فكر الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/category/فكر/ منبر الأمة الإسلامية Wed, 15 Feb 2023 18:17:30 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.5.2 https://i0.wp.com/www.al-ommah.com/wp-content/uploads/2021/02/Group-6.png?fit=32%2C32&ssl=1 فكر الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/category/فكر/ 32 32 171170647 بماذا نفسّر جائحة كورونا؟ https://www.al-ommah.com/%d8%a8%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%91%d8%b1-%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%ad%d8%a9-%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86%d8%a7%d8%9f/ https://www.al-ommah.com/%d8%a8%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%91%d8%b1-%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%ad%d8%a9-%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86%d8%a7%d8%9f/#respond Fri, 28 Aug 2020 00:07:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2071 فسّر بعض المشايخ والعلماء والدعاة جائحة كورونا بأنها غضب من الله، وبأنها تخويف من الله، فما الأرجح في ذلك؟ وبماذا نفسرها؟ صحيح أن كثيرًا من أفعال العباد في مشارق الأرض ومغاربها فيها عصيان لأمر الله، وابتعاد عن طاعته، ورفض لشرائعه، وانتهاك لمحرماته. وصحيح أن هذه الأفعال تغضب الله، و أن […]

ظهرت المقالة بماذا نفسّر جائحة كورونا؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
فسّر بعض المشايخ والعلماء والدعاة جائحة كورونا بأنها غضب من الله، وبأنها تخويف من الله، فما الأرجح في ذلك؟ وبماذا نفسرها؟

صحيح أن كثيرًا من أفعال العباد في مشارق الأرض ومغاربها فيها عصيان لأمر الله، وابتعاد عن طاعته، ورفض لشرائعه، وانتهاك لمحرماته. وصحيح أن هذه الأفعال تغضب الله، و أن الله قادر على الانتقام من هؤلاء العصاة المجرمين بمختلف أنواع الأمراض والأسقام والأوبئة والزلازل والفيضانات إلخ …، لكنا لا نستطيع أن نحدد أن الوباء الفلاني، أو الزلزال الفلاني غضب من الله نتيجة المعصية الفلانية، أو الإلحاد الفلاني أو مقصود به تلك الفئة من الناس على التعيين والتحديد، فهذه إرادة الله، ولا أحد يستطيع أن يحدد مراد الله إلا بعلم من الله، أو وحي منه سبحانه وتعالى، وطالما أنه لم يتنزل وحي من الله على أحد من البشر، فلا يجوز لأحد من البشر أن يتقول على الله، فما هو التفسير الأرجح لجائحة كورونا؟

الأرجح في تفسيرها بأنها رحمة من الله تعالى، وذلك أن الله -سبحانه و تعالى- ذكر في القرآن الكريم عدة مرات بأنه ألزم نفسه بالرحمة، فقال تعالى: “قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فيه” (الأنعام، 12) وقال تعالى: “وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (الانعام 54).

و قد ذكرت الأحاديث أن رحمة الله سبقت و غلبت غضبه، فقد ذكر البخاري و مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي.

و في لفظ آخر: “إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو عنده فوق العرش”، وفي لفظ ثالث: “لما خلق الله الخلق كتب في كتاب كتبه على نفسه فهو مرفوع فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي” (البخاري 7553، مسلم 2751).

وذكر الله في آيات أخرى ان رحمته وسعت كل شيء، فقال تعالى: “وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ” (الأعراف، 156).

وهو رحمن الدنيا سبحانه وتعالى، فبرحمته -تعالى- ينزل المطر، وينبت الزرع، وتونع الثمار، وتتوالد البهائم والطيور والحيوانات، وبسبب هذه الرحمة تسير دورة الحياة في الدنيا. 

أما رحمته ـ سبحانه و تعالى ـ فستكون في الآخرة أوسع و أشمل فقد ذكر أبو هريرة أن رسول الله قال: “جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه”. (أخرجه البخاري (6000) ومسلم (2752)) واللفظ له.

لذلك بناء على معرفتنا بصفات الله تعالى، نرجّح أن نضع جائحة كورونا تحت صفة رحمة الله، فالرحمة تغلب الغضب وتسبقه كما أتت روايات الحديث التي نقلناها سابقًا، وهي أصل عظيم في صفات الله تعالى، ومنها تسمّى الله ـ تعالى ـ باسمين من الرحمة، هما الرحمن الرحيم، على خلاف الصفات الأخرى، وتتسع رحمته لكل مخلوقات الكون في الدنيا، و رحمته أوسع في الآخرة. فكيف يمكن أن تكون جائحة كورونا ضمن رحمة الله وهي قد تكون سببًا في عذاب ووفاة المؤمنين؟

أما المؤمنون الذين يصيبهم هذا الوباء، فيعلمون أنه قد أصابهم بقدر الله و إرادته، و هم يصبرون عليه، وينالون أجرًا كبيرًا في صبرهم على هذا الابتلاء، وترتفع درجتهم عند الله، ويكون سببًا للمغفرة وعلو الدرجة في الآخرة، لأن المسلم قد تعلم أن اشد الناس ابتلاء هم الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل. فقد جاء عن سعد ابن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان صلبًا في دينه، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة”. ( الترمذي، 2398، حسن). فهكذا أصبحت الإصابة بهذا المرض رحمة للمؤمن.

أما التخويف فيأتي في قوله تعالى: “وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا” (الإسراء، 59) فهذه الجائحة آية من آيات الله، وهي تخيف المؤمن والعاصي والكافر، فأما المؤمن فيزيده الخوف من الجائحة تضرعًا إلى الله، ودعاء له، وصلاة وطلبًا أن ينجيه من شر هذا الوباء، ويصرفه عنه، وبهذا تكون الجائحة سببًا إلى القرب من الله والإنابة إليه، فتكون رحمة من الله.

أما العاصي والفاجر والفاسق، فقد يكون الخوف من الوباء سببا في التوبة إلى الله، والإقلاع عن المعاصي، و بهذا تكون هذه الجائحة رحمة له، لأنها جعلته يرجع إلى الله و يبتعد عن معاصيه. أما الكافر فإن الخوف قد يجعله يتجه إلى الإيمان بالله، و بهذا تكون رحمة له.

الخلاصة: التفسير الأرجح لجائحة كورونا بأنها رحمة من الله تعالى، فقد كتب الله تعالى على نفسه الرحمة، وكذلك غلبت وسبقت رحمته ـ تعالى ـ غضبه، وكذلك وسعت رحمته كل شيء، وهي تخويف من الله للمؤمن والكافر والعاصي ليعودوا إلى الله وينيبوا إليه.

رابط المقال في موقع عربي 21 بماذا نفسّر جائحة كورونا؟

ظهرت المقالة بماذا نفسّر جائحة كورونا؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a8%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%91%d8%b1-%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%ad%d8%a9-%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86%d8%a7%d8%9f/feed/ 0 2071
معارك الهوية العربية-الإسلامية.. مصر وسوريا نموذجًا https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/#respond Mon, 20 May 2019 00:20:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2074 يرى الكاتب والباحث الفلسطيني في الشؤون الفكرية والتاريخية العربية والإسلامية، الدكتور غازي التوبة، أن الحرب على الهوية العربية ـ الإسلامية في منطقتنا، ليست حديثة، وإنما هي حرب قديمة وتأخذ أشكالا شتى، ويدلل على ذلك بما تعرضت له هذه الهوية من حرب في بلدين عربيين مهمين هما مصر وسوريا، لينتهي إلى […]

ظهرت المقالة معارك الهوية العربية-الإسلامية.. مصر وسوريا نموذجًا أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
يرى الكاتب والباحث الفلسطيني في الشؤون الفكرية والتاريخية العربية والإسلامية، الدكتور غازي التوبة، أن الحرب على الهوية العربية ـ الإسلامية في منطقتنا، ليست حديثة، وإنما هي حرب قديمة وتأخذ أشكالا شتى، ويدلل على ذلك بما تعرضت له هذه الهوية من حرب في بلدين عربيين مهمين هما مصر وسوريا، لينتهي إلى أن الهوية العربية ـ الإسلامية تمتلك من مقومات القوة والرسوح ما يجعلها عصية عن الذوبان.

في مفهوم الهوية

الهوية على مستوى الفرد تعني: “حقيقة الفرد من حيث تميزه عن غيره وتسمى وحدة البناء الذاتي”، والهوية على مستوى الأمة تعني: الشخصية الجماعية التي تشكلت على مستوى مجموعة بشرية في منطقة جغرافية على مدار تاريخ طويل قد يمتد عشرات السنين، وهذه الهوية تعطي هذه المجموعة البشرية تفكيرا مشتركا، وعواطف مشتركة، وعادات مشتركة، وذوقاً مشتركاً، وصبغة مشتركة إلخ … والهوية هي التعبير الخارجي عن حقيقة وجود الأمة ووحدتها في مجال الثقافة والاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها من المجالات.

“الهوية العربية ـ الإسلامية” هي الهوية التي تشكلت وتكونت على مدار القرون الماضية في المنطقة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، ولا شيء غير “الهوية العربية ـ الإسلامية”، وقد قامت هذه “الهوية العربية ـ الإسلامية” على ثلاثة عناصر هي: القرآن الكريم، السنة النبوية المشرفة، اللغة العربية، وقد استمرت هذه الهوية قائمة وفاعلة على مدار أربعة عشر قرناً.

لقد تعرضت “الهوية العربية ـ الإسلامية” لأمتنا في العصر الحديث إلى أكبر محاولة تفتيت وتدمير وإلغاء على يد المستغربين من أبناء أمتنا والمستشرقين من أبناء الغرب الذين أسسوا “علم الاستشراق” والذي احتضنته معظم دول أوروبا منذ القرون الوسطى، لذلك كان هناك “الاستشراق الفرنسي” و”الاستشراق الهولندي” و”الاستشراق الإنجليزي” و”الاستشراق الألماني” إلخ.. ثم استلمت الولايات المتحدة الامريكية الراية من أوروبا وأنشأت “الاستشراق الأمريكي”، وقد اجتهدت كل “ألوان الاستشراق” على مدار القرون الماضية في زعزعة ثقة الأجيال في محاور هويتها من قرآن وسنة وتاريخ وحضارة إلخ…

فشككت بإلهية القرآن الكريم، كما شككت في مصداقية الأحاديث الشريفة، واعتبرت أن أهدافاً سياسية وراء تدوينها، واتهمت حضارتنا بالنقل المجرد عن اليونان وعدم الإبداع في أي مجال من المجالات، واتهمت الفقه الإسلامي بأنه نقل للتشريعات الرومانية إلخ…

لقد حاول المستشرقون وأتباعهم من المستغربين بالإضافة إلى عملهم على تدمير هويتنا إلى الاجتهاد في توليد هوية جديدة، فكيف كان ذلك؟ وماذا فعل المستشرقون والمستغربون من أجل توليد هذه “الهوية الجديدة” التي كانوا يطمحون أن تحل محل “الهوية العربية ـ الإسلامية”؟ سنبدأ بالحديث عن مصر ثم سنثني بالحديث عن سوريا.

مصر.. الأمة الفرعونية

دعت بعض قيادات مصر منذ مطلع القرن العشرين إلى اعتبار أن الشعب المصري “أمة فرعونية”، وأنه ذو “هوية فرعونية”، وبالتالي فإن مصر منسلخة عن دعوى “العروبة والإسلام”، والإسلام دين مر على مصر كما مرت المسيحية من قبل، ولكن الأصل يبقى أن المصريين “أمة فرعونية” قبل المسيحية وقبل الإسلام وبعدهما.

وقد قامت ثورة مصر عام 1919 على هذا المبدأ وهو أن المصريين “أمة فرعوني لكن هذه الموجة من الدعوة إلى “الهوية الفرعونية ـ المصرية” لم تلق رواجاً على مستوى الشارع المصري، بل بقيت حبيسة جدران النخب المصرية، وحدث اصطراع عنيف بين هذه “الهوية الفرعونية ـ المصرية” و”الهوية العربية ـ الإسلامية”، وعبّر “الإخوان المسلمون” عن هذه “الهوية العربية ـ الإسلامية” عندما نشأوا عام 1928، وبرزوا بعد “الحرب العالمية الثانية” كأقوى قوة شعبية في الجامعات والمدارس والشارع إلخ …، وتجاوبت معهم جماهير الشعب المصري، فاضطر كتاب ومؤيدو “الهوية الفرعونية ـ المصرية” أن يسايروا توجهات الجماهير فكتبوا عن الإسلام، وكتب عباس محمود العقاد “العبقريات” والتي شملت الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعظم الصحابة  أبي بكر و عمر وعثمان وعلي وخالد وبلال وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، كما كتب طه حسين عدة كتب عن الإسلام ومنها: “على هامش السيرة”، و”مرآة الإسلام”، و”الشيخان” إلخ …. وكتب محمد حسين هيكل “في منزل الوحي”، و”الصديق أبو بكر”، و”الفاروق عمر” “وحياة محمد” إلخ …. 

ثم وقع انقلاب عام 1952 في مصر على الملكية، وحكم جمال عبد الناصر مصر، ونادى بـ “القومية العربية”، فانتقلت مصر رسمياً من “الهوية الفرعونية ـ المصرية” إلى “الهوية القومية العربية”، وشكل هذا الموقف تحولاً مفاجئاً لأصحاب التيار الفرعوني، الذين قاوموا ذلك التحول وكان أبرزهم أحمد لطفي السيد الذي صوت بـ (لا) على دستور مصر عام 1954، لأنه احتوى على مادة تقول: “إن مصر جزء من الأمة العربية”، لأنه يعتبر أن هذا غير صحيح. وهم ذوو “هوية فرعونية”، وقد دعا أبرز الكتاب والمفكرين في مصر إلى “القومية المصرية ـ الفرعونية” وكان على رأس هؤلاء: سعد زغلول وأحمد لطفي السيد “أستاذ الجيل”، وعباس محمود العقاد “جبار المنطق”، وطه حسين “عميد الأدب العربي”، وسلامه موسى إلخ …

وقد رافق هذه الموجة من الدعوة إلى “القومية المصرية” و”الهوية المصرية” إبراز كل ما يتعلق بتاريخ مصر الفرعوني، والحديث عنه في الأدب والشعر، فكانت المسرحية الشعرية “مصرع كيلوبترا” لأحمد شوقي، ورواية “عبث الأقدار” لنجيب محفوظ، وقصيدة “مصر تتحدث عن نفسها” لحافظ إبراهيم إلخ..

وقد ارتبط بهذه الموجة من الانتماء إلى “الهوية الفرعونية” البحث المستمر في مختلف أنحاء مصر في أعماق الأرض والمعابد والمقابر عن آثار فرعونية، وموميات فرعونية، ووضع كل ذلك في مكانه من التاريخ الفرعوني.

وقد حاول عبد الناصر أن يمنح مصر هوية أخرى بالإضافة إلى “الهوية القومية العربية” هي “الهوية الاشتراكية” بتبنيه المبادئ الاشتراكية التي تقوم على إبراز دور طبقة العمال والفلاحين في المجتمع، وتقوم على العنف الثوري في مواجهة الطبقة الرأسمالية والإقطاعية وطبقة رجال الدين، وتقوم على المادية ومحارية الدين، وحدث تصادم وصراع عنيف بين “الهوية العربية ـ الإسلامية” وبين هذه “الهوية القومية العربية ـ الاشتراكية” التي قادها جمال عبد الناصر، ومثل سيد قطب ـ رحمه الله ـ الشعب الصري في هذا الصراع، وكانت ثمرة هذا الصراع كتاب “معالم في الطريق” الذي شكل منهلاً ومرجعاً لكل الجماهير التي واجهت “الهوية العربية ـ الاشتراكية” وعنفها الدموي.

وعندما جاء السادات إلى الحكم في عام 1970 نكص عن هذا التوجه “القومي العربي ـ الاشتراكي”، فترك أيديولوجية “القومية العربية” وعاد إلى “العروبة”، كما ترك “الاشتراكية” وعاد إلى “النظام الرأسمالي” الحر في الاقتصاد، وجاء هذا التحول بسبب انطلاق “الصحوة الإسلامية” بعد “نكسة حزيران” عام 1967، والتي كانت تعبيراً عن “الهوية العربية ـ الإسلامية” وانتصارها على “الهوية القومية العربية ـ الاشتراكية”.

