tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

رسولنا الكريم كيف ربى الأمة؟

هذا حوار أجرته مجلة “منبر الداعيات” التي تصدر في بيروت عن “جمعية الاتحاد الإسلامي” (العدد 135 الصادر في آذار/مارس 2008) مع مشرف موقعنا الشيخ د. غازي التوبة حفظه الله تحت عنوان “رسولنا الكريم: كيف ربى الأمة؟” بمناسبة نشر الرسوم المسيئة للرسول (ص) في الدانمارك.

رسولنا الكريم: كيف ربّى الأمة؟


  1. راهن أعداء الإسلام دائماً على إضعاف البُنية الفكرية للمسلم لسلخه عن عقيدته: فما هي أبرز الآليات التي اعتمدها النبي صلى الله عليه وسلم لإضعاف البنية الفكرية للجاهلية في حِسّ مَن قرروا فيما بعد اتباعه، وبالتالي التأسيس للإسلام في نفوسهم: عقيدةً وفكراً وثقافة؟

جواب السؤال الأول:

لقد راهن أعداء الإسلام دائما على إضعاف البنية الفكرية للمسلم لسلخه عن عقيدته قديما وحديثا، ومن أبرز هذه المحاولات الحديثة تشكيك طه حسين في حديث القرآن الكريم عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبنائهما الكعبة وقول طه حسين إن حديث القرآن الكريم عنهما لا يعني حتمية وجودهما التاريخي، وإدعائه بأن بناءهما الكعبة أسطورة اخترعتها قريش من أجل أن تجعل لها مكانة عند القبائل العربية لأغراض تجارية، كما شكك طه حسين باللغة العربية و صعوبة نحوها وإملائها، كما دعا آخرون مثل سلامة موسى إلى اللغة العامية في كل قطر لأنها أقدر من اللغة العربية على التعبير عن مختلف الأمور العلمية و الاجتماعية و الفنية الخ…

كما شكك آخرون في السنة النبوية وادعوا عدم ثبوت نقلها وجمعها ورد عليهم الدكتور مصطفى السباعي في كتاب (السنة و مكانتها التشريعية في الإسلام)، كما دعا آخرون إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتيني كما هي اللغات الأوربية، وكما فعل أتاتورك في تركيا بعد إسقاط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وقد نفذ ذلك سعيد عقل فكتب ديوانا شعريا بعنوان (يارا) بالحرف اللاتيني، هذا غيض من فيض وعرض لمحاولات إضعاف البنية الفكرية عند المسلم من أجل سلخه الكامل عن العقيدة.

أما الآليات التي اعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم في إضعاف البنية الفكرية الجاهلية في حس من قرروا إتباعه فتقوم على مناقشة الجاهلية وأهلها في قضيتين:

الأولى: أن الجاهلية تبني أحكامها على الظن واتباع الهوى فقد بين القرآن الكريم أن أهل الجاهلية يبنون أحكامهم على الظن وإتباع الهوى.

مع أن الأصل في أي حكم أن يكون مبنيا على اليقين والبعد عن الأهواء والشهوات وقد وضح ذلك في كلامهم عن أسماء الله وصفاته وعن الملائكة فقال تعالى:

“أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى. إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ. وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى. أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى. فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى. إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا” (النجم 19، 28)

الثانية: أن أهل الجاهلية تجادل بغير أساس علمي راسخ.

قال تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ”(الحج 8)

بمعنى أن أهل الجاهلية يجادلون في أمور العقيدة و الدين وصفات الله والوحي والآخرة إلخ… بغير أساس علمي مكين، فهم يناقشون دون استناد إلى عقل أو فطرة أو وحى ، لأن العلم مرتبط بالعقل والهدى مرتبط بالفطرة و الكتاب مرتبط بالوحي، والجاهلية تجادل بغير أساس من هذه الأسس الثلاثة في حين أن المسلم يناقش قضايا العقيدة والدين استنادا إلى هذه الأمور الثلاثة : العقل و الفطرة والوحي من قرآن و سنة.

