tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

عن الحرية والأحرار: العراق نموذجاً

لا شك أنّ الاستبداد مشكلة كبيرة تواجه أمّتنا على مدار القرنين الماضيين، ولكنْ هل الاستبداد مشكلة خارجية أم مشكلة داخلية؟ هل هو واقع موضوعي خارجي؟ أم مشكلة ذاتية داخل الإنسان؟ هل يكفي أن تعطي الدولة الحريات للأفراد، وتمنحهم حق التعبير وحقّ التصويت وحقّ إصدار الصحف ليصبح الأفراد أحراراً؟ هل يكفي ذلك؟ أم لابدّ إلى جانب ذلك من تنشئة الأفراد على تحمّل المسؤولية، وامتلاء الذات، وحبّ الحرية، والنفور من العبودية، وتخليصهم من أمراض السلبيّة وعدم الفاعلية إلخ…

        ليس من شكّ بأن الاستبداد هو الأمران معاً: ظروف خارجية تكبّل يدي الإنسان وقدميه وتغلق فمه، وحالة نفسية تشلّ إرادته وعقله وتدعوه إلى الاستمتاع بالقيد إلخ…، ويؤكّد ذلك ما حدث مع العبيد في أمريكا، فبعد أن حرّرهم ابراهام لنكولن، ثاروا على محرّريهم وطلبوا العودة إلى حالة العبودية، لأنّ حياتهم في نطاق العبودية أسهل لهم وأيسر عليهم منها في نطاق الحرية، وهذا يدلّنا على أنّ تغيير الظرف الخارجي لا يكفي وحده لتتحقّق الحرية للإنسان، بل لابدّ من تحرير النفسية الداخلية للإنسان ليكون مؤهّلاً للاستمتاع بالحرية والتصرّف كحرّ مستقلّ.

        برزت مشاريع للنهضة في منطقتنا العربية بعد الحرب العالمية الأولى تدعو إلى تحرير المجتمع والإنسان، وإنهاء الاستبداد من حياة المواطنين، وتجسّدت تلك المشاريع في أنظمة ديمقراطية بكل معنى الكلمة، ويمكن أن نمثّل على ذلك بما حدث في العراق وفي مصر، فقد أقرّت الدولة العراقية بعد ثورة العشرين في العراق بحقوق الحريّات الفرديّة، وإنشاء الأحزاب، وإصدار الصحف، واختيار النوّاب إلخ…، وأقامت نظاماً ملكيّاً دستوريّاً، وجعلت الوزارة محاسَبَة من قِبَل البرلمان، واعتمدت نظام الحرية الاقتصادية إلخ…، والمستغرَب أنّ كل هذه الإنجازات والأنظمة أزيلت بسهولة في الستينات، وحلّ مكانها نظام ديكتاتوري بقيادة صدّام حسين، فما السبب في ذلك؟ لاشكّ أنّ هناك عدّة أسباب ولكنّ أبرزها هو أنّ النظام الديمقراطي للعراق كان نظاماً للحرية بدون أحرار، فكان لابدّ من أجل بناء الأحرار من خطوتين: الأولى: معالجة الأمراض الموروثة والتي تؤسّس للاستبداد في البناء النفسي للفرد. الثانية: رسم خطوات من أجل بناء نفسي لفرد حرّ. وفي الحالتين لابدّ من الرجوع إلى الإسلام لأنه من أهم الموارد الثقافية التي تبني الفرد إنْ لم يكن أهمّها على الإطلاق في محيط الأمّة، لكنّنا نجد أنّ الدولة العراقية لم تقم بأيّ من الخطوتين بسبب ايديولوجيا القومية العربية التي رسّخها ساطع الحصري في العراق، والتي استبعدت أيّ دور للدين الإسلامي في إقامة النهضة، مقلّدة أوروبّا في عدائها للكنيسة، متجاهلة الفروق الجذرية بين منهجيّة الإسلام ومنهجيّة الكنيسة. إنّ استبعاد الإسلام هو الذي جعل النهضة في العراق لا تستفيد منه، في معالجة الأمراض الموروثة، ولا تستفيد منه في بناء الأحرار، لذلك تحقّق الشرط الموضوعي والحرية ولم يتحقّق الشرط الذاتي.

        والآن بعد سقوط الديكتاتورية في العراق في التاسع من ابريل “نيسان” عام 2003م، وسعي الجميع إلى بناء مجتمع الحرية يجب الإنتباه إلى الخلل السابق في النهضة، وعدم الاقتصار على بناء نظام للحرة فقط، بل يجب أن نبني نظاماً للحرية مع بناء أفراد أحرار، ولن يكون هذا إلاّ بتجاوز الخطأ السابق في النهضة وهو القفز على الإسلام واستبعاده، لأنه لا يمكن أنْ نبني أفراداً أحراراً دون الاستفادة من حقائقه في معالجة الأمراض الموروثة من الاستبداد من جهة، وفي التأسيس لبناء نفسي لفرد حرّ من جهة ثانية.

اترك رد