ثم جاء حسني مبارك على رأس الحكم بعد أنور السادات في عام1981، وخفت في عهده صراع الهويات، لكن الثورة التي انطلقت في 25 كانون ثاني (يناير) 2011 واقتلعت حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) من ذات العام، أكدت رسوخ “الهوية العربية ـ الإسلامية” في مصر، وقد عبر عن ذلك ظهور الإسلاميين كقوة أولى في هذه الثورة، وفوزهم في جميع الانتخابات والاستفتاءات التي جرت بعد ذلك سواء عند إقرار الدستور، أم في الانتخابات البرلمانية، أم في انتخابات رئاسة الجمهورية في أعوام 2011 ـ 2013.

لقد شهدت مصر صراعاً عنيفاً بين ـ هويات ـ مختلفة على مدار القرن العشرين لكن “الهوية العربية ـ الإسلامية”، كما رأينا، كانت هي الفائزة في النهاية وسننتقل الآن إلى سوريا ونرصد صراع الهويات هناك على مدار القرن العشرين، فماذا نجد؟ وماذا حدث؟

سوريا.. الهوية الفينيقية-السريانية

الهوية الفنيقية-السريانية في مواجهة الهوية العربية-الإسلامية، لقد برز اسم “سوريا” بعد الحرب العالمية الأولى كدولة تحوي عدة أقاليم، وقام حزب رئيسي في سوريا يدعو إلى اعتماد “الهوية الفينيقية ـ السريانية” واعتبارها هي الأصل لـ “الهوية السورية” وتسمى هذا الحزب باسم “الحزب السوري القومي الاجتماعي” وترأسه أنطون سعادة.

تصارعت الهويتان “العربية” و”السورية” الممثلتان للفكر “القومي العربي” والفكر “القومي السوري” على حكم سوريا، وقد اتضح ذلك عندما تصارع الحزبان “الحزب السوري القومي الاجتماعي” و”حزب البعث العربي الاشتراكي”، لكن كفة “حزب البعث العربي الاشتراكي” هي التي رجحت وذلك عندما اغتال “الحزب السوري القومي الاجتماعي” نائب رئيس أركان الجيش السوري العقيد عدنان المالكي عام 1955 والذي كان محسوبا على حزب البعث في الملعب البلدي في دمشق، وكانت هذه العملية سبباً في تصفية أنصار “الحزب القومي السوري الاجتماعي” من الجيش بشكل خاص، ومن الحياة المدنية بشكل عام، وكان هذا إيذاناً برسوخ “الهوية العربية” واقتلاع “الهوية السورية” من بلاد الشام.

ثم وصل “حزب البعث العربي الاشتراكي” عام 1963 إلى حكم سورية، فمرت سوريا بما مرت به مصر من بروز الطرح الأيديولوجي المتمثل في أيديولوجية “القومية العربية” من جهة، و”الاشتراكية الماركسية” من جهة ثانية، وقد مثل ذلك الطرح “القيادة القطرية” التي كان من أبرز قادتها “صلاح جديد”، فبرزت “الهوية القومية العربية ـ الاشتراكية” في مواجهة “الهوية العربية ـ الإسلامية” والتي استهدفت اقتلاع الجانب الديني من هوية الأمة، وحدثت مجازر مروعة في حق الدين والمتدينين بدءاً من مجزرة جامع السلطان في حماه ومسجد خالد بن الوليد في حمص عام 1964، مروراً بمسجد بني أمية عام 1965 وانتهاء بتدمير حماه وجسر الشغور عام 1980.

لكن انتصار حافظ الأسد على صلاح جديد عام 1970 في الصراع الحزبي الذي دار بينهما منذ 1967 إلى عام 1970 من خلال “الحركة التصحيحية” التي قادها، وهو البراغماتي الذي لا تهمه المبادئ، إنما يهمه حكمه الشخصي من جهة، وحكم عائلته من جهة ثانية، وحكم طائفته من جهة ثالثة، قاد إلى خفوت الطرح الأيديولوجي الصاخب المرتبط بالشعارات الماركسية بين عامي 1970 ـ 1980.

لكن نظام الأسد عاد إلى مخزونه المعادي لـ “الهوية العربية ـ الإسلامية” وللدين والعلماء والإسلاميين بعد حادثة “مدرسة المدفعية” في حلب عام 1979، والتي أطلقت شرارة ثورة 1980، والتي أدت إلى أن يرتكب أقصى درجات الإجرام في حق الشعب السوري بما ارتكبه من المجازر الدموية في معظم المدن السورية.

لكن هذا الاستهداف لـ “الهوية العربية ـ الإسلامية” من قبل حزب البعث وحكم آل الأسد، لم ينجح في اقتلاع “الهوية العربية ـ الإسلامية” من سوريا، بل تأكد رسوخ هذه “الهوية العربية ـ الإسلامية” بعد انطلاق الربيع العربي في آذار (مارس) من عام 2011، فقد كانت الجماهير التي خرجت في هذا الربيع لمواجهة نظام الأسد جماهير إسلامية، وانطلقت من المساجد وهي أماكن إسلامية، وكانت قياداتها في معظمها وأغلبها إسلامية.

إن هذا الرسوخ لـ “الهوية العربية ـ الإسلامية” في المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج رغم كل محاولات الاقتلاع خلال القرن الماضي يجعلنا ندعو القيادات الإسلامية إلى أن تعي هذه الحقيقة وتبني عليها، فهذا يساعدها في عملية تغيير الواقع بل يسهل عليها ذلك التغيير.

الخلاصة

تملك أمتنا هوية راسخة هي “الهوية العربية ـ الإسلامية” من المحيط إلى الخليج على الأقل، وقد استهدف المستشرقون والمستغربون تدميرها أو اقتلاعها على مدار القرن الماضي من خلال توليد هويات أخرى منافسة، ولكنهم فشلوا في ذلك، لذلك يجب على الدعاة العمل على تحصينها والاستفادة منها في السعي إلى تحقيق أهدافهم السياسية والاجتماعية.

رابط المقال من موقع عربي 21 معارك الهوية العربية-الإسلامية.. مصر وسوريا نموذجا

ظهرت المقالة معارك الهوية العربية-الإسلامية.. مصر وسوريا نموذجًا أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/feed/ 0 2074
لماذا استمرت ديمقراطية ثورة 1919 ونحرت ديمقراطية 2011؟ https://www.al-ommah.com/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%aa-%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-1919/ https://www.al-ommah.com/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%aa-%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-1919/#respond Thu, 21 Mar 2019 20:52:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2098 من أجل المقارنة بين ثورة 1919 وثورة 2011 في مصر علينا أن ندرس عوامل نشأة الثورتين، فالأولى جاءت في نهاية حرب عالمية وهي الحرب العالمية الأولى 1914- 1918، والتي أدت إلى سقوط الخلافة العثمانية، وتفكك الدولة العثمانية واستعمارها من قبل إنكلترا وفرنسا، وكانت بعد احتلال الإنجليز لمصر الذي بدأ عام […]

ظهرت المقالة لماذا استمرت ديمقراطية ثورة 1919 ونحرت ديمقراطية 2011؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
من أجل المقارنة بين ثورة 1919 وثورة 2011 في مصر علينا أن ندرس عوامل نشأة الثورتين، فالأولى جاءت في نهاية حرب عالمية وهي الحرب العالمية الأولى 1914- 1918، والتي أدت إلى سقوط الخلافة العثمانية، وتفكك الدولة العثمانية واستعمارها من قبل إنكلترا وفرنسا، وكانت بعد احتلال الإنجليز لمصر الذي بدأ عام 1882.

الصراع مع الاحتلال

وتصارعت على حكم مصر سلطتان منذ ذلك التاريخ هما: سلطة الخديوي من جهة وسلطة المحتل ممثلة بالمندوب السامي كرومر من جهة ثانية. وكانت هذه الثورة التي قادها سعد زغلول عام 1919 من أجل تحقيق أهداف داخلية وخارجية؛ داخلية في حكم تشاوري يحقق العدالة والمساواة، وخارجية في تحقيق معاهدة متوازنة مع الاحتلال البريطاني.

أما ثورة 2011 فعندما قامت من أجل إصلاح ظروف داخلية وخارجية، فقد حكم حسني مبارك ثلاثين عاماً، كان فيها حاكماً مستبداً، وأحاطت به طبقة فاسدة من الضباط والوزراء والإداريين استمرأوا سرقة أموال الشعب، ومما زاد الطين بلة أنه أراد أن يورث ابنه الحكم.

وبالإضافة إلى ذلك كان حسني مبارك مستخذيا أمام إسرائيل وأمام مخططات أمريكا في المنطقة، وأفقد مصر دورها الفعال في محيطها العربي. لذلك ثار عليه الشعب بسبب تلك العوامل الداخلية والخارجية، وقامت عليه الثورة في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وانتهت إلى إزاحته عن الحكم في 11 شباط (فبراير) 2011.

فإلام انتهت كل من ثورتي 1919 و 2011؟

لقد رسخت ثورة 1919 ثلاثة أمور:

1 ـ الفكر القومي الفرعوني:

لقد انطلقت ثورة 1919 من فكر قومي فرعوني، واعتبرت أن مصر أمة فرعونية، وقد عبر عن هذا الرأي عدد من السياسيين والمفكرين والكتاب والقيادات والأدباء ومنهم: سعد زغلول، وأحمد لطفي السيد، وعباس محمود العقاد، ومحمد حسين هيكل إلخ…

وقد شكل هذا الفكر توجهاً جديداً لمصر لا سابق لها به، وقد شكل قطيعة مع الماضي الذي كان يعتبر أن مصر تمثل جزءا من الأمة الإسلامية العربية، وكان هذا الفكر صدى للتواصل مع الحضارة الغربية في أوروبا، لأن القرن التاسع عشر كان قرن القوميات في أوروبا، حيث برزت القومية الألمانية والقومية الإيطالية والقومية الفرنسية، إلخ…

وعلى الأرجح أنه كان الفكر القومي الفرعوني المصري صدى وانعكاساً للفكر القومي الفرنسي لتشابه ظروف البلدين الجغرافي في التكوين القومي.

2 ـ التوجه إلى الاقتصاد الرأسمالي:

لقد توجهت مصر اقتصادياً إلى الاقتصاد الرأسمالي، وانتقلت من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة البرجوازية، لذلك فقد تشكلت طبقة من الرأسماليين المصريين المرتبطين بالرأسمالية العالمية، وكان طلعت حرب على رأسهم حيث أسس بنك مصر، ونشأت مؤسسات اقتصادية أخرى معتمدة على اقتصاد السوق، وكانت سمسارة وواسطة للرأسماليين الكبار في أوروبا.

3 ـ نظام ديمقراطي:

أفرزت ثورة 1919 في المجال السياسي نظاماً ديمقراطياً، وقد قام هذا النظام الديمقراطي على عدة أركان منها: كتابة دستور عام 1923، وتشكيل أحزاب وأبرزها كان حزب الوفد الذي قاده سعد زغلول، وإنشاء صحف، وإجراء انتخابات برلمانية، واعتبار الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، وفصل السلطات، وإعطاء الحريات، إلخ…

وقد استمرت هذه الأمور الثلاثة التي أفرزتها ثورة 1919 من: فكر قومي فرعوني مصري، واقتصاد رأسمالي، ونظام سياسي ديمقراطي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما جاء جمال عبد الناصر إلى الحكم بعد انقلاب عام 1952 وأحدث توجها جديداً، وألغى المنجزات السابقة، فحل الفكر القومي العربي مكان الفكر القومي الفرعوني المصري، وحول الاقتصاد الرأسمالي إلى اقتصاد اشتراكي، وألغى النظام السياسي الديمقراطي، وأنزل مكانه نظام الديمقراطية الشعبية الموجهة، حيث أعطى طبقة العمال والفلاحين اكثر من نصف مقاعد البرلمان الذي أنشأه.

ثورة 25 يناير

لقد جاءت ثورة 25 يناير في مصر ـكما ذكرنا سابقًاـ نتيجة ظروف داخلية وخارجية سيئة أوجدها نظام حسني مبارك في نظام مصر السياسي، ويمكن أن نضيف أن الثورة جاءت رداً على الأمركة التي بدأت تتعرض لها مصر في مجال الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والتي بدأها أنور السادات منذ عام 1970 وأكمل ترسيخها حسني مبارك.

وعندما تحقق انتصار ثورة 25 يناير وأزيح حسني مبارك، وبدأ عهد ديمقراطي جديد تولد عنه دستور وأحزاب وانتخابات وبرلمان، وفاز محمد مرسي برئاسة الجمهورية عام 2012، لكن الجيش انقلب على محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013 وعزل الرئيس محمد مرسي وعاد الجيش إلى حكم مصر وانتهت الفترة الديمقراطية، فلماذا كان هذا التعثر والسقوط للنظام الديمقراطي؟

أسباب الانقلاب على مرسي

يعود السبب إلى المنهجية التي قام عليها محمد مرسي، والتي تمثلت في وفائه لدين أمته، وسعيه إلى تطبيق الشريعة، والمحافظة على شخصية الأمة، وتدعيم قيمها وبناء الأسرة، وترسيخ اللغة العربية، وتعميق البحث العلمي، وكان سيؤدي ذلك إلى بناء الأمة ومواجهة التغريب والأمركة.

وسنبين في السطور التالية المواد المرتبطة بالقضايا السابقة، والتي تخدم المعاني السابقة في الدستور المصري الذي سنه محمد مرسي في عام 2012. وقد جاء في ثلاث مواد حديث عن الأمة والشريعة، وهذه المواد هي :

  • المادة الأولى: “الشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية”.
  • المادة الرابعة: “ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية”.
  • المادة 219: “مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة”.

من الواضح من خلال المواد الثلاث المذكورة أعلاه أن هناك توجها حقيقيا لتطبيق الشريعة من قبل مرسي، وأن هناك دورا لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في تفسير الشرائع التي ستطبق، ومدى ملاءمتها لمنهجية أهل السنة والجماعة، ومن الموْكد أن هذا التوجه لا سابق له في العالمين العربي والإسلامي، وأنه مرفوض من قبل الدوائر الغربية.

وقد تحدث دستور مرسي عن الأسرة فقال في المادة 10: “الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية.. إلخ”.

ولا شك أن الأسرة جزء من الأمة، وإن تحصينها يتحمله طرفان، هما: الدولة والمجتمع، و هذا ما نص عليه دستور مرسي.

وقد نص دستور مرسي في المادة 11 التي تقول: “ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، والحقائق العلمية، والثقافة العربية، والتراث التاريخي والحضاري للشعب؛ وذلك وفقا لما ينظمه القانون.” من الواضح في هذه المادة إرساء توجه جديد لدى حكومة مرسي في محاربة التغريب و الأمركة.

وقد جاء في المادة 44 من الدستور: “تُحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة”.

ومن البين أن هذه المادة توقف التطاول الذي يقوده بعض المستغربين على الأديان والأنبياء، من بعض الفنانين والأدباء الذين أكثروا من هذه الإساءات في الفترة الأخيرة، وتمنعهم من فعل ذلك.

وجاء في المادة السادسة: “يقوم النظام السياسي على مبادئ الديمقراطية والشورى، والمواطنة التي تسوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة إلخ..”.

من المرجح أن إيراد كلمة الشورى في الدستور يقيم تواصلا بين المعطيات الحديثة في النظام الديمقراطي وبين المعطيات القديمة المرتبطة بميراث السياسة الشرعية والأحكام السلطانية.

وجاء في المادة 12: “تحمي الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف”.

من الواضح من المادة السابقة أنها وجهت الدولة إلى الاهتمام باللغة العربية ومختلف مقومات والمحاور التي تقوم عليها الأمة مما يدعم هوية الأمة و كيانها.

اهتم دستور 2012 بالبحث العلمي فجاءت المادة 214 التي تنص على الآتي: “يختص المجلس الوطني للتعليم والبحث العلمي بوضع استراتيجية وطنية للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله، وتحقيق التكامل فيما بينها، والنهوض بالبحث العلمي، ووضع المعايير الوطنية لجودة التعليم والبحث العلمي، ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية”.