إذن مصادر العلم ثلاثة حسبما قرر القرآن: العقل ورصده للأسباب والمسببات، والفطرة السليمة التي تعرف الحق وتهدي إليه، والوحي الإلهي المستند إلى علم الله وإحاطته الشاملة لكل ما في عالم الشهادة والغيب.

بهذه الصورة هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقوم عليه الجاهلية قديما و حديثا من ظن و هوى و أحكام متناقضة مع الفطرة و متنكرة للوحي الإلهي ، و رسخ الطريق السليم لقيام الحياة البشرية على العقل والفطرة والعلم الإلهي ويستند بالتالي إلي اليقين و يبتعد عن الظن و إتباع الأهواء، ويمكن أن نتأكد من مصداقية قول القرآن الكريم عن الجاهلية وأهلها عند النظر إلى واقع الحضارة الغربية المعاصرة التي تقوم في كثير من جوانبها التشريعية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والفنية على إطلاق الشهوات إلى أبعد مدى، و تقوم على معاداة الفطرة والوحي الإلهي.

  1. تفاعل المسلمون بشكل واسع مع دعوة مقاطعة البضائع الدنماركية في سياق الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم: فكيف نحمل المسلمين على المقاطعة الفكرية والثقافية لكل ما يتصادم مع منهج الإسلام وروحيته وفلسفته في الحياة؟ وهل من آليات أخرى أكثر فعالية وأعمق أثراً؟

جواب السؤال الثاني:

نحمل المسلمين على المقاطعة الفكرية والثقافية لكل ما يتصادم مع منهج الإسلام وروحية فلسفته في الحياة بأن نعمق في وعيهم بأن هذه الحضارة الغربية التي تمتلك بعض الايجابيات في الإنتاج العلمي والصناعي، إلا أنها تقوم على تدمير الفطرة والإنسان ومعاداتهما في عدة أمور:
أولها: أنها تؤله الدنيا والمادة لذلك رأينا الحضارة الغربية تقوم على تسعير الشهوات بشكل لم تره البشرية من قبل.

ثانيها: أنها تتنكر لعالم الغيب، وتعتبر أن كل ما يتعلق بالغيب من أله وملائكة وجنة ونار خرافات وأساطير وأوهام تجاوزها العلم الحديث.

ثالثها: أنها تؤله العقل، وتعتبره أداة المعرفة الوحيدة في اكتشاف معالم الحياة والوجود، وتتنكر بالتالي للوحي والكتب السماوية ودورها في التعرف على الكون والحياة وما قبل الحياة وما بعد الموت.

رابعها: تقوم على نسبية الحقيقة، وأنه ليس هناك حقيقة مطلقة في أي مجال من مجالات الحياة الاجتماعية والأسرية والعقائدية والعبادية والتربوية والتشريعية فكل شيء قابل للتغيير، لأنه ليس هناك ثبات في أي شيء.

وقد قامت الحضارة الغربية على معاداة الفطرة نتيجة ظروف تاريخية مرت بها أوروبا و التي تتمثل في تصادم الكنيسة مع العلم، ثم انتصر رجال العلم على رجال الكنيسة، ثم نهضت أوروبا بعد أن أبعدت الدين و الكنيسة وحصرته في جدران المعبد، فاعتبرت أن الحضارة لا تبنى ألا بعد أن نبعد الدين عن مجال الحياة، ولا شك أن هذه النظرة محصورة بظروف الدين المسيحي، ولا تنطبق على الدين الإسلامي الذي يعتبر أن العلم قد فطر الله الإنسان عليه حيث قال تعالى:

“وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تكتمون” (البقرة، 31-33)

لذلك ارتبط الدين بالعلم في الحضارة الإسلامية، وارتبط العلماء بالدين فكنت تجد العالم في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك عالما بالفقه والتفسير والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول …إلخ

وقد أحس بعض عقلاء الحضارة الغربية بخطورة الأمراض التي تعاني منها الحضارة الغربية نتيجة معاداتها للفطرة، ومن أبرزهم شنبنجلر الذي ألف كتابه (تدهور الغرب) غداة الحرب العالمية الأولى، وروجيه غارودي الذي أسلم وتسمى برجاء غار ودي واعتبر الغرب “أكبر مجرم عرفه التاريخ”.

