tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

إنسانية الإسلام وعالميته

لقد خلق الله سبحانه وتعالى آلاف المخلوقات لكن الانسان كان أكرمها فقال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء، 70) لذلك يعتبر الإسلام الانسان أكرم المخلوقات، لذلك أسجد الله له الملائكة، فقال تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ” (الأعراف، 11).

ومما يجدر الانتباه إليه أن هذا التكريم للانسان، وإسجاد الملائكة له جعل علماءنا يستقرؤون الشريعة التي نزلت في القرآن والسنة، فوجدوا أن كل ما أنزله الله على رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- من أوامر ونواه وتحليل وتحريم وآداب وأخلاق ومبادئ وقيم يدور حول خمسة مقاصد، هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.

ولو تأملنا هذه المقاصد لوجدناها أهم العوامل التي تحقق إنسانية الإنسان، وتحقق حياته البشرية بشكل سليم، فهي تدور حول حياته وماله وعقله ونسله وهذا يدل على أن الإسلام دين الإنسانية، فلن تجد نظامًا ولا أمة ولا دولة جعلت مدار وجودها وحياتها على هذه الأمور التي تقيم الحياة الإنسانية.

وحتى المعاني الجديدة التي طرأت في حياتنا المعاصرة والتي جاءت إلينا من الحضارة الغربية نجدها داخلة تحت مقصد من المقاصد الخمسة السابقة. فلو أخذنا شعارات: حق الحرية، وحق الحياة، وحق التنقل، وحق إبداء الرأي إلخ …، لوجدناها تحت مقصد حفظ النفس، وقس على ذلك كل المعاني الأخرى.

لذلك نستطيع أن نؤكد أن ما طرحه الإسلام من تعليمات ومبادئ وقيم وأخلاق إنما هي لبناء الحياة الإنسانية خير بناء، وإن إنسانية الدين الإسلامي حقيقة مقررة وقائمة من خلال ماطرحته آيات القرآن الكريم والسنة المشرفة.

كما كان الإسلام دينًا إنسانيًا كذلك هو دين عالمي، وقد تحقق أفق العالمية في التاريخ، لأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بُعِث إلى الناس كافة وليس للعرب وحدهم، قال سبحانه وتعالى: “وما أرسلناكَ إلا رَحمةً للعالمين”(الأنبياء،107)، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: “وما أرسلناك إلا كافَةً للناسِ بشيراً ونذيراً” (سبأ،28)، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: “قُلْ يا أَيُّها الناسُ إني رَسولُ اللهِ إليكم جَميعاً” (الأعراف،158). وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في أحد أحاديثه فقال: “فُضّلت على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وأُحلّت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بي النبيون” (رواه مسلم).

وقد تحقق أفق العالمية لأنّ القرآن الكريم كتاب الله إلى الناس جميعاً فقال سبحانه وتعالى: (إنْ هو إلا ذِكْرٌ للعالمينَ) [ص:87]، ولأنّ الإسلام أقام الرابطة بين الناس على أساس الإيمان بالله ولم يقمها على جنس أو نسب أو قبيلة فقال سبحانه وتعالى: “إنما المؤمنونَ إخوةٌ” [الحجرات:10]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس إنّ أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى”.

لذلك مزجت الأمة الإسلامية مختلف الأجناس والأعراق والقبائل والشعوب في بوتقتها، وهذا المزج هو ما حلم به الفيلسوف أرسطو وتلميذه القائد العسكري اسكندر المقدوني، وسعى إلى تحقيقه بمزج العرقين: اليوناني والفارسي في بابل من خلال زواج اسكندر المقدوني بابنة كسرى ملك الفرس، وزواج كبار ضباطه بشريفات الأسر الفارسية، لكن هذه المحاولة انتهت بوفاة الاسكندر المقدوني، ولم يتحقق أفق العالمية كما أراد أرسطو.

وقد أثمرت عالمية الإسلام حضارة عالمية كان للعرب دور بارز في بداية ظهور الإسلام ولفترة وجيزة، لكن الشعوب الأخرى شاركتهم بعد ذلك في كل عناصرها العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية…الخ، لذلك نجد أنّ الصرح العلمي في الحضارة الإسلامية بناه علماء من العرب والفرس والهنود…الخ، وأنّ الأرض الإسلامية دافعت عنها قبائل وأسر سلجوقية وزنكية وكردية وتركمانية وشركسية وعثمانية…الخ، وأنّ القيادة السياسية تسلمها العرب والبربر والترك والفرس…الخ.

ومما ساعد في تحقيق هذه الحضارة العالمية اعتبار الإسلام الأمة الإسلامية مع أمم الأنبياء السابقين أمة واحدة فقال سبحانه وتعالى: “وإنَّ هذه أُمَّتُكُم أُمَّةً واحِدَةً وأنا رَبُّكُم فاتَّقونِ” (المؤمنون،52)، وقال سبحانه وتعالى: “إنَّ هذه أُمَّتُكُم أُمَّةً واحِدةً وأنا رَبُّكُم فاعْبُدونِ” (الأنبياء،92)، وقد جاء الوصف بالأمة الواحدة في السورتين بعد حديث تفصيلي عن معظم الأنبياء السابقين ومنهم: موسى، وهارون، وإبراهيم، ولوط، وإسحاق، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذو الكفل، وذو النون، وزكريا، ويحيى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام.

ومما عزز هذه العالمية إفراد مساحة تشريعية خاصة في التعامل مع أهل الكتاب: أتباع موسى وعيسى عليهما السلام؛ إذ أباح الإسلام أكل ذبائحهم والزواج من نسائهم فقال سبحانه وتعالى: “وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (سورة المائدة: من الآية 5.

إن الإسلام دين إنسانية وعالمي ولقد تحققت إنسانية الإسلام وعالميته في الواقع التاريخي ولقد بلغت هذه الإنسانية والعالمية آفاقًا لم تعرفها الحضارات الأخرى وهي جديرة بأن تكون محل بحث تفصيلي لكي نحسن فهم واقعنا، ونحسن التعامل معه حاضرًا ومستقبلاً.

اترك رد