والآن: بعد أن استعرضنا بعض المواد التي نظمها دستور 2012 الذي أقره محمد مرسي والذي جاءت مواده موجهة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ويعتبر أن هيئة علماء الأزهر الشريف هم المرجعية في تفسير القوانين والتشريعات، وجعلها متوافقة مع مذهب أهل السنة والجماعة، وتضمنت مواده إرشاداً إلى الحفاظ على الأسرة والأخلاق والدين، وتضمنت كذلك إنشاء مجلس لتدعيم البحث العلمي وتنشيط تعريب العلوم، وأبرزت صورة احترام الأنبياء والمقدسات وعدم التعرض لهم.

لقد كان دستور 2012 والذي أقره محمد مرسي، وبما احتواه من مواد توجه إلى تطبيق الشريعة، وإلى المحافظة على هوية الأمة، وعلى الأسرة واللغة العربية، وعلى احترام الأنبياء، وعلى محاربة الأمركة والتغريب بشكل غير مباشر، هو الأساس الذي حرك القوى الخارجية لتدفع الجيش للانقلاب على مرسي و إنهاء حكمه قي 3 تموز (يوليو) 2013.

الخلاصة: من الواضح أن ثورة 1919 بقيت منجزاتها من فكر قومي فرعوني، واقتصاد رأسمالي، ونظام ديمقراطي لأنها متوافقة مع توجهات الحضارة الغربية، في حين أن منجزات ثورة 2011 اقتلعها الجيش في 2013 لأنها تمشي في خدمة الأمة، وتبني شخصيتها بشكل يتوافق مع تراث الأمة وحضارتها، ولا تتوافق مع توجهات الحضارة الغربية بشكل كامل.

ظهرت المقالة لماذا استمرت ديمقراطية ثورة 1919 ونحرت ديمقراطية 2011؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%aa-%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-1919/feed/ 0 2098
عن الاستبداد السياسي والأديان.. مفاهيم وتجارب https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a7%d9%86/ https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a7%d9%86/#respond Thu, 14 Mar 2019 00:05:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2070 أطلق كثير من الكتاب على تاريخنا الإسلامي أنه تاريخ استبداد، وصنفوا في ذلك كتبا ودراسات ونظريات. وأرجع بعضهم سبب تعثر مسار الانتقال الديمقراطي في العالم العربي والإسلامي إلى هذا المعطى. ويعود سؤال العلاقة بين الاستبداد والفكر الإسلامي ليلقي بظلاله اليوم، مع اندلاع ثورات الربيع العربي، التي أعادت بالفعل طرح ليس […]

ظهرت المقالة عن الاستبداد السياسي والأديان.. مفاهيم وتجارب أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
أطلق كثير من الكتاب على تاريخنا الإسلامي أنه تاريخ استبداد، وصنفوا في ذلك كتبا ودراسات ونظريات. وأرجع بعضهم سبب تعثر مسار الانتقال الديمقراطي في العالم العربي والإسلامي إلى هذا المعطى.

ويعود سؤال العلاقة بين الاستبداد والفكر الإسلامي ليلقي بظلاله اليوم، مع اندلاع ثورات الربيع العربي، التي أعادت بالفعل طرح ليس فقط إشكالية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإنما أيضا أعادت قراءة التاريخ السياسي العربي والإسلامي، ومقارنته بما جرى ويجري في باقي ثقافات وحضارات العالم.

فلماذا هذا الربط بين الاستبداد والفكر الإسلامي تحديدا؟ الكاتب والباحث في شؤون الفكر الإسلامي الدكتور غازي التوبة يجيب على هذا السؤال في هذا العرض المفهومي والتاريخي للاستبداد في علاقته بالأديان.

للجواب على هذا السؤال لنر أولاً: علام يقوم الاستبداد؟

ومن أجل الإجابة على السؤال السابق سنستعرض طبيعة الحكم في ثلاث حكومات في التاريخ، وهي: الحكومة الكنسية، وحكومات الملوك الإقطاعيين، والحكومة الفارسية.

طاعة الحكام في المسيحية

لقد كان موقف المسيحية منذ البداية داعياً إلى طاعة الحكام وعدم مناوأتهم، فقد أرجع القديس بولس السلطة إلى الله، فقال: “ليخضع كل واحد للسلطات المنصّبة، فإنه لا سلطان إلاّ من الله. والسلطات الكائنة إنما رتبها الله. ومن يقاوم السلطان ـ إذن ـ إنما يعاند ترتيب الله. والمعاندون يجلبون الدينونة على أنفسهم” وتعتبر أقوال بولس من الأقوال المرجعية في الفكر الكنسي في صدد الموقف من الحكام.

ثم بعد أن أصبحت السيادة للكنيسة في القرون الوسطى، أصبح السلطان هو البابا، وعندما حاول فريدريك الثاني المطالبة لنفسه بالسلطة التامة أجابه البابا إينوسان الرابع (1243 ـ 1254م) بأن سلطة الحكومة الزمنية لا يمكن أن تُمارس خارج الكنيسة “لأنه ليس هناك من سلطة أسسها الله خارجها”، وأضاف: “إن نائب المسيح تلقى سلطة ممارسة قضائه بواسطة المفتاح الأول على الأرض بالنسبة للأمور الزمنية، وبواسطة المفتاح الثاني في السماء بالنسبة إلى الأمور الروحية”.

ثم تمرّد الملوك الأوروبيون على سلطة الكنيسة، وفصلوا السلطة الزمنية عن السلطة الكنسية، وقد فعل ذلك فيليب الجميل الذي حكم فرنسا (1285 ـ 1314م)، وأصدر قراراً في عام 1297م فصل فيه الحكومة الزمنية عن الحكومة الدينية، وأقام سلطته على حق الملوك المقدس، أو نظرية الحق الإلهي، وتقوم هذه النظرية على أن السلطة مقدسة، فالملوك هم خلفاء الله في الأرض وعن طريقهم يدير شؤون مملكته، لذلك لم يكن العرش الملكي عرشاً ملكياً فقط، بل كان ذلك العرش هو عرش الإله ذاته، فالملوك يَحِلّون محل الإله الأب، وهي مطلقة، ولا يجب أن تكون محل اعتراض.

ومن الكلام السابق بدءاً من كلام الرسول بولس، مروراً بكلام البابا إينوسان، إلى كلام الملك فيليب نجد أن الاستبداد يقوم على خمسة عناصر هي: السلطة مقدسة، الحاكم مقدس، السلطة مطلقة، ولا يجب أن تكون محل اعتراض، السلطة أبوية وهذا يعني أن البشر عاجزون عن تدبير أنفسهم، وهم بحاجة إلى هذه السلطة الحاكمة، والسلطة تقوم على قهر الرعية.

الاستبداد في الدولة الفارسية

أما الاستبداد الذي عرفته الدولة الفارسية، فهو يمثل الذروة في تطويع الشعوب للمستبدين، وخير ما يعبّر عن هذه المنظومة الثقافية الفارسية هو “عهد أردشير” الذي كتبه أردشير لولده، واعتبرت هذه المنظومة أن الدين طاعة رجل، وأن طاعة السلطات من طاعة الله، واعتبرت ـ أيضاً ـ أن الملك عنصر أساسي وضروري في الأخلاق الكسروية، وطاعته هي القيمة المركزية في هذه الأخلاق، وقد دمجت الثقافة الكسروية في النهاية “الدين والطاعة والسلطان” في حزمة واحدة.

من خلال المقارنة بين المنظومة الثقافية للكنيسة والملوك الإقطاعيين من جهة وبين المنظومة الكسروية من جهة ثانية نجد كثيراً من التشابه في عناصر الاستبداد، فنجد أن السلطة مقدسة والحاكم مقدس عند كلتيهما، وأنهما متطابقتان في بقية العناصر وهي: أن السلطة مطلقة، وأبوية، وقهرية.

استبداد الدولة الإسلامية

أما الاستبداد الذي عرفته الدولة الإسلامية فهو يختلف عن الاستبداد الذي عرضنا عناصره فيما سبق، فهو لا يعطي القدسية للحاكم ولا للسلطة وقد دل على ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في كلمته التي ألقاها عند توليه الخلافة: “أيها الناس لقد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.

وقد أوضح أبوبكر الصديق في كلمته إلى المسلمين الذين انتخبوه أنه حاكم بشر، وأن سلطته بشرية، وأنها محددة بشرع الله وطاعة الله ورسوله، وأنه مسموح الاعتراض عليه، وقد بقي هذا الفهم راسخاً عند المسلمين على مدار القرون، وهو أساس المنظومة الثقافية الإسلامية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهناك عشرات الأدلة على ذلك، وقد اتضح هذا في مسيرة العلماء ـ رحمهم الله جميعاً ـ على مدار الأربعة عشرة قرناً، منهم على سبيل المثال لا الحصر أئمة المذاهب الأربعة: أبو حنيفة، مالك بن أنس، الشافعي، أحمد بن حنبل إلخ…

ولذلك ليست سلطة الحاكم مطلقة في الحكم الإسلامي بل مقيدة بالشريعة الإسلامية المعلنة، ويمكن أن يعترض المسلمون على بعض تصرفات الحاكم، بل هذا واجبهم، وسلطة الحاكم لا تقوم على قهر الشعب لأن هناك تواصلاً ثقافياً بين الحاكم وبين الشعب قام على اللقاء في الحقائق التي طرحها القرآن الكريم في مختلف المجالات: الإنسان، والكون، والحياة، وما قبل الحياة، وما بعد الموت إلخ..

حرص الإسلام على “الشورى” وأمر بها، فقال تعالى: “وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ” (الشورى 38) “وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ” (آل عمران 159) ومع ذلك فإن الدولة الإسلامية عرفت نوعاً من الاستبداد، فما هي أبرز صفات هذا الاستبداد؟

من خلال استقرائنا لوقائع التاريخ الإسلامي، نجد أن أبرز صفات الاستبداد السلطاني، وهي:

  • الاستبداد السلطاني لا يشاور الآخرين: فكان الحاكم المتغلب يصرف أمور الحكم دون مشاورة واسعة، كاملة وتامة لأهل الحل والعقد والرأي في زمانه.
  • الاستبداد السلطاني لا يشارك الآخرين: كان الحاكم المتغلب لا يجعل الآخرين يشاركونه في قرارات الحكم، وينفرد وحده بتصريف أمور الحكم.

استبدادهم واستبدادنا

 

إذن هناك خلاف نوعي بين الاستبداد الذي عرفته المنظومتان الثقافية الفارسية والأوروبية من جهة، والمنظومة الثقافية الإسلامية من جهة ثانية، لذلك كان الإصلاح بالنسبة للمنظومتين الأوليتين لا يتم إلا بالثورة على تلكما المنظومتين وتدميرهما والمجيء بغيرهما، وهو ما حدث في الثورة الفرنسية عام 1789م، أما بالنسبة لاستبداد الدولة الإسلامية فيحتاج إلى تغيير شخص الحاكم، وليس تغيير المنظومة الثقافية، وهذا ما حصل في عدة مراحل من التاريخ الإسلامي.

فعندما جاء عمر بن عبد العزيز إلى الحكم عام 99 للهجرة انتهت كل مفاعيل الاستبداد السابق، وعادت الأمور إلى وضعها الطبيعي في كل المجالات: المالية والاجتماعية والسياسية إلخ، ومن المعلوم أن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وصف بالخليفة الراشد الخامس، ووصف كذلك بأنه مجدد المائة الأولى من تاريخ أمتنا، من أجل الأعمال التي قام بها.

وقد نقل التاريخ -كذلك- أن حاكماً آخر أصلح الأمور وسار فيها بأحسن ما يمكن من الإصلاح والبعد عن الاستبداد وهو نور الدين زنكي حتى لقب بالخليفة الراشد السادس، وقد نقل لنا التاريخ -أيضاً- عن حكام كثيرين أقاموا مجالس للشورى في عدة مجالات، منها: القضاء، والمال، والجيش إلخ… وقد كان هذا في عهد المماليك، وكانت هناك أيام محددة لاجتماع السلطان مع هذه المجالس للتشاور معها فيما يتعلق بأمور الحكم.

مع وجود الاستبداد، فإن حضارتنا أفرزت عدة أنظمة ومؤسسات للتقليل من مفاعيل ذلك الاستبداد وآثاره على الفرد والمجتمع، وأبرز هذه الأنظمة والمؤسسات، هي:

1ـ القرآن الكريم هو الدستور:

جاء مفهوم الاستبداد من النظام الإقطاعي الغربي في العصور الوسطى، حيث كان يملك الإقطاعي فيه الأرض ومن عليها من بشر وحيوان ونبات وشجر، ويتحكم فيهم حسب أهوائه ومزاجه وحسب ما يروق له دون وجود لقانون يرسم أفقاً أو حداً لتصرفاته وأعماله، لذلك عندما جاءت الثورات التي انبثقت عن المرحلة البرجوازية وحملت معها الدستور، اعتبرت هذه الوثيقة (الدستور) التي تحدّد بعض جوانب العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتبيّن واجبات الحاكم والمحكوم وحقوقهما، اعتبرت نهاية لعهد الاستبداد لأنها انتقلت في العلاقة بين الحاكم والمحكوم من العلاقة غير المحددة بأية قواعد أو ضوابط إلى العلاقة المحددة ببعض القواعد والضوابط.

لكن هذه الخاصية كانت موجودة منذ اللحظة الأولى في تاريخنا، حيث كان القرآن الكريم دستوراً لأمتنا لم يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم فحسب، بل فصّل علاقة الحاكم بالمحكوم وبيّن واجبات الحاكم، من مثل: وجوب الشورى، وإقامة الصلاة، وجباية الزكاة وتوزيعها في مصارفها المحدّدة، ونشر الدين، وتحديد العقوبات التي يمكن أن يوقعها الحاكم على المحكومين من مثل: حد السرقة، وحد الزنا، وحد الحرابة،  وحد شرب المسكرات إلخ… وبيّن واجبات المحكوم من مثل: الطاعة طالما أن الحاكم مطيع لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والنصح للحاكم، ودفع الزكاة، والاستجابة لداعي الجهاد، إلخ.

إذن هذه التحديدات التي شرعها الإسلام في مجالات الحاكم والمحكوم وفي العلاقة بينهما وفي علاقتهما بالآخرين أزالت سبباً رئيسياً من أسباب الاستبداد.

2ـ بناء المسلم على عدم القابلية للاستبداد بل معاداته ومحاربته:

بنى الإسلام المسلم على معاداة الاستبداد، والاستعداد لمواجهته وذلك من خلال قصة موسى عليه السلام التي وردت في القرآن الكريم 136 مرة، والأرجح أن الحكمة من وراء ذلك توضيح أمر المستبدين، وإجلاء صور استبدادهم ومساوئه وآثاره، والتحذير منه، ليس ذلك فحسب بل قصد القرآن الكريم من ذكر تلك القصة، والحديث عن تفاصيلها، تعليم المسلم كيفية مواجهة أولئك المستبدين، وتعليم المسلم كيفية الانتصار عليهم، وذلك من خلال ثلاث خطوات وضحها القرآن الكريم، وهي:

  • تشريح صورة المستبد.
  • الأمر بمواجهة هذا المستبد.
  • الزاد الذي يحتاج المسلم في المواجهة.

فرعون.. الصورة الأوضح للاستبداد

لقد وضح القرآن الكريم صورة فرعون كأجلى صورة، وذكر أنه اتصف بالانفراد بالرأي وفرضه على الرعية، فقال تعالى: “قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ” (غافر، 29). واتصف فرعون بأن علاقته بشعبه هي علاقة قهر وقتل واستعباد واستعلاء …. فقال تعالى: “قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ” (الأعراف، 127). وكذلك اتصف فرعون بالاستئثار بأموال مصر فقال تعالى: “وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ” (الزخرف، 51).

ففي مجال تعليم المسلم مواجهة أولئك الطغاة المستبدين كان موسى عليه السلام هو المثال الأوضح في هذا الصعيد، فقد أمره الله أن يذهب إلى فرعون ويواجهه، فقال تعالى: “هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى” (النازعات، 15- 19). وقال تعالى: “اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى*فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى *قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يطغى*قَالَ لَا تَخَافَا ? إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وأرى” (طه، 43- 46).