  1. كيف ننتقل بالمسلمين من ردّة الفعل الآنيّة التي ما تلبث أن تنطفئ، إلى موقع الفِعل المستمر الذي يُسهِم في بناء الأمة وإعادتها إلى دورها الحضاري الريادي؟

جواب السؤال الثالث:

يمكن أن ننتقل بالمسلمين من ردة الفعل الآنية إلى موقع الفعل البشري الذي يسهم في بناء الأمة وإعادتها إلى دورها الحضاري الرباني من خلال ثلاث خطوات:

الخطوة الأولى: أن نعمق في إدراكهم بأنهم يملكون خير منهج وأصحه، وأنهم يمتلكون النور الذي يهدي البشرية ويسعدها، أنهم يملكون الحق الكامل حيث قال تعالى: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” (المائدة، 3).

الخطوة الثانية: أن نرسخ في وعي المسلمين بأن الوحي الإلهي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أفرز خير حضارة إنسانية عرفتها البشرية، لبت احتياجات الفطرة، وأعمرت الأرض، وأسعدت الإنسان، وشمل عمرانها كل مجالات البناء من زراعة وصناعة وفلك وطب وصيدلة وأدب وتربية وفنون إلخ…

وقد جاءت الإنجازات العلمية في الحضارة الغربية المعاصرة مبنية على العلوم التي رعاها المسلمون في مجال الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والجبر والجغرافيا إلخ…..

الخطوة الثالثة: أن ندعم الثوابت التي يقوم عليها الدين في حياة المسلمين العاصرة وذلك في وجه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الدين بعد أن أزيلت خلافتهم، وأبرز ما يجب أن ندعمه العقيدة الصحيحة والابتعاد عن الشرك، والارتباط بالسنة وتنفيذ آدابها ومستحباتها وحقائقها، وإتقان اللغة العربية ونشر بيانها وعلومها إلخ…

  1. دِلالات كثيرة وبعيدة تنطوي عليها إعادة إحياء قضية الرسومات المسيئة لشخص رسولنا المعظّم صلى الله عليه وسلم رغم كل ما حصل ابتداءً: فما هي هذه الدِّلالات برأيكم؟

جواب السؤال الرابع:

هناك دلالات انطوت عليها إعادة إحياء قضية الرسومات المسيئة لشخص الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم أولها: أن الغرب يمتلك مخزونا هائلا من الحقد والبغض والكراهية للرسول صلى الله عليه وسلم وللإسلام والمسلمين، وهذا يؤكد ما ذكره محمد أسد رحمه الله، اليهودي الذي أسلم والذي كان اسمه (ليوبولد فايس)، في كتاب (الإسلام على مفترق الطرق): “بأن الغرب مازال يحقد على الإسلام، على الرغم من تحوله من المسيحية إلى العلمانية، ومازال يختزن هذا الحقد منذ الحروب الصليبية ومنذ تهديد العثمانيين له”.
ثانيها: أن معالجتنا الأولى لقضية الرسومات لم تكن ناجعة بشكل كامل، ولم تصب هدفها بشكل كاف لأن الإساءات عادت وبصورة أوسع وأشمل وأوضح من المرة الأولى، وقد وقع ذلك لأن المعالجة لم تكن مبنية على دراسة وثيقة لواقع البنية الثقافية الغربية كما سأوضح ذلك في جوابي على السؤال الأخير.

  1. طاقة الشباب هي العنصر المحرِّك لمعظم الأحداث، هي الفاعلة والمتفاعلة في الوقت نفسه، وبها نفسها فُتِحت للإسلام مغاليق العقول والقلوب: فما سِمات منهجية النبي صلى الله عليه وسلم في تعهُّد العنصر الشبابي وتربيته وبنائه ليتشرّف بحمل رسالة الإسلام ونشرها بين الأمم؟

جواب السؤال الخامس:

تقوم منهجية النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الشباب على أربع دعائم هي:

الدعامة الأولى: بناء القلب.

