tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

إسقاط الأوهام عن العلاقة بين العروبة والإسلام

نقد مقال تحت عنوان “حول محاربة الفكر القومي” لشبلي العيسمي

نشرت الحياة مقالاً تحت عنوان “حول محاربة الفكر القومي” للكاتب شبلي العيسمي في يومين متتاليين هما 19 و 20 من نيسان (ابريل) 2005م، تحدّث فيه عن عدّة أمور منها: قضايا الوحدة، ومفهوم القومية العربية، والعلاقة بين العروبة والإسلام، وإمكانية تعدّد الحب والولاء للقوم والوطن والأسرة إلخ…، وسأتناول في مقالي هذا بعض النقاط التي تحدّث عنها شبلي العيسمي، ولا أردّ عليه من موقع المعادي للوحدة، بل على العكس فأنا مؤمن بأن الوحدة خير للأمّة، وهي حلّ لكثير من مشاكلها التي تعاني منها، وأنه لا سبيل إلى تحقّق القوة والمنعة والعزّة إلا بقيامها.

        في بداية مقالي أستشعر الحزن لأنه مضى أكثر من مائة سنة في الحديث عن العروبة بشكل عام، وعن العلاقة بين العروبة والإسلام بشكل خاص، ومازال الكلام في جوانب كثيرة منه غير موضوعي وغير علمي ويكتنفه الكثير من الغموض والأوهام والأماني. وهناك عدّة أمثلة في مقال العيسمي، منها: اعتباره أنّ القومية في أوضح التعريفات وأبسطها حبّ القوم، وهذا الكلام غير دقيق فالقومية العربية مفهوم حديث يرجع إلى منتصف القرن التاسع عشر ونهايته، وهي ترجمة للكلمة “nationalism” والتي تعني “الأمّيّة” نسبة إلى الأمّة، لكنّ العرب ترجموها إلى “القومية” نسبة إلى “القوم” هروباً من معاني “الأمّيّة” التي تعني جهل القراءة والكتابة وتعني عدم الثقافة والتعلم، أمّا اعتبار القومية قديمة وربطها بوجود الأمّة العربية قبل الإسلام فهذا صحيح إذا كانت الأمّة العربية موجودة قبل الإسلام، لكنه من المؤكّد أنّ الأمّة العربية غير موجودة قبل الإسلام، وهي غير موجودة بعد الإسلام بالمعنى القومي الذي يعتبر أنّ الأمّة تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، فالأمّة الموجودة بعد الإسلام تقوم على عامل الدين. والمتفائل من القوميين جعل انتهاء تكوين الأمة العربية بالمعنى القومي في العهد المملوكي وما بعده ومن القائلين بهذا الرأي عصمت سيف الدولة وعبد العزيز الدوري.

        أمّا الإبهام والأوهام والخلط في الحديث عن العروبة فيتضح أكثر عند الحديث عن العلاقة بين العروبة والإسلام، وقبل أن أناقش ما قاله العيسمي يجب أن نحدّد ما الذي تعنيه العروبة وعند العودة إلى مراجع التراث ومن ضمنها لسان العرب، نجد أنّ العَروبة بالفتح تعني يوم الجمعة، والعُروبة بالضمّ تعني أمرين: اللغة والنسب العربي، وقد أقرّ الإسلام والمسلمون بهذين الأمرين على مدار التاريخ، فكانا محطّ اهتمام واحترام، فاهتمّوا باللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم ولغة العبادات ولغة مناجاة الربّ سبحانه وتعالى، واهتمّوا بالعرب، فكان العرب مخيّرين بين دخول الإسلام أو القتال في حين أنّ الشعوب الأخرى كانت مخيّرة بين ثلاثة أمور: الإسلام أو القتال أو الجزية.