فكان الدرس الأول الذي تعلمه موسى عليه السلام من كلام الله هو الاستجابة لأمر الله في مواجهة المستبدين، مع خوفه عليه السلام من بطش فرعون، لكن الله بين له العدة التي يمكن أن تقيه في تلك المواجهة وهي استحضار معية الله كما وضحت الآيات السابقة، لذلك عندما لحق فرعون موسى عليه السلام، وخوّفه قومه من وصول فرعون إليهم، استنكر موسى عليه السلام تخويفهم له بلحاق فرعون بهم، وأجابهم بأن الله معه سيهديه ويحفظه من جيش فرعون، قال تعالى: “فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ? إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ” (الشعراء، 61- 62).

تبين لنا قصة موسى عليه السلام مع فرعون أمرا أساسيا، وهو أن بناء الإنسان هو اللبنة الأولى في مواجهة الطاغوت المستبد، وهذا البناء يقوم على البناء النفسي السليم وعلى معرفة الله ـ سبحانه وتعالى ـ المعرفة الحقة بكل قوته وقدرته وعلمه وجبروته سبحانه وتعالى، ثم يأتي استحضار معيته في هذه المواجهة، لأنه لن يكون هناك صمود وانتصار دون حصول هذا البناء النفسي.

3 ـ اتساع النطاق المدني في حضارتنا:

لقد أفرزت حضارتنا عدة مؤسسات مدنية قللت من آثار الاستبداد، وهي:

أ ـ طبقة العلماء التي قادت الأمة إلى جانب الأمراء:

تميزت فترة الخلافة الراشدة بأن الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ كانوا أمراء الأمة وعلماءها في الوقت نفسه، لكن العهد الأموي شهد ظهور قيادتين للأمة هما: قيادة الأمراء وقيادة العلماء، ثم استمر الأمر على هذا المنوال في العهود التالية: العباسية، والمملوكية، والعثمانية، وقد كانت قيادة الأمراء تأخذ شرعيتها من التزامها بالشريعة الإسلامية، ثم يأتي دور طبقة العلماء ليعلنوا سلامة التزام قيادة الأمراء الجديدة بالشريعة وهذا ما يمكن أن نعتبره أول عامل يقلل من آثار الاستبداد ـ كما وضحنا ذلك في بداية الحديث ـ لأنه كان يحدّد علاقة قيادة الأمراء برعيتها، ويوضح واجبات وحقوق الطرفين:

الراعي والرعية، كما أنها (أي قيادة الأمراء) لم تكن تنفرد بقيادة جماهير المسلمين، بل كانت قيادة العلماء تشاركها في هذه القيادة من جهة، وتحاسبها على كثير من تصرفاتها من جهة ثانية مما يقلل من آثار الاستبداد السيئة، ولا أريد أن أعدد أسماء العلماء الذين ساهموا في قيادة المسلمين على مدار التاريخ الماضي أو أعدد المواقف التي تشير إلى محاسبتهم الأمراء، فالتاريخ مملوء بشواهد تدل على الأمرين السابقين، والأمر أجلى وأوضح من أن يحتاج إلى تعداد أو تدليل، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: أبو حنيفة، مالك بن أنس، أحمد بن حنبل، العز بن عبد السلام، ابن تيمية.

ومما تجدر الإشارة إليه أن قيادة العلماء لم تبق في صورة أشخاص إنما تحوّلت إلى أشبه ما يكون بالمؤسسة مع مرور الزمن فأصبحت هذه القيادة تحتوي عدة وظائف في العهد العثماني، منها: شيخ الإسلام الذي كان يسكن عاصمة الخلافة استامبول، ويأتي ترتيبه الثاني في البروتوكول  الرسمي بعد الخليفة وقبل الصدر الأعظم الذي هو رئيس الوزراء، ومنها أيضاً: القضاة، والفقهاء، ونقباء الأشراف، وخطباء المساجد وأئمتها، والمؤذنون والخدمة، والقرّاء، والوعّاظ إلخ. 

وكان هؤلاء يأخذون رواتبهم من خلال الأوقاف، وكان القضاة يقومون بالإضافة إلى قضائهم في الخصومات الشخصية والتجارية، بتثبيت مشايخ الحرف وفض منازعاتهم، وكان القضاة بمثابة حكام شرعيين للأمة، وكانوا يقومون بدور صلة الوصل بين الوالي والأهالي، فينقلون أحكام الوالي إلى الأهالي، وينقلون رغبات الأهالي وطلباتهم إلى الوالي.

ب‌ ـ التنظيمات الحرفية:

فمن دراسة الحرف والصناعات نجد أن كل حرفة كانت تختار شيخها المناسب بإرادتها الذاتية المحلية، وكانت سلطة شيخ الطائفة تشمل إدارة شؤون أبناء الطائفة، والاهتمام بمشاكلهم، والإشراف على تنفيذ اتفاقاتهم، والطلب من القاضي تسجيل هذه الاتفاقات، وكان يرفع شكاوى الطائفة على طائفة أخرى إلى القاضي بنفسه، وكان الوالي يتصل بأصحاب الحرفة عن طريقه.

وكان هناك “شيخ مشايخ الحرف أو شيخ التجار” وكان يعيّن بإجماع التجار ويشترط فيه أن يكون صاحب دين وأخلاق أهلاً للمشيخة لائقاً بها، وأن يختاره ويرضى به كامل التجار، وأن يوافق القاضي والسلطان على تعيينه، وكانت مهمة هذا الشيخ تشمل الإشراف على كل طوائف الحرف ومشايخها، ويقوم بصلة الوصل بين الوالي والقاضي من جهة، وهذه الطوائف من جهة أخرى، ولا يتم أي تغيير إلا بعلمه ورأيه، وكان مشايخ الحرف كلهم يُنتخبون بحضوره ويُزكّون بتزكيته.

ت ـ مؤسسة الحسبة:

نشأت الحسبة في مرحلة مبكرة من تاريخ المجتمع الإسلامي، ثم تطوّرت فأصبح يرأسها محتسب ومعه محتسبون معاونون، مهمتهم المحافظة على الآداب والأخلاق والنظافة والحشمة ومنع الغش وعدم الاختلاط. وقد كانت مؤسسة الحسبة تهدف أن تجعل الأخلاق الإسلامية سجية وطبعاً ليبقى المجتمع محافظاً على شخصيته وهويته.

ث ـ مؤسسة الأوقاف:

أما الأوقاف فقد شغلت ثلث ثروة العالم الإسلامي، وقامت بدور اجتماعي وثقافي واقتصادي كبير، فقد أنشأت المدارس والمكتبات، وأنفقت على العلماء وطلاب العلم، كما كلفت بعض العاملين بنسخ الكتب من أجل إيقافها على طلاب العلم، كما أنشأت الأوقاف المستشفيات التي كانت تعالج الناس مجاناً، كما أنشأت الخانات التي كانت تؤوي الناس على الطرقات، كما أوقفت الدور التي تساعد الفقراء وتؤويهم وتطعمهم إلخ. وقد مثلت مؤسسة الأوقاف إحدى أزهى حلقات تاريخنا الإسلام.

الخلاصة

هناك اختلاف نوعي بين الاستبداد الذي عرفه الغرب وفارس، وبين الاستبداد السلطاني الذي عرفته الدولة الإسلامية، ومع ذلك أفرزت الحضارة الإسلامية عدة أنظمة ومؤسسات تقلل من مفاعيل الاستبداد على الفرد والمجتمع.

رابط المقال من موقع عربي 21 عن الاستبداد السياسي والأديان.. مفاهيم وتجارب

ظهرت المقالة عن الاستبداد السياسي والأديان.. مفاهيم وتجارب أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a7%d9%86/feed/ 0 2070
“فقه المشاركة السياسية”: الحكم والوقائع https://www.al-ommah.com/%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9/#respond Sun, 07 Oct 2018 21:27:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2100 من أجل الحديث عن “الإسلام السياسي” وأدائه في العصر الحاضر في مجالات “العمل السياسي”، و”فقه المشاركة” و”التحالف” لابد من توضيح حقيقتين كمقدمة للحديث عن “فقه المشاركة السياسية”، وهما: الأولى: إن الدين الإسلامي دين سياسي بامتياز، وقد تأكد ذلك من خلال آيات القرآن الكريم التي نزلت في مكة، وهي تؤسس لمواجهة […]

ظهرت المقالة “فقه المشاركة السياسية”: الحكم والوقائع أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
من أجل الحديث عن “الإسلام السياسي” وأدائه في العصر الحاضر في مجالات “العمل السياسي”، و”فقه المشاركة” و”التحالف” لابد من توضيح حقيقتين كمقدمة للحديث عن “فقه المشاركة السياسية”، وهما:

الأولى: إن الدين الإسلامي دين سياسي بامتياز، وقد تأكد ذلك من خلال آيات القرآن الكريم التي نزلت في مكة، وهي تؤسس لمواجهة طواغيت قريش من أمثال أبي جهل وأمية بن خلف إلخ..، وتؤسس أيضاً للدفاع عن الفقراء والمستضعفين واسترداد حقوقهم، فقال تعالى:

“ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين” (المطففين، 1-6).

وقد أكدت سيرة الرسول –صلى الله عليه وسلم- هذه المعاني، فقد وجه أهل قريش أحد المظلومين الذين أكل أبو جهل حقه أن يذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليسترد له حقه، وبالفعل ذهب الرسول مع المظلوم إلى دار أبي جهل، وقرع بابه، وطالب الرسول أبا جهل أن يرد له حقه ففعل.

وقد أبرزت سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في توجهه لإقامة الدولة في المدينة، بأن الدين الإسلامي حريص على أن يقيم نموذجه وقيمه في الأرض، وهذا يقتضي العمل السياسي بكل مفرداته من اللقاء مع الآخرين، وإقامة التحالفات، وإمضاء المعاهدات، وإرسال الرسل، وإتقان قيادة الجماهير، والتأثير فيها إلخ…

وقد تجسدت هذه الفاعلية السياسية على مدار القرون بعلماء الأمة الذين اتخذوا المواقف المناسبة حسب ظروف الأمة السياسية، بدءاً بأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس إلخ…، مروراً بابن تيمية والعز بن عبد السلام إلخ…، وانتهاء بعبد الحميد بن باديس وعلّال الفاسي وعبد العزيز البدري والحاج أمين الحسيني إلخ…

الثانية: الأمة الإسلامية مستهدفة ـ الآن ـ بالتجزئة السياسية والتفتيت الثقافي، منذ ما يقرب من قرنين، وهناك مشاريع متعددة ظهرت من أجل تجزيئها سياسياً وتفتيتها ثقافياً، لكني سأذكر بعض مشاريع التجزيء السياسي التي برزت خلال القرن الماضي دون التعرض لمشاريع التفتيت الثقافي.

وأبرز مشاريع التجزيء السياسي في القرن الماضي، منها: معاهدة سايكس ـ بيكو عام 1916، والتي نفذت بعد الحرب العالمية الأولى وقسمت بلاد الشام إلى أربع دول، وكانت ثمرة ذلك إقامة دولة إسرائيل عام 1948، ثم جاءت بعد ذلك مخططات إسرائيلية أبرزها: ما فضحه الصحفي الهندي كارانجيا عام 1957، في كتاب (خنجر إسرائيل) والذي وضح فيه المخططات الإسرائيلية لتجزيء الدول المحيطة في تلك الفترة.

كما تأتي وثيقة الخارجية الإسرائيلية التي كشفتها مجلة (كيفونيم) “اتجاهات” في هذا المجال عام1982، والتي تستهدف تجزيء العراق وسورية والأردن ومصر والمغرب العربي والسودان والمملكة العربية السعودية.

وكان آخرها “مشروع الشرق الأوسط الجديد” الذي طرحه “المحافظون الجدد” وتبنى تحقيقه بوش في رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2000-2008، واستهدف المشروع تجزيء دول الشرق الأوسط ومنها: العراق، سورية، الأردن، السعودية، إيران، إلخ…، وعبّر عن ذلك مقال الضابط الأمريكي “رايف بيترز” بعنوان “حدود الدم” الذي نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد تموز/يوليو 2006.

بعد أن قدمنا لحديثنا بتانك الحقيقتين اللتين توضحان حجم الأخطار المحدقة بالأمة من جهة، وأهمية العمل السياسي في الإسلام من جهة ثانية، نستطيع أن نقول: إن الإسلام يبيح لحركات “الإسلام السياسي” والجماعات الإسلامية والمشايخ والعلماء أن يتعاونوا مع “الآخرين”، شريطة أن يكون هؤلاء “الآخرون” مرتبطين بالأمة، ومهتمين بشأنها.

وقد طبقت حركات الإسلام السياسي وتجمعات العلماء والمشايخ ذلك المفهوم على مدار القرن الماضي، وسنرصد ذلك في ثلاث محطات خلال القرن الماضي:

المحطة الأولى: بعد الحرب العالمية الأولى:

واجهت الشعوب العربية الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى بأوسع طيف من “المشاركة السياسية” بين مختلف جماعات “الإسلام السياسي” والعلماء والمشايخ من جهة، والطوائف والأحزاب القومية والوجهاء من جهة ثانية، ويمكن أن نضرب مثالاً على ذلك من فلسطين وسورية.

لقد استهدفت الصهيونية إقامة دولة لها في فلسطين، وقد اقتضى ذلك نشاطاً سياسياً واسعاً من الشعب الفلسطيني من أجل مواجهة هذا الخطر الداهم، وقد قاد الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ذلك النشاط السياسي، وقد ابتدأ نشاطه عندما عقد المؤتمر الإسلامي الأول الذي جمع عدداً من العلماء من سنّة وشيعة ومن مختلف بلدان العالم الإسلامي في القدس عام 1931.

ثم قاد نشاطاً سياسياً آخر على مستوى فلسطين انتهى به إلى تشكيل الهيئة العربية العليا التي ضمت في أجهزتها الإسلاميين والقوميين والمسيحيين والليبراليين، وأبرز الإسلاميين الذين ساهموا في العمل السياسي مع الحاج أمين الحسيني جماعة عز الدين القسام، ومن القوميين: محمد عزة دروزة، ومن المسيحين: أميل الغوري.

أما سورية فقد جمعت ثوراتها المتعددة مشايخ سورية، وجمعياتها الدينية في مختلف المدن السورية، وشخصيات وطنية مثل: شكري القوتلي ورشدي الكيخيا وصبري العسلي وشخصيات مسيحية مثل: فارس الخوري، وكانت ثمرة ذلك التشارك السياسي الذي قاده الإسلاميون استقلال سورية عام 1946.

لقد شهدت معظم ساحات الدول العربية بعد الحرب العالمية الأولى تشاركاً سياسياً واسعاً بين الإسلاميين وغيرهم, وقاده الإسلاميون في معظمه، وقد أدى ذلك إلى اندحار الإستعمار واستقلال معظم الدول العربية.

المحطة الثانية: بعد الحرب العالمية الثانية:

أثمر الإستقلال والتحرر بأن قامت حكومات وطنية، وبذلك تأسست الدولة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية في معظم الدول العربية، ثم حكم جمال عبد الناصر مصر بعد انقلاب عام 1952، وكان قومياً عربياً في البداية ثم ربط الفكر القومي بالإشتراكي في ستينات القرن الماضي، وأسس ذلك اللقاء بين الفكر القومي العربي والفكر الإشتراكي إلى تعميق المعاداة للدين الإسلامي واعتباره عقبة تحول دون التقدم والنهضة، ولا بد من استئصاله من حياة الشعوب العربية، وقد انتقل ذلك التأصيل من التيار الناصري في مصر إلى حزب البعث في العراق وسورية، وإلى جبهة التحرير الجزائري التي حكمت الجزائر بعد استقلال عام 1962، وإلى السودان على يد جعفر النميري بعد انقلاب عام 1969، وإلى ليبيا بعد انقلاب القذافي عام 1969، وإلى الصومال بعد انقلاب زياد بري عام 1969 إلخ…

وقد أدت تلك المواقف إلى اضطهاد التيارات الدينية الإسلامية، وإلى انعدام المشاركة السياسية بين الإسلاميين وغيرهم، والسبب في ذلك هو التيارات القومية الماركسية التي صنفت التيارات الإسلامية والمشيخية في صف الرجعية، ومعاداة الشعب، وأنه يجب استئصالها.