وذلك من خلال تعبيد القلب لله ، وإبعاده عن استعباد الشهوات ، لأن الشاب في فورة الحيوية و الطاقة المتفجرة و الشهوات العارمة مخير بين أمرين : تعبيد قلبه لله أو تعبيد قلبه للشهوات ، ليس من شك بأن الأكرم و الأفضل له تعبيد قلبه لله ، و بذلك تتحقق إنسانيته في أكرم صورها وأغناها ، و ليس معنى ذلك أن الإسلام يحرم عليه قضاء شهواته و الاستمتاع بها، بل أباح له الاستمتاع بكل المحبوبات من حب الأب والأخ و الولد و الزوج و المال و المسكن و القوم لكن شريطة أن يكون الله ورسوله أحب إليه من كل هذه المحبوبات فقال تعالى: ” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ” ( التوبة، 24)

ويتحقق تعبيد قلب الشاب لله بأن يكون تعظيمه لله ، و خضوعه لله ، و رجاؤه في جنة الله و خوفه من نار الله فقال تعالى : ” وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ” (المدثر،3) وقال تعالى : ” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ” (النازعات،40-41) وقال تعالى : ” قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ” (الكهف، 110)

الدعامة الثانية: بناء العقل:

وذلك بأن يمتلئ عقل الشاب المسلم بحقائق الدين التي جاء بها القرآن الكريم والسنة المشرفة فيما يتعلق بالدنيا والآخرة، وعالم الغيب والشهادة، حتى يصبح في النهاية ذا عقل مسدد ومؤيد بالإلهام من الله تعالى، يعرف الحق بنور الله، ويمتلك التفكير السليم، ويمتلك القدرة على فرز الأمور وغربلتها وتقويمها ونقدها وينظر إليها النظرة الصحيحة ويصدر عليها الحكم الصحيح.

الدعامة الثالثة: النأي بالشباب عن الغلو:

كما كان الغلو في الدين من أخطر الأمور التي تؤدي إلى إحراف المسلم ، وقد يكون الشاب هو الأكثر عرضة للغلو في التعامل مع الدين ، فقد يغالي في العبادات ، وقد يغالي في التطهر، وقد يقسو على نفسه فيحملها أكثر من طاقتها ، لذلك وجه الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى صيام يوم وإفطار يوم كصيام داوود عليه السلام عندما أخبره بأنه يريد أن يصوم الدهر فقد جاء في الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبدالله بن عمرو إنك تصوم الدهر وتقوم الليل فإنك إن فعلت ذلك هجمت العين ونفهت له النفس لا صام من صام الأبد ، صوم الدهر ثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر كله ، قلت : إني أطيق أكثر من ذلك ، قال : صم صوم داوود كان يصوم يوما و يفطر يوما ولا يفر إذا لاقى (رواه النسائي)

الدعامة الرابعة: توجيه الشباب إلى إعمار الدنيا:

ليس من شك بأن إعمار الدنيا هدف رئيسي من أهداف الإسلام، وخير من يقوم بالأعمار هم الشباب، لذلك اعتبر الإسلام أي زراعة يقوم بها المسلم يأخذ أجرا عليها ولو كان ذلك قبل قيام الساعة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها، فإن له بها أجرا”.

وكذلك نهى الإسلام عن الرهبنة لأنه تعطيل لطاقات المسلم، وكذلك اعتبر أي عمل دنيوي عبادة طالما أنه يوجه فيه نيته إلى الله لذلك قال الرسولصلى الله عليه وسلم:
“في بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” (رواه مسلم).