        لذلك فإنّ أيّ حديث عن العلاقة بين العروبة والإسلام خارج هذين الأمرين: اللغة والنسب، كلام غير علمي وغير موضوعي ويدخل ضمن دائرة الأوهام والخلط والأماني، والمثال الأول على ذلك قول العيسمي: “وهذا من السهل على أيّ عربي أن يجد العروبة في قراءته للقرآن وفي الصلاة والحجّ والأذان والفقه فضلاً عن الحضارة والتراث والتاريخ”. والسؤال الآن: ما العروبة التي يجدها العربي في كل الأمور السابقة؟ يجد العربي شيئاً واحداً هو اللغة العربية، ما عدا ذلك فكلّها أمور جديدة على الواقع العربي، صاغها الإسلام بقِيَمه ومبادئه وتصوّراته وأفكاره صياغة جديدة فكان ذلك التراث والحضارة ذات السمات الخاصة، فلو أخذنا الصلاة مثالاً مفصّلاً على ذلك، فإنها تستند إلى الإيمان بالله الذي ليس كمثله شيء والذي لا يحلّ في شيء ولا يتّحد به شيء والذي يبصر كل شيء إلخ…، وفيها الطهارة على نحو خاص في البدن والثوب والمكان، وفيها تعظيم الله الواحد الأحد في القيام و الركوع والسجود على نحو خاص، وفيها الدعاء إلى الله الذي يسمع السرّ وأخفى، وفيها توجيه الرجاء إلى الجنة المتزينة للطائعين، وفيها توجيه الخوف من النار المشتعلة بانتظار الكافرين إلخ… أين يجد العربي في العروبة ما في الصلاة من حركات وإشارات ومعان وهيئات وأفعال؟ ألا يعتبر هذا تحميلاً للعروبة أكثر مما تحتمل مما ليس فيها؟ والمثال الثاني على الكلام غير العلمي والموضوعي عن العلاقة بين العروبة والإسلام نجده في تشبيه العيسمي صلة العروبة بالإسلام بصلة الأرض بالشجرة، فكيف يمكن أن تكون شجرة الإسلام ناتجة عن أرض العروبة وهو قد جاء بكل ما يناقض ويخالف ذلك الواقع ويؤسس لواقع جديد؟ فأرض العروبة كانت تقوم على العصبية القبلية والشرك ووأد البنات والربا والاحتراب والسلب والترحّل إلخ…

فأقامها الإسلام على الأخوة الإيمانية والتوحيد وتحريم الوأد والربا وعصمة الدماء والأموال وتحريم الترحّل إلخ… إنّ مثل هذه التصوّرات في الربط بين العروبة والإسلام هي التي جعلت بعض القوميين العرب يتوهّمون أنّ باستطاعتهم اجتراح رسالة جديدة للكون كما اجترح العرب الرسالة المحمدية قديماً، وجاء شعار حزب البعث “أمّة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة” تعبيراً صارخاً عن هذا الوهم، وكنت أتمنّى على الكاتب شبلي العيسمي أن يتبرّأ من الاقتراب من مثل هذا الطرح لأنّ الواقع قد أسقط هذه الأوهام وكذّبها، فلم تستطيع القيادات القومية العربية خلال القرن الماضي، وهي التي حكمت معظم البلاد العربية، وطبّقت برامجها القومية في الجزائر وليبيا ومصر واليمن وسورية والأردن بشكل مباشر وفي معظم البلاد العربية بشكل غير مباشر، لم تستطع تلك القيادات أن تحقّق النهضة وتنقذ الأمّة من التردّي، وتوقف السقوط، فكيف باجتراح رسالة كونية جديدة؟!

        أرجع العيسمي عدم قيام الوحدة العربية إلى النـزعة القطرية وإلى رغبة الاستعمار في التفريق بين فئات الأمّة من أجل تحقيق مصالحه الخاصة، لكنّ هذا التشخيص لا يملك الحقيقة كاملة إنما هو يصوّر جانباً منها، أمّا الجانب الآخر من الحقيقة فهي أنّ القوميين لهم دورهم الكبير في عدم تحقّق الوحدة بسبب ممارساتهم القائمة على إضعاف العامل الرئيسي في بناء الأمّة وهو عامل الوحدة الثقافية، وذلك بسبب موقفهم من الدين الإسلامي الباني لهذه الوحدة الثقافية، هذا الموقف يتراوح بين التنكّر للدين والمعاداة ومحاولة الاستئصال، لا لشيء حقيقي، وإنما لأنّ القومية في أوروبا قامت على ذلك، وفعلت ذلك.

        أظنّ أننا نستطيع -الآن- أن نضع يدنا على سبب رئيسي لعدم نهوضنا، ولمعرفة سبب سقوط العراق المذهل وغير الطبيعي خلال عشرين يوماً من الغزو الأمريكي، وهو أنّ القيادات القومية العربية خلال القرن الماضي كانت تتعامل مع مفهوم العروبة لتحميله المعاني التي لا يحتملها، وتتعامل مع العلاقة بين العروبة والإسلام بالأوهام والخلط والأماني وليس بالطريقة العلمية الموضوعية التي تقتضي وعي الحقائق على أرض الواقع.

رابط المقالين للكاتب شبلي العيسمي

https://www.sauress.com/alhayat/31249436

https://www.sauress.com/alhayat/31249681

اترك رد