المحطة الثالثة: الربيع العربي:

لقد جاء انفجار ثورات الربيع العربي عام 2011 في عدد من الدول مثل مصر وتونس وسورية واليمن، نتيجة استبداد حكام الدولة الوطنية وفشلهم في إنجاز النهضة والتقدم، واستخذائهم أمام العدو الخارجي، وسرقتهم لخيرات الدولة وتوزيعها على عائلة الحاكم والمحسوبين حوله، وانقلاب النظام الجمهوري إلى نظام ملكي في توريث الحاكم الحكم لأبنائه إلخ…

لقد نجح التعاون بين مختلف فئات الشعب وأحزابه وجماعاته في دول الربيع العربي من إسلامية وقومية وليبرالية واشتراكية إلخ… إلى إطلاق شرارة ثورات الربيع العربي في البداية، ثم نجح هذا التعاون والتشارك السياسي في ثورات الربيع العربي في إسقاط بعض الأنظمة كما حدث في تونس ومصر واليمن وليبيا، ولكنه تعثر في بعضها الآخر كما حدث في سورية، وانبثقت دولتان ديمقراطيتان في مصر وتونس عام 2011 بكل معنى الكلمة، وبما تتطلبه الديمقراطية من دستور وانتخابات واستفتاءات وبرلمان ورئيس للجمهورية ووزارة مسؤولة أمام البرلمان إلخ..

وفاز الإسلاميون في كلا البلدين وكسبوا الأكثرية التي تنص عليها الديمقراطية التي جعلتهم حكاماً للبلدين. لكن المفاجأة كانت عندما انقلبت بعض الأطراف المشاركة في نظام الحكم في مصر من قوميين وليبراليين ويساريين في 30 من حزيران/يونيو 2013 على النظام الديمقراطي الذي رأسه محمد مرسي بعد انتخابات شعبية ونزيهة على مستوى مصر عام 2012. وقد مثل هذا الانقلاب نكسة وكسراً لمفهوم “المشاركة السياسية” الذي ولده الربيع العربي.

من خلال استعراضنا للمحطات الثلاث في “المشاركة السياسية” نجد أن “الإسلاميين” بكل أصنافهم أقبلوا على التعاون مع الأطراف الأخرى، وقد نجح التعاون و”التشارك السياسي” في محطة واحدة وهي المحطة الأولى: بعد الحرب العالمية الأولى، لكنه فشل في المحطتين الأخيرتين: بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد الربيع العربي، والسبب هو: الأطراف الأخرى من قومية ويسارية وليبرالية إلخ… والتي خرجت من المشاركة السياسية لأسباب مصلحية، أو أوهام أيديولوجية، أو أوامر خارجية، خرجت لواحد من الأسباب السابقة أو لجميعها.

الخلاصة:

توصلنا من خلال الحقيقتين اللتين أدرجناهما في بداية المقال، وهما:

الإسلام دين سياسي بامتياز، والأخطار الوجودية المحدقة بالأمة من تجزئة وغيرها، توصلنا إلى أن الإسلام يبيح التشارك مع “الآخرين” في الدفاع عن وجود الأمة والمحافظة عليها شريطة أن يكون “الآخرون” مرتبطين بالأمة ومهتمين بشأنها.

ورصدنا التعاون بين “الإسلام السياسي” و”الآخرين” في ثلاث محطات هي: بعد الحرب العالمية الأولى والثانية والربيع العربي، فوجدنا أنه تحقق ونجح في مرة واحدة هي: بعد الحرب العالمية الأولى، وتعثر في المحطتين الأخريتين، والسبب في ذلك يعود إلى أن “الأطراف الأخرى”من قومية ويسارية وليبرالية واشتراكية إلخ… راعت مصالحها الفردية ولم تنظر إلى صالح الأمة من جهة، وتبعت أوهامها الأيديولوجية من جهة ثانية، وصدعت لأوامر خارجية من جهة ثالثة.

رابط المقال من موقع عربي 21 “فقه المشاركة السياسية”: الحكم والوقائع

 

ظهرت المقالة “فقه المشاركة السياسية”: الحكم والوقائع أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9/feed/ 0 2100
هل سينجح الغرب في علمنة الإسلام؟ https://www.al-ommah.com/%d9%87%d9%84-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d8%ac%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%9f/ https://www.al-ommah.com/%d9%87%d9%84-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d8%ac%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%9f/#respond Tue, 17 Jul 2018 18:43:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2079 بعد أن قامت الحضارة الغربية في أوروبا، وطوّرت آلتها العسكرية، واتجه الغرب إلى المواجهة مع الخلافة العثمانية بعد الثورة الفرنسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واستعمر معظم الدول العربية والإسلامية وحكمها بالأنظمة الغربية في مختلف المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية إلخ. وبدأ التغريب يسري في أوساط المجتمع العربي والإسلامي في […]

ظهرت المقالة هل سينجح الغرب في علمنة الإسلام؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
بعد أن قامت الحضارة الغربية في أوروبا، وطوّرت آلتها العسكرية، واتجه الغرب إلى المواجهة مع الخلافة العثمانية بعد الثورة الفرنسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واستعمر معظم الدول العربية والإسلامية وحكمها بالأنظمة الغربية في مختلف المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية إلخ.

وبدأ التغريب يسري في أوساط المجتمع العربي والإسلامي في السلوك والعادات والتقاليد واللباس والطعام والشراب إلخ…، لكن الغرب وأتباعه من مستشرقين ومستغربين لم يكتفوا بذلك، بل كانوا يريدون “علمنة الإسلام” من أجل أن يضمنوا سيطرتهم على الأمة سيطرة كاملة، وأن يضمنوا إنفاذ مبادئ الغرب وقيمه وأفكاره في وجود الأمة، ونحن سنستعرض المحاولات التي قاموا بها، والمجالات التي طرقوها لتحقيق ذلك، ومن أبرزها:

1- علمنة “النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة” في الإسلام:

إنّ أبرز مقوّم تقوم عليه علمانية الحضارة الغربية هو “نسبية الحقيقة”، وهو يتعارض مع “النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة” في ديننا، لذلك فإن المستغربين من الأمة ركزوا كثيراً على “النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة” وهي التي لا تقبل التغيير من مثل: أحكام العقيدة، أحكام الصلاة والعبادة، أحكام الحدود، وأحكام الميراث، وأحكام الأسرة إلخ…، فقالوا عن أحكام الحدود من مثل حد الرجم وحد قطع يد السارق بأنها وحشية، وشكّكوا في حديث حد الردّة، وقالوا بأنه يتعارض مع قول الله تعالى: “لا إكراه في الدين”، كما طالبوا بتغيير أحكام الميراث، ودعوا إلى المساواة في أحكام الميراث بين الذكر والأنثى، كما دعوا إلى إيقاف تشريع تعدد الزوجات، والنص على الزواج بواحدة، ومعاقبة من يُعدّد.

وإذا أردنا أن نستعرض الداعين إلى علمنة “النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة” فهي قائمة طويلة، فمنهم: حسين أحمد أمين، محمد سعيد العشماوي، محمد شحرور، محمد عابد الجابري، محمد أركون، إلخ.

2- علمنة “ثنائية النقل والعقل” في الإسلام:

من المؤكد أن ديننا قام على ثنائية “النقل والعقل”، وقام على أنّ هناك توافقاً بين “صحيح المنقول وصريح المعقول”، وأنه ليس هناك تعارض بين النقل والعقل، وإذا وُجد مثل ذلك، فإن الأمر لا يتعدى أن هناك خطأ في المنقول فإنه لا يرقى إلى مستوى الصحيح، أو أنّ هناك خطأ في المعقول فهو ليس صريحاً واضحاً مُؤكداً.

من الواضح أن الحضارة الغربية تقوم على “العقل” وحده، لذلك حاول المستغربون من الأمة أن يطعنوا في “النقل”، فشككوا في ثبوت السنة النبوية وهي إحدى دعامتي النقل، وطعنوا في تدوينها، وكثيرون رفضوا “السنّة”، وكتب الأحاديث مثل صحيح البخاري ومسلم والسنن والمساند إلخ…، واعتبروها مؤلفة لأغراض سياسية، ومن هؤلاء: طه حسين، محمد عابد الجابري، محمد شحرور، أدونيس، عبدالمجيد الشرفي إلخ.

وثُمّ جرت محاولات أخطر، وهي محاولة تضييق جانب النقل لصالح العقل، وأبرز من قام بذلك: محمد عابد الجابري عندما اعتبر أن معجزة الرسول –ﷺ- هي القرآن الكريم فقط، وهو معجزة عقلية، وأنّ كل المعجزات الحسيّة التي أعطاها الله -سبحانه وتعالى- للرسول محمد –ﷺ- من مثل: الإسراء والمعراج، انشقاق القمر، إلخ…، اعتبرها الجابري غير صحيحة بحجة أنها تتعارض مع القرآن الكريم.

3- علمنة “الغيوب” في الإسلام:

قام الإسلام على ثنائية “عالمي الغيب والشهادة”، ودعا المسلمين إلى الإيمان بالعالمين، وربما كان عالم الغيب أكبر وأضخم من عالم الشهادة حسب المعطيات الشرعية، فهناك الجنة والنار، والملائكة، والشياطين، والسحر، والحسد، إلخ.. ومن الواضح أن الحضارة الغربية المعاصرة قامت على الإيمان بعالم الشهادة فقط، وهو “العالم المادي” المحسوس، وقامت على إنكار عالم الغيب، واعتبار “عالم الغيب” خرافة وأوهاماً، وقد وقع ذلك نتيجة ملابسات خاصة عاشتها أوروبا منذ العصور الوسطى، وهي تصادم الكنيسة مع جماهير الناس والعلماء في أمرين، وهما: كبت الشهوات الإنسانية الفطرية المرتبطة بالمرأة والملذات من جهة، ورفض الإنجازات العلمية من جهة ثانية.

لذلك لجأ كثير من العلماء إلى تأويل كثير من الغيوب الإسلامية من أجل تضييق الفجوة بين عالمي الغيب والشهادة لصالح عالم الشهادة في الحضارة الغربية، ومن أبرز الكتّاب والعلماء الذين قاموا بهذه المحاولة: محمد فريد وجدي، وطنطاوي جوهري، ومحمد عابد الجابري إلخ.

4- علمنة “نظام الحكم” في الإسلام:

استهدف الإسلام إقامة دولة تكون نموذجاً مشرقاً للبشرية إلى قيام الساعة، وقد حقق ذلك الرسول –ﷺ- عندما أقام دولة في المدينة المنورة، وقادها لمدة عشر سنين، قأقام بذلك أفضل حكومة عرفتها البشرية، وقامت على تشريعات إلهية، وقادها خير إنسان عرفته البسيطة وهو الرسول محمد ﷺ.

ثم جاء بعده الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، واستمروا على منواله –ﷺ- ووسّعوا رقعة دولتهم، لذلك استحقوا أن يكونوا نموذجاً يُقتدى بهم ويُستفاد منهم، وقد وجّهنا الرسول –ﷺ- إلى الاستفادة من بنائهم وجهودهم، فقال: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي” (أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهم).

ثم استمرت الدولة قائمة فاعلة بأمر الدين والدنيا مسيرة أربعة عشر قرناً، مساهمة في بناء حضارة البشرية، ثم جاء بعد ذلك نفر من المستغربين فطعنوا في هذا الحكم بصور مختلفة، وتناول كل منهم جانباً من الجوانب، لكنّ القصد من مجموع هذه الطعون والأقاويل والاتهامات والافتراءات الوصول إلى أمر واحد هو “علمنة الحكم الإسلامي”.

وقد بدأت هذه الطعون بكلام علي عبدالرازق بدعوى أنه ليس هناك حكم في الإسلام، وأنّ “الخلافة” من اختراع المسلمين، وأنّ الرسول جاء “داعياً” فقط، وأنّ الدين الإسلامي “دين دعوة” وليس “دين حكم”، وقد دوّن كل تلك الأقوال في كتاب “الإسلام ونظام الحكم” الذي أعدمه الأزهر، بعد أن حاكم الكتاب وصاحبه، ونزع الصفة الأزهرية عن صاحبه.

وقد ادّعى بعض المستغربين بأننا يمكن أن ننقل التجربة الديمقراطية الغربية وتطبيقها في بلادنا العربية والإسلامية بكل حذافيرها، وذلك لأنها تحقق العدل والمساواة والشورى لأبنائها في أوروبا وأمريكا، وهذا ما يريده الإسلام من نظام الحكم الإسلامي الذي يقيمه، لكنّ هؤلاء المستغربين نسوا أن الديمقراطية التي تحقق العدل والمساواة والشورى لأبنائها، هي وحش كاسر خارج حدودها، وخير شاهد على ذلك احتلال أفغانستان في عام 2001م، واحتلال العراق عام 2003م وتدميرهما، ثم تدمير سورية وليبيا بعد عام 2011م، ونسوا –كذلك- أنّ هناك طامّات كبرى في مبادئها من مثل: “نسبية الحقيقة”، وإنكار الغيوب، واعتبار الكون مادة، وتقديم المصلحة على الأخلاق، وهذه المبادئ لا تنفك عن آليات التطبيق، وترتبط بها، وتَلزمُها.

لكننا يمكن أن نستفيد من التجربة الديمقراطية الغربية ونأخذ آلياتها، عندما يكون الإسلام هو المرجعية في الحكم، وتشريعاته هي المطبقة على الأرض، وتكون القيادة لعلماء ربانيين مرتبطين بأمتهم، ويكون جمهور المسلمين متفاعلاً مع قيادته. هذا ما يقبل به الإسلام، فحينئذ يتحقق العدل والمساواة والشورى، مع تجنب مساوئ النظام الديمقراطي الغربي.

الخلاصة:

قامت الحضارة الغربية في نهاية القرون الوسطى تحمل نموذجاً حضارياً جديداً، وحاولت فرضه على العالمين العربي والإسلامي، من خلال استعمارها لكثير من الدول العربية والإسلامية، لكنّ الغرب أراد أمراً أبعد من ذلك، فهو أراد “علمنة الإسلام” من أجل أن تصبح الحضارة الغربية مقبولة من قبل الأمة الإسلامية وليست مفروضة عليها، وأراد أن يكون ذلك بأيدي شخصيات مسلمة، فقام عدد من المستغربين بمحاولة تطويع بعض محاور الدين الإسلامي لصالح “العلمنة”، وكانت أبرز المحاور: النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة، الغيوب، ثنائية العقل والنقل، الحكم، وغيرها.

هل سينجح الغرب في ذلك، ويقبل المسلمون بتلك المحاولة؟ من الأرجح أنه لن ينجح في ذلك، لأنها جرت محاولات كثيرة سابقة في التاريخ الإسلامي من أجل تطويعه لمبادئ أخرى وفشلت، وكان علماء الأمة –دائماً- واعين لمثل هذه المحاولات، وسيكونون كذلك –الآن- ويصدونها بإذن الله.

رابط المقال من مدونات الجزيرة هل سينجح الغرب في علمنة الإسلام؟

ظهرت المقالة هل سينجح الغرب في علمنة الإسلام؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%87%d9%84-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d8%ac%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%9f/feed/ 0 2079
لماذا كتب العقاد “العبقريات”؟ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa/#respond Sun, 27 May 2018 00:48:02 +0000 https://al-ommah.com/?p=1067 يعتبر العقاد من أكبر الكتّاب العرب في القرن العشرين، وأغزرهم إنتاجاً، وسمّاه سعد زغلول “جبار المنطق”، وكان متنوع الإنتاج فكتب الشعر، وأنشأ مدرسة شعرية سُميت “مدرسة الديوان”، وشكلها مع اثنين آخرين هما: عبد الرحمن شكري، وإبراهيم المازني، لكن أبرز ما كتبه هو مجموعة مؤلفات تحت مسمى “العبقريات”. وقد تحدّث فيها […]

ظهرت المقالة لماذا كتب العقاد “العبقريات”؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
يعتبر العقاد من أكبر الكتّاب العرب في القرن العشرين، وأغزرهم إنتاجاً، وسمّاه سعد زغلول “جبار المنطق”، وكان متنوع الإنتاج فكتب الشعر، وأنشأ مدرسة شعرية سُميت “مدرسة الديوان”، وشكلها مع اثنين آخرين هما: عبد الرحمن شكري، وإبراهيم المازني، لكن أبرز ما كتبه هو مجموعة مؤلفات تحت مسمى “العبقريات”.