  1. كان للمرأة في التاريخ الإسلامي دورٌ بارزٌ في حمل لواء الإسلام ونشر رسالته: فكيف تستطيع المرأة اليوم أن تنتصر لإسلامها ولنبيها ولقضايا أمتها؟ وكيف تجابه المحاولات الشرسة الرامية إلى تمييع شخصيتها وتذويبها ليَفرغ بفسادها إسلام الجيل من مضمونه؟

جواب السؤال السادس:

ليس من شك بأن الإسلام دين إلهي، لذلك كان موقفه من المرأة اصح موقف و أسلمه، وكانت ثمرة ذلك أن المرأة انتصفت و أخذت وضعها السليم في الحضارة الإسلامية، و لعبت دورا بارزا في حمل لواء الإسلام و حمل رسالته، ولا شك ان الغرب يحاول أن يستغل بعض هنات في الواقع المعاصر للمرأة المسلمة من أجل أن يدمر الحياة الإسلامية جميعها، و يحضرني في هذا المجال كلمة لبرنارد لويس أكبر مستشرق صهيوني مقيم في أمريكا و هو الذي يغذي إدارة المحافظين الجدد بكل التوجيهات السامة في محاربة المسلمين بعد 11 سبتمبر 2001، و هو من المقربين من الرئيس الأمريكي جورج بوش، ذكر في نهاية دراسة عن الشرق الأوسط بأن الغرب يراهن على تغيير الشرق الأوسط باتجاه الأمركة على ثلاث عوامل هي: “تركيا و إسرائيل و المرأة”.

لذلك فأعتقد أن المرأة المسلمة ستخيب ظن برنارد لويس وغيره، وستقلب الطاولة في وجه المحافظين الجدد، وتزداد تمسكا بإسلامها ووعيا لقضاياه، وارتباطا بقيمه وأخلاقه، كما قلبت المرأة الطاولة في بداية الصحوة الإسلامية في سبعينات القرن الماضي بعد قرن كامل من محاولات نزع حجابها ودعوتها إلى السفور التي بدأها قاسم أمين، والتي انتهت بالعودة إلى الحجاب بشكل أربك أقلام دعاة تحرير المرأة، وأرتج ألسنتهم.

أما عن كيفية مجابهة المحاولات الرامية إلى تمييع شخصية المرأة المسلمة و تذويبها ليفرغ إسلام الجيل من مضمون الصواب الإسلامي و الحق الإسلامي فيمكن أن تتحقق بأن ننبه المرأة إلى أن تحرير المرأة المسلمة دعوى باطلة ، لأنها لا تستند إلى أصل حقيقي في واقعنا الاجتماعي ، وهو تسقط ظروف المرأة الغربية على ظروف المرأة المسلمة و هو إسقاط خاطئ ، لذلك فإن دعوى تحرير المرأة المسلمة بمثل ما تحررت به المرأة الغربية دعوى غير صحيحة ، لأن المرأة الغربية انطلقت دعوى تحررها في بداية النهضة الأوربية، و جاءت تلك الدعوى بعد أن كان مفهوما ” المقدس و المدنس” هما اللذان يسودان الحياة الغربية، فكان المقدس هو الله و الآخرة و الكنيسة والعبادة الخ…. و كان المدنس هو المرأة و الدنيا و الشهوة و اللذة والزواج والعمل الدنيوي الخ….، و كان الطريق للانتقال من المدنس إلى المقدس هي الرهبنة، و لما كانت الرهبنة مناقضة للفطرة، و أن تلبية الشهوات أصل في إعمار الأرض، ثارت أوربا على هذا الوضع و جاءت النهضة لا لتوازن الأمور وتعطي الدنيا حقها، وترد للمرأة كرامتها و إنسانيتها وحقوقها، بل لتنطلق إلى خطأ آخر، فأصبح المقدس مدنسا، و المدنس مقدسا، بمعنى أن كل ما يتعلق بالله و الآخرة خرافة و أساطير و أوهام يجب أن لا يقوم لها أي اعتبار، و أن كل ما يتعلق بالمرأة و الدنيا و اللذة و الشهوة مقدس و له كل اعتبار، و بهذا انتقلت أوروبا من النقيض إلى النقيض. في حين أن الوضع يختلف عندنا فالمرأة في صلب التشريع الإسلامي معترف بكرامتها وإنسانيتها وحقوقها الاقتصادية والمالية ومكانتها الاجتماعية ودورها الحياتي الخ …. لكن الذي حدث في المجتمع الإسلامي هو تجاوز على بعض ما قرر لها، وعلى بعض ما وضع من حقوق لها، فالمسألة لا تتعدى ضرورة العودة إلى هذه الحقوق وإلى هذه التشريعات في مجال الزواج والطلاق والمهر والميراث إلخ…..

