tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

المدرسة الإصلاحية وتحديات ما بعد احتلال العراق

منذ أن بداية الاحتكاك بالحضارة الغربية في القرن التاسع عشر ظهرت المدرسة الإصلاحية كإحدى تجليات الوضع الفكري العام للتوفيق بين معطيات الحضارة الغربية والواقع الإسلامي، وكان محمد عبده أحد أبرز أعلام هذه المدرسة، وقد استخدمت هذه المدرسة عدة أدوات لتحقيق هذا التوفيق، أهمها: أداة التأويل لتضييق الفجوة بين الجانب الغيبي في الدين الإسلامي وبين الجانب المادي الحسي في الحضارة الغربية، كما استخدمت أداة الإفتاء بإباحة منجزات الحضارة من مثل إباحة الفوائد الناجمة عن صناديق التوفير، كما أبرزت بعض الأصول الفقهية التي يمكن الاعتماد عليها في استيعاب كثير من معطيات الحضارة الغربية من مثل أصل المصلحة المرسلة، كما استندت إلى علم مقاصد الشريعة الذي تبلور في كتاب الشاطبي “الموافقات” حيث نشره محمد عبده وتلاميذه، كما حثت على الاستفادة من كلام ابن القيم الجوزية عن المصلحة والعدل في كتابيه “إعلام الموقّعين” و”الطرق الحكمية”.
وقد استمرت هذه المدرسة الإصلاحية تؤدي دورها من خلال التوفيق بين معطيات الحضارة الغربية والموروث الإسلامي خلال القرن الماضي كله، فاعتبرت الديمقراطية هي الشورى التي أشار لها القرآن الكريم، وأوجبها الدين الإسلامي، واتصفت المدرسة الإصلاحية التوفيقية في بداية تكوّنها على يد محمد عبده بالنخبوية، لكنها تحوّلت منذ رشيد رضا إلى مدرسة جماهيرية على يد دعاة في مختلف البلاد العربية والإسلامية، منهم: حسن البنا، وعبد الحميد بن باديس، سعيد النورسي إلخ…
شهدت هذه المدرسة تحدياً من الليبرالية الغربية عندما نقل كمال أتاتورك التغريب إلى كل مجالات الحياة التركية بعد إلغائه الخلافة عام 1926م، وظهر ذلك في خطوات كإلغاء الحجاب، وتعميم اللباس الغربي، وتغيير أحرف كتابة اللغة التركية من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني، وفرض التشريعات الغربية في نطاق الأسرة والسياسة
والاقتصاد إلخ…، كما مثل طه حسين الصوت الأعلى في الدعوة إلى التغريب في النطاق العربي عندما دعا في كتاب “مستقبل الثقافة” إلى نقل الحضارة الغربية بشكل كامل وفي كل المجالات، ثم جاء الماركسيون العرب في الستينات ليشكّلوا تحدياً من نوع جديد للمدرسة الإصلاحية عندما دعوا إلى استئصال الدين واستبعاده، واعتبروه عقبة في وجه التطور والتحديث، لكن المدرسة الإصلاحية تجاوزت كل تلك العقبات: الليبرالية والماركسية، حيث جاءت الصحوة الإسلامية في السبعينات ذروة التعبير عن ذلك التجاوز.
جاء احتلال العراق في 9 إبريل/نيسان 2003م وما حمله من تطوّرات ومضاعفات ليشكّل تحدّياً جديداً للمدرسة الإصلاحية، ولكن في فرعها العراقي الذي يمكن أن نعتبر حزبين من الأحزاب المشاركة في مجلس الحكم ممثّلة لها، هما:
الأول: حزب الدعوة بانقساماته المختلفة، وأبرز ممثّليه في مجلس الحكم “ابراهيم الجعفري، موفّق الربيعي” وهو من الإطار الشيعي.
الثاني: الحزب الإسلامي وهو منبثق عن الإخوان المسلمين العراقيين، ويمثّله في مجلس الحكم “محسن عبد الحميد” وهو من الإطار السني.
ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تتجه إلى إحداث تغيير نوعي في البلاد العربية مبتدئة بالعراق، يشمل كل المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والفكرية والتربوية إلخ…، ويكون محوره إدخال العلمانية والحداثة والتغريب في بنيتها الاجتماعية العقلية والنفسية إلخ…
لم تتطوّر المدرسة الإصلاحية منذ زمن محمد عبده ولم تستحدث أية أدوات لاستيعاب المعطيات الجديدة للحضارة الغربية غير الأدوات التي ذكرناها في مطلع المقال وهما: التأويل، والمصالح المرسلة. فهل يكون العراق ساحة لتفاعل جديد؟ وهل يمكن أن يبتكر الفرع العراقي للمدرسة الإصلاحية أدوات جديدة تطوّر بناء المدرسة وأدواتها؟

رد عمار علي حسن على المقال رداً على غازي التوبة . مدرسة الإصلاح العربي لا تقتصر على “الإسلاميين”

رد الشيخ غازي التوبة على عمار علي حسن المدرسة الإصلاحية غير الإصلاح العربي

 

اترك رد