وقد تحدّث فيها عن عبقريات إسلامية من مثل: الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان، وعلي، وآخرين رضي الله عنهم. كما كتب عن عبقريات أخرى غير إسلامية من مثل: فرنكلين برناردشو، غاندي.. إلخ، والسؤال الذي يَرِد: لماذا كتب العقاد العبقريات؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا من أن نجيب على سؤالين قبل ذلك وهما: بماذا يؤمن ويعتقد العقاد؟ ومتى كتب العبقريات؟

العقاد هو ابن ثورة 1919م التي قادها سعد زغلول، والتي قامت بعد الحرب العالمية الأولى مطالبة باستقلال مصر عن الاحتلال الإنجليزي، وقد أثمرت هذه الثورة نظاماً ديمقراطياً في مصر، وتمثّل هذا النظام الديمقراطي في دستور عام 1923م، وقد حدد هذا الدستور سلطات الملك، وانبثق عنه برلمان ترأسه سعد زغلول عام 1926م، كما كان العقاد أحد أعضاء هذا البرلمان، كما أعطى الدستور للشعب حقوق تشكيل الأحزاب، وإنشاء الصحف، وحرية الرأي، والمظاهرات، وتشكيل النقابات، والقيام بالإضرابات.. إلخ.

وإذ أردنا أن نتساءل بماذا يؤمن العقاد؟ نقول إن العقاد يؤمن بأمرين: 

الأول: يؤمن العقاد بالنظام الديمقراطي إيماناً كاملاً، ويؤمن بأنه النظام الأمثل الذي سينقذ الشعب المصري، وينقله نقلة حضارية بعيدة، ويعتقد أن النظام الديمقراطي الإنجليزي هو النظام الأمثل الذي يجب أن تحتذيه مصر. ولم يؤمن بالنظام الديمقراطي إيماناً نظرياً فقط، بل تعداه إلى الموقف العملي، ودخل السجن دفاعاً عن النظام الديمقراطي، وذلك عام 1930م، عندما هاجم وزارة إسماعيل صدقي التي عطلت الدستور، فشنّ العقاد عليها حملة صحفية، فقدمته الوزارة إلى المحاكمة، وحُكم عليه بالسجن وقضى تسعة أشهر فيه، وعندما خرج من السجن توجه إلى قبر سعد زغلول وألقى قصيدة قال فيها:

وكنت جنين السجن تسعة أشهر فها أنذا فى ساحة الخلد أولد
عداتي وصحبي لا اختلاف عليهم سيعهدني كل كما كان يعهد

الثاني: يؤمن العقاد بالفرد، وبدور الفرد في المجتمع، متأثراً بفيلسوفين هما: شوبنهو ونيتشة، ويعتقد العقاد بأن الذاتية هي الغاية من الرقيّ، وأن الرقيّ إنما هو الانتقال من وجود مبهم سائب إلى وجود ذات، إلى وجود يعلم ذاته. وطبّق ذلك على الانتقال من الجماد إلى عالم النبات إلى عالم الحيوان إلى عالم الإنسان.

ووقف العقاد موقفاً منحازاً وغير متوازن إلى جانب الفرد على حساب الجانب الجماعي في الفرد والأمة، نتيجة من نتائج إيمانه بالديمقراطية التي تقوم على الفرد كأصل من أصولها، وتقوم على إطلاق حرية حياة الفرد دون حدود، وتعتبر أن الفرد فقط هو الباني والمحرك للتاريخ. بعد أن ألقينا الضوء على جوانب من البناء الفكري للعقاد، نسأل: متى كتب العقاد عبقرياته؟ كتب العقاد عبقرياته غداة أن أصبح النظام الديمقراطي مهدداً على المستويين العالمي والمصري.

لقد هدد النظام النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا النظام الديمقراطي على مستوى العالم في أوروبا وأمريكا، وبالفعل نشبت الحرب العالمية الثانية عام 1939م بين هذين النظامين، كما هدد النظام الديمقراطي في مصر ثلاث تيارات صاعدة: الإسلاميون بقيادة الإخوان المسلمين، والحركات اليسارية بقيادة الحزب الشيوعي المصري، والحركات الفاشية بقيادة حزب مصر الفتاة، في هذا الوقت الذي أصبح ركنا إيمان العقاد: الفرد والديمقراطية مهددين في داخل مصر وخارجها، تصدّى للتيارات الصاعدة بالمحاربة، فحارب كل تيار بصورة مختلفة عن الآخر. في ضوء المواجهة مع الشيوعية، كتب العقاد عدداً من الكتب فنّد فيها النظرية الماركسية، وبيّن أخطاء الشيوعية على المستوى العملي والتطبيقي، ومنها: الشيوعية والإنسانية، الدين أفيون الشعوب.. إلخ.

وفي مواجهة النازية والفاشية كتاب العقاد “هتلر في الميزان” عام 1941م مهاجماً النظام النازي في ألمانيا، ومُدافعاً عن الديمقراطية الإنجليزية، وقد تبنته السفارة البريطانية في مصر، وطبعت منه آلاف النسخ، ووزعته في كل أنحاء العالم العربي كوثيقة في الدعاية لها في حربها مع هتلر. ودعا العقاد في هذا الكتاب الحكومة المصرية والشعب المصري إلى الوقوف إلى جانب إنجلترا في حربها مع هتلر، لأنه يرى أن مصر يجب أن تقف إلى جانب الديمقراطية في وجه الديكتاتورية، ناسياً أو متناسياً سلسلة الجرائم التي ارتكبها الإنجليز في حق مصر وشعبها وحق الأمة الإسلامية، في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية…إلخ. وفي مواجهة التيار الإسلامي والإخوان المسلمين، كتب العقاد “العبقريات” التي شملت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعدداً كبيراً من الصحابة ومنهم أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وعائشة رضي الله عنهم. فكيف أراد أن يواجه بهذه العبقريات التيار الإسلامي؟

تأثر العقاد في حديثه عن العبقريات ببعض المدارس الأوروبية التي تقدس الأفراد والطبائع الفردية، وتفسر مختلف حوادث التاريخ على هذين الأساسين، وأشار العقاد في كتاب العبقريات إلى مدرسة العالم الإيطالي لومبروزو، التي توصلت بعد التجربة والدراسة والمقارنة أنّ للعبقريات علامات لا تخطئها على صورة من الصور في أحد من أهلها. فيكون العبقري طويلاً بائن الطول، أو قصيراً بائن القصر، ويعمل بيده اليسرى أو بكلتا اليدين، ويلفت النظر بغزارة شعره، أو بنزارة الشعر على غير المعهود، ويكثر بين العبقريين من كل طراز جيشان الشعور، وفرط الحس، وغرابة الاستجابة للطوارئ، فيكون فيهم من تفرط ثورته، كما يكون فيهم من يفرط هدوؤه.. إلخ.

وقد طبّق معطيات هذه المدرسة على العبقريات التي درسها، وسأشير في هذا المقال -لضيق المجال- إلى جانب من حديثه عن عبقرية أبي بكر الصديق دون العبقريات الأخرى كعبقرية الرسول وعمر وعثمان…إلخ، والتي فصّلت الحديث عنها في كتابي “الفكر الإسلامي المعاصر: دراسة وتقويم”، فوصف العقاد أبا بكر فقال: “كان أبوبكر -كما رأينا- رجلاً عصي المزاج، دقيق البنية، خفيف اللحم، صغير التركيب. تكوين يغلب على أصحابه أحد أمرين: إن كانوا من كرام النحيزة فهم مطبوعين على الإعجاب بالبطولة، والإيمان بالأبطال. وإن كانوا من لئام النحيزة فهم مطبوعون على الحسد والكبر”. لذلك اعتبر العقاد أن إيمان أبي بكر الصديق عائد إلى إعجابه ببطولة محمد (صلى الله عليه وسلم)، مشدوهاً أمامها، مسحوراً بها، مقلداً له في كل أمر. ولكن اعتبار العلاقة بين أبي بكر والرسول (صلى الله عليه وسلم) قائمة على الإعجاب بالبطولة تصوير مجزوء وغير دقيق، وكذلك محاولة تفسير تصرفات أبي بكر الصديق باتباع الرسول وتقليده بأنها منطلقة من هذا العامل تفسير محدود وغير محيط.

ليس من شك بأن الرسول جدير بالإعجاب من قبل أبي بكر لأنه الإنسان الأكمل في كل شيء على وجه البسيطة منذ الأزل وإلى قيام الساعة. لكن أين دور الإسلام في بناء شخصية أبي بكر؟ هذا الإسلام الذي آمن به أبوبكر الصديق واستسلم له، والذي بنى عقله بناءً سليماً في الإيمان بالله الواحد الأحد، وطهره من خرافات وأوهام الشرك، وبنى قلبه بناءً سليماً في تعظيم الله، ورجاء جنته، والخوف من ناره، فجعله خلقاً آخر، فأصبح شجاعاً مقداماً مضحياً بماله وشخصه في سبيل الإسلام، كما أظهرت سيرته ذلك في عدة مواقع وأبرزها الهجرة مع الرسول (صلى الله عليه وسلم).

من المؤكد أن هناك عاملاً ثالثاً أغفله العقاد في بناء شخصية أبي بكر الصديق، وهو تربية الرسول (صلى الله عليه وسلم) له، وهو الذي عُرف أنه خير مُربّ لأصحابه، يصقل مواهبهم، ويُنمّي محاور القوة، وجوانب الخير عندهم من خلال علم دقيق بإمكاناتهم ومعادنهم الممتازة. لذلك فنحن نؤمن بأن ثلاثة عوامل صاغت عبقرية أبي بكر الصديق، وهي: معدنه الممتاز من جهة، والإسلام العظيم من جهة ثانية، وتربية الرسول (صلى الله عليه وسلم) له من جهة ثالثة، وليس عاملاً واحداً كما ركّز عليه العقاد، وهو المعدن الممتاز والعوامل الوراثية، انتصاراً لإيمانه بالفرد والديمقراطية.

الخلاصة: استعرضنا مسيرة العقاد، فوجدناه مؤمناً بالديمقراطية وبالفرد، وسخّر حياته من أجلهما، لذلك حارب الجهات التي هددت الديمقراطية منذ الحرب العالمية الثانية في داخل مصر وخارجها، فكتب “هتلر في الميزان” في مواجهة النازية، وكتب كتباً متعددة في مواجهة الشيوعية، وكتب “العبقريات” في مواجهة التيار الإسلامي.

ظهرت المقالة لماذا كتب العقاد “العبقريات”؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa/feed/ 0 1067
الانتصار العسكري لا يلزم منه التفوق الحضاري https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d9%8a/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d9%8a/#respond Sat, 09 Dec 2017 17:55:55 +0000 https://al-ommah.com/?p=1041 لقد هزمنا الغرب عسكريا منذ القرن التاسع عشر، فاحتل عدن 1839، والجزائر عام 1830، ومصر عام 1882، وتونس عام 1881، وليبيا عام 1911 وبلاد الشام والعراق عام 1917، وأسقط الخلافة العثمانية عام 1924، لكنه لا يعني أنه متفوق علينا حضارياً. لأن الانتصار العسكري لا يلزم منه التفوق الحضاري ولا يرتبط […]

ظهرت المقالة الانتصار العسكري لا يلزم منه التفوق الحضاري أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
لقد هزمنا الغرب عسكريا منذ القرن التاسع عشر، فاحتل عدن 1839، والجزائر عام 1830، ومصر عام 1882، وتونس عام 1881، وليبيا عام 1911 وبلاد الشام والعراق عام 1917، وأسقط الخلافة العثمانية عام 1924، لكنه لا يعني أنه متفوق علينا حضارياً.

لأن الانتصار العسكري لا يلزم منه التفوق الحضاري ولا يرتبط به ارتباطاً صحيحاً، فنحن قد انتصر الصليبيون علينا، واحتلوا أرضنا في نهاية القرن الحادي عشر، واحتلوا القدس عام 1099م ، لكنهم لم يكونوا أرقى منا حضارياً، بل كنا أرقى منهم فهم استفادوا من احتلالنا، وكان احتكاكهم بنا سبباً في نهضة أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

فقد تأثر المسيحيون الذين جاءوا في الحملات الصليبية بالمسلمين في أمر الدين، وأدى ذلك إلى انبثاق المذهب البروتستنتي على يد مارتن لوثر عام 1517، نتيجة احتكاك المسيحيين بالمسلمين، وتأثرهم بالديانة الإسلامية في عدة أمور منها: تواصل العابد بالنص الديني، وعدم الحاجة إلى وسيط، وعدم وجود تماثيل وأيقونات في مكان العبادة إلخ…، وقد كان هذا المذهب البروتستنتي عاملاً رئيسياً في تشكيل النهضة التي جعلت أوروبا تنتقل من العصور الوسطى وهي عصور الانحطاط والظلام إلى عصر العلم والتقدم والفتوحات العسكرية.

وكذلك انتصر علينا المغول التتر، واحتلوا بغداد 656ه-1258م، ولكنهم لم يكونوا أرقى منا حضارياً، بل أثّرنا فيهم، ودخلوا الإسلام وتشكلت منهم الدولة الإيلخانية في مرحلة لاحقة، ودافعت عن الدين الإسلامي والأمة الإسلامية من جهة الشرق.

لقد فسّر بعض الدارسين تغلب الغرب علينا في العصور الأخيرة بتفوقه الحضاري علينا، وربطوا بين الانتصار العسكري والتفوق الحضاري، وهذا ليس صحيحاً، بل كنا متفوقين عليه حضارياً، ولم يغلبنا عسكرياً نتيجة التفوق الحضاري، بل غلبنا عسكرياً نتيجة خلل في الميزان الاقتصادي بيننا وبينه، وهذا ما سأوضحه في السطور التالية.

لقد كان هناك صراع بين أوروبا والخلافة العثمانية، وكانت الغلبة للخلافة العثمانية على أوروبا، واحتلت معظمها، حتى وصلت جيوشها إلى فيينا عام 1529م. لكن التوازن بدأ يختل لصالح الغرب، فمتى بدأ الاختلال في التوازن العسكري بيننا وبين الغرب؟ ومتى بدأت تلحقنا الهزائم العسكرية؟

لقد بدأ الاختلال في التوازن بيننا وبين الغرب منذ اكتشاف اسبانيا لأمريكا في عام 1492، فقد جعل الاكتشاف ثروة الغرب واقتصاده وأمواله ترجح على ثروة واقتصاد وأموال الخلافة العثمانية، وذلك بسبب نقل الأطنان من الذهب والفضة إلى دول أوروبا من الأمريكيتين، وأدى ذلك إلى اختلال الميزان الاقتصادي بين أوروبا والخلافة العثمانية، وأدى هذا الاختلال إلى تطورين آخرين، هما:

  • القدرة على الإنفاق على العلماء والتجارب العلمية: وأدى ذلك إلى اكتشافات علمية من مثل: الآلة البخارية، ثم الكهرباء الخ….، وكان قد سبق ذلك تأثر العقل الأوروبي بالعقل الإسلامي حيث نقل روجر بيكون(1219-1292م) فكرة التجريب من الأندلس إلى أوروبا والتي تعتبر أصل الدخول إلى الاختراعات العلمية، وانعدامها يلغي القدرة على أي اختراع علمي.
  • القدرة على الإنفاق العسكري: وأدى ذلك إلى أن تمتلك أوروبا ترسانة من الأسلحة أكثر مما تمتلكه الخلافة العثمانية، فامتلك الغرب سفناً حربية ومدافع، وبنادق أكثر مما عند الخلافة العثمانية، وامتلك عددا أكبر من الجيوش والجنود والمقاتلين، مما أهّل الغرب للانتصار على الخلافة العثمانية والعمل على طردها من أوروبا من خلال تحريك شعوب أوروبا للثورة على الخلافة العثمانية من مثل الشعب اليوناني والصربي والسلافي والبلغاري والأرمني إلخ… في القرن التاسع عشر، وأدت هذه الثورات إلى مواجهة بين أساطيل الخلافة العثمانية التي تعاونت مع الأسطول المصري وبين أساطيل الدول الثلاث الكبرى آنذاك روسيا وانجلترا وفرنسا، والتي انتهت بتدمير الأسطولين العثماني والمصري في معركة نافارين عام 1827. واستغل الغرب الضعف العسكري للخلافة العثمانية والتفوق العسكري الذي امتلكه فاحتل عدداً من البلدان العربية في القرن التاسع عشر والعشرين كما ذكرنا في بداية المقال.

