذا الحكم يحقق عدة مصالح للمسلمين المعاصرين وللأجيال القادمة.

بعد استعراضنا لبعض الآليات التي تقوم عليها الديمقراطية وجدنا أنها مقبولة، ولها أصل في تاريخنا، وأقرتها بعض كتب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية.

لم يبين راشد الغنوشي موقفه من محوري الديمقراطية: المبادئ والآليات، وإن كان الذي نتوقع منه أن يرفض المبادئ لأنها تتعارض مع الإسلام في كثير من أحكامها، وأن يقبل الآليات، لذلك فمن واجب راشد الغنوشي أن يقوم بالتوضيح السابق، وأن يبين الجوانب المقبولة من الديمقراطية والجوانب المرفوضة، وأن لا أن يبقي الموضوع دون جلاء وتوضيح وإذا لم يفعل ذلك، فإنه يكون قد وقع في محظور شرعي.

استعرضنا -فيما سبق- أهم الأفكار والمبادئ التي طرحها الشيخ راشد الغنوشي على المؤتمر العاشر لـ “حزب حركة النهضة”، والتي تمثلت: في التخلص من الشمولية، والخروج من عباءة “الإسلام السياسي”، والفصل بين “الدعوي” و”السياسي”، واعتماد الديمقراطية أساساً للحكم.

ليس من شك بأنها تغييرات ضخمة في مجال الحركة الإسلامية، وتمثل منعطفاً في مسيرتها، ولكنها انعطاف في الاتجاه غير السليم، وفي اتجاه الرضوخ لقيم الحضارة الغربية.

المقال نشر في موقع السورية نت قراءة في مؤتمر “حزب حركة النهضة” برئاسة الغنوشي

ظهرت المقالة قراءة في مؤتمر حزب حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%ad%d8%b2%d8%a8-%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%86%d9%88%d8%b4%d9%8a/feed/ 0 2060