بمثل هذا الوعي لقضية وضع المرأة المسلمة ووضع المرأة الغربية، والفرق بينهما هو الذي يجعلنا نضع القضية في نصابها، ويفوت على دعاة تحرير المرأة دعوتهم إلى أمور ليس لها ارتباط بمشكلتها، ولا بقضايا امتنا.

  1. كيف نشرح للناشئة سبب العداء للنبي وخلفيات هذه الإساءة، وكيف نوجد في نفوسهم ردّة فعل عكسية تشكِّل شخصياتهم وتجعلهم أكثر حبّاً لرسولنا الحبيب وحرصاً على تطبيق سُنته صلى الله عليه وسلم؟

جواب السؤال السابع:

إن السبب في عداء الغرب للنبي صلى الله عليه وسلم مرتبط بالعقل الجمعي في الغرب، وبالمخيال الجماعي عند الغربيين، فما صورة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الغربيين؟ وما نظرتهم إلى المسلمين؟ وما نظرتهم إلى الثقافة الإسلامية؟

ينظر معظم الغربيين إلى المسلمين نظرة سوداء، ويحقدون عليهم، ويكرهونهم، ويعتبرونهم متوحّشين، وينظرون إليهم نظرة دونية، وكذلك ينظرون إلى الرسولصلى الله عليه وسلم في نفس السياق، ويعتبرون -أيضاً- أنّ الحضارة الإسلامية حضارة ناقلة للتراث اليوناني فقط، ولم تبدع شيئاً، وهذا الأمر راسخ في عقلهم ومخيالهم الجمعيين، وقد جاءت هذه الصورة بسبب الاستشراق، وهو العلم الذي أفرزته الحضارة الغربية بعد الحروب الصليبية من أجل معرفة الشرق، ومن ثم نقلها إلى الإنسان الغربي، وهو ليس علماً محايداً، بل يقوم بشكل مسبق على الحقد والاستخفاف والاستهزاء بالمسلمين، وبدينهم، وبقِيَمِهم، وبنبيّهم، وقد أشار إلى ذلك كاتبان مبدعان هما: محمود محمد شاكر في دراسة له تحت عنوان “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”، وإدوارد سعيد في كتاب “الاستشراق”، مع أنّ مرجعيتهما العقائدية والفكرية والثقافية مختلفة ،فالأول :ذو مرجعية إسلامية ، والثاني : مرجعية علمانية ، إلا أنهما اتفقا على توصيف علم الاستشراق بأنه العلم الذي يتعرّف به الغربي -كل غربي- على الإسلام ونبيّه، وعلى المسلمين وحضارتهم، وعلى كل ما يتعلّق بالعالم الإسلامي من خلال قنوات الاستشراق وطروحاته وآرائه، ولا سبيل له غير ذلك، وهو معاد بشكل مسبق لكل ما هو إسلامي، ولا يقدّم الحقيقة بل يقدّم تشويهاً متعمّداً لكل ما هو إسلامي، وقد وضّحا ذلك في كتابيهما، وهناك تفصيلات كثيرة لا يتسع المقام هنا لنقلها، بل يمكن الرجوع إليها في مظانها لمن أراد الاستزادة، لذلك أعتبر كل من يريد أن يفهم الغرب فهما صحيحا عليه أن يدرس هذين الكتابين في البداية ، وأن كل من لم يدرس هذين الكتابين سيكون فهمه وإدراكه للغرب ناقصا.