ومما يؤكد أن أمتنا كانت أرقى حضارياً من الغرب، هو أنه عندما أقدمت فرنسا على استعمار الجزائر عام 1830، واستهدفت فرنستها كانت نسبة الأمية في فرنسا أكثر منها في الجزائر، وأنه كان ثلث مباني مدينة الجزائر أوقافا، ولا شك أن هذين مقياسان واضحان على مدى الرقي الحضاري الذي كانت تتسم به أمتنا وبلادنا.

من الواضح أن العامل العسكري كان سبب انتصار الغرب علينا الذي جاء من غناه الاقتصادي وهو عامل خارجي، ومن الواضح أن الغرب لم يكن أرقى منا حضارياً في لحظة انتصاره، لكني أقر بأننا كنا نعاني من ضعف وتأخر في المجالات الثقافية والسياسة والاجتماعية، نتيجة تداخل بعض العوامل الخارجية في منظومتنا الثقافية مثل “العرفان الهرمسي” الذي يعطّل بعض جوانب الفاعلية العقلية والنفسية عند الفرد المسلم من جهة، ومثل علوم الفلسفة التي تداخلت مع بعض أمور العقيدة فعطّلت الأخذ بالسببية عند الفرد المسلم من جهة ثانية.

ومنذ أن استعمر الغرب بلادنا واتجه إلى تدمير عناصر القوة في بنائنا الفكري والاجتماعي والسياسي، وزيادة ضعفنا، ووضع لذلك خططاً واسعة، و نفذها من أجل جعلنا ضعافاً ومتخلفين في كل المجالات السياسية والفكرية والثقافية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والعقلية والخلقية إلخ….

ونحن سنتناول مصر كنموذج من أجل توضيح بعض الأعمال التي قام بها المستعمر الانجليزي من أجل تحيق الأهداف التي تحدثنا عنها سابقا، ويمكن أن نجد الأعمال نفسها أو ما يماثلها في أقطار أخرى استعمرت من قبل مستعمرين آخرين.

من الواضح أن انكلترا استعمرت مصر عام 1882، وقد بدأ الاستعمار حملة تشكيك واسعة بكل الثوابت التي قامت عليها أمتنا، ومن ذلك القرآن الكريم، والسنة النبوية، واللغة العربية، ودور أمتنا الحضاري.

وقام بذلك الدور من التشكيك عدد كبير من المستشرقين منهم جب، وجولد تزيهر وبول كراوس وهنري لامنس إلخ…، كما قام بذلك رهط من الكتاب العرب أمثال: طه حسين، وعلي عبدالرازق، وسلامة موسى ولويس عوض إلخ….

وقد لعب الاستعمار دورا آخر في تفكيك الوحدة السياسية، ففكك بلاد الشام إلى أربع دول هي: سورية، لبنان، الأردن، فلسطين. وحرك الطوائف  في أكثر من مكان مثل: لبنان وسورية والعراق ومصر إلخ… كما حرك العرقيات من أمثال: الأكراد والأمازيج إلخ…

أما على مستوى الفرد فقد حاول تغريب الفرد، وقد نجح في اقتلاع عدد من أفراد الأمة من جذورهم الثقافية، وفشل مع آخرين، وجاءت دعوة طه حسين في كتاب” مستقبل الثقافة في مصر” خير معبر عن هذه الدعوة عندما قال:” يجب علينا أن نأخذ الحضارة الغربية حلوها ومرها”.

وقد نهب الاستعمار اقتصاد المنطقة وخيراتها وأبرزها البترول، فاستخرجه من العراق والخليج والسعودية وابتاعه بأبخس الأثمان إلى سبعينيات القرن الماضي، كما جعلت انجلترا مصر أرضا لزراعة القطن من أجل أن تعزز انجلترا صناعة النسيج عندها. كما جعل الاستعمار الجزائر أرضاً لزراعة العنب من أجل صناعة الخمور وتصديرها إلى فرنسا.

لذلك فإن التأخر والفقر الاقتصادي، والتفتيت الثقافي والتجزيء السياسي، الذي نجم في القرنين الأخيرين والذي جاء نتيجة الاستعمار الغربي جعل عالمنا العربي يعيش تخلفاً كبيراً، ويتراجع في كل شيء إلى الوراء، وهو يفوق التخلف والتراجع الذي وقع خلال اثني عشر قرنا السابقة من تاريخ أمتنا ومنطقتنا.

الخلاصة: انتصر الغرب علينا عسكرياً في القرنين التاسع عشر والعشرين، واحتل معظم البلدان العربية، لكن ذلك لا يعني تفوقه الحضاري، وكان انتصاره العسكري ناتجاً من اختلال الميزان الاقتصادي بين الخلافة العثمانية وأوروبا، بعد اكتشاف إسبانيا لأمريكا عام 1492، فنقلت أوروبا الأطنان من الذهب والفضة من الأمريكيتين، مما جعلها قادرة على تضخيم ترسانتها العسكرية من أساطيل وأسلحة ومدافع وجنود وجيوش، وجعلها تنتصر على الخلافة العثمانية وتحتل بلادنا، ثم زاد ضعفنا بعد استعمار الغرب لنا، نتيجة المخططات التي رسمها في مجال النهب الاقتصادي، والتفتيت الثقافي، والتجزيء السياسي.

رابط المقال من موقع الجزيرة نت الانتصار العسكري لا يلزم منه التفوق الحضاري

ظهرت المقالة الانتصار العسكري لا يلزم منه التفوق الحضاري أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d9%8a/feed/ 0 1041
قراءة في تجارب الحداثة في عالمنا العربي https://www.al-ommah.com/a-reading-about-the-experiences-of-modernity-in-our-arab-world/ https://www.al-ommah.com/a-reading-about-the-experiences-of-modernity-in-our-arab-world/#respond Sun, 26 Nov 2017 11:01:08 +0000 https://al-ommah.com/?p=1034 لقد مر العالم العربي بثلاث تجارب من الحداثة، كانت الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية، أما الثالثة فهي التي بدأت بعد ثورات الربيع العربي، و نحن سنستعرض التجارب الثلاثة، ونحدد آثارها في مسيرة الأمة. تجربة الحداثة الأولى انتقلت بعض دول العالم العربي إلى الحداثة بعد الحرب […]

ظهرت المقالة قراءة في تجارب الحداثة في عالمنا العربي أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
لقد مر العالم العربي بثلاث تجارب من الحداثة، كانت الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية، أما الثالثة فهي التي بدأت بعد ثورات الربيع العربي، و نحن سنستعرض التجارب الثلاثة، ونحدد آثارها في مسيرة الأمة.

تجربة الحداثة الأولى

انتقلت بعض دول العالم العربي إلى الحداثة بعد الحرب العالمية الأولى، مثل: العراق، ومصر، وسورية، ولبنان والأردن، وتونس إلخ….، وجاء الانتقال بعد سقوط الخلافة الإسلامية في استامبول، وتفكك الدولة العثمانية، ولقد قامت الحداثة في هذه الدول على أربعة أركان، هي: الفكر القومي، العلمانية، الاقتصاد الرأسمالي، والنظام الديمقراطي الليبرالي. وقد استهدفت القيادات التي تبنت الحداثة نقل العالم العربي إلى النهضة والتقدم والارتقاء، وبناء دول ومجتمعات تساهم في العمران الحضاري.

لم تنجح تجربة الحداثة الأولى لأنها تنكرت للدين في العناصر الأربعة التي قامت عليها، فكانت نتيجة هذا التنكر للدين تفكيك الفرد والمجتمع وعدم قيام نهضة، ووقوع نكبة 1948، والتي جاءت باسرائيل، والتي مثلت زلزالا هز كل أركان المنطقة، والذي كشف الخراب الذي أفرزته مفردات الحداثة بسبب التطبيق الحرفي لها وعدم القيام بمواءمتها مع شخصيتنا التاريخية.

تجربة الحداثة الثانية

ثم انتقل العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية إلى مجموعة أخرى من مفردات الحداثة، وهي: القومية العربية والعلمانية مرة أخرى، ولكن حلت الاشتراكية محل الاقتصاد الرأسمالي، وحلت الديمقراطية الموجهة محل الديمقراطية الليبرالية، وقد طبقت هذه المفردات قيادات مصر بعد ثورة 1952 ، والعراق وسورية بعد انقلاب البعث عام 1963، واليمن بعد انقلاب 1962، والجزائر بعد استقلالها عام 1962.

لكن مفردات الحداثة الجديدة لم تولد نهضة ولا تقدما، بل ساهمت مفردات الحداثة الجديدة في توليد اضطراب جديد للفرد العربي المسلم، وبنائه النفسي والعقلي وعلاقته الاجتماعية، وبخاصة عندما علت النبرة من الطرح الاشتراكي في اعتبار الدين قائما على الخرافات والأوهام، وبأنه يجب اقتلاعه من المجتمع ومن حياة الفرد المسلم، لأنه السبب في التعثر والانحطاط وعدم النهوض، ورسمت الحكومات الاشتراكية آنذاك خططا لتنفيذ تلك الآراء من أجل تحقيق التقدم، ودحر الرجعية.

ثم كانت نتيجة ذلك الطرح الحداثي انهزام ثلاثة جيوش عربية أمام إسرائيل، ووقوع نكسة حزيران عام 1967، إذ احتلت إسرائيل في ستة أيام سيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن، والجولان من سورية.

تجربة الحداثة الثالثة

انطلقت أحداث الربيع العربي في كانون الثاني (يناير) عام 2011، وانطلقت دعوة جديدة إلى دخول عالم الحداثة مرة ثالثة، ولكن هذه المرة كانت الدعوة إلى دخولها من باب الديمقراطية، ونقلها إلى عالمنا العربي بشكل حرفي كامل.

من الواضح أن الديمقراطية تقوم على محورين:

  • الأول: الآليات، وهي انتخاب الحاكم ومحاسبته، وتداول السلطة، وحرية الرأي، والسماح بإقامة الأحزاب والجماعات إلخ…
  • الثاني: المبادئ، وهي نسبية الحقيقة، المادية، الحرية الفردية المطلقة، استهداف المصلحة والمنفعة في كل عمل. ومن المؤكد أن الآليات تتوافق مع ديننا والمبادئ تتعارض معه.

لقد طبق النظام الديمقراطي في ثلاث دول هي: مصر، وتونس، والمغرب، أما مصر فقد تعثرت التجربة منذ البداية، ولم تدم إلا سنة واحدة من حزيران (يونيو) عام 2012 إلى حزيران(يونيو) عام 2013، والسبب في ذلك هو أن القيادة الإسلامية في مصر قررت أن تدخل عالم الحداثة وتطبق آليات الديمقراطية وألا تطبق مبادئها, لذلك قرر الغرب إلغاء التجربة الديمقراطية في مصر ودفع العسكر إلى الانقلاب على محمد مرسي.

أما في تونس والمغرب فإن التجربتين مازالتا مستمرتين وذلك لأن القيادات الإسلامية قبلت الديمقراطية بصورتها الغربية، ليس هذا فحسب بل قدمت تنازلات في مجال علاقة الإسلام بالديمقراطية، فقد قرر راشد الغنوشي في تونس أنه لا تعارض بين العلمانية والإسلام، وكان ذلك في مقال له نشره في ( الجزيرة نت) بتاريخ 13/11/2008، بعنوان ” الإسلام والعلمانية”.

كما عقد راشد الغنوشي المؤتمر العاشر لحزب حركة النهضة برئاسته في 20/5/2016، وطرح عدة أمور في هذا المؤتمر، وكان من الواضح أن كل القرارات المتخذة  في المؤتمر السابق جاءت في صورة تنازلات من أجل أن يسهّل تطبيق مبادئ الديمقراطية.

وكذلك فعل سعد الدين العثماني الشيء نفسه في المغرب، فقدم تنازلات في اتجاه قبول مبادئ الديمقراطية، وجاءت في كتاب “الدين والسياسة: تمييز لا فصل” الذي قال فيه: “أن التصرفات السياسية النبوية نفسها نسبية، فمن باب أولى أن تكون التجربة الراشدية كذلك نسبية”(ص،34).

وأعتقد أن هذه التنازلات في البلدين هي تمهيد لتنفيذ مبادئ الديمقراطية، فما هو الأثر الذي سيتركه هذا التطبيق على وحدتنا الثقافية، ووجودنا الاجتماعي، وكياننا الحضاري؟

نسبية الحقيقة:

يصطدم مبدأ نسبية الحقيقة مع النصوص التي تتصف بأنها قطعية الثبوت قطعية الدلالة في القرآن الكريم، وهذه النصوص تتعلق بالله وبالتوحيد والعبادة والأسرة والزواج والطلاق والحدود الخ…، وإن هذا التصادم سيؤدي إلى تدمير الوحدة الثقافية وسيؤدي إلى خلخلة وجود الأمة جميعا.

المادية:

ويعني هذا المبدأ الاعتراف بعالم الشهادة فقط، والتنكر لعالم الغيب، و سيؤدي تطبيق هذا المبدأ إلى تصادم كبير مع كثير من قيمنا التي تقوم على الإيمان بالله الذي هو غيب في ذاته سبحانه وتعالى، وتقوم على الإيمان بالملائكة والجن والشياطين والجنة والنار التي هي غيوب، وسيؤدي إنكارها إلى اضطراب كبير في منظومة الأمة الثقافية، وفي البناء النفسي والعقلي للفرد المسلم.

حرية الفرد المطلقة:

تعطي الديمقراطية الفرد حريته المطلقة في كل مجال: ذاته وماله وتصرفاته و علاقاته وصياغة قيمه وأفكاره، ويمكن أن نضرب مثالا على الحرية غير المقبولة: قرار الأمم  المتحدة الذي أصدرته والذي دعت فيه إلى إعطاءالحرية للفرد بأن يعتبر نفسه أنثى أو ذكرا حسب رغبته. وهذا منتهى التلاعب والاستخفاف بالتنوع البشري الذي يقوم على أساس وجود الذكر والأنثى كحقيقتين أساسيتين متمايزتين في الوجود الإنساني، وأمثال ذلك كثير في تصرفات الإنسان الغربي.

البراغماتية والمصلحة:

اعتبرت مبادئ الديمقراطية أن أي عمل يجب أن يستهدف مصلحة أو منفعة أو لذة، وهذا أمر مشروع ومقبول، ولكن المشكلة أنه إذا تعارضت هذه المصلحة مع الأخلاق، فإن الأصل عندهم هو تقديم المصلحة على الأخلاق وليس من شك بأن هذا أمر غير مقبول في ديننا وقيمنا.

ليس من شك بأن تطبيق مبادئ الديمقراطية في عالمنا العربي سيؤدي  إلى تدمير الوحدة الثقافية نتيجة اعتماد نسبية الحقيقة، وإلى تفكيك للروابط الجماعية التي نحن أحوج ما نكون لها في هذه الفترة نتيجة اعتماد الحرية المطلقة للفرد، وإلى خلخلة في البناء النفسي والمفاهيم في الفرد المسلم نتيجة إلغاء عالم الغيب والإقرار بعالم الشهادة فقط، وإلى اضطراب حياتي وخلقي نتيجة تقديم المصلحة على الأخلاق.

لذلك يجب أن تصر قيادات المنطقة على الآخذ بآليات الديمقراطية: من انتخاب ، ومحاسبة الحاكم، وتداول السلطة وإقرار حرية الرأي الخ… ورفض المبادئ رفضا كليا لأنها ستؤدي إلى تدمير كياننا الثقافي والاجتماعي والجماعي.

من المؤكد أن لدينا ثقة كبيرة بأن أمتنا ستقبر كل محاولة للاخذ بمبادئ الديمقراطية في المرحلة القادمة، كما قبرت النقل الحرفي لمفردات الحداثة في التجربتين السابقتين من الفكر القومي إلى العلمانية إلى الاشتراكية وغيرها من المفردات.

الخلاصة: لقد مر عالمنا بتجربتين حداثيتين سابقتين، وكانت نتائجهما مدمرة على مستوى البناء الثقافي والاجتماعي، وخسارة كبيرة على المستوى السياسي تمثل في قيام اسرائيل عام 1948، وتوسعها عام 1967.

ونحن نعيش –الآن- التجربة الثالثة للحداثة بعد ربيع عام 2011، وتقوم هذه التجربة على اعتماد الديمقرطية، ويريد الغرب منا أن نطبق الديمقراطية بشكل حرفي الآليات والمبادئ، كما هي موجودة عنده، لكن علينا أن نأخذ الآليات، ونترك المبادئ لأنها تتناقض كليا مع مبادئ ديننا، وعلينا أن لا نأخذ الديمقراطية بشكل حرفي لأن الأخذ بها سيؤدي إلى تدمير وجودنا الثقافي والاجتماعي والجماعي.

ظهرت المقالة قراءة في تجارب الحداثة في عالمنا العربي أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/a-reading-about-the-experiences-of-modernity-in-our-arab-world/feed/ 0 1034
ما معنى الوطن وما هي المواطنة؟ https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b7%d9%86%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b7%d9%86%d8%a9/#respond Wed, 26 Jul 2017 23:53:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2064 تحدث كثير من الكتاب والمفكرين عن “الوطن” و”المواطنة” بشكل غير دقيق، واعتبروا مجرد تسمية ذلك البلد باسم “وطن الأردن” مثلاً، فهذا يعني أن هناك “مواطنة” في الأردن، وهذا الكلام ليس صحيحاً ولا سليماً. لقد جاءت كلمة “الوطن” من الحضارة الغربية في العصور الحديثة، وهي “مفهوم” و “مصطلح” له دلالاته الخاصة […]

ظهرت المقالة ما معنى الوطن وما هي المواطنة؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تحدث كثير من الكتاب والمفكرين عن “الوطن” و”المواطنة” بشكل غير دقيق، واعتبروا مجرد تسمية ذلك البلد باسم “وطن الأردن” مثلاً، فهذا يعني أن هناك “مواطنة” في الأردن، وهذا الكلام ليس صحيحاً ولا سليماً.

لقد جاءت كلمة “الوطن” من الحضارة الغربية في العصور الحديثة، وهي “مفهوم” و “مصطلح” له دلالاته الخاصة التي تكونت عبر مراحل طويلة من التاريخ، وربما احتاجت إلى مئات السنين، فمصطلح “الوطن” الذي تكون في الغرب، لا يتطابق مع كلمة “الوطن” المعجمية التي تعني عندنا “الأرض” فقط، وتدل على “جغرافيا” ذلك البلد، “فالوطن اللبناني” عندنا هو “جغرافيا” لبنان، تبدأ من “طرابلس” شمالاً وتنتهي في “رأس الناقورة” جنوبا وغير ذلك من المعالم الجغرافية المعروفة.

لكن كلمة “الوطن” في الغرب التي تشكلت في العصور الحديثة بعد انهيار الامبراطوريات الكنسية الإقطاعية في نهاية العصور الوسطى التي كانت تحكم أوروبا من أمثال أسرة بوربون في فرنسا، وأسرة هوهنتسولرن وأولدنبورغ في ألمانيا، وعائلة سافوي في إيطاليا إلخ …

لقد انهارت تلك الأسر والدول التي كانت تحكم أعراقاً وشعوبا مختلفة، بفعل نشوء الرأسمالية، وانتهاء المرحلة الإقطاعية، ونشوء الثورة الصناعية التي بدأت بعصر البخار ثم الكهرباء، ونشوء الصراع الديني بين الكاثوليكية والبروتستانتية، ثم قيام الثورة الفرنسية عام 1789، لقد خلقت تلك التطورات والتي اشتملت على عوامل دينية وعرقية، واجتماعية، واقتصادية وتفاعلها مع بعضها جميعا، لقد خلقت تلك التطورات “أمماً” جديدة، “ودولا “جديدة، “وأوطاناً” جديدة.

لقد كانت الروابط التي تجمع الشعوب القديمة هي الدين والأسر الحاكمة، لكن بعد أن انهارت تلك الدول-الأسر، انبثقت روابط جديدة تقوم على “مفهوم الوطن” الذي يحتوي على “المواطنة” والذي تسكنه “أمة”.

فأصبح هناك “الوطن الفرنسي” و”المواطنة الفرنسية” و”الأمة الفرنسية” … وقس على ذلك بقية الدول والأوطان والأمم التي تشكلت في أوروبا من مثل: النمسا، المجر، هولندا، السويد، إلخ…

عندما تقول كلمة “الوطن الفرنسي” فيعني ذلك عدة أمور:

أولاً: هناك أرض جغرافية تعرف باسم “الوطن الفرنسي”.

ثانياً: هناك “أمة فرنسية” تجمعها أمور مشتركة متعددة: من عادات وتقاليد ومفاهيم وأخلاق وقيم. جاءت نتيجة تطور تاريخي مشترك وتشكلت خلال القرون السابقة، وهذه الأمور تشكل خلفية ذهنية وشعورية لها تميزها عن غيرها من الأمم، ويمكن أن نسمي هذه الأمور المشتركة التي تكونت خلال مئات السنين بـ “الوحدة الثقافية”.

ثالثاً: “المواطنة”:

إن هذه الثقافة المشتركة التي تجمع الشعب الفرنسي والتي تشكل “الوحدة الثقافية” هي أصل قيام “المواطنة”. “فالمواطنة” قيم وأفكار وعادات وتقاليد وأخلاق تشكلت عبر مئات السنين وهي التي جعلتهم يقيمون “وطناً فرنسياً”.

إذن “المواطنة” ليست لفظاً مجرداً أطلقه فتكون قد تحققت “المواطنة “، بل هي قيم مشتركة وثقافة وأخلاق وعادات وتقاليد تبلورت خلال مئات السنين، هي التي تجمع هؤلاء “المواطنين الفرنسيين” وتميزهم عن غيرهم، لأنهم مشتركون ومتقاربون في عشرات الأمور المهمة التي أشرنا إليها، والتي تشكل أساس “المواطنة”.

الآن نأتي إلى بلادنا، فلو أخذنا بلداً مثل العراق، تشكل كقطر، وككيان سياسي مستقل بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الخلافة العثمانية، من المعلوم أن هذا القطر تم تشكيله بناء على مفاوضات بين وزيري خارجية فرنسا وإنكلترا، ونجم عن هذه المفاوضات اتفاق سايكس-بيكو الذي عرف بهذا العنوان.

واستطاع الإنكليز ضم الموصل إليه طمعاً في البترول الذي كان قد أكتشف فيه، مع أن الموصل أقرب تاريخياً إلى حلب وسورية، وألحقت مدينة “دير الزور” بسورية مع أنها أقرب تاريخياً إلى العراق.

ثم جاء الملك فيصل وحكم العراق، وقام إلى جانبه ساطع الحصري رائد الفكر القومي العربي، وأقام دولة قومية، وكان القصد من هذه الدولة أن تؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة.

من ملامح هذ المرحلة الجديدة استبدال الإخاء القومي العربي بالإخاء الإسلامي من جهة، وإنشاء أمة عربية تكون بديلاً عن الأمة الإسلامية التي قامت قبل أربعة عشر قرناً من جهة ثانية، وإنشاء وطن عراقي يقيم “مواطنة عراقية” من جهة ثالثة.

فماذا كانت النتيجة؟ لقد فشل الفكر القومي العربي في تكوين “وطن عراقي” وفي إنشاء “مواطنة عراقية” بدليل أنه بعد مائة سنة من الحكم القومي العربي في مرحلتيه الملكية والجمهورية وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لم يرجع العراق موحداً، ولم يواجه العدوان موحداً، لأنه لم تنشأ “المواطنة” المطلوبة.

لقد نجح الفكر القومي العربي في العراق –بكل أسف- خلال المائة سنة الماضية في أمر واحد فقط وهو تفتيت الرابطة السابقة، وهي رابطة “الأخوة الإسلامية” والتي تقوم على عدة عوامل منها: “الوحدة الثقافية” بالدرجة الأولى، والتي حفظت كيان “الأمة الواحدة” لأكثر من ألف عام.

ولنأخذ مثالاً آخر هو سورية، أقر من البداية أن هناك سورية، “جغرافياً” هناك بلد اسمه سورية، كما تقول “محافظة حلب”، “محافظة حمص”، فهل هناك “وطن سوري” بالمعنى “القومي والوطني” الذي وجدناه في فرنسا؟ وهل هناك “مواطنة” تقوم على قيم متبلورة ومشكلة تجمع “السوريين” جميعاً؟ وهل هناك “هوية سورية” بمعنى صفات مشتركة تميز سورية والسوريين عن غيرهم؟ هل هناك “وحدة ثقافية سورية” تميز سورية عن غيرها؟

الجواب على كل الأسئلة السابقة: لا، لأنه لم يتشكل “وطن سوري”، فتحقيق هذا الأمر يحتاج مئات السنين، وبالتالي ليست هناك ” مواطنة سورية” وليست هناك “هوية سورية” فهل معنى ذلك أنه لا توجد روابط مشتركة تجمع السوريين أو الأردنيين أو العراقيين؟

توجد رابطة تجمع السوريين وهي رابطة “الأخوة الإسلامية” والتي قامت منذ أكثر من ألف سنة، واستمرت فاعلة بين السوريين أنفسهم، وتجمع السوريين مع أبناء “الأمة الإسلامية” الآخرين في العراق والأردن ومصر وتونس إلخ …، وهنا يأتي السؤال وماذا عن أصحاب الديانات والطوائف والمذاهب الأخرى التي تقيم بين ظهراني المجتمع الإسلامي؟ ما وضعها؟ وكيف تعامل معها “المجتمع الإسلامي” و”الأمة الإسلامية”؟

لقد تجلَّت عبقرية “الأمة الإسلامية” بأنها ابتكرت وسائل وروابط أقامتها معها، وجعلتها جزءاً منها، واستفادت من إمكانياتها، وكانت رافداً من روافد “الحضارة الإسلامية” وأعتقد أن العامل الأساسي في توليد هذه “العبقرية” في التعامل مع الآخرين المخالفين في الدين والمذهب، واستيعابهم بصورة من الصور ليكونوا عامل بناء في المشروع الحضاري الإسلامي، هو الأحكام الخاصة التي وردت في حق أهل الكتاب، وأباحت للمسلمين أن يأكلوا ذبائحهم ويتزوجوا نساءهم كما قال تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5] الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ[المائدة:16]

لقد نشأت علاقات وروابط بين المسلمين وبين الآخرين، الذين يعيشون في بلادهم من أرقى الروابط والعلاقات، لكنها تحتاج إلى الدراسة والتقنين والإظهار، وهي من الجوانب التي لم تأخذ حقها من الدراسة والتمحيص، وبقيت في منطقة الإهمال ولعلي أفعل شيئاً من هذا في مقال قادم إن شاء الله.

ولقد حاول الغرب خلال المائة سنة الماضية أن يدمر “الأمة الإسلامية” ووحدتها، ورابطة “الأخوة الإسلامية” من خلال ثلاثة أعمال:

الأول: إقامة كيانات قطرية كما فعل في بلاد الشام حيث جزأها إلى أربع كيانات (سورية، لبنان، فلسطين، الأردن)، وأنشأ “دولة العراق” إلخ …، وهو يطمح أن تتحول هذه الأقطار إلى أمم، فتصبح هناك “أمة أردنية”، “أمة لبنانية” إلخ …، تنفصل انفصالاً تاماً عن “أمتها الإسلامية” بمرور الزمن.

الثاني: تفتيت “الوحدة الثقافية” التي تعتبر المقوم الرئيسي لوجود “أمتنا”، وذلك من أجل تدمير “أمتنا” وإنهاء فاعليتها في الأرض، وذلك من خلال التشكيك والتهوين من محاور هذه “الوحدة الثقافية”، وهي: القرآن الكريم، السنة المشرفة، اللغة العربية.

الثالث: دفع الأعراق والأجناس والطوائف والمذاهب المختلفة والتي كانت جزءاً من الأمة الإسلامية على مدار التاريخ إلى إقامة كيان مستقل من أجل التمزيق والتفتيت، كما هم الآن مع الشيعة والأكراد في العراق، والمسيحيين في لبنان.

هل يعني ذلك أن “الأرض-الوطن” لا قيمة له في منهجيتنا الإسلامية؟ لا، بالعكس، فالوطن له قيمته الكبرى وأهميته الخاصة من خلال المعطيات الإسلامية التي راعت “الفطرة” من جهة، وراعت استهداف جمع الأعراق والشعوب والقبائل والأجناس، ودمجها في بوتقة هي بوتقة “الأمة” من جهة ثانية.

فقد أباح الإسلام لنا أن نحب أرضنا وأوطاننا، فقد قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة، 24)

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة بعد هجرته منها:” ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك” (رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير)

وأوجب علينا أن ندافع عن أرضنا وألا نفرط فيها، واعتبر القتل في الدفاع عنها شهادة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد” (صححه الألباني)

وقد افتى العلماء بأن الجهاد يتعين ويصبح فرض عين على كل “أهل البلد” التي تواجه عدواناً من آخرين لاغتصابها وأخذها من أهلها، وأفتوا بأنه يجوز للعبد أن يخرج بدون إذن سيده، وإذا عجز أهل “تلك الأرض” في الوقوف في وجه المعتدي عليهم فينتقل وجوب مساعدتهم إلى المجاورين لهم ويتعين عليهم الجهاد، وهكذا دواليك.

الخلاصة: لقد جاء “مصطلح الوطن” و”المواطنة من الغرب، وقد تجمعت وتبلورت مدلولات ومضامين مصطلح “الوطن” في أوروبا خلال عشرات السنين بل مئاتها، وقد تكون هذا المصطلح من تفاعل وعدة عوامل منها: العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية إلخ …

وانبثق مصطلح “المواطنة” نتيجة تشكل “الوطن” ووجوده جغرافياً وثقافياً وفكرياً إلخ …ويعني مصطلح “المواطنة” اشتراك أفراد هذا “الوطن” في عدد من الصفات والعادات والأخلاق والقيم التي تميزهم عن غيرهم وبالتالي تكون نتيجة هذا الفهم المشترك واللقاء المشترك وجود “مواطنين” يسعون إلى تحقيق العدالة والمساواة.

وإذا جئنا إلى بلادنا وجدنا أنه ليس هناك “وطن” بالمعنى الغربي، ولا ثقافة خاصة بكل قطر من الأقطار العربية، فليس هناك شيء خاص بمصر أو العراق أو فلسطين أو الجزائر أو السودان إلخ …، بل جميع هذه الاقطار تشترك بثقافة واحدة، وعادات وتقاليد واحدة، وقيم واحدة إلخ …، هي ما نسميه “الوحدة الثقافية” المنبثقة من مفهوم “الأمة الواحدة” المبنية منذ أكثر من ألف عام.

لذلك عندما يتحدث المفكر العراقي عن “مواطنة عراقية” يكون حديثه عن لا شيء، أوعن شيء لا وجود له، ولا يتحقق على أرض الواقع، لأنه ليس هناك “وطن عراقي” يتميز عمن في جواره مثل: سورية والأردن وفلسطين ومصر والجزائر إلخ …

لذلك على العلماء والقادة التمسك بما هو موجود من روابط وهي رابطة “الأخوة الإسلامية” المنبثقة عن وجود “أمة إسلامية” تجمعها “وحدة ثقافية” تربط بين سكان المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، والبناء على هذه الرابطة، وعدم السعي وراء روابط غير موجودة لأن ذلك ليس من العقل والحكمة.

ظهرت المقالة ما معنى الوطن وما هي المواطنة؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b7%d9%86%d8%a9/feed/ 0 2064