هذه هي حقيقة تصور الغرب للحضارة الإسلامية، وهذه هي حقيقة نظرتهم إلى الرسول والإسلام والمسلمين، وهي مبرمجة، لذلك فإن الرد على الإساءات يجب أن تأخذ هذه الحقائق التي أشرنا إليها سابقا بعين الاعتبار، وهي ما لم يفعله المنتصرون للنبي صلى الله عليه وسلم. لهذا لم تفلح المعالجة الأولى لقضية الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.

 لذلك علينا في المعالجة العميقة والجذرية لقضية إساءات الغرب للرسول صلى الله عليه وسلم أن نفهم العناصر التي تقوم عليها ثقافة الغرب وعقله ومخياله الجمعيان وهو ما وضحت منه جانبا في كلامي السابق.

أما عن الكيفية التي نجعل الناشئة أكثر حبا للرسول صلى الله عليه وسلم وأكثر حرصا على سنته صلى الله عليه وسلم ، وأكثر اقتداء به فيكون ذلك بأن نقدم شخصيته كما عرضها القرآن الكريم والسنة من خلال ثلاث مواصفات:

المواصفة الأولى: إنه الرسول الأفضل صلى الله عليه وسلم.

لذلك علينا أن نقدم الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه أفضل رسول أرسله الله إلى البشرية ، وهو سيدهم ، وقد جاء بالرسالة الخاتمة التي من يكون بعدها وحي للبشر ، فمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وقد قال تعالى: “مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا”(الأحزاب ، 40 ) حمل معه المعجزة الخالدة والباقية إلى قيام الساعة و هي القرآن الكريم ، فقال تعالى : ” إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون” وقد أرسله الله رحمة لكل موجودات الكون من إنس و جن وجماد فقال تعالى: ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مفضل على الأنبياء في عدة أمور فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :” فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغانم ، وجعلت لي الأرض طهورا و مسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون”.(رواه مسلم)

المواصفة الثانية: إنه الإنسان الأكمل صلى الله عليه وسلم .

جعل الله الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أكمل إنسان على وجه الوجود، وجعله المثال الأعلى للبشرية في العبادة والكرم والشجاعة والقضاء والأبوة والصداقة والقيادة والخطابة والمقاتلة والحديث والبيان والزواج إلخ…….

فقال تعالى: ” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ “(القلم ، 4) لذلك دعانا الله تعالى إلى التأسي به فقال تعالى: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”(الأحزاب ، 21) كذلك دعانا الله إلى الاقتداء به وبسنته الشريفة فقال تعالى: ” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ” (الحشر، 7)

المواصفة الثالثة: إنه الرسول الأحرص على الأمة صلى الله عليه وسلم.

لقد اتصف الرسول بحرصه على أمته الإسلامية في كل شؤونها ، قال تعالى : ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ “(التوبة، 128) لذلك كلم الرسول صلى الله عليه وسلم ربه عدة مرات في المعراج من أجل أن يخفف الله عن أمته عدد الصلوات فقد قال ابن حزم وأنس بن مالك – رضي الله عنهما- قال النبي (ص) : ” فرض الله علي خمسين صلاة ، فرجعت بذلك حتى أمر بموسى ، فقال موسى : ما الذي فرض على أمتك ؟ قال: فرض على عليهم خمسين صلاة ، فقال فراجع ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فرجعت ، فراجعت ربي ، فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى : راجع ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت فراجعت ربي فقال : هي خمس و هي خمسون ، لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال : راجع ربك ، فقلت : استحييت من ربي”.(رواه البخاري)

وكذلك عند عندما ضحى الرسول صلى الله عليه وسلمعن ذاته وعن آله لم ينس أمته، فأخبرنا: “عن عروة بن الزبير عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحى به فقال: لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به”. (رواه أبو داوود)

ومما يوضح حرصه على أمته مخاطبة جبريل عليه السلام بشأن تنزيل القرآن فقد نقل أبي بن كعب قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: ” يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ قط ” قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف”. (رواه الترمذي)